المقالاترئيسيةغازكهرباءمقالات الغازمقالات الكهرباء

تداعيات إلغاء ترمب إعفاء العراق من استيراد الكهرباء والغاز الإيراني (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • • شبكة العراق الكهربائية تعتمد إلى حدّ كبير على واردات الطاقة الإيرانية
  • • العراق سيفقد ما يقرب من 7000 ميغاواط من الكهرباء المنتجة بالغاز الإيراني
  • • شبكة الكهرباء العراقية تعاني من نقص الاستثمار والأعطال التقنية المتكررة
  • • العراق يعمل على تحويل بعض محطات الكهرباء لديه من الوقود الثقيل إلى الغاز الطبيعي

يمثّل إلغاء الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الإعفاء الممنوح للعراق لشراء الغاز والكهرباء من إيران، في 5 فبراير/شباط 2025، تحولًا كبيرًا في السياسة الأميركية تجاه البلدين المتجاورَين.

ويندرج هذا القرار ضمن مجموعة أكبر من العقوبات التي تهدف إلى شَلّ صناعة النفط الإيرانية والحدّ من تعاملاتها المالية، ومن ثم زيادة الضغوط الاقتصادية على البلاد.

ويحمل قرار ترمب تداعيات كبيرة على العراق، الذي تعتمد شبكته الكهربائية إلى حدّ كبير على واردات الطاقة الإيرانية.

ويمرّ العراق بوضع صعب نتيجة لإلغاء الإعفاء، حيث تواجه البلاد انقطاعات حادة في التيار الكهربائي وتحديات تحديث البنية التحتية للطاقة.

مشكلة شبكة الكهرباء العراقية

قد تتفاقم مشكلة شبكة الكهرباء العراقية المستفحلة حاليًا إذا فقدت القدرة على الوصول إلى أكثر من 25 مليون متر مكعب من الغاز المسال الإيراني.

وقد يكون لذلك آثار مباشرة كارثية في العراق، وستفقد البلاد ما يقرب من 7000 ميغاواط من الكهرباء المنتجة باستعمال الغاز الإيراني و1200 ميغاواط إضافية من الكهرباء المباشرة التي توفرها طهران.

وبما أن كمية كبيرة من احتياجات العراق من الكهرباء تلبّيها الطاقة الإيرانية، فإن فقدان هذه الإمدادات قد يؤدي إلى انقطاعات كبيرة في الكهرباء، خصوصًا خلال أشهر الصيف الحارة، عندما يكون الطلب في أعلى مستوياته.

ونظرًا لأن شبكة الكهرباء العراقية تعاني من نقص الاستثمار المستمر والأعطال التقنية المتكررة، التي قد تتسبب في إرباكات اقتصادية كبرى، وحتى اضطرابات مدنية، فإن هذا قد يؤدي إلى تفاقم التوترات المجتمعية.

محطة كهرباء الدورة المركبة بالقرب من مدينة الناصرية العراقية
محطة كهرباء الدورة المركّبة بالقرب من مدينة الناصرية العراقية – الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

استهداف صادرات الطاقة الإيرانية

يمثّل تحرُّك إدارة ترمب تغييرًا كبيرًا في إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة، على عكس موقف إدارة بايدن، الذي سمح للعراق بمواصلة استيراد الطاقة الإيرانية.

ومن خلال خفض صادراتها النفطية، تسعى قرارات ترمب إلى الحدّ من قدرة إيران على التهرب من العقوبات الغربية.

وتحاول الولايات المتحدة خفض إجمالي إيرادات إيران، التي تُعدّ ضرورية لنشاطها الاقتصادي، من خلال تثبيط النظام المالي العراقي عن إنجاز هذه المعاملات.

إضافة إلى ذلك، يبدو أن الهدف الشامل لواشنطن هو زيادة عزلة إيران مع الضغط في الوقت نفسه على الصين، المشتري الرئيس للنفط الإيراني، لقطع علاقتها التجارية مع طهران.

تأثُّر الاقتصاد العراقي بتوقُّف واردات الطاقة الإيرانية

قد يخلّف إلغاء إعفاء العراق عواقب وخيمة على الاقتصاد العراقي الذي يعاني، حاليًا، من حالة عدم الاستقرار، لأن أغلب دخله يأتي من النفط.

ويستورد العراق نحو 7000 ميغاواط من الكهرباء المولّدة بالغاز الإيراني، و1200 ميغاواط من الكهرباء المباشرة.

وقد تنشأ انقطاعات واسعة النطاق للتيار الكهربائي نتيجة لفقدان هذا المصدر من الطاقة، خصوصًا في الصيف، عندما يرتفع الطلب على الكهرباء.

من جهة ثانية، قد لا يتمكن العراق بعد الآن من الوصول إلى 25 مليون متر مكعب من الغاز المسال الإيراني، وهو أمر حيوي لقطاعات مثل التصنيع والزراعة.

ومن المرجّح أن يؤدي هذا إلى توقُّف الإنتاج، وانخفاض الناتج الزراعي، وعدم الاستقرار الاقتصادي العام.

ويفرض إلغاء الإعفاء ضغوطًا مالية إضافية على موازنة العراق الضيقة، بالإضافة إلى مشكلات الكهرباء الحادة.

منشأة نفطية في جزيرة خرج الإيرانية
منشأة نفطية في جزيرة خرج الإيرانية – الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

تجدر الإشارة إلى أن العراق يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، التي تشكّل 42% من الناتج المحلي الإجمالي، و99% من صادراته، و85% من موازنته الحكومية.

وقد تتأخر محاولات تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط إذا ما أدى احتياج العراق إلى تأمين مصادر بديلة للطاقة بتكاليف أعلى إلى حرمان صناعات أخرى من موارد حيوية.

على صعيد آخر، قد يحتاج العراق إلى إنفاق المزيد من الأموال على شراء الكهرباء بسبب التغيرات في أسعار النفط على مستوى العالم، وهو ما من شأنه أن يزيد من ضعفه المالي.

وقد يؤدي هذا إلى تأجيل الإصلاحات التي طال انتظارها، وتُعدّ ضرورية لتحقيق أهداف العراق في تنويع الاقتصاد من أجل تعزيز القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وقد تتفاقم مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، التي تشكّل مشكلة مزمنة، خصوصًا في جنوب العراق، حيث اندلع العديد من الاحتجاجات بسبب ضعف الخدمات العامة.

ومن شأن الانقطاعات واسعة النطاق للخدمات الحيوية أن تزيد من احتمالات اندلاع الاضطرابات السياسية والاحتجاجات.

تجدر الإشارة إلى أن أن العراق في حاجة ماسّة إلى الحصول على مصادر بديلة للطاقة، لأن حالة الضبابية المحيطة بإمدادات الطاقة والآفاق الاقتصادية قد تكبح الاستثمار الدولي وتعوق التنمية الاقتصادية في الأمد البعيد.

خطط العراق لإدارة نقص الكهرباء

اتخذ العراق عدّة خطوات لتخفيف ندرة الكهرباء وتقليل اعتمادها على الطاقة الإيرانية استجابة للمشكلات الناجمة عن القرار الأميركي.

وتُعدّ زيادة الطاقة المتجددة إحدى المبادرات الرئيسة، ومن المتوقع تركيب 12 غيغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بحلول عام 2030.

ومن المتوقع أن يوفر هذا حلًا طويل الأمد لمشكلات أمن الطاقة في العراق من خلال الإسهام بنحو 25% من إجمالي قدرة توليد الكهرباء في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل العراق مع شركة "جنرال إلكتريك فيرنوفا" (GE Vernova) لتحديث شبكته الوطنية.

وقد تمّت 5 محطات فرعية جديدة بجهد 132 كيلوفولت قبل الموعد المحدد، ومن المتوقع أن تبدأ 4 محطات أخرى في العمل بحلول صيف عام 2025.

وسيتمكن نحو مليون عراقي من الوصول إلى الكهرباء بفضل هذه التحسينات، ما سيزيد من سعة النقل بمقدار 2200 ميغافولت أمبير.

الغاز الإيراني

التعاون الإقليمي في مجال الطاقة

في محاولة لتقليل اعتماده على الكهرباء الإيرانية، يتطلع العراق إلى التعاون الإقليمي في مجال الطاقة.

ومن بين مشروعات الربط الكهربائي الجارية حاليًا خط نقل 400 كيلوفولت بين محطة الزور في الكويت ومحطة الفاو في العراق، الذي سيوفر 500 ميغاواط من الكهرباء لمدينة البصرة، وخط نقل يربط مدينة عرعر في المملكة العربية السعودية بمحطة اليوسفية في بغداد، الذي سيوفر 1000 ميغاواط من الكهرباء. وتسعى هذه المبادرات إلى تقليل تأثير فقدان الإمدادات الإيرانية وتنويع مصادر الطاقة في العراق.

ويحاول العراق توسيع إنتاجه المحلي من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى هذه المبادرات الإقليمية.

وسعيًا منها لتوفير إمدادات طاقة أكثر موثوقية واستدامة، تعتزم الحكومة استيعاب الغاز المنطلق من آبار النفط.

وفي محاولة لتنويع وارداته وتقليل تعرُّضه لانقطاعات الإمدادات، يبحث العراق عن مورّدين بُدلاء للغاز الطبيعي، مثل قازاخستان.

وأخيرًا، يعمل العراق على تحويل بعض محطات الكهرباء لديه من الوقود الثقيل إلى الغاز الطبيعي، وتنفيذ تكنولوجيا الدورة المركبة، لزيادة كفاءة الطاقة.

وما يزال العراق يعاني من نقص حادّ في الكهرباء، حيث تستمر انقطاعات التيار الكهربائي في بعض المناطق لمدة تصل إلى 7 ساعات يوميًا، وما يصل إلى 19 ساعة في منطقة كردستان.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه المبادرات ضرورية لمستقبل الطاقة في البلاد.

التأثير المحتمل في العلاقات بين إيران والعراق

من المتوقع أن تعاني العلاقات بين العراق وإيران بشكل كبير إذا أُلغِيَ الإعفاء الممنوح لنفط العراق.

وكانت إيران والعراق، تاريخيًا، من المورّدين المهمين للطاقة، ويتمتع المسؤولون في الحكومة العراقية بدعم من إيران، ولديهم روابط وثيقة مع طهران.

وقد تتأثر العلاقات الثنائية إذا اضطر العراق إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة، أو حتى الاعتماد بشكل أكبر على إيران للمساعدة.

وكان اعتماد العراق على إمدادات الطاقة الإيرانية، خصوصًا الكهرباء والغاز الطبيعي، مثيرًا للجدل، لأن الولايات المتحدة ترى هذه الواردات وسيلة لإيران للتغلب على العقوبات.

وبالنظر إلى كفاح بغداد المستمر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، استمرت إيران في كونها شريكًا مهمًا بمجال الطاقة للعراق.

من ناحية أخرى، سيتطلع العراق إلى إيران للحصول على المزيد من المساعدة، إذا أُلغيَ إعفاؤه، الأمر الذي قد يعزز علاقاتهما في مجال الطاقة والاقتصاد.

وقد يجعل هذا التغيير من الصعب على العراق الحفاظ على التوازن بين علاقاته مع واشنطن وطهران، ما يؤدي إلى تصعيد التوترات في بيئة جيوسياسية محفوفة بالمخاطر.

ويسعى العراق إلى تحقيق استقلال الطاقة بحلول عام 2028، حسبما صرّح رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، رغم أن البلاد ما تزال تعتمد حاليًا على واردات الطاقة الإيرانية.

وقد يتعزز نفوذ إيران في العراق إذا دفع القرار الأميركي العراق إلى البحث عن إمدادات أخرى، أو التحالف بشكل أوثق مع إيران.

الغاز الإيراني إلى العراق

وهذا من شأنه أن يعقّد المصالح الأميركية في المنطقة، من خلال تغيير توازن القوى في العراق، وربما يؤثّر في الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط عمومًا.

الخلاصة

يُعدّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإلغاء إعفاء العراق من شراء الكهرباء الإيرانية حدثًا بالغ الأهمية، وله تداعيات واسعة النطاق.

فهو يضع العراق في موقف صعب، ويزيد من تفاقم نقص الكهرباء الحادّ الذي يعاني منه ويهدد استقراره الاقتصادي، حتى برغم أن هذا القرار يتفق مع الهدف الأميركي المتمثل في فرض المزيد من الضغوط على إيران.

لذلك، يتعين على العراق أن يحقق توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على علاقته بالولايات المتحدة وتلبية احتياجاته من الطاقة، وهو ما قد يستدعي تعاونًا أوثق مع إيران، في سعيه إلى تأمين مصادر الطاقة البديلة، وتعزيز مشروعات الطاقة المتجددة.

وهناك احتمال كبير بأن تتطور العلاقات بين العراق وإيران إلى علاقات أوثق، خصوصًا إذا عجز العراق عن حل أزمة الكهرباء بسرعة.

وبالنظر إلى أن هذا قد يؤدي -عن غير قصد- إلى تقريب العراق من طهران، فإن هذا الظرف يفرض صعوبات على السياسة الأميركية في المنطقة.

وسوف تشكّل الإدارة الحكيمة للأزمات من جانب العراق ضرورة أساسية لمستقبله واستقرار المنطقة عمومًا، وسوف تتشكل البيئة الجيوسياسية في الشرق الأوسط لسنوات مقبلة، وفقًا لاستجابة العراق.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق