التقاريرتقارير النفطرئيسيةنفط

تحديات إنتاج النفط في سوريا.. هل ينجح حلم تحقيق 15 مليار دولار إيرادات سنويًا؟

سامر أبووردة

تعدّ تحديات إنتاج النفط في سوريا من أبرز القضايا الاقتصادية التي تواجه البلاد عقب انتهاء الصراع الذي استمر قرابة 14 عامًا، مخلّفًا أضرارًا جسيمة بقطاع الطاقة.

فقبل اندلاع الحرب في عام 2011، كان النفط أحد الركائز الأساسية لاقتصاد سوريا، لكنه يواجه حاليًا أزمات مركبة تشمل:

  1. الدمار الواسع للبنية التحتية.
  2. القيود المالية.
  3. العقوبات الدولية المشددة.
  4. التحديات البيئية المتفاقمة.

ووفقًا لبيانات قطاع النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تعاني البلاد من انخفاض كبير في إنتاج النفط مقارنة بمستوياته السابقة التي بلغت نحو 400 ألف برميل يوميًا قبل الحرب، إذ انخفض الإنتاج حاليًا إلى مستويات رمزية لا تتجاوز 30 ألف برميل يوميًا، ما يعكس حجم الضرر الذي لحق بالقطاع بسبب النزاع، والعقوبات الاقتصادية، وسرقة الموارد.

وبالرغم من الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حلول مستدامة، تظل استعادة المستويات الطبيعية بعيدة المنال دون معالجة جذور تحديات إنتاج النفط في سوريا.

البنية التحتية لقطاع النفط السوري

تمثّل البنية التحتية لقطاع النفط السوري أحد أبرز تحديات إنتاج النفط، إذ تسببت النزاعات المسلحة في تدمير واسع لحقول ومنشآت النفط.

جانب من الدمار الذي شهده حقل التنك بعد سيطرة تنظيم داعش عليه
جانب من الدمار الذي شهده حقل التنك بعد سيطرة تنظيم داعش عليه

وخلال سنوات الصراع، تعرضت حقول مثل العمر والتنك، التي كانت تعدّ من أكبر الحقول النفطية في البلاد، لهجمات متكررة أدت إلى تعطيل الإنتاج وإهدار الموارد، وشهد حقل العمر، الواقع في شرق البلاد، لهجمات متبادلة ومحاولات سيطرة بين الفصائل المتنازعة، بما في ذلك "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية"، ما خلّف أضرارًا بالغة في بُنيته التحتية.

ولم تقتصر الهجمات الصاروخية والقصف الجوي على الحقول فقط، بل طالت أيضًا المصافي ومنشآت التكرير، ما أدى إلى خسائر مباشرة تُقدّر بمليارات الدولارات.

ووفقًا لوزارة خارجية نظام بشار الأسد، بلغت خسائر تخريب وسرقة المنشآت النفطية، في ديسمبر/كانون الأول 2022، نحو 3.2 مليار دولار، بينما قُدّرت الخسائر الناجمة عن قصف طيران التحالف الدولي للبنى التحتية بـ2.9 مليار دولار، ما يجعل إعادة تأهيل القطاع مهمة مكلفة وطويلة الأجل.

أثر العقوبات الدولية في إنتاج النفط

فرضت العقوبات الدولية، الأميركية والأوروبية قيودًا صارمة على إنتاج النفط في سوريا، ما جعل الوصول إلى التكنولوجيا والمعدّات الحديثة شبه مستحيل.

ويحظر "قانون قيصر" الأميركي على الشركات الدولية تقديم أيّ دعم أو خدمات تسهم في زيادة إنتاج النفط السوري، ما أضاف عقبة رئيسة أمام استعادة النشاط الطبيعي للقطاع.

بدورها، تمنع العقوبات الأوروبية تصدير المعدّات الضرورية لصناعة النفط والغاز، وتحدّ من قدرة الشركات الأوروبية على الاستثمار في القطاع أو تقديم قروض لتمويل إعادة الإعمار.

ونتيجة لذلك، أصبحت التكنولوجيا المستعملة في المنشآت النفطية متقادمة، ما يزيد من تحديات إنتاج النفط في سوريا، وتطوير أو إصلاح المنشآت المدمرة.

القيود المالية وتوقف الاستثمارات

إلى جانب العقوبات، تشمل تحديات إنتاج النفط في سوريا القيود المالية الكبيرة بسبب نقص الاستثمارات في القطاع، فالشركات العالمية الكبرى التي كانت شريكًا رئيسًا في إنتاج النفط السوري قبل الحرب، مثل "شل" و"توتال"، لم تعد مستعدة للعودة إلى السوق السورية، نظرًا للمخاطر الأمنية والسياسية المرتبطة بالعمل هناك.

مع ذلك، يتوقع المدير الإداري لشركة غلف ساندز بتروليوم جون بيل، التي تمتلك حصة نسبتها حصة 50% في الكتلة 26 شمال شرق البلاد، أنه يسهم رفع العقوبات الدولية بشكل رئيس في مواجهة تحديات إنتاج النفط في سوريا، وتتمكن دمشق من استعادة مستويات إنتاجها السابقة.

وتشير تقديرات "بيل" إلى أن الإنتاج يمكن أن يصل إلى 400-500 ألف برميل يوميًا، ما قد يدرّ إيرادات تتراوح بين 10 و15 مليار دولار سنويًا، لكن هذا السيناريو يتطلب إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية لجذب الاستثمارات الخارجية وضمان استقرار بيئة العمل.

التحديات البيئية

تبرز التحديات البيئية بصفتها أحد أضخم تحديات إنتاج النفط في سوريا، إذ تمثّل مصفاة بانياس، أكبر مصافي سوريا، مصدرًا رئيسًا للتلوث البيئي في المنطقة.

وتطلق مداخن المصفاة كميات كبيرة من الملوثات الغازية والسائلة التي تؤثّر في صحة السكان والنظام البيئي المحيط، كما أن التسربات النفطية الناتجة عن تدمير المنشآت تؤدي إلى تلوث المياه والتربة، ما يضرّ بالكائنات البحرية والزراعات المحلية.

تسرّب نفطي في سوريا
تسرّب نفطي في سوريا - الصورة من وكالة الأنباء السورية

وفي أغسطس/آب 2021، نُشرت صور بالأقمار الصناعية أظهرت انتشار بقع نفطية هائلة ناتجة عن تسرّب زيت الوقود من محطة توليد كهرباء داخل مصفاة بانياس، امتدّ على سواحل سوريا بطول 19 كيلومترًا.

إضافة إلى ذلك، تتضمن تحديات إنتاج النفط في سوريا تحديًا غير مسبوق يتمثل في التلوث الإشعاعي الناتج عن التسربات النفطية في بعض المناطق التي تحتوي على مواد مشعة طبيعية، الأمر الذي يتطلب تدخلات متخصصة لتنظيف التربة والمياه، ما يُعقّد إعادة تأهيل الحقول المتضررة، ويضاعف تحديات إنتاج النفط في سوريا.

وأوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، في إحدى حلقات "أنسيات الطاقة"، أن بعض آبار النفط العميقة حول العالم، عندما يُستخرج منها النفط يخرج معه الماء مختلطًا بالمواد المشعة.

وقال: "كان هناك وقت تنتج فيه شركة شل النفط في سوريا من بعض الأماكن، ويبدو أنها أُهمِلت بصورة كبيرة، فحدثت مشكلة بينها وبين الحكومة، انتهت بإجبار الشركة العالمية على تنظيف المنطقة، ما جعلها تحيط المنطقة بسور عالٍ، بجانب تنظيف التربة بالكامل من المواد المشعة، بتكاليف عالية على حسابها، وظلّت المنطقة مغلقة لحماية البشر والحيوانات".

وبعد عام 2011، وقعت أزمة بسيطرة القبائل على مناطق إنتاج النفط، ثم دخل تنظيم داعش وبدأ يتاجر في النفط، وقطعوا شجرة تسمى "شجرة الكريسماس" في رأس أحد الآبار، وبدأ النفط يتدفق على وجه الأرض.

وأكمل: "شكّل الماء المخلوط بالنفط أغلب السائل المتدفق، وتكونت بحيرات وبُرَك في البادية، وكان الماء الملوث نوويًا، لاحتوائه على مواد مشعة كانت في باطن الأرض، فنتجت عن ذلك نسبة مواليد مشوهة عالية في هذه المنطقة، كما ارتفعت نسبة الوفيات بشكل كبير، وكذلك نسبة الإصابة بمرض السرطان.

وأردف الحجي: "في عام 2013، شُكّلت لجنة للنظر في الأمر، وجرى التواصل مع بعض المسؤولين ومحطة تلفاز لإنتاج فيلم وثائقي عن الأمر، لكن رئيس دولة عربية تواصل معهم وأجبرهم على الخروج، ولم يكتمل التصوير".

منشأة نفطية تابعة لشركة شل
منشأة نفطية تابعة لشركة شل- الصورة من موقع الشركة الإلكتروني

الدعم الدولي لقطاع النفط في سوريا

ظهرت، مؤخرًا، بعض مؤشرات على تقديم الدعم الدولي لقطاع النفط في سوريا، ولا سيما من تركيا، التي أبدت استعدادها للإسهام في تطوير البنية التحتية للقطاع، مشيرة إلى إمكان إنشاء خطوط أنابيب تربط سوريا بمحطات التصدير التركية.

وأشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى أنه قدّم عرضًا حول سوريا إلى مجلس الوزراء في 9 ديسمبر/كانون الأول، مباشرة بعد مغادرة بشار الأسد البلاد في 8 ديسمبر/كانون الأول

وقال، إن أنقرة تُجري استعدادات جادّة للبنية التحتية لقطاع النفط والغاز في سوريا، مضيفًا: "ندرس استعمال النفط والغاز لإعادة إعمار سوريا، ونستهدف تطوير مشروعات، ونعمل برؤية لاستعمال هذه الإمكانات التي تتمتع بها سوريا من أجل إحياء البلاد".

لقاء وزير الخارجية التركي بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع
لقاء وزير الخارجية التركي بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع

هذه الخطوة قد تفتح آفاقًا للتعاون الإقليمي في مواجهة تحديات إنتاج النفط في سوريا، لكنها تعتمد بشكل كبير على التفاهمات السياسية والأمنية بين الدول المعنية.

وعلى الصعيد الدولي، أثار بعض المسؤولين الأوروبيين والأميركيين فكرة مراجعة العقوبات المفروضة على سوريا، لكن دون قرارات حاسمة حتى الآن، في المقابل، دعا مجلس التعاون الخليجي مؤخرًا إلى رفع العقوبات ضمن جهود إعادة إعمار سوريا، ما يضع مسألة تخفيف القيود على الطاولة في المستقبل.

آفاق إنتاج النفط في سوريا

عند استشراف آفاق إنتاج النفط في سوريا، وفي ضوء التحديات الهائلة التي تواجه قطاع النفط في سوريا، يبقى الأمل معقودًا على مبادرات دولية وإقليمية تسهم في دعم القطاع.

ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة شاملة تشمل إصلاحات سياسية، ورفع العقوبات، وتأمين بيئة آمنة ومستقرة لجذب الاستثمارات.

وإلى ذلك الحين، ستظل تحديات إنتاج النفط في سوريا عائقًا رئيسًا أمام جهود إعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل، ما يجعل هذا الملف أحد أبرز القضايا التي تتطلب حلولًا جذرية ومستدامة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. العقوبات الأميركية على سوريا من موقع وزارة الخزانة الأميركية
  2. حصر الخسائر الناجمة عن الاضطرابات الأمنية وتأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري من منصة الطاقة المتخصصة.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق