المقالاترئيسيةغازمقالات الغاز

الغاز التركمانستاني إلى تركيا.. خطوة لتأمين إمدادات ثابتة في أنقرة (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • • يوجد قدر كبير من الضبابية بشأن كمية الغاز المزمَع توريدها وإستراتيجية الأسعار
  • • من غير الواضح ما إذا كان الغاز التركمانستاني قادرًا على توفير بديل تنافسي
  • • الغاز التركمانستاني لن يكون قادرًا على تعويض الكميات الإيرانية بالكامل بعد عام 2026
  • • إيران تؤدي دورًا حيويًا في تمكين مرور الغاز التركمانستاني إلى تركيا

نجحت تركيا في تأمين إمدادات ثابتة من الغاز التركمانستاني، بعد مفاوضات بدأت منذ ما يقرب من 30 عامًا.

وتحقق هذا الإنجاز -الذي طال انتظاره- في 11 فبراير/شباط 2025، عندما وقّعت شركة الغاز الوطنية التركمانستانية (تركمان غاز Turkmengaz) وشركة خطوط الأنابيب البترولية التركية (بوتاش BOTAŞ) اتفاقًا لبدء توريد الغاز إلى تركيا في 1 مارس/آذار 2025.

وتكشف المناقشات بشأن صفقة توريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا المثابرة والأهمية الإستراتيجية التي توليها كلتا الدولتين لتعزيز تعاونهما في مجال الطاقة.

وتُعدّ هذه خطوة مهمة لتحقيق طموحات تركيا لتنويع مصادر الطاقة لديها، وتقليل الاعتماد على المورّدين الخارجيين، وتعزيز مكانتها في سوق الطاقة الأوراسية.

توريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا

يستند هذا الاتفاق إلى مذكرة تفاهم وُقِّعَت في عام 2024 لتوريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا.

وبحسب الاتفاق، سيُنقَل خلال المرحلة الأولى ما يصل إلى مليارَي متر مكعب من الغاز سنويًا من تركمانستان إلى تركيا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الكمية إلى 15 مليار متر مكعب سنويًا على مدى السنوات الـ20 المقبلة.

وستُستعمَل البنية التحتية الحالية للغاز الطبيعي في إيران لنقل الغاز، ما يسلّط الضوء على أهمية التعاون الإقليمي من أجل نقل الطاقة بفعالية.

ويعمل هذا الاتفاق على ترسيخ أمن الطاقة لدى أنقرة، من خلال توريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا، إلى جانب تأكيد الترابط بين أسواق الطاقة الإقليمية.

محطة استيراد الغاز المسال في منطقة مرمرة إريغليسي بتركيا
محطة استيراد الغاز المسال في منطقة مرمرة إريغليسي بتركيا – الصورة من شبكة أوراسيا نت

أمن الطاقة في تركيا

من خلال تنويع إمداداتها من الغاز الطبيعي واستيراد الغاز التركمانستاني، سيكون هذا الاتفاق ضروريًا لتحسين أمن الطاقة في أنقرة.

ويقلل الاتفاق من اعتماد تركيا على المورّدين التقليديين، مثل روسيا وإيران، من خلال إضافة تركمانستان إلى قائمة المورّدين.

ويزيد توريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا من قوة أنقرة التفاوضية في أسواق الطاقة الدولية، ويعزز استقرار العرض.

إضافة إلى ذلك، يعزز هذا الاتفاق موقف تركيا الإستراتيجي في تعاملات الطاقة الإقليمية من خلال جعلها مركزًا محتملًا لتجارة الغاز الطبيعي.

من ناحيتها، تريد تركيا أن تصبح طريق عبور رئيس بين منتجي الطاقة في الشرق والمستهلكين في الغرب من خلال تطوير البنية التحتية للطاقة والاستفادة من موقعها الجغرافي.

تجدر الإشارة إلى أن موقف تركيا الجيوسياسي ونفوذها في أمن الطاقة الإقليمي يترسخ من خلال هذا الاتفاق.

ويتعزز موقف تركيا في سوق الطاقة العالمية من خلال الطابع طويل الأجل للاتفاق، الذي يوفر آفاقًا لمزيد من الاستثمار وتوسيع حجم التجارة.

وقد تحسنت جاهزية تركيا لتلبية احتياجاتها المحلية المتزايدة من الطاقة وتعزيز تنميتها الاقتصادية من خلال تأمين إمدادات طاقة موثوقة ومتنوعة.

العلاقات مع الدول الأخرى الناطقة بالتركية

سوف تتحسن علاقات أنقرة مع الدول الأخرى الناطقة بالتركية بسبب اتفاق توريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا.

وتؤكد تركيا من جديد أهمية موقفها في منظمة الدول الناطقة بالتركية، التي تتألف من أذربيجان وقازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، من خلال تعزيز علاقاتها الثنائية مع تركمانستان.

ومن الممكن أن يعزز هذا التعاون التكامل والتعاون الاقتصادي من خلال إبرام اتفاقيات الطاقة المستقبلية مع الدول الأخرى الناطقة بالتركية.

ومن خلال ضمان إمدادات الغاز التركمانستاني إلى تركيا، ستعمل الأخيرة على تعزيز مكانتها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة وتجذب الحكومات التركية الأخرى التي تتطلع إلى توسيع شبكات تصدير الطاقة لديها.

وبالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يعمل هذا التعاون على تعزيز الروابط السياسية والثقافية ويجعل تكتل الدول الناطقة بالتركية أكثر تماسكًا وقوة على المستوى الدولي.

إحدى محطات خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب (TANAP
إحدى محطات خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب TANAP) – المصدر صحيفة ديلي صباح

كمية الغاز التركمانستاني إلى تركيا

على الرغم من أن اتفاق توريد الغاز التركمانستاني إلى تركيا يمثّل خطوة إيجابية لأمن الطاقة، فإن هناك بعض العناصر المهمة التي ما تزال غير معروفة.

ويوجد قدر كبير من الضبابية بشأن كمية الغاز المزمَع توريدها، وإستراتيجية الأسعار، ومتطلبات العبور عبر إيران.

وعلى الرغم من أن الكمية المحددة لهذا الاتفاق لم تُكشَف بعد، فقد صرَّح وزير الطاقة التركية، ألب أرسلان بيرقدار، في وقت سابق، أنه قد يتم يُستَورَد ما يصل إلى مليارَي متر مكعب من الغاز من تركمانستان سنويًا.

وهذا يعادل نحو خُمس واردات تركيا الحالية من الغاز الإيراني، ويوجد أمر مهم آخر، وهو تكلفة الغاز في تركمانستان، فقد اضطرت تركيا إلى التعامل مع تكاليف الغاز الإيراني المرتفعة منذ عام 2001، ومن غير الواضح ما إذا كان الغاز التركمانستاني قادرًا على توفير بديل تنافسي.

طريق عبور الغاز والمخاطر الجيوسياسية

يبدو أن البنية الأساسية الحالية للغاز الطبيعي في إيران هي الطريقة الأكثر عملية لتوصيل الغاز التركمانستاني إلى تركيا، وسط شكوك بشأن موثوقية هذا الطريق.

وغالبًا ما تواجه إيران مشكلات داخلية في مجال الطاقة، خصوصًا في فصل الشتاء، وقد يؤثّر هذا في إمدادات الغاز إلى تركيا.

إضافة إلى ذلك، قد يصبح أمن العبور أكثر تعقيدًا بسبب المخاطر الجيوسياسية، مثل العقوبات المفروضة على إيران وعدم الاستقرار الإقليمي، الذي يتضمن احتمال وقوع هجوم إسرائيلي.

إزاء ذلك، اتّخذَ التفكير مسارًا آخر لخطّ أنابيب يمرّ عبر جورجيا وأذربيجان، ولكنه مكلف، ومحفوف بالتداعيات السياسية التي تشمل إيران وروسيا.

الغاز التركمانستاني إلى تركيا عبر إيران

في يوليو/تموز 2026، من المقرر أن ينتهي اتفاق توريد الغاز الطبيعي الحالي بين إيران وتركيا، الذي تزوّد إيران بموجبه تركيا بنحو 9.6 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا.

لذلك، تبذل تركيا جهودًا حثيثة لتنويع مصادر الطاقة لديها، مع استمرار المحادثات بشأن اتفاق جديد.

ويُعدّ الاتفاق الأخير مع تركمانستان لتوريد الغاز الطبيعي عبر إيران بدءًا من الأول من مارس/آذار 2025 إحدى المحاولات الرئيسة.

رغم ذلك، فإن الكمية المقدّرة بنحو مليارَي متر مكعب من الغاز التركمانستاني التي ستُرسَل إلى تركيا سنويًا أقل كثيرًا من الكمية التي تزوّدها إيران حاليًا، ما يشير إلى أن الغاز التركمانستاني لن يكون قادرًا على تعويض الكميات الإيرانية بالكامل بعد عام 2026.

ويبدو أن تركيا تتبنّى نهجًا متنوعًا، فأولًا، يشكّل الاتفاق مع تركمانستان عنصرًا من مبادرة أكبر لتحسين أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على مصدر واحد.

وثانيًا، قد يوفر الاتفاق مع تركمانستان لتركيا نفوذًا تفاوضيًا أكبر للحصول على شروط أفضل في إعادة التفاوض مستقبلًا مع إيران.

منشأة تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض في بحيرة توز التي تديرها شركة بوتاش التركية
منشأة تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض في بحيرة توز التي تديرها شركة بوتاش التركية – الصورة من وكالة الأناضول

وأخيرًا، من خلال تهيئة نفسها لتصبح مركزًا لتجارة الطاقة، وتعزيز موقعها الجيوسياسي، تعمل تركيا على تحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.

وما تزال مشاركة إيران في هذه الأحداث معقّدة، ورغم أن إيران وتركيا قرّرتا تمديد اتفاقية توريد الغاز حتى عام 2026، فمن المرجّح أن تُدرِج إيران بنودًا تقيّد المنافسة في اتفاق تركمانستان وتركيا من أجل الحفاظ على هيمنتها على السوق.

ومن أجل الحفاظ على سيطرتها على سوق الطاقة الإقليمية، من المرجّح أن تستفيد إيران من موقعها المميز طريقًا لعبور الغاز التركمانستاني إلى تركيا.

وبالنظر إلى استهلاكها السنوي من الغاز الذي يتجاوز 50 مليار متر مكعب، من المتوقع أن تطالب تركيا بشروط أفضل في الصفقة المعاد التفاوض عليها مع إيران، مدعومة بجهودها المستمرة لتنويع مصادر الطاقة، مثل الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتشغيل المتوقع لأول محطة للطاقة النووية.

التسعير التنافسي

كانت تكاليف الغاز الطبيعي في تركيا من بين أعلى التكاليف، خصوصًا من إيران.

ورغم أن تسعير الغاز التركمانستاني إلى تركيا لم يُعلَن بعد، فإنه سيكون عاملًا مهمًا في تحديد ما إذا كان هذا العرض يشكّل بديلًا تنافسيًا للمصادر الحالية.

ونظرًا لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في تركيا مؤخرًا إلى 12-14 دولارًا لكل ألف متر مكعب، فإن التسعير التنافسي من تركمانستان قد يكون له تأثير كبير في سياسة الطاقة التركية.

الإمكانات الإستراتيجية للغاز التركمانستاني

قد تحدث نقطة تحول مهمة في أمن الطاقة في تركيا في الأول من مارس/آذار 2025، عندما تبدأ إمدادات الغاز التركمانستاني إلى تركيا.

وقد يخضع مشهد إمدادات الطاقة في تركيا لتغيير كبير إذا أمكن توريد الغاز التركمانستاني بشكل متّسق ومستدام وبأسعار معقولة.

وقد تعزز تركيا أمن الطاقة لديها، وتقلل من اعتمادها على بعض المورّدين، وتبني بنية تحتية قوية للطاقة من خلال تنويع مصادرها.

ومن أجل مساعدة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع قضايا إمدادات الطاقة والأسعار الجارية، قد تنمو إمدادات الغاز التركمانستاني إلى تركيا في نهاية المطاف من حيث الحجم، وقد تصل إلى أسواق الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول المعروف باسم (تاناب TANAP).

دور إيران بصفتها مركز عبور

باستعمال شبكتها الحالية للغاز الطبيعي، تؤدي إيران دورًا حيويًا في تمكين مرور الغاز التركمانستاني إلى تركيا.

وستصدّر إيران الكمية نفسها من الغاز إلى تركيا، في مقابل إرسال تركمانستان الغاز إلى إيران بموجب اتفاق المقايضة.

ويؤكد هذا الاتفاق الثلاثي المشاركة الإستراتيجية لإيران، وأهميتها بصفتها جهة فاعلة إقليمية في مجال الطاقة.

في المقابل، تسلّط مشاركة إيران في هذا الاتفاق الضوء على التكامل المتزايد لسوق الطاقة الأوراسية، وتعزز نفوذها في تعاملات الطاقة الإقليمية.

الخلاصة

تمّ التوصل إلى إنجاز مهم في التعاون بين تركيا وتركمانستان في مجال الطاقة بالاتفاق بين شركة بوتاش وتركمان غاز.

ومن المقرر أن يبدأ هذا الاتفاق في الأول من مارس/آذار 2025، وسيستعمل أولًا ترتيبات المبادلة مع إيران لتسليم 1.3 مليار متر مكعب من الغاز التركمانستاني إلى تركيا.

ومن خلال تنويع مصادر إمدادها وتعزيز مكانتها مركزًا إقليميًا للطاقة، تعمل هذه الشراكة على تحسين أمن الطاقة في تركيا.

وبعد 27 عامًا من المناقشات، يوضح هذا الاتفاق التزام البلدين طويل الأمد بالتعاون في مجال الطاقة.

بدوره، يعزز الاتفاق علاقات تركيا مع تركمانستان والدول الأخرى الناطقة بالتركية، ويتوافق مع هدفها الأكبر المتمثل في أن تصبح جهة فاعلة في تعاملات الطاقة الإقليمية.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق