تحول الطاقة "آفة" تنخر عظام ألمانيا.. بدعوى "الفضيلة" (تقرير)
أسماء السعداوي
وجّه خبير اقتصادي بارز انتقادات لاذعة لخطة تحول الطاقة في أكبر اقتصاد أوروبي، متهمًا إياها بالتسبب في تدمير الصناعة وركود الاقتصاد وخسارة العمال لقوت يومهم.
ومن الهوس بالطاقة المتجددة "غير الموثوقة" إلى ذروة الغطرسة بفرض قيود بيئية على الشركات، حذّر الكاتب تيلاك دوشي من أن ألمانيا على وشك خسارة درة التاج، وهو قطاع السيارات مع تسريح 19 ألف عامل بحلول 2035.
وجاء في مقال اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أن أبرز نتائج تلك السياسة كان تحول ألمانيا من اقتصاد "لا يُعلى عليه" إلى رجل أوروبا المريض اقتصاديًا وسياسيًا ربما يؤول مصيره إلى تقلُّص الصناعة وديون لا تنتهي.
وقبل أكثر من 14 عامًا، أقرّت ألمانيا تشريعًا يقضي بالتوسع في توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الر، أملًا في خفض الانبعاثات ثم تحقيق الحياد الكربوني في 2045 قبل كل أوروبا.
وحديثًا، كان تحول الطاقة والتعافي الاقتصادي أبرز أسباب صدع في جدار الحكومة بقيادة رئيس الوزراء أولاف شولتس في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني (2024)، حين أقال وزير ماليته كريستيان ليندنر، الذي أكد أن ألمانيا بحاجة إلى نموذج اقتصادي جديد.
تحول الطاقة في ألمانيا
ألقى محلل اقتصادات الطاقة تيلاك دوشي باللوم على إستراتيجية تحول الطاقة بالتسبب في سلسلة من النكسات الاقتصادية لألمانيا التي كانت يومًا "موضع حسد من العالم أجمع"، ولا يُعلى عليها في الصناعة بقطاعات الكيماويات والبتروكيماويات والهندسة الدقيقة والسيارات.
وإذ وصف سياسات تحول الطاقة بـ"الآفة المدمرة"، تحسّر دوشي على الوضع الاقتصادي الذي لم يكن بفعل قوة خارجية أو صنيع الإله، وإنما مرض أصاب العقل وأنهك الروح.. في بحث مُضنٍ عن الفضيلة".
وفي أحدث مقالاته بعنوان "الانتحار الاقتصادي والسياسي في ألمانيا"، قال، إنه بعد 14 عامًا من تبنّي السياسة، تحوّلَ اقتصاد ألمانيا من موضع حسد العالم إلى آخر عاجز وحزين، يُوصف برجل أوروبا المريض.
تعفن الاقتصاد الألماني
يقول الدكتور تيلاك دوشي، إنّ تحول الطاقة أدى إلى ركود الاقتصاد الألماني على مدار العاميين الماضيين، كما زادت حالات إفلاس الشركات.
وعلى صعيد تحول الطاقة، بدأت شركة "إتش إتش 2 إي" الألمانية (HH2E) إجراءات الإعسار في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني (2024) بعد فشل مساعيها لتأمين تمويلات إضافية لبناء أولى منشآتها لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وتلجأ الشركات إلى إجراءات الإعسار عندما تفشل في الوفاء بالتزاماتها المالية وتسديد الديون المستحقة للدائنين، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة.
وأشار كاتب المقال إلى استطلاع رأي كشف أن 40% من شركات التصنيع في ألمانيا تدرس تخفيض إنتاجها أو الانتقال للخارج، وتزيد تلك النسبة إلى النصف في حالة الشركات التي يزيد عدد العاملين بها على 500.
وهنا، فسّر دوشي ذلك الاتجاه إلى ارتفاع تكاليف العمالة وأسعار الطاقة المرتفعة الناتجة عن "حماقة" تحول الطاقة -على حدّ وصفه- بما أدى إلى تقلّص النشاط الصناعي.
كما زادت وقائع تسريح العمال في ألمانيا لدرجة أن وكالة العمل الفيدرالية قدّرت أن معدلات البطالة قد تتجاوز 3 ملايين للمرة الأولى في 10 سنوات ببداية العام الجديد (2025).
كما أشار الكاتب إلى خسارة العاملين بـ"درة تاج الصناعة الألمانية" -قطاع السيارات- وظائفهم؛ إذ أعلنت شركة بوش الألمانية خططًا لتسريح 5 آلاف و500 عامل وسط مساعٍ لتقليل التكاليف.
كما تشير تقديرات إلى أن التحول إلى السيارات الكهربائية سيؤدي إلى تسريح 19 ألف عامل بالقطاع الألماني بحلول عام 2035.
وتواجه الصناعة مأزقًا لا تُحسد عليه بسبب المنافسة الشرسة مع السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة من ناحية، والهبوط الحادّ في الطلب المحلي، وسط سياسات حكومية للتخلّي عن مبيعات سيارات البنزين والديزل لأغراض خفض الانبعاثات.
وفيما وُصف بـ "معجزة الكريسماس"، توصلت شركة فولكسفاغن إلى اتفاق مع نقابات العمال يقضي بعدم تسريح أكثر من 30 ألف عامل أو إغلاق المصانع، ولكن حتى 2030.
وتضمَّن الاتفاق الذي جاء بعد 72 ساعة من المفاوضات، حرمان العمال من أيّ زيادات بالأجور على مدار السنوات الـ4 المقبلة، كما ستُلغى أو تُخفض بعض الزيادات، وفي المقابل ستنخفض تكاليف الشركة بمقدار 15 مليار يورو سنويًا (15.7 مليار دولار) على المدى المتوسط.
تحول الطاقة في أوروبا
حذّر الكاتب تيلاك دوشي من عواقب الاستمرار في المسار الحالي لتحوّل الطاقة، ليس في ألمانيا فحسب، بل في أوروبا عمومًا، قائلًا، إنها ستكرر النموذج الإيطالي للبلدان الجميلة شكلًا، لكن متعفنة اقتصاديًا ومثقلة بالديون.
وفي تحليله لأسباب ما وصفه بالانهيار الداخلي للاقتصاد في أوروبا، قال، إنه من صُنع يد القارة العجوز، وليس من خارجها.
وأشار في هذا الصدد إلى الإفراط في فرض الضرائب والقيود التنظيمية على القطاع الخاص والهوس بزيادة الطاقة المتجددة "غير الموثوقة" على حساب الوقود الأحفوري والطاقة النووية، بدافع إنقاذ كوكب الأرض من تغير المناخ.
وفنّد اتهام النخب الحاكمة الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين بالوقوف وراء رفع أسعار الطاقة، قائلًا، إنها "خادعة" ولا تخدم سوى مصالحها الخاصة.
وكان الغاز الروسي المصدر الرئيس لواردات أوروبا قبل اندلاع شرارة الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط (2022)، لكن ارتفعت الأسعار بعد انفجارات خطَّي أنابيب نورد ستريم في سبتمبر/أيلول، ما قطع شريان التدفقات إلى القارة العجوز لحين رفع العقوبات على روسيا، حسبما قال المتحدث بلسان الكرملين ديمتري بسكوف.
ويربط حقول غرب سيبيريا بشرق أوروبا اتفاق لتصدير الغاز الروسي عبر أراضي أوكرانيا، لكنه سيتوقف مع مطلع نهار أول أيام العام الجديد، بسبب رفض كييف تجديده، رغم مطالب دول أوروبية.
وبعيدًا عن روسيا، أشار الكاتب إلى تصريحات وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي، الذي توعّد أوروبا بعدم تصدير الغاز المسال بسبب قيود صارمة مرتبطة بإعداد التقارير بيئية واجتماعية وخاصة بالحوكمة، التي تخلق تحديات "لا معنى لها على الإطلاق" لشركات مثل العملاقة قطر للطاقة.
وفي رسالة إلى صنّاع السياسات في أوروبا، قال الكعبي: "تقولون لنا إنكم لا تريدون غازنا المسال؟.. لن نزوّد الاتحاد الأوروبي بالغاز المسال القطري لدعم متطلبات الطاقة، ثم نتعرض لعقوبة تبلغ 5% من مجمل إيراداتنا العالمية".
وفيما وصفه الكاتب بـ"ذروة الغطرسة وقوة وهمية"، أوضح أن تلك العقوبات تأتي في إطار تشريع "العناية الواجبة لاستدامة الشركات" التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، ودخلت حيز التنفيذ في يوليو/تموز، لتقليل آثار العمليات في البيئة وحقوق الإنسان.
وهنا، يقول الكاتب، "يبدو أن بيروقراطيي بروكسل المتعجرفين يعتقدون أن أفكارهم الخاصة بالاستدامة تحظى بقبول عالمي"، في الوقت الذي تنشغل فيه بلدان العالم -وعلى رأسها الصين والهند وإندونيسيا- بزيادة قدرات إنتاج الوقود الأحفوري لمساعدة المواطنين في الحصول على مصدر كهرباء ميسور التكلفة وموثوق".
موضوعات متعلقة..
- المعادن الحيوية في غانا.. 10 أنواع تدعم تحول الطاقة العالمي (تقرير)
- وزير الطاقة السعودي: نحن الدولة الوحيدة التي تستفيد من تحول الطاقة ماديًا
- تحول الطاقة في جنوب شرق آسيا يزيد اعتماده على الغاز الطبيعي (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- بنود صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق.. وردود رسمية لأول مرة (مقال)
- اكتشافات النفط والغاز في 2024.. رواج كبير بـ3 قارات وحضور لدول عربية
- قطاع الغاز العربي في 2024.. السعودية تقود الاكتشافات و3 دول تبرم صفقات تصدير
- تماضر الصباح: الكويت تستعد لحفر آبار في 4 قطاعات بحرية.. وهذه تطورات اكتشاف النوخذة الضخم
المصادر:
1- مقال الدكتور تيلا دوشي على منصة "ذا ديلي سكيبتيك"