تركيا وتوتال إنرجي.. شراكة بمجال الغاز المسال تعزز أمن الطاقة (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • تركيا تسعى إلى دمج الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة والغاز المسال في مزيج الطاقة لديها
- • تركيا بذلت جهودًا حثيثة لتوسيع شبكتها من مورّدي الغاز
- • تركيا تُعدّ رابع أكبر سوق للغاز الطبيعي في أوروبا
- • سيكون لهذه الاتفاقية آثار عميقة في أمن الطاقة الأوروبي خلال السنوات المقبلة
تعزز شراكة الغاز المسال بين تركيا وتوتال إنرجي الفرنسية أمن الطاقة المحلي والإقليمي، حيث يُعدّ التنويع أولوية بارزة في سياسة الطاقة التركية، ويدعم النمو الاقتصادي.
وتسعى أنقرة إلى دمج الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة والغاز المسال في مزيج الطاقة لديها، لتقليل الاعتماد على عدد محدود من المورّدين.
ويؤدي هذا الالتزام إلى استقرار تكاليف الطاقة والإمدادات، ويجعل تركيا مركزًا إقليميًا مزدهرًا للغاز.
على صعيد آخر، تهدف أنقرة، من خلال الاستثمار في البنية التحتية ورعاية الشراكات الإستراتيجية، إلى أن تصبح لاعبًا مهمًا في قطاع الطاقة، ما يسهّل تدفّق الغاز إلى أوروبا ويعزز مكانتها الجيوسياسية.
شراكة تركيا وتوتال إنرجي
وقّعت تركيا مؤخرًا اتفاقية الغاز المسال طويلة الأجل مع شركة توتال إنرجي الفرنسية TotalEnergies، وهي خطوة رئيسة في جهودها لتنويع مصادر الطاقة.
وتتضمن الاتفاقية، التي أبرمتها شركة خطوط الأنابيب الوطنية التركية، بوتاش Botas، توريد 1.1 مليون طن من الغاز المسال سنويًا، بدءًا من عام 2027.
وستسهم هذه الإمدادات الكبيرة في تعزيز مشهد الطاقة في أنقرة، بما يتماشى مع طموحاتها لتعزيز أمن الطاقة وترسيخ دورها بصفتها مركزًا إقليميًا للغاز.
وتسعى أنقرة، من خلال تأمين إمدادات مستقرة من الغاز المسال، إلى تخفيف اعتمادها على واردات الغاز التقليدية، وضمان تسعير أكثر موثوقية، ودعم النمو الاقتصادي في سوق الطاقة المتقلبة.
الإمداد السنوي
بموجب هذه الاتفاقية، يبلغ الإمداد السنوي 1.1 مليون طن من الغاز المسال نحو 1.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يعادل نحو 16 شحنة من الغاز المسال سنويًا.
وسوف تساعد هذه الإضافة إلى محفظة الطاقة التركية في تلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة، وتعزيز مكانتها موردًا موثوقًا للطاقة في المنطقة.
على صعيد آخر، سوف تؤدي زيادة سعة الغاز المسال دورًا حاسمًا في استقرار أسعار الطاقة، والحدّ من الاعتماد على إمدادات الغاز التقليدية، وتعزيز أهداف تركيا في مجال أمن الطاقة وتنويع مصادرها على المدى الطويل.
الأهمية الإستراتيجية للاتفاقية
تدرك تركيا وتوتال إنرجي الأهمية الإستراتيجية لهذه الاتفاقية؛ فمن خلال تنويع قاعدة مواردها وضمان تدفّق ثابت من الغاز الطبيعي، تعمل تركيا على تعزيز أمن إمدادات الطاقة لديها، وهو أمر حيوي لتلبية الطلب المحلي.
في المقابل، تدعم الاتفاقية تطلعات تركيا لتصبح لاعبًا رئيسًا في مجال الطاقة، وتسهّل إعادة توجيه شحنات الغاز المسال إلى أوروبا ومصر، ما يمكّنها من الاستفادة من الطلب المتزايد في هذه الأسواق.
وتسهم هذه المرونة في تعزيز النفوذ الجيوسياسي لتركيا، وتدعم استقرار الطاقة في المنطقة، ما يعزز أهمية الصفقة في إستراتيجية الطاقة التركية الشاملة.
سياق إستراتيجية الطاقة التركية
تمثّل هذه الاتفاقية جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجية تركيا الأوسع نطاقًا لتأمين مستقبلها في مجال الطاقة، وسط الأسواق الدولية المتقلبة.
وقد بذلت تركيا جهودًا حثيثة لتوسيع شبكتها من مورّدي الغاز، حيث وقّعت مؤخرًا عقودًا متعددة للغاز المسال مع شركات كبرى مثل شل Shell وإكسون موبيل ExxonMobil.
وقد صُممت هذه الاتفاقيات طويلة الأجل لتثبيت أسعار الغاز وخفضها بمرور الوقت، ما يعزز القدرة على تحمُّل التكاليف بالنسبة للمستهلكين والشركات.
ووسط استهلاك سنوي يبلغ نحو 50-55 مليار متر مكعب، تُعدّ تركيا رابع أكبر سوق للغاز الطبيعي في أوروبا.
ومن خلال تنويع مصادرها، تعمل تركيا على تعزيز أمن الطاقة، وتضع نفسها حلقة وصل مهمة في سلسلة توريد الطاقة الإقليمية.
ويوضح هذا النهج الاستباقي تصميم تركيا على أن تصبح قوة مهمة في مشهد الطاقة العالمي.
التداعيات على أمن الطاقة الأوروبي
تمثّل الاتفاقية أهمية محورية في الحدّ من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ومعالجة المخاوف بشأن ضعف الطاقة في ظل التوترات الجيوسياسية.
ومن خلال تحسين البنية الأساسية للغاز المسال في تركيا وإقامة شراكات مع شركات الطاقة الكبرى، تعمل الاتفاقية على تنويع سلسلة التوريد، ما يوفر للدول الأوروبية مصادر بديلة للغاز الطبيعي.
ويعمل هذا التنويع على تعزيز مرونة الطاقة عمومًا، ما يمكّن الدول من الاستجابة بشكل أكثر فعالية لانقطاعات الإمدادات، مع ضمان استقرار الأسعار.
وبالنظر إلى أن تركيا تضع نفسها موردًا رئيسًا لدول وسط وشرق أوروبا، فإنها بوسعها تلبية الطلب المتزايد على الطاقة من جانب جيرانها وتعزيز العلاقات الإقليمية.
ومن خلال تأمين إمدادات الطاقة الموثوقة والمتنوعة، يمكن للدول الأوروبية تعزيز أمنها في مجال الطاقة والحدّ من التعرّض للضغوط الخارجية.
ويتماشى هذا التحول مع أهداف الاتحاد الأوروبي بتحقيق الاستقلال والاستدامة في مجال الطاقة، فضلًا عن تطلعات تركيا لتصبح مركزًا متناميًا للطاقة.
ومن ثم، فإن هذه الاتفاقية تمثّل خطوة مهمة نحو مستقبل مشترك للأمن وارتباط الطاقة لكل من تركيا وأوروبا.
مكاسب توتال إنرجي من شراكة الغاز المسال
توفر اتفاقية الغاز المسال طويلة الأجل مع شركة بوتاش التركية العديد من المزايا لشركة توتال إنرجي.
ويضمن العقد الذي يمتد لـ10 سنوات مبيعات مستقرة، ما يوفر لشركة توتال إنرجي عميلًا موثوقًا به وإيرادات ثابتة، ويخفف من التعرض لأسعار السوق الفورية المتقلبة، ما يؤدي إلى عوائد أكثر موثوقية.
من جهة ثانية، تعزز هذه الاتفاقية وجود توتال إنرجي في تركيا، التي تحتلّ المرتبة الرابعة بين أكبر أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا.
كما تدعم هدفها الإستراتيجي المتمثل في زيادة حصة الغاز الطبيعي بمزيج مبيعاتها إلى ما يقرب من 50% بحلول عام 2030.
وبصفتها ثالث أكبر شركة للغاز المسال على مستوى العالم، تُسهم هذه الصفقة في تنويع محفظة توتال إنرجي، وقد تخلق فرصًا لتوريد الغاز إلى أسواق أخرى في جنوب شرق أوروبا، بما يتماشى مع طموحات تركيا.
الإضافة إلى ذلك، تساعد توتال إنرجي، من خلال توفير الغاز الطبيعي مصدر طاقة انتقاليًا، في الحدّ من الانبعاثات، من خلال تسهيل التحول من الفحم في توليد الكهرباء.
وتعمل هذه الاتفاقية على تعزيز الشراكة القائمة مع شركة بوتاش، ما قد يمهّد الطريق أمام تعاون مستقبلي في قطاع الطاقة التركي.
لذلك، فإن تأمين هذه الصفقة طويلة الأجل يسمح لشركة توتال إنرجي بضمان إيرادات مستقرة، مع ترسيخ مكانتها في سوق رئيسة، بما يتماشى مع أهدافها المؤسسية الأوسع في بيئة الطاقة العالمية المتغيرة.
الخلاصة
تمثّل اتفاقية الغاز المسال لمدة 10 سنوات بين تركيا وتوتال إنرجي تطورًا كبيرًا في سياسة الطاقة التركية، وتعكس التزام البلاد بتنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمن الإمدادات.
ويضع هذا العقد تركيا لاعبًا رئيسًا في صناعة الغاز المسال، وقد يعيد تشكيل ديناميكيات الطاقة الإقليمية.
ومن خلال تعزيز بنيتها التحتية وتوسيع شبكة المورّدين، قد تظهر تركيا مركزًا حيويًا لتوزيع الغاز الطبيعي، خصوصًا بالنسبة لدول وسط وشرق أوروبا التي تسعى إلى بدائل لمصادر الغاز التقليدية.
إضافة إلى ذلك، سيكون لهذه الاتفاقية آثار عميقة في أمن الطاقة الأوروبي خلال السنوات المقبلة.
ومن خلال تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، يمكن للدول الأوروبية تعزيز استقرارها وقدرتها على الصمود في مواجهة التحديات الجيوسياسية المتطورة.
وقد تعمل واردات الغاز المسال من تركيا على تعزيز سوق الطاقة الأكثر تكاملًا وزيادة التعاون الإقليمي، وتؤكد هذه الشراكة، عمومًا، طموح تركيا في أن تصبح رائدة إقليمية في مجال الطاقة، وتُبرز الأهمية الكبيرة للتنويع في ضمان أمن الطاقة والاستدامة لأوروبا.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- اتفاقية توريد غاز مسال بين تركيا وتوتال إنرجي ترى النور قريبًا
- تركيا تشتري 1.2 مليون طنّ غاز طبيعي مسال من توتال الفرنسية
- صفقة غاز مسال طويلة الأمد تنعش تركيا.. ما علاقة مصر؟
اقرأ أيضًا..
- صناعة الهيدروجين العالمية قابلة للتطور.. ومستهدفات 2030 "غير واقعية"
- 5 ملفات دعّمت تجديد الثقة في صالح الخرابشة وزيرًا للطاقة الأردني
- بالأرقام.. مشروعات قطاع الطاقة في الجزائر تنعش الناتج المحلي وتدعم الاقتصاد