توقعات وكالة الطاقة الدولية حول ذروة الطلب على النفط خاطئة.. تفنيد 23 ادعاء لـ"بيرول"
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع وصول الطلب على النفط لذروته قبل 2030
- سيناريوهات التحليل المعتمدة في الوكالة تتعرض لانتقادات منهجية واسعة النطاق
- أغلب افتراضات الوكالة مبنية على مبالغات وتتجاهل الواقع وسياسات الدول
- افتراض أن الدول ستلتزم بتنفيذ تعهداتها المناخية كاملة يخالف شواهد الواقع
- توقعات انخفاض الطلب على النفط في قطاعات النقل مبالغ فيها إلى حد كبير
- توقعات انخفاض أسعار المعادن الحيوية تخالف تقديرات زيادة الطلب عليها
أثارت توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن وصول الطلب على النفط إلى ذروته قبل عام 2030، جدلًا واسعًا لم يتوقف في أوساط الصناعة وخبراء الطاقة وصنّاع السياسات حول العالم.
وتروّج الوكالة لمقولة إن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى ذروته في عام 2029 عند 105.6 مليون برميل يوميًا، ثم سيتخذ بعدها مسارًا هبوطيًا طويل الأجل لصالح الطاقة النظيفة التي ستحل محله على نطاق واسع بحلول 2050.
وأدت التوقعات إلى تعرّض وكالة الطاقة الدولية ومديرها المثير للجدل فاتح بيرول، إلى انتقادات واسعة، ليس فقط من صناعة النفط والدول المنتجة، وإنما من مسؤولين سابقين عملوا بالوكالة، يرون أنها انحرفت عن مهامها الأساسية في تعزيز أمن الطاقة وتحولت إلى منبر مناخي متحيز.
في هذا السياق، أظهرت دراسة تحليلية حديثة -شارك في إعدادها مسؤولون سابقون بوكالة الطاقة- أن جميع افتراضات الوكالة التي تستند إليها سيناريوهات التوقعات المستقبلية، إما مشوهة وإما خاطئة تمامًا.
كما وصفت الدراسة التي حصلت عليها وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، توقعات ذروة الطلب على النفط بالأوهام، داعية مدير الوكالة وفريق المحللين بها، إلى إعادة النظر في الافتراضات الأساسية لتوقعات السوق والتحسب لاحتمالات عدم تحققها كليًا أو جزئيًا، في ظل وجود عناصر جوهرية متجاهلة أو مهمشة في التحليل.
نقد افتراضات وكالة الطاقة الدولية
رصدت الدراسة التي شارك في إعدادها الرئيس السابق لقسم صناعة وأسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية، نيل أتكينسون، 23 افتراضًا خاطئًا قاد فريق الوكالة الحالي إلى استنتاجات خطيرة بشأن مستقبل النفط في تقرير آفاق الطاقة العالمية لعام 2024.
وفيما يلي أبرز الافتراضات التي تعرضت لها الدراسة:
- الافتراض الأول: أن الدول ستلتزم بتنفيذ تعهداتها المناخية بالكامل، على خلاف الواقع الذي يشهد استمرار إخفاق الحكومات في الوصول إلى أهدافها حتى في السياسات الحالية.
- الافتراض الثاني: تستند وكالة الطاقة الدولية إلى أن سياسات تحول الطاقة في قطاع الشركات حقيقية وراسخة، ما يتجاهل حقيقة أن عديدًا من الشركات، إما أخفقت في تعهداتها المناخية الطموحة المعلنة سابقًا، وإما ألغتها صراحة.
- الافتراض الثالث: استمرار توسع تمويل تحول الطاقة، وهو ما يخالف الواقع الذي يشير إلى أن مشروعات الطاقة البديلة أكثر تكلفة وصعوبة في التمويل، بل إن الدول الغنية ذاتها أصبحت مترددة بصورة متزايدة في منح مبالغ ضخمة إلى الدول الأسرع نموًا أو الدول الفقيرة.
- الافتراض الرابع: أن مكاسب الكفاءة والتغييرات الهيكلية ستؤدي إلى خفض الطلب العالمي على الطاقة، وهو افتراض تقابله تحليلات أكثر جدية ترى أن مكاسب كفاءة الطاقة ستجعل المنتجات والخدمات المعتمدة على النفط أقل تكلفة، ومن ثم لن تقلل من استهلاكه، بل ستحفّز الطلب عليه.
- الافتراض الخامس: يدّعي أن الطاقة الشمسية والرياح ذات كفاءة عالية بنسبة 100%، وهو قول سخيف يتناقض مع الفيزياء الأساسية لهذه المصادر المتقلبة حسب الطقس، ما يجعله افتراضًا أقرب للدعاية، بحسب الدراسة الصادرة عن المركز الوطني لتحليلات الطاقة ومقره واشنطن (National Center for Energy Analytics)
- الافتراض السادس: أن سلوك الصين في أسواق الطاقة سينبع من تعهداتها المعلنة، وهو افتراض غير علمي، والأصل أن تبنّي سيناريوهات توقع الطلب في الصين على ما يرجح أنها ستفعله، وليس على ما تدعيه أو تعد به.
- الافتراض السابع: في سيناريوهات وكالة الطاقة الدولية يُفترض أن نمو الطلب على النفط ومنتجاته في الأسواق الناشئة سينخفض مستقبلًا، استنادًا إلى انخفاض الطلب في بعض المناطق الأكثر فقرًا، مع إغفال الاحتمالات المضادة الأكثر واقعية التي تشير إلى أن الطلب في هذه المناطق سيزداد.
الافتراضات الخاطئة في أسواق النقل
- الافتراض الثامن: أن حصة سوق السيارات الكهربائية سترتفع بسرعة، مع تجاهل التطورات الحاصلة في الواقع التي تشير إلى تباطؤ توسع السوق، وتراجع الشركات المصنّعة عن خططها الطموحة ووعودها المستقبلية البراقة بشأن السيارات الكهربائية.
- الافتراض التاسع: أن الحكومات ستواصل الالتزام بتعهداتها بشأن التحول إلى المركبات الكهربائية، مع تجاهل تراجع صناع القرار عن الإعانات أو خفضها في عدد من الأسواق الرئيسة بما في ذلك الولايات المتحدة.
- الافتراض العاشر: أن قصة نجاح السيارات الكهربائية في الصين ستؤدي إلى خفض الطلب العالمي على النفط بسرعة، مع إغفال الحقائق التي تشير إلى أن استهلاك البنزين ومبيعات السيارات الكهربائية آخذان في الارتفاع معًا.
- الافتراض الحادي عشر: أن الشاحنات الثقيلة ستتحول إلى الكهرباء على نطاق واسع، وهو افتراض لا يوجد دليل على أن السوق ستتبناه حتى الآن، خاصة أن هذا الخيار سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف الرأسمالية، وقد يؤدي إلى تدهور هائل في الأداء.
- الافتراض الثاني عشر: أن قطاع الطيران سيتحول سريعًا إلى بدائل النفط، وهو افتراض مبالغ فيه، إذ لا توجد اتجاهات تشير إلى وجود خيارات غير نفطية، ولو على نطاق حصة ضئيلة من سوق الطيران الحالية، كما أن توقعات الصناعة تتجه جميعها إلى أن الطلب على النقل الجوي سيتضاعف بحلول عام 2050.
- الافتراض الثالث عشر: أن عمليات الكهربة وبدائل النفط في قطاع النقل البحري ستتوسع بسرعة، مع تجاهل التقدم البطيء في هذا المسار، وتفضيل صناعة الشحن العالمية التحول إلى الغاز الطبيعي المسال، وهو نوع آخر من الهيدروكروبونات وأكثر تكلفة، ولا يفيد التوجهات البيئية في نهاية المطاف.
- الافتراض الرابع عشر: أن نمو استهلاك النفط في قطاع البتروكيماويات والبلاستيك سيكون بطيئًا، وهو افتراض مبني على أن تقنيات إعادة التدوير ستحقّق نتائج واعدة قد تخفّض الطلب على الخام في الصناعة، لكن هذه التقنيات ما زالت ناشئة ولم تتبنها الأسواق حتى الآن، كما ما زالت باهظة التكاليف ولم تصل إلى نتائج حاسمة بعد.
- الافتراض الخامس عشر: أن كل السيناريوهات تقود إلى أن الطلب على النفط سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030، وهو افتراض مبني على سيناريوهات غير واقعية بحسب كل المعطيات السابقة التي تشير إلى أن الطلب سيظل مرتفعًا على المدى المتوسط.
الافتراضات الخاطئة في أسواق المعادن الحيوية
على الجانب الآخر ثمة افتراضات أخرى متصلة بالصناعات ذات الصلة بتوقعات وكالة الطاقة الدولية لذروة الطلب على النفط، من أبرزها افتراض أن توفير المعادن الأساسية سيلبي أهداف تحول الطاقة، وهو ما يتجاهل ما وثقته دراسات لا حصر لها تؤكد حقيقة العجز الوشيك في الإنتاج الحالي والمتوقع والتحديات المتمثلة في تغيير الوضع الراهن.
ويرتبط بهذا الافتراض الترويج؛ لأن أسعار المعادن الأساسية ستنخفض في المستقبل، وهو قول أقرب للخيال منه إلى الحقيقة في التحليلات الاقتصادية، إذ كيف يُتوقع انخفاض أسعار هذه المعادن في ظل سيناريوهات كلها تؤكد أن الطلب عليها سيرتفع إلى مستويات قياسية لمواكبة متطلبات التوسع في السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
ويتصل بهذا الافتراض أيضًا الترويج؛ لأن الدول الغربية ستكون قادرة على كسر هيمنة الصين على المعادن النادرة والأساسية، لكن الصين تمتلك حصة عالمية كبيرة -حاليًا- ولا يتوقع أن تفرّط فيها بسهولة، ما قد يزيد من مخاطر استعمالها بوصفها أداة اقتصادية وجيوسياسية تربك مستقبل تحول الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أوبك تستبعد وصول الطلب على النفط إلى ذروته
- مدير وكالة الطاقة الدولية يرد على انتقادات الكونغرس.. السيناريوهات ليست توقعات (تقرير)
- توتال إنرجي تتوقع ذروة الطلب على النفط بحلول 2035.. ماذا يقول الآخرون؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- إيران تتلاعب بالعراق.. تفاصيل تكشف المستور في أزمة الغاز (مقال 2/2)
- أمين عام "العربية للطاقة": تحول الطاقة يختلف وفقًا لمصالح كل دولة.. وهكذا سندعم 6 بلدان (حوار)
- شبكة توزيع الكهرباء في سوريا ومقارنة مع مصر والأردن.. ما القصة؟
- واردات السعودية من الألواح الشمسية الصينية تقفز 107%
المصادر:
- توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن ذورة الطلب على النفط من تقرير آفاق الطاقة العالمية لعام 2024.
- نقد توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن مستقبل النفط من المركز الوطني لتحليلات الطاقة.