النفط الروسي الرخيص يعرّض الهند لمخاطر جيوسياسية (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- في يوليو/تموز 2024 تجاوزت الهند رسميًا الصين كأكبر مشتر للنفط الروسي
- قرار الهند بزيادة وارداتها النفطية من روسيا يتزامن مع إستراتيجيتها الأوسع لتنويع الطاقة
- استراتيجية الهند لتنويع الطاقة تهدف إلى تقليل الاعتماد على إمدادات النفط من الشرق الأوسط
- قطاع النفط والغاز ساهم بنحو 45% من عائدات الموازنة الاتحادية الروسية في عام 2024
في يوليو/تموز 2024، أصبحت الهند أكبر مستوردي النفط الروسي، ويُعد ذلك حدثًا بارزًا في أسواق الطاقة العالمية، ويدل على تحوّل كبير في تدفقات الطاقة بسبب التداعيات الجيوسياسية للعقوبات الغربية ضد روسيا.
وعزز القرار الإستراتيجي الذي اتخذته الهند بشراء النفط من روسيا بأسعار مخفضة وإعادة تصدير المنتجات المكررة، في المقام الأول إلى أوروبا، مكانتها بصفتها لاعبًا محوريًا في تجارة الطاقة العالمية.
وتكمن المسألة المهمة، حاليًا، في مدى استدامة هذا الترتيب، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات الجيوسياسية، وديناميكيات السوق المتغيرة، والضغوط التنظيمية المحتملة من الغرب.
ويتناول هذا المقال عواقب صعود الهند بصفتها أكبر مشترٍ للنفط الروسي، مع التركيز على اتجاهات البيانات الأساسية، وإعادة تصدير الطاقة، والمشهد الجيوسياسي الأوسع.
أولًا: موقف الهند بصفتها أكبر مستورد للنفط الروسي
في يوليو/تموز 2024، تجاوزت الهند رسميًا الصين بصفتها أكبر مشترٍ للنفط الروسي؛ إذ بلغت الواردات اليومية رقمًا قياسيًا مقداره 2.07 مليون برميل.
وشكّلت روسيا 45% من واردات الهند من النفط، وفقًا لبيانات شركة كبلر، وحافظت على المستويات التي شوهدت في يونيو/حزيران الماضي.
وهذا يجعل روسيا الشريك المهيمن في مجال الطاقة للهند، يليها العراق (17%) والمملكة العربية السعودية (9%).
وتعكس الحصة المرتفعة من النفط الروسي في سلة واردات الهند تعميق العلاقات في مجال الطاقة بين البلدين، مدعومة بخصومات مواتية ومصالح إستراتيجية متبادلة.
من ناحية ثانية، يتزامن قرار الهند بزيادة واردات النفط الروسي مع إستراتيجيتها الأوسع لتنويع الطاقة، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على إمدادات النفط من الشرق الأوسط.
وتوضح الزيادة الشهرية بنسبة 4.2% في واردات النفط الروسي وارتفاع بنسبة 12% على أساس سنوي التزام الهند بالحفاظ على إمدادات الطاقة المستقرة وبأسعار معقولة على الرغم من الاضطرابات الجيوسياسية العالمية.
في المقابل؛ فإن الترتيب لا يخلو من التحديات؛ فقد يعرّض الاعتماد على النفط الروسي منخفض السعر الهند لمخاطر جيوسياسية، خصوصًا إذا تحرك الغرب لتشديد العقوبات على صادرات الطاقة الروسية.
وفي الوقت الحالي، تتمتع الهند بوضع مربح من خلال شراء النفط الروسي الرخيص وتكريره وإعادة تصدير المنتجات، في المقام الأول إلى الدول الأوروبية.
ثانيًا: تداعيات إعادة تصدير النفط الهندي إلى أوروبا
يتمثل أحد أهم التطورات الجيوسياسية الناجمة عن زيادة واردات الهند من النفط الروسي في دورها بصفتها وسيطًا رئيسًا بين روسيا وأوروبا.
وعلى الرغم من العقوبات الأوروبية المفروضة على النفط الروسي؛ فإن هناك ثغرة قانونية تسمح للمنتجات المكررة المصنوعة من الخام الروسي خارج روسيا، خصوصًا في الهند، بالعودة إلى الدول الأوروبية.
وكانت هذه العملية بالغة الأهمية في الحفاظ على استقرار الطاقة في أوروبا، خصوصًا في ظل انخفاض إمدادات الطاقة الروسية المباشرة.
ومن وجهة نظر جيوسياسية، فإن ترتيب إعادة التصدير هذا يضع الهند في موقف حساس.
فمن ناحية، تستفيد الهند اقتصاديًا من بيع المنتجات المكررة إلى أوروبا، ومن ناحية أخرى، قد تصبح هذه التجارة نقطة محورية للتوتر السياسي إذا سعت الدول الغربية إلى سد الثغرة.
وعلى الرغم من أن العملية تندرج تقنيًا في السياق القانوني، فإن الاعتماد المتزايد لأوروبا على النفط الروسي المكرر في الهند قد يثير التدقيق في المستقبل، خصوصًا مع تصاعد الضغوط السياسية الأوروبية لقطع العلاقات في مجال الطاقة مع روسيا بالكامل.
بالنسبة للهند، فإن هذه الديناميكية تقدم مخاطر وفرصًا في نفس الوقت.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعمل الأرباح من إعادة تصدير الوقود الأحفوري المكرر على تعزيز موقف الهند في تجارة الطاقة، وعلى الصعيد الجيوسياسي، تزيد البلاد من نفوذها في مفاوضات الطاقة العالمية.
وبالنظر إلى اعتماد أوروبا المتزايد على النفط المكرر الهندي، يمكن للهند استخدام هذا كأداة مساومة في المناقشات الدبلوماسية مع القوى الغربية.
رغم ذلك، وعند تشديد العقوبات، قد تتعرض قدرة الهند على الحفاظ على هذا الدور للخطر، ما يؤدي إلى اضطرابات محتملة في كل من اقتصادها وعلاقاتها التجارية في مجال الطاقة.
ثالثًا: بيانات عن النفط والغاز الروسيين
تظل روسيا لاعبًا مهيمنًا في أسواق النفط والغاز العالمية، حيث تشكل صادراتها من الطاقة العمود الفقري لاقتصادها.
وساهم قطاع النفط والغاز بنحو 45% من عائدات الموازنة الاتحادية الروسية في عام 2024، وفقًا لبيانات وزارة المالية الروسية.
وفي الأشهر الـ7 الأولى من العام، بلغت عائدات النفط والغاز 6.77 تريليون روبل، بزيادة قدرها 62% عن العام السابق، مدفوعة في المقام الأول بمزيج من ارتفاع أسعار النفط والتغيرات في نظام ضريبة استخراج المعادن.
نظرة عامة على مناطق الإنتاج
تعد غرب سيبيريا، وتحديدًا منطقة تيومين، وخانتي مانسيسك، وأوكروغ يامالو نينيتس المتمتعة بالحكم الذاتي، أكبر المناطق المنتجة للنفط والغاز في روسيا.
وتمثل المناطق ما يقرب من 60% من إجمالي إنتاج النفط في روسيا و90% من إنتاج الغاز الطبيعي في روسيا.
ويساهم قطاع استخراج المعادن بنسبة 34.9% في اقتصاد منطقة الأورال الفيدرالية.
الإيرادات من قطاع النفط والغاز
حقق قطاع النفط والغاز في روسيا 6.77 تريليون روبل (74 مليار و470 مليون دولار) لموازنة الدولة في الأشهر الـ7 الأولى من عام 2024، ما يمثل زيادة بنسبة 62% مقارنة بنفس الفترة في عام 2023.
(روبل روسي = 0.011 دولار أميركي).
وبلغت إيرادات ضريبة النفط نحو 6.01 تريليون روبل (بزيادة نسبتها 68.3%)، فيما سجلت إيرادات ضريبة الغاز: 841.3 مليار روبل (بزيادة نسبتها 23.5%)
ويُعزى الارتفاع الكبير في الإيرادات إلى التغييرات في النظام الضريبي، وتحديدًا استكمال المناورة الضريبية التي زادت ضريبة استخراج المعادن، فضلًا عن انخفاض قيمة الروبل.
تأثير العقوبات وإعادة توجيه الصادرات
في أعقاب فرض العقوبات الغربية، أعادت روسيا توجيه صادرات النفط بسرعة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما أدى إلى زيادة بنسبة 2.6% في صادرات النفط مقارنة بمستويات ما قبل العقوبات.
واعتبارًا من نهاية عام 2023، شكلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ 80% من صادرات النفط الروسية و35% من صادرات المنتجات النفطية الروسية
المستوردون الرئيسون:
- الهند: 45% من نفط الأورال
- تركيا ومصر: أكثر من 20% لكل منهما
- الصين: أكثر من 80% من نفط خط أنابيب شرق أوروبا والشرق الأوسط.
الإنتاج والصادرات
انخفض إنتاج النفط بنسبة 4% على أساس سنوي من 40.2 مليون طن في يوليو/تموز 2023 إلى 37.2 مليون طن في يوليو/تموز 2024، ووبلغ متوسط الإنتاج اليومي 9.089 مليون برميل يوميًا
وسجل الانخفاض المرتبط باتفاقية تحالف أوبك+، التي وافقت روسيا بموجبها على خفض إنتاج النفط بما يلي: 2.2 مليون برميل يوميًا حتى الربع الثالث من عام 2024 و1.65 مليون برميل يوميًا حتى نهاية عام 2025.
وانخفضت صادرات النفط في يوليو/تموز 2024 بمقدار 280 ألف برميل يوميًا إلى 7.4 مليون برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى شهري منذ أغسطس/آب 2023.
وعلى الرغم من ذلك، ساعدت أسعار النفط المرتفعة في استقرار الإيرادات.
أسعار النفط الروسي
سجل متوسط سعر نفط الأورال في عام 2024 خلال المدة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2024: 64.37 دولارًا للبرميل للبرميل.
وفي يوليو/تموز 2024 ارتفع سعر برميل النفط الروسي إلى 71.8-72.2 دولارًا للبرميل، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 11.5-16.4% على أساس سنوي.
أرباح شركتي روسنفط ولوك أويل
بلغ صافي ربح شركة روسنفط الروسية Rosneft للربع الأول من عام 2024: 486 مليار روبل، بزيادة 92.8% مقارنة بالربع الرابع من عام 2023.
وبلغ صافي ربح شركة لوك أويل الروسية Lukoil في النصف الأول من عام 2024: 345.8 مليار روبل، بانخفاض من 463.5 مليار روبل في النصف الأول من عام 2023، على الرغم من زيادة إيراداتها إلى 1.47 تريليون روبل.
التحديات في قطاع النفط
تواجه خدمات حقول النفط مخاطر متوسطة وطويلة الأجل، بما في ذلك استنفاد قاعدة الموارد المستكشفة وزيادة حصة الاحتياطيات التي يصعب استخراجها.
وتعتمد روسيا على المعدات التكنولوجية العالية المستوردة للاستكشاف الجيولوجي والحفر البحري وتكثيف الإنتاج.
تجدر الإشارة إلى أنه لا يتم إنتاج سوى 10% من تقنيات الحفر البحري و30% من برامج الاستكشاف الجيولوجي محليًا حاليًا.
أداء قطاع الغاز
نما إنتاج الغاز بنسبة 8% في يوليو/تموز 2024 مقارنة بيوليو /تموز2023، ليصل إلى 46 مليار متر مكعب.
وكان نمو الصادرات مدفوعًا بزيادة الإمدادات إلى أوروبا عبر أوكرانيا وتركيا (+11% على أساس سنوي)
ووصلت الإمدادات إلى الصين عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا إلى 30 مليار متر مكعب في عام 2024، بزيادة 32% عن عام 2023.
وبلغ إجمالي صادرات الغاز عبر خط الأنابيب للأشهر الـ7 الأولى من عام 2024 60 مليار متر مكعب.
واستحوذت أوروبا والصين على نحو 17.5 مليار متر مكعب لكل منهما، تليها تركيا (10 مليار متر مكعب)، وبيلاروسيا (المستهلك الرئيس).
وتظل صادرات الغاز المسال عند مستويات ما قبل الأزمة، مع استمرار أوروبا في تلقي حصة كبيرة.
الإيرادات والأداء المالي
استقرت إيرادات شركة غازبروم Gazprom في النصف الأول من عام 2024، حيث زادت المبيعات بنسبة 4% على أساس سنوي إلى 1.7 تريليون روبل، على الرغم من الخسارة الصافية التي بلغت 481 مليار روبل.
ونمت إيرادات شركة نوفاتك الروسية Novatek في النصف الأول من عام 2024 بنسبة 16% إلى 731 مليار روبل، في حين ارتفع صافي ربحها من 158 مليار روبل إلى 345 مليار روبل.
تقنيات الغاز المسال والآفاق المستقبلية
تركز الشركات الروسية، خصوصًا نوفاتك، على تطوير تقنيات الغاز المسال بعد العقوبات، مثل مشروع أوه بي إل إن جي Ob LNG الذي يستعمل تقنية أركتيك ميكس Arctic Mix لتسييل الغاز الطبيعي.
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها حاسمة للنمو المستقبلي، خصوصًا للصادرات عبر طريق القطب الشمالي وبحر الشمال.
الحفاظ على الاستقرار
نجح قطاع النفط والغاز في روسيا في الحفاظ على الاستقرار على الرغم من العقوبات، مدفوعًا بارتفاع أسعار النفط، والتغييرات الضريبية، والتحول الإستراتيجي في الصادرات إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
رغم ذلك، تواجه الصناعة تحديات تتعلق بالاعتماد التكنولوجي، ونقص الاستثمار، وانخفاض الإنتاج.
وسوف يتأثر مستقبل القطاع بشكل كبير بنجاح جهود استبدال الواردات، وتطوير تكنولوجيات الغاز المسال، والديناميكيات الجيوسياسية في الأسواق الأوروبية والآسيوية.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- بالأرقام.. مشروعات قطاع الطاقة في الجزائر تنعش الناتج المحلي وتدعم الاقتصاد
- 5 ملفات دعّمت تجديد الثقة في صالح الخرابشة وزيرًا للطاقة الأردني
- إجمالي ثروات أغنى 10 مليارديرات في مجال الطاقة تتجاوز 296 مليار دولار