مع انتهاء العمليات العسكرية أثيرت تساؤلات حول إمكان استعادة إنتاج سوريا من النفط مستويات ما قبل الصراع، وهل تسمح الظروف الحالية بإعادة الإعمار والاستثمار في هذا القطاع، وتتمكّن الحكومة الجديدة من تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية التي تعوق ذلك.
ويواجه قطاع النفط السوري مجموعة من التحديات المعقدة، تتراوح بين دمار البنية التحتية، والقيود المالية، والعقوبات الدولية المفروضة على البلاد. هذه العقوبات تعوق دخول المعدات الحديثة والتكنولوجيا الضرورية لإعادة تشغيل الحقول المتضررة.
ووفقًا لبيانات قطاع النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، سجل إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية تراجعًا حادًا بمقدار يتجاوز 300 ألف برميل يوميًا خلال 12 عامًا، من 353 ألف برميل يوميًا خلال عام 2011 إلى 40 ألفًا العام الماضي (2023).
ويبدو أن عودة الشركات العالمية الكبرى للاستثمار في القطاع، والتي كانت شريكًا أساسيًا في الإنتاج قبل الحرب، غير ممكنة حاليًا بسبب البيئة الأمنية غير المستقرة.
إنتاج سوريا من النفط منذ اندلاع الحرب عام 2011
شهد إنتاج سوريا من النفط منذ اندلاع الحرب عام 2011 تراجعًا حادًا، إذ عاد إلى مستويات إنتاج أواخر ستينيات القرن الماضي، رغم ما تملكه من احتياطيات.
وتمتلك سوريا احتياطيات تبلغ نحو 2.5 مليار برميل من النفط، وهي المستويات نفسها المسجلة منذ عام 2007، وفق تقرير لموقع "أويل برايسز" المتخصص في شؤون الطاقة، نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وتحتل سوريا المرتبة الـ31 عالميًا في احتياطيات النفط، وتمثّل 0.2% من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- احتياطيات النفط في سوريا منذ عام 1980 حتى 2023:
وسجّل إنتاج النفط في سوريا أعلى مستوى له، خلال عام 2002، عندما بلغ 677 ألف برميل يوميًا، وبعد ذلك ظل يحوم بين مستويات 400 ألف و300 ألف برميل يوميًا خلال المدة منذ 2004 حتى 2011، وفق تقديرات معهد النفط البريطاني.
وبلغ إنتاج سوريا من النفط، في عام 2008، نحو 406 آلاف برميل يوميًا، وتراجع عام 2009 إلى 401 ألف برميل يوميًا، ثم انخفض إلى 385 ألف برميل في عام 2010، و353 ألف برميل في عام 2011.
وخلال 12 عامًا، هبط إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية بمقدار يتجاوز 300 ألف برميل يوميًا، إذ انخفض إلى 40 ألف برميل يوميًا العام الماضي (2023)، من 353 ألف برميل يوميًا في عام 2011.
وسجّل الإنتاج نحو 171 ألف برميل في عام 2012، وواصل تراجعه إلى 59 ألف برميل في عام 2013، ثم 33 ألفًا في عام 2014، ثم 27 ألفًا في عام 2015، و25 ألف برميل يوميًا في عامي 2016 و2017، و24 ألف برميل في عام 2018، بحسب بيانات موقع شركة بي بي البريطانية.
وقُدّر إنتاج سوريا من النفط في عام 2021 بنحو 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل.
وبحسب تصريحات وزير النفط السابق فراس قدور، إلى منصة الطاقة المتخصصة، في ديسمبر/كانون الأول 2023، انخفض إنتاج النفط في سوريا، حينها، إلى 15 ألف برميل يوميًا.
وأدّى التراجع الحاد للإنتاج إلى اعتماد دمشق على الاستيراد لتأمين 95% من احتياجاتها النفطية، فبحسب تقديرات رسمية تستورد البلاد نحو 5 ملايين برميل شهريًا، أو ما يزيد على 160 ألف برميل يوميًا، بعدما كانت تصدّر 150 ألفًا من الخام قبل عام 2011.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية منذ عام 1968 حتى 2023:
وأدت الأوضاع الأمنية الصعبة إلى تعليق الشركات العالمية العاملة في مجال التنقيب والاستكشاف العمل في سوريا منذ اندلاع الحرب.
إيرادات قطاع النفط والغاز في سوريا
ستعتمد إعادة الإعمار، بعد سنوات من الحرب، بشكل كبير على إيرادات قطاع النفط والغاز في سوريا بصفتها مصدرًا أساسيًا لدعم الاقتصاد والحكومة الجديدة.
ومع ذلك، يظل السؤال حول مدى استعداد شركات النفط الدولية للعودة والاستثمار في القطاع السوري قائمًا، خاصة في ظل استمرار العقوبات الدولية المعقدة.
ومن أبرز العوائق التي تواجه هذا القطاع في سوريا شبكة العقوبات الأمريكية والأوروبية والبريطانية، وأبرزها قانون قيصر الأميركي لعام 2020، إذ يفرض هذا القانون، المقرر أن ينتهي في 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قيودًا صارمة على التعاون الاقتصادي مع سوريا تحت إدارة نظام بشار الأسد.
وقد يفتح رفع هذه العقوبات الباب أمام شركات النفط الدولية للعودة والاستثمار؛ ما يشكل فرصة حيوية لعودة معدلات إنتاج سوريا من النفط إلى مستويات ما قبل الصراع؛ ما سيُسهم بنسبة كبيرة في دعم اقتصاد البلاد.
عودة مستويات الإنتاج السابقة
وفي هذا السياق، يرى المدير الإداري لشركة غلف ساندز بتروليوم جون بيل، التي تمتلك حصة نسبتها حصة 50% في الكتلة 26 شمال شرق البلاد، أن إنتاج سوريا من النفط قد يعود إلى مستوياته السابقة قبل الحرب وربما يتجاوزها.
ووفقًا لتقديرات بيل، يمكن أن يصل الإنتاج إلى ما بين 400 ألف و500 ألف برميل يوميًا، ما قد يدر إيرادات تتراوح بين 10 مليارات و15 مليار دولار سنويًا، عند سعر 70 دولارًا للبرميل.
ورغم هذه التوقعات الإيجابية؛ فإن شركات النفط الكبرى تواجه حواجز عدة قد تمنعها من العودة إلى سوريا، إذ تُعدّ البيئة الجيوسياسية المعقدة، والاضطرابات الأمنية، والمخاطر المرتبطة بالعمل في منطقة لا تزال تعاني عدم الاستقرار، عوامل رئيسة في تردد هذه الشركات.
وفي هذا السياق، يبرز تردد شركات مثل شل وتوتال إنرجي، اللتين كانتا من اللاعبين الرئيسين في قطاع النفط السوري قبل الحرب عبر مشروعات مشتركة مع شركة الفرات للبترول (AFPC) وشركة دير الزور للبترول (DEZPC).
وعلى الرغم من وجود الشركتين في المشهد النفطي السوري؛ فإن الحماس لاستئناف العمليات التي توقفت منذ عام (2011) يبدو محدودًا في ظل الأوضاع الراهنة.
يُشار إلى أنه عند اندلاع الحرب في عام 2011، كانت شركة النفط العراقية تضخ نحو 90 ألف برميل يوميًا، في حين كانت شركة نفط ظفار تنتج نحو 20 ألف برميل يوميًا.
وتّظهر هذه الأرقام إمكان إعادة إنتاج سوريا من النفط إلى مستويات ما قبل الصراع، لكنها تعتمد على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية، بالإضافة إلى رفع العقوبات التي تثقل كاهل الاستثمار الدولي.
إن الإمكانات النفطية لسوريا توفر فرصة حقيقية لدعم إعادة الإعمار، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة التحديات الرئيسة التي تعوق جذب الاستثمارات الأجنبية، إذ لا يقتصر الأمر على رفع العقوبات، بل يمتد إلى خلق بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، تكون مشجعة لشركات النفط العالمية الكبرى التي تبحث عن فرص ذات جدوى اقتصادية عالية.
وفي المحصلة، يبقى مستقبل قطاع النفط السوري مرهونًا بمدى التقدم في حل القضايا السياسية والأمنية، بالإضافة إلى مدى انفتاح الحكومة السورية الجديدة على تبنّي سياسات اقتصادية وتشريعات تضمن الشفافية والمرونة لجذب الشركاء الدوليين.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: خطط سوريا لخطوط أنابيب النفط والغاز انتهت.. وهذا وضع الطاقة المتجددة
- بدائل النفط الإيراني تحدٍّ يواجه سوريا بعد سقوط الأسد.. ما دور قطر وتركيا؟
- قطاع الطاقة في سوريا يُظهر معاناة 14 عامًا من الحرب.. ماذا بعد؟
اقرأ أيضًا..
- طاقة تكرير النفط في العراق تضيف 20 ألف برميل يوميًا
- قائمة صادرات الطاقة الروسية تشهد ظهورًا نادرًا لمصر.. ماذا استوردت؟
- أسعار إيجار ناقلات الغاز المسال تنهار
المصادر..