بعد مرور 50 عامًا.. كيف قلبت أول قمة لدول أوبك موازين القوى؟
وحدة أبحاث الطاقة - مي مجدي

في مارس/آذار 1975، حين التأمت أول قمة لدول أوبك في الجزائر، لم يكن المشهد مجرد طاولة مستديرة يلتف حولها القادة، بل كان بمثابة إعلان مدوٍّ لدخول الدول المنتجة للنفط مرحلة جديدة من الوعي بحقوقها السيادية على مواردها.
في تلك الأيام، كان العالم يموج بأزمات متلاحقة، والتفاوت بين الدول الغنية والنامية بلغ ذروته، بينما كانت الدول النفطية تخوض معركة مزدوجة: الدفاع عن حقوقها السيادية، والمطالبة بنظام اقتصادي أكثر عدالة.
ومن قلب هذا المخاض العسير، خرجت القمة بإعلان حاسم، أن الموارد الطبيعية حق أصيل لأصحابها، وسلاح تنموي يجب أن يُستعمل لصالح الشعوب التي تملكه، إلى جانب التركيز على قضايا الفقر والبيئة.
وكانت أول قمة لدول أوبك، في المدّة من 4 إلى 6 مارس/آذار 1975، حجر الأساس لمرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد العالمي، وتُوِّجت بإنشاء صندوق أوبك للتنمية الدولية عام 1976، لتكون خطوة عملية لترجمة مبادئ التضامن الاقتصادي بين الدول النامية.
وبعد مرور 50 عامًا، ما تزال أصداء قمة الجزائر تتردد، وما تزال قراراتها تلقي بظلالها على سياسات الطاقة العالمية.
وفي السطور التالية تحتفي وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) بالذكرى الـ50 لأول قمة لقادة الدول الأعضاء في أوبك، وأبرز قراراتها.
ذكرى أول قمة لدول أوبك
منذ تأسيس منظمة أوبك في 14 سبتمبر/أيلول 1960، لم يُعقد مؤتمر القمة لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء سوى 3 مرات:
- القمة الأولى في الجزائر عام 1975.
- القمة الثانية في كاراكاس، فنزويلا، عام 2000.
- القمة الثالثة في الرياض، السعودية، عام 2007.
وكانت هذه القمم أشبه بنقاط انعطاف كبرى، خرجت فيها المنظمة من دوامة التقلبات اليومية داخل سوق النفط العالمية إلى أفق أوسع، تُراجع فيه مبادئها وأهدافها، وتعيد ضبط بوصلتها وفق متغيرات العصر.
وتحلّ الذكرى الـ50 للقمّة التاريخية التي شهدتها الجزائر عام 1975 يوم 4 مارس/آذار، إذ اجتمع ملوك ورؤساء الدول الأعضاء بدعوة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، على مدار 3 أيام، لتسطير قرارات شكّلت نقطة تحول في إدارة الموارد الطبيعية، ورسمت ملامح جديدة للتعاون بين الدول.
وكانت النتيجة الأبرز لهذه القمة اعتماد "الإعلان الرسمي الأول لمنظمة أوبك"، كما كانت نقطة انطلاق "الصندوق الخاص لأوبك"، قبل أن يتغيّر اسمه لاحقًا إلى "صندوق أوبك للتنمية الدولية"، الذي أدى دورًا محوريًا بتمويل مشروعات تنموية في أكثر من 134 دولة، ودعم مجالات رئيسة مثل الطاقة، والنقل، والزراعة، والمياه والصرف الصحي، والصحة، والتعليم.
ويعرض الفيديو التالي مقتطفات من قمة الجزائر عام 1975:
أبرز قرارات أول قمة لدول أوبك
في أول قمة لدول أوبك، أعلن قادة الدول بوضوح أن الدفاع عن حقوق شعوبهم في امتلاك ثرواتهم هو التزام لا يقبل المساومة، وأن التضامن بين البلدان يعدّ ضرورة حتمية لإرساء نظام اقتصادي عالمي جديد.
ومع اتّساع الفجوة بين الدول الغنية والنامية نتيجة استنزاف موارد الأخيرة، رفض قادة أوبك اتهام أسعار النفط بأنها السبب في زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، مؤكدين أن جذور الأزمة تكمن في السياسات غير المنضبطة للدول الصناعية وإفراطها في الاستهلاك وإهدار الموارد.
بالإضافة إلى ذلك، وقفت أول قمة لدول أوبك في مواجهة حملات دعائية تتهم المنظمة بتقويض اقتصادات الدول المتقدمة، ما يُسبِّب توترات تعوق التعاون الدولي، وأكدت التضامن بين الدول الأعضاء واستعدادها لاتخاذ إجراءات موحّدة للدفاع عن حقوقها.

كما أكد القادة استعداد دولهم للإسهام في حل الأزمات الاقتصادية العالمية وتعزيز التعاون لتحقيق نظام اقتصادي دولي جديد، عبر تنفيذ مجموعة من الإجراءات الشاملة التي يجب تطبيقها بالكامل لضمان العدالة والكفاءة.
فضلًا عن ذلك، أعلن القادة تضامنهم مع الدول النامية في مواجهة التخلف، والتزامهم بتعزيز التعاون المالي، وتقديم قروض ومنح لدعم تلك الدول، إلى جانب الحدّ من الاعتماد على الدول الصناعية.
وشدّدت أوبك على أهمية الحوار البنّاء بين المنتجين والمستهلكين، كونه مفتاحًا لاستقرار السوق وضمان إمدادات طاقة موثوقة.
وامتدت قرارات أول قمة لدول أوبك إلى كيفية استثمار العائدات النفطية، ومن هذا المنطلق، دعت المنظمة أعضاءها إلى توجيه إيرادات النفط نحو تنويع الاقتصاد وتطوير البنية التحتية.
واليوم، بعد 50 عامًا على أول قمة لدول أوبك، ما تزال أوبك تمضي قُدمًا في مسيرتها، وتحافظ على دورها لاعبًا رئيسًا في ضبط إيقاع سوق النفط، مستلهمة من إرث أرسى دعائمه روّادها الأوائل.
موضوعات متعلقة..
- أمين عام أوبك يكتب للطاقة عن اجتماعات قمة المناخ.. ويُطلق تحذيرات مهمة
- التخلص من تخفيضات أوبك+ الطوعية وتوقعات أسعار النفط.. 6 خبراء يتحدثون
- السعودية و7 دول في أوبك+ تجدد التزامها بعودة التخفيضات الطوعية لإنتاج النفط
اقرأ أيضًا..
- أغنى جزيرة نفط إيرانية.. تضم 5 حقول وتُخزّن 5 ملايين برميل
- احتياطيات النفط والغاز في الدول العربية وحصتها عالميًا (6 رسوم بيانية)
- إصدارات التمويل المستدام قد تتجاوز 1.7 تريليون دولار بقيادة السندات الخضراء