تأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري.. عودة إلى مستويات الستينيات
سامر أبووردة
يكشف تأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري عن مآلات الحروب والنزاعات، كما يُظهر الخسائر الفادحة والانعكاسات السلبية لنتائجها على اقتصادات الدول.
وقبل اندلاع الأزمة في عام 2011، كانت عائدات تصدير النفط السوري تُسهم في تمويل الميزانية العامة، لكن الحرب حولت قطاع النفط إلى نقطة ضعف رئيسة في الاقتصاد الوطني، بعد تراجع الإنتاج وتدمير البنى التحتية للحقول النفطية.
ووفقًا لتطورات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يأتي تأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري في صدارة مجموعة من العوامل المعقّدة والمتشابكة أثرت بصفة سلبية مباشرة في القطاع النفطي، تشمل أيضًا النزاعات والاضطرابات الأمنية.
وتعاني حقول النفط السورية من حالة شبه شلل وتراجع حاد في الإنتاج، بتأثير مزدوج من العقوبات الدولية التي استهدفت القطاع بصفة مباشرة، والصراعات المسلحة والاضطرابات الأمنية التي دمرت البنية التحتية لأهم الحقول النفطية، منها حقلا العمر والتنك، اللذان كانا يُشكّلان العمود الفقري لإنتاج النفط السوري.
العقوبات الأميركية على النفط السوري
تمثّل العقوبات الأميركية على النفط السوري جزءًا من حزمة واسعة من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على دمشق، منذ عام 2011.
ولم تكتفِ العقوبات الأميركية بحظر التجارة بين سوريا والولايات المتحدة، وإنما توسّعت بعد تطبيق قانون قيصر، بدءًا من يونيو/حزيران 2020، وشملت منع فئات معيّنة من الأعمال التجارية بين بلدان ثالثة وسوريا.
وتحظر العقوبات الأساسية على سوريا على الشركات الأميركية استيراد النفط والمنتجات النفطية السورية، أو التجارة فيها أو نقلها، أو الانخراط في صفقات ذات صلة بها.
فعلى سبيل المثال، يُحظر على مصفاة أميركية استيراد النفط الخام السوري أو الوقود المكرّر، كذلك لا يمكن لشركة طاقة أميركية أن تشتري النفط السوري أو تتاجر به، حتى وإن كان لغرض استعماله في بلد ثالث.
وتشمل العقوبات المفروضة على الحكومة السورية السابقة التابعة لنظام بشار الأسد عقوبات على شركات النفط المملوكة للدولة، وفق متابعة منصة الطاقة المتخصصة لتطورات قطاع النفط السوري.
ويشترط قانون قيصر على السلطة التنفيذية الأميركية فرض عقوبات على الأشخاص والشركات والكيانات غير الأميركيين، الذين يبيعون أو يؤمّنون سلعًا أساسية، أو خدمات، أو تكنولوجيا، أو معلومات أو غيرها من أنواع الدعم للمحافظة على إنتاج سوريا من النفط والغاز الطبيعي، أو زيادته.
العقوبات الأوروبية على النفط السوري
تُعد العقوبات الأوروبية على النفط السوري، المفروضة منذ عام 2011، أضيق نطاقًا وأدق استهدافًا من العقوبات الأميركية.
وتشمل العقوبات الأساسية للاتحاد الأوروبي على سوريا المعدّات المطلوبة لصناعة النفط والغاز في سوريا، أو التي تستعملها الشركات المملوكة من قِبل سوريين في الخارج.
يشمل ذلك حظرًا على تصدير المعدات والتكنولوجيا المستعملة للتكرير، والغاز الطبيعي المسال، والتنقيب عن المواد الهيدروكربونية، والإنتاج، حسبما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتمنع عقوبات الاتحاد الأوروبي الشركات الأوروبية من توفير الخدمات المتعلقة بالمعدّات المحظورة، فعلى سبيل المثال، لا يمكن لشركة أوروبية توفير خدمات متعلقة باستخراج الغاز الطبيعي المسال في سوريا، حتى وإن لم تكن المعدّات المستعملة أوروبية المنشأ.
كما تمنع عقوبات الاتحاد الأوروبي الأشخاص الأوروبيين والشركات الأوروبية من شراء النفط والمنتجات النفطية السورية، وتحظر الاستثمار في صناعة النفط والغاز السورية، أو توفير القروض لها، كما تحظر الاستثمار في مشروعات توليد الكهرباء، أو توفير القروض لها.
ومن الشركات التي تشملها العقوبات الأوروبية، الشركة السورية لنقل النفط، والشركة السورية للنفط، ومصافي النفط الكبرى، وفي سياق متصل، تطبّق بريطانيا على سوريا عقوبات متطابقة إلى حد كبير مع عقوبات الاتحاد الأوروبي الحالية.
تأثير العقوبات في قطاع النفط السوري
تسببت العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية على النفط السوري في حرمان دمشق من الوصول إلى الأسواق العالمية، ما أدى إلى تراجع حاد في الإيرادات.
وبتأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري، صارت عملية الإنتاج أكثر صعوبة وتكلفة، بعدما أدّى حظر تصدير المعدات والتكنولوجيا اللازمة لتطوير وإصلاح البنية التحتية للقطاع النفطي إلى تقادم المعدات وتآكل البنية التحتية للحقول والمصافي النفطية.
وتهاوى إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية بمقدار يتجاوز 300 ألف برميل يوميًا، إذ هبط بصورة حادة إلى 40 ألف برميل يوميًا العام الماضي (2023)، من 353 ألف برميل يوميًا في عام 2011.
وسجّل الإنتاج مستويات أقل، في بعض سنوات الحرب، إذ انخفض إلى 25 ألف برميل يوميًا في عامي 2016 و2017، و24 ألف برميل في عام 2018، ليعود إلى مستويات أواخر ستينيات القرن الماضي.
ولم يقتصر تأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري على حكومة نظام بشار الأسد فحسب، وإنما امتد أيضًا ليشمل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة والقوات الكردية، إذ وجدت تلك الجهات صعوبة في بيع النفط بسبب القيود الدولية.
فعلى سبيل المثال، استمر إنتاج حقل العمر النفطي محدودًا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بسبب نقص المعدات وغياب الاستثمارات الأجنبية، نتيجة القيود المفروضة بفعل العقوبات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، قالت وزارة الخارجية التابعة لنظام بشار الأسد، إن قيمة الخسائر المباشرة وغير المباشرة لقطاع النفط بلغت نحو 112 مليار دولار.
وأوضحت وزارة خارجية النظام السابق أن الخسائر غير المباشرة تتجاوز 86 مليار دولار، تمثّل قيمة تراجع الإنتاج (النفط الخام، والغاز الطبيعي، والغاز المنزلي، ومشتقات نفطية، وثروات معدنية)، ضمن تأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري.
كما امتد تأثير العقوبات في قطاع النفط السوري، ليشمل إضعاف تدفق النفط إلى سوريا، إذ تشير بعض التقارير الصحفية إلى أن العقوبات الأميركية التي أُعلنت، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ضدّ شبكة من الشركات والسفن الروسية والإيرانية التي تنقل النفط إلى سوريا؛ أسهمت في تضييق نطاق الواردات النفطية إلى سوريا.
وفي سياق متصل، تسببت العقوبات الأميركية في حذر الجهة المشغّلة لقناة السويس، ما جعلها تتردّد مرات عديدة إزاء السماح بعبور ناقلات النفط الإيرانية المتّجهة إلى سوريا للقناة، كذلك، لا تسمح السعودية التي تملك خطّ أنابيب يمكّن ناقلات النفط من الالتفاف حول القناة، للنفط الإيراني بالتدفق عبر خط الأنابيب.
الاضطرابات الأمنية
خلّفت الاضطرابات الأمنية تأثيرات مدمرة في حقول النفط السورية، إذ تحولت إلى موضوع للصراع، وعانت طيلة سنوات الحرب من الهجمات المتكررة المتبادلة بين الجماعات المتصارعة وتعرّضت منشآتها للقصف الصاروخي.
فإلى جانب العقوبات، أدت النزاعات المسلحة دورًا محوريًا في تقليص إنتاج النفط السوري، بعد أن تحولت حقول النفط، مثل حقلي العمر، والتنك، إلى محاور للقتال بين مختلف الأطراف المتنازعة بسبب محاولات السيطرة عليها، ما أسهم في تعطل الإنتاج وإهدار الموارد وتفشي عمليات السرقة والتهريب.
وقدَّرت وزارة الخارجية التابعة لنظام بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول 2022، الخسائر المباشرة الناجمة عن سرقة النفط والغاز والثروات المعدنية في سوريا بنحو 19.8 مليار دولار.
وبحسب الوزارة، بلغت خسائر تخريب وسرقة المنشآت إلى نحو 3.2 مليار دولار، بالإضافة إلى الأضرار الناجمة عن قصف طيران التحالف الدولي المنشآت النفطية والغازية، التي تُقدَّر بـ2.9 مليار دولار، في إطار تأثير الاضطرابات الأمنية في قطاع النفط السوري.
وعلى سبيل المثال، وفي إطار تأثير الاضطرابات الأمنية في الحقول النفطية، شهد حقل العمر، أحد أكبر حقول النفط السورية، تدميرًا واسعًا للبنية التحتية في أثناء معارك الجماعات المسلحة، التي تنازعت عليه وتناوبت على احتلاله.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، سيطرت جماعة تسمى "الجيش الحر" على الحقل، قبل أن يخرجها تنظيم "داعش" منه، في أغسطس/آب 2014، ويحتله بدلًا منها، ليستمر تحت سيطرة "داعش" إلى أكتوبر/تشرين الأول 2017، إذ تمكنت "قسد" من هزيمة التنظيم والسيطرة على الحقل، بدعم من التحالف الدولي الذي كان موجودًا في سوريا.
وفي يونيو/حزيران 2021، تعرّض حقل العمر النفطي لقصف مدفعي استهدف القاعدة الأميركية الموجودة في منطقة الحقل، أدى إلى توقف الإنتاج الذي كان متراجعًا إلى أقل من 5% من إجمالي طاقته الإنتاجية.
وفي الشهر التالي، تعرَّض محيط القاعدة الأميركية بالحقل إلى 7 هجمات صاروخية، وفي يوليو/تموز 2022، استهدفت القاعدة الأميركية في الحقل بالصواريخ المتفجرة، ما تسبب في توقف إنتاج الحقل بصورة كاملة.
أما حقل التنك، وهو ثاني أكبر حقل نفطي في البلاد، فقد نالت منه الاضطرابات الأمنية وتعرّض لوضع مشابه، إذ تسببت الهجمات المتكررة والألغام الأرضية في أضرار كبيرة للبنية التحتية، ما جعل إعادة تأهيل الحقل عملية طويلة ومكلفة.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج النفط السوري قبل وبعد سقوط بشار.. من يسيطر على ثروة الشعب؟ (مقال)
- قطاع الطاقة في سوريا ركيزة التعافي الاقتصادي.. وهذه الدروس المستفادة من دول الجوار
- إنتاج سوريا من النفط.. متى وصل إلى أعلى مستوى؟
اقرأ أيضًا..
- أول جزيرة طاقة اصطناعية في العالم مهددة بـ"رياح الدنمارك".. ما القصة؟
- إنتاج سلطنة عمان من النفط في 2025.. هل تحافظ على حصتها في أوبك+؟
- حقل العد الشرقي.. 1.2 مليار برميل نفط تدعم إنتاج قطر
المصادر:
- العقوبات الأميركية على سوريا من موقع وزارة الخزانة الأميركية.
- العقوبات الأوروبية على سوريا من موقع مركز كارتر.
- حصر الخسائر الناجمة عن الاضطرابات الأمنية وتأثير العقوبات في إنتاج النفط السوري من منصة الطاقة المتخصصة.