دور السعودية في تحقيق التوازن بين مصالح الطاقة الأميركية والروسية (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- مخزونات الخام الأميركية زادت بمقدار 4.1 مليون برميل في أوائل فبراير الجاري
- رسوم ترمب الجمركية قد تؤدي إلى تضخُّم أسعار النفط المحلية في الولايات المتحدة مؤقتًا
- روسيا تواجه خسائر مالية كبيرة عند انخفاض الأسعار إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل
- إنتاج القطب الشمالي قد يصل إلى 500 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2027
تحمل مبادرة محادثات الطاقة بين روسيا والولايات المتحدة والسعودية، التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤخرًا، تداعيات محتملة مهمة على أسواق النفط العالمية.
وعلى الرغم من أن موسكو تواجه تداعيات العقوبات الغربية، والحرب المستمرة في أوكرانيا، وأسواق الطاقة المتقلبة، تؤكد المبادرة الجهود الإستراتيجية التي تبذلها روسيا لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط العالمية، والحفاظ على نفوذها في استكشاف الموارد بمنطقة القطب الشمالي.
وكان الاجتماع رفيع المستوى في الرياض في 18 فبراير/شباط 2025 أول حوار مباشر بين المسؤولين الأميركيين والروس منذ بدء الحرب، ما يدل على تحوّل محتمل في دبلوماسية الطاقة.
وبالنظر إلى الدور المحوري الذي تؤديه المملكة العربية السعودية في استقرار أسواق النفط العالمية وتركيز الولايات المتحدة على أمن الطاقة، فإن هذه المحادثات قد تعيد تشكيل سلاسل إمدادات النفط والتحالفات الجيوسياسية.
الاعتبارات الجيوسياسية وتداعيات أسعار النفط
استقر خام برنت عند نحو 74.50 دولارًا للبرميل، متأثرًا بالتكهنات بشأن التعاون المحتمل بين الولايات المتحدة وروسيا في مشروعات الطاقة بالقطب الشمالي، حسبما كشف رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي (RDIF)، كيريل دميترييف.
ويمكن للقطب الشمالي، الذي يُقدَّر أنه يحتوي على 13% من النفط غير المكتشف في العالم، أن يعزز الإمدادات على المدى الطويل، ما يحدّ من المخاوف بشأن النقص المحتمل بسبب الاضطراب الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، فإن النظرة المتفائلة يقابلها انخفاض الطلب الصيني، ما أبقى أسعار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) أقل من 71 دولارًا، وارتفاع مخزونات الخام الأميركية، التي زادت بمقدار 4.1 مليون برميل في أوائل فبراير/شباط الجاري.
وإذا أدت مفاوضات الرياض إلى تخفيف تدريجي للقيود الأميركية على صادرات النفط الروسية، فقد تدخل 0.5 إلى 1 مليون برميل إضافي يوميًا إلى الأسواق العالمية بحلول أواخر عام 2025، ما يزيد الفائض المتوقع من 950 ألف برميل يوميًا إلى 1.4 مليون برميل يوميًا.
من جهتها، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تؤدي مثل هذه التطورات إلى استمرار الضغوط الهبوطية على أسعار النفط العالمية.
التقلبات في أسواق الطاقة
أدت الرسوم الجمركية التي اقترحها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على النفط الأجنبي إلى زيادة التقلبات في أسواق الطاقة العالمية.
وفي حالة تنفيذها، فقد تؤدي هذه الرسوم إلى تضخُّم أسعار النفط المحلية في الولايات المتحدة مؤقتًا، إلّا أن خطر التدابير الانتقامية من الدول المتضررة يهدد استقرار التجارة العالمية.
وقد أسفر ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3% سنويًا لشهر يناير/كانون الثاني 2025 عن دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تأخير تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة، ما أدى إلى تعزيز قيمة الدولار وتخفيف تأثير الزيادات الاسمية في أسعار النفط.
وقد يؤدي التفاعل بين أسعار الفائدة المرتفعة المستمرة والنزاعات التجارية المحتملة إلى كبح نمو الطلب على النفط، وتفاقم فائض العرض العالمي.
وبالنظر إلى إشارة الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة في عام 2025، فإن الحفاظ على أسعار الفائدة الفيدرالية المرتفعة قد يحدّ من القدرة الشرائية للمستهلكين، ويزيد من تكاليف الاقتراض، ما يفرض ضغوطًا هبوطية إضافية على أسعار النفط.
التوازن بين مصالح الطاقة الأميركية والروسية
ازداد تحقيق التوازن بين مصالح الطاقة الأميركية والروسية -الذي تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيقه- تعقيدًا.
وعلى الرغم من أن واشنطن تضغط على الرياض للحفاظ على أسعار النفط المنخفضة، فإن روسيا تحتاج إلى أسعار أعلى لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
في هذا الإطار، تزداد عملية اتخاذ القرار الإستراتيجي في المملكة العربية السعودية تعقيدًا بسبب التحديات الداخلية التي يواجهها تحالف أوبك+، خصوصًا تداعيات عدم الامتثال.

وقد تؤدي الزيادة الأحادية في الإنتاج السعودي إلى زعزعة استقرار التحالف، إذ تواجه روسيا خسائر مالية كبيرة عند انخفاض الأسعار إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل.
رغم ذلك، وفّرت المحادثات الثلاثية الأخيرة وسيلة دبلوماسية لإعادة التفاوض على حصص الإنتاج واحتمال تمديد تخفيضات أوبك+ حتى عام 2026، بناءً على القرار المتخذ في ديسمبر/كانون الأول 2024 بتمديد التخفيضات حتى نهاية ذلك العام.
وتسمح الإستراتيجية الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية بإدارة المصالح المتنافسة، مع تعزيز قيادتها داخل أوبك+.
شراكات الطاقة في القطب الشمالي
على الرغم من الأهمية الرمزية لشراكات الطاقة المحتملة بين الولايات المتحدة وروسيا في القطب الشمالي، فإن العقبات اللوجستية والسياسية الكبيرة ما تزال قائمة.
وقد تطلبت الاستثمارات السابقة التي قامت بها شركتا إكسون موبيل وشل ببحر كارا في روسيا أكثر من 10 مليارات دولار من التمويل الأولي ومُدَد طويلة.

وفي إطار تخفيف العقوبات المحتمل، يمكن تسريع الجداول الزمنية للإنتاج، إذ تشير التوقعات إلى أن إنتاج القطب الشمالي قد يصل إلى 500 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2027، ومليون برميل يوميًا بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من أن مثل هذه التطورات قد تعاكس انخفاض الإنتاج من حقول النفط الناضجة، فإنه من غير المرجّح أن تؤثّر بشكل كبير بتوازنات العرض العالمية في الأمد القريب.
وعلى المدى الطويل، يمكن للتعاون في مجال الطاقة في القطب الشمالي أن يعزز تنويع العرض العالمي، ويوفر حاجزًا إستراتيجيًا ضد الاضطرابات في مناطق رئيسة أخرى.
مسارات أسعار النفط حتى عام 2026
السيناريو الأول: تخفيف العقوبات بشكل منسّق والتزام أعضاء تحالف أوبك+
في ظل هذا السيناريو، فإن التخفيف التدريجي للعقوبات، بشرط انسحاب القوات الروسية بشكل مؤكد من أوكرانيا، قد يؤدي إلى استقرار أسواق النفط العالمية.
وإلى جانب التزام أعضاء تحالف أوبك+ بخفض إنتاجهم بمقدار مليونَي برميل يوميًا، فقد تستقر أسعار خام برنت بين 80 و85 دولارًا للبرميل.
ومن شأن هذه البيئة أن تدعم توازن السوق، وتشجع الاستثمار، وتعزز دبلوماسية الطاقة التعاونية.
السيناريو الثاني: تصعيد الرسوم وحرب الإنتاج
قد تؤدي الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة بنسبة 10% على النفط الأجنبي إلى تحفيز تدابير انتقامية، ما يدفع المملكة العربية السعودية إلى إغراق السوق بإنتاج إضافي قدره 1.5 مليون برميل يوميًا.
وقد يسفر هذا العرض الزائد عن دفع أسعار خام برنت إلى 55 دولارًا للبرميل بحلول الربع الرابع من عام 2025، ما يؤدي إلى تكثيف الضغوط التضخمية وعدم الاستقرار الاقتصادي لدى الدول المنتجة والمستهلكة.
ومن شأن الضبابية في السوق أن تتصاعد، ما يؤدي إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين اللاعبين الرؤساء في مجال الطاقة.
السيناريو الثالث: تسوية أوكرانيا وتسريع القطب الشمالي
قد يؤدي إنهاء الحرب في أوكرانيا وإلغاء العقوبات المفروضة على النفط الروسي إلى إدخال 1.2 مليون برميل إضافية يوميًا إلى الأسواق العالمية.
وبالاقتران مع تسريع تطوير القطب الشمالي، قد يدفع هذا السيناريو خام برنت للانخفاض إلى 65 دولارًا للبرميل.
وعلى الرغم من زيادة العرض، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة مثل أسعار الفائدة المرتفعة والإنفاق الاستهلاكي المقيّد قد تخفف من نمو أسعار النفط في الأمد المتوسط.
التأثيرات الإقليمية والقطاعية
عودة النفط الصخري إلى الظهور في الولايات المتحدة
من شأن سياسات إلغاء القيود التنظيمية التي تنتهجها إدارة ترمب، بما في ذلك إصدار تراخيص الحفر بسرعة وتوسيع البنية الأساسية لخطوط الأنابيب، أن تعزز إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بنحو 900 ألف برميل يوميًا في عام 2025.
في المقابل، فإن ارتفاع التكاليف بسبب ارتفاع أسعار الصلب نتيجة للرسوم الجمركية قد يحدّ من النمو إلى 600 ألف برميل يوميًا.
من جهة ثانية، قد يؤدي حذر المستثمرين، المدفوع بتقلبات السوق، إلى كبح التوسع الكبير في قطاع النفط الصخري.
أمن الطاقة في أوروبا
على الرغم من جهود التنويع، ما يزال الاتحاد الأوروبي عُرضة لانقطاعات تدفقات الغاز الروسي، خصوصًا عبر شبكة العبور في أوكرانيا.
وقد يؤدي الاتفاق المقترح -الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لإضفاء الطابع الرسمي على عبور الغاز الروسي حتى عام 2030- إلى تعميق الاعتماد الأوروبي على موسكو، بالرغم من أن بروكسل زادت وارداتها من الغاز المسال وضمنت الإمدادات الأذربيجانية.
وقد يخفض هذا الاتفاق تكاليف الطاقة، ولكنه يواجه مقاومة سياسية من دول أوروبا الشرقية التي تخشى زيادة النفوذ الروسي.

الاعتبارات الإستراتيجية والجيوسياسية
يتعين على صنّاع السياسات اتخاذ خطوات إستراتيجية لإدارة مسارات الطاقة المتغيرة، مثل تنسيق إصدارات الاحتياطيات البترولية الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا لتثبيت الأسعار، وربط نقل التكنولوجيا الأميركية للمشروعات في القطب الشمالي بالحماية البيئية.
ويضاف إلى ذلك مطابقة حصص أوبك+ مع قدرة روسيا بعد العقوبات على منع اضطراب السوق.
ويتجلى دور المملكة العربية السعودية وسيطًا عالميًا في استضافتها قمّة الرياض، على الرغم من أن غياب الممثلين الأوروبيين والأوكرانيين يشير إلى جهد متعمد من جانب الولايات المتحدة وروسيا لتجاوز القنوات الدبلوماسية التقليدية، وهو ما يثير المخاوف بين حلفاء الناتو.
وفي الوقت نفسه، تظل التوترات غير المحلولة بشأن أوكرانيا تشكّل عائقًا جيوسياسيًا رئيسًا، حيث يطالب بوتين بتنازلات لا ترغب كييف في تقديمها.
إزاء ذلك، يُعدّ التفاعل بين سياسة الطاقة والإستراتيجية العالمية أمرًا حاسمًا في تشكيل الاستقرار مستقبلًا.
الخلاصة
تتمثل المحاولة الإستراتيجية لإعادة هيكلة حوكمة الطاقة العالمية في مواجهة القيود المستمرة، التي فرضتها الحرب في أوكرانيا، بطلب بوتين إجراء محادثات ثلاثية بشأن الطاقة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتأمل موسكو في توظيف مكانتها مزودًا رئيسًا للطاقة للاستفادة من الاختلافات بين الحلفاء الغربيين، من خلال الجمع بين المحادثات بشأن تخفيف العقوبات وتنمية موارد القطب الشمالي ودبلوماسية الطاقة.
وقد يؤدي هذا التوجه إلى تآكل الجبهة المتحدة ضد أنشطة روسيا في أوكرانيا، مع ترسيخ مكانة روسيا في سوق الطاقة العالمية.
وقد تغيّر المحادثات المقترحة جذريًا أنماط التعاون العالمي في مجال الطاقة والتحالفات الجيوسياسية، حيث قال بوتين، إنه سيتحدث مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في الأيام القليلة المقبلة.
في المقابل، فإن استعداد واشنطن لوضع استقرار سوق الطاقة قبل سلامة أراضي أوكرانيا أمر بالغ الأهمية لنجاح إستراتيجية روسيا.
وتواجه الإدارة الأميركية مهمة صعبة لتحقيق التوازن، لأن أيّ تنازلات لروسيا تنطوي على خطر زعزعة التضامن عبر الأطلسي الذي حوفِظَ عليه منذ بداية الحرب.
ويضيف انخراط المملكة العربية السعودية وسيطًا في هذه المحادثات مستوى آخر من التعقيد، حيث توازن المملكة بين مصالحها الخاصة في الحفاظ على وحدة تحالف أوبك+ وجهودها لجذب الاستثمار الأميركي إلى الصناعات غير النفطية.
وبعيدًا عن أسواق الطاقة، من المرجّح أن يكون لنتائج هذه المحادثات الثلاثية تأثير كبير في التعاون الدولي المستقبلي بمنطقة القطب الشمالي، حيث تمتلك روسيا مصالح إستراتيجية واقتصادية كبرى، وقد تغيّر التوجهات التوازنات الجيوسياسية العالمية.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- خريطة صادرات الطاقة الروسية منذ العقوبات.. و7 دول عربية تواصل الاستيراد (تقرير)
- احتياطيات النفط والمعادن في القطب الشمالي مسرح جديد للصراع بين روسيا والغرب
- توقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا يعمّق أزمة الطاقة (مقال)
اقرأ أيضًا..
- حقول النفط والغاز في الكويت.. تغطية خاصة بمناسبة العيد الوطني
- حقول النفط والغاز في إيران.. أهم بيانات الاحتياطيات والإنتاج (ملف خاص)
- 4 حقول غاز تدعم مصر باحتياطيات تتجاوز 15 تريليون قدم مكعبة