الغاز الروسي إلى إيران.. دعم عاجل للاحتياجات وإنقاذ للمكانة الإقليمية (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • الاعتماد على خطوط الأنابيب وشبكات التوزيع لمسافات طويلة يؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل
- • إيران تخطط لاستيراد 300 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا يوميًا
- • إيران تسعى إلى تعزيز أمن الطاقة لديها وتأكيد دورها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة
- • البنية التحتية القديمة ونقص الاستثمار والعقوبات الدولية تعوق إنتاج الغاز المحلي في إيران
تأتي صادرات الغاز الروسي إلى إيران في وقت يتأثر فيه استهلاك الطاقة المحلي والاستقرار الاقتصادي في البلاد بصورة كبيرة بالنقص الحادّ في الغاز الطبيعي، وبالبنية التحتية القديمة، وباستمرار العقوبات المفروضة على البلاد.
في ضوء ذلك، تواجه طهران خيارات محدودة لمعالجة هذه الندرة، ما يضع صنّاع القرار في موقف صعب.
ويتمثل أحد الحلول القابلة للتطبيق في استيراد الغاز من الدول المجاورة، مثل تركمانستان وروسيا.
ومن الممكن أن يساعد هذا النهج في سدّ الفجوة الحالية، وضمان إمدادات ثابتة من الطاقة، رغم أنه يُظهر تحديات لوجستية وجيوسياسية يجب معالجتها بعناية.
تحديات الجغرافيا والبنية التحتية
يواجه قطاع الطاقة في إيران تحديًا جغرافيًا، إذ تقع مراكزه السكانية الرئيسة، بما في ذلك طهران ومشهد وأصفهان، في المناطق الشمالية والوسطى، في حين تقع موارده الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي بمقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية.
ويتطلب هذا التفاوت الجغرافي بنية تحتية واسعة النطاق لنقل موارد الطاقة إلى حيث تشتد الحاجة إليها.
بدوره، فإن الاعتماد على خطوط الأنابيب وشبكات التوزيع لمسافات طويلة يؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل، ويعرّض البلاد لمخاطر مثل انقطاع الإمدادات وعدم كفاءة البنية التحتية.
ولضمان توزيع مستقر وفعال للطاقة، يجب على إيران معالجة هذه القضايا لتلبية المتطلبات الحضرية ودعم النمو الاقتصادي.
اتفاقية خط أنابيب الغاز الروسي إلى إيران
لمواجهة هذه التحديات، أبرمت طهران صفقة إستراتيجية مع موسكو.
ووفقًا لوزير النفط الإيراني، جواد أوجي، تخطط البلاد لاستيراد 300 مليون متر مكعب من الغاز الروسي يوميًا.
وتأتي هذه الاتفاقية، التي أُبرمت في 17 يوليو/تموز 2024، في أعقاب اتفاق إستراتيجي وُقِّعَ بين شركة الغاز الوطنية (NIGC) وشركة غازبروم الروسية في يونيو/حزيران 2024.
وبموجب الاتفاقية، ستزوّد موسكو طهران بنحو 109 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا.
ولتسهيل ذلك، ستموّل روسيا بناء خط أنابيب لربط شمال وجنوب إيران، وسوف يلبي الغاز المستورد في المقام الأول احتياجات طهران المحلية، مع تخصيص أيّ فائض لإعادة تصديره إلى الدول المجاورة، ما يعزز مكانة طهران في أسواق الطاقة الإقليمية.
وتمثّل هذه الصفقة، التي تتراوح قيمتها بين 10 مليارات دولار و12 مليار دولار سنويًا، علامة بارزة في دبلوماسية الطاقة، ويمكن أن تؤثّر بصورة كبيرة بالمشهد الاقتصادي في المنطقة.
السياق والتداعيات
على الرغم من امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، تواجه البلاد صعوبات في الإنتاج تؤدي إلى نقص يومي يبلغ نحو 150 مليون متر مكعب.
وتسعى طهران، التي تعاني القيود المستمرة بسبب العقوبات المستمرة وانخفاض الإنتاج، إلى تعزيز أمن الطاقة لديها، وتأكيد دورها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة.
في المقابل، يمثّل الاتفاق مع روسيا جهدًا مهمًا للتغلب على هذه التحديات وتعزيز قدرات إمدادات الغاز الإيرانية، وسط تقلبات أسواق الغاز العالمية.
تأثير الاتفاق في أمن الطاقة الإيراني
من المتوقع أن يؤدي اتفاق استيراد 300 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا من روسيا إلى تعزيز أمن الطاقة في إيران بصورة كبيرة.
وستساعد هذه الصفقة بمعالجة النقص اليومي الحالي في طهران، الذي يبلغ نحو 150 مليون متر مكعب في إنتاج الغاز، ما يوفر 300 مليون متر مكعب إضافية يوميًا، أي ما يعادل نحو 109 مليارات متر مكعب سنويًا.
ويُزعم أن هذا العرض الإضافي سيخفّف من نقص الغاز المحلي، ويعزز مكانة إيران بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة، كما سيلبي الغاز المستورد في المقام الأول الاحتياجات المحلية، مع إتاحة أيّ فائض لإعادة تصديره إلى الدول المجاورة.
ويساعد هذا التنويع على تقليل اعتماد طهران على عائدات النفط، ما قد يحمي اقتصادها من تقلبات أسعار النفط وتأثير العقوبات الدولية.
من ناحيته، أشاد وزير النفط جواد أوجي بالاتفاق، بوصفه إنجازًا بارزًا في دبلوماسية الطاقة، إذ تُقدَّر قيمة العقد بين 10 مليارات دولار و12 مليار دولار سنويًا.
وعلى الرغم من امتلاكها أكثر من 1.201 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الطبيعي -ثاني أكبر احتياطي على مستوى العالم-، فإن اعتماد طهران على الغاز المستورد يسلّط الضوء على مفارقة: دولة غنية بالموارد الطبيعية ما تزال تواجه تحديات كبيرة في مجال الطاقة.
ويرجع هذا الاعتماد جزئيًا إلى البنية التحتية القديمة، ونقص الاستثمار، والعقوبات الدولية، التي عاقت إنتاج الغاز المحلي.
ويشير اعتماد طهران على الغاز المستورد إلى نقاط الضعف أمام المخاطر الجيوسياسية والصدمات الخارجية. من جهة ثانية، يمكن أن تؤثّر التغييرات في الاتفاقيات التجارية، أو انقطاع سلسلة التوريد، أو تقلّبات العلاقات الدولية في استقرار الطاقة.
ويمكن للعجز في تلبية احتياجات الطاقة المحلية أن يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاضطرابات الداخلية، ما قد يقوّض موقف طهران الإستراتيجي على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
إضافة ذلك، فإن اعتماد إيران على الغاز الروسي يسلّط الضوء على الحاجة إلى الاستثمار في إنتاج الغاز المحلي والبنية التحتية.
ومن الممكن أن يؤدي مثل هذه الاستثمارات إلى تقليل الاعتماد على الواردات، وتعزيز أمن الطاقة، وتحسين الموقف الإستراتيجي الإقليمي والعالمي لطهران.
وقد يتسبب عدم معالجة هذه التحديات في ضياع فرص ترسيخ مكانتها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة، ما يؤثّر في النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من احتياطيات إيران الهائلة من الغاز الطبيعي، فإن اعتماد إيران الحالي على واردات الغاز من روسيا يكشف عيوبًا خطيرة في سياسة الطاقة التي تنتهجها.
وقد تراجع النفوذ الجيوسياسي الإيراني بسبب هذا الاعتماد، الذي يأخذ الموارد الحيوية بعيدًا عن نمو صناعة الغاز في البلاد.
وتُعرّض إيران استقلالها في مجال الطاقة وأمنها القومي للخطر بسبب اعتمادها المفرط على الغاز الأجنبي، لذلك، يجب على إيران إعطاء الأولوية للاستثمار في قدرتها على إنتاج الغاز المحلي والبنية التحتية من أجل التغلب على هذه المشكلات.
وسوف يقلّ اعتمادها على الواردات، وستنخفض المخاطر التي تنطوي عليها عند تعزيز هذه القطاعات.
تداعيات الاتفاق الحالي لشراء الغاز الروسي
يخلق الاتفاق الحالي لشراء الغاز الروسي عددًا من العقبات، فضلًا عن جعل إيران مركزًا محتملًا لتجارة الطاقة الإقليمية.
تحتاج إيران إلى التغلب على التحديات الكبرى للاستفادة من هذه الإمكانات، وتنمية دورها في سوق الطاقة الإقليمية.
وسيكون من الضروري بناء وتحديث البنية التحتية للطاقة بطريقة فعالة، وسيتطلب تحقيق هذا الهدف ضبط المنافسة من مصادر الطاقة الأخرى، والتعامل مع البيئة الجيوسياسية الصعبة.
وأحرزت إستراتيجية الطاقة الإيرانية تقدمًا ملحوظًا بفضل الاتفاق الحالي، الذي يهدف إلى زيادة الإمدادات المحلية، وتعزيز مكانة إيران بصفتها مشاركًا رئيسًا في صادرات الغاز الإقليمية.
على صعيد آخر، فإن هذه الصفقة في حدّ ذاتها لن تكون كافية لمعالجة قضايا أمن الطاقة الإيرانية بصورة كاملة.
وستحتاج إيران إلى تحسين بنيتها التحتية القديمة، وإزالة العقوبات الدولية، وإنفاق المزيد على مشروعات الغاز المحلية، من أجل التغلب على هذه المشكلات بصورة صحيحة.
وتسعى إيران إلى تعزيز مكانتها في أسواق الطاقة الإقليمية والدولية وتأمين مستقبل طاقة مستقر ومكتفٍ ذاتيًا من خلال تنفيذ هذه الخطوات.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- مبادلة الغاز الروسي لن تحوّل إيران إلى مركز للطاقة (مقال)
- أكبر الدول المصدرة للغاز المسال إلى أوروبا.. الجزائر تتفوق على قطر
- صادرات روسيا من الغاز المسال ترتفع 3%.. الاتحاد الأوروبي أكبر المستوردين
اقرأ أيضًا..
- من أين تستورد مصر الغاز المسال؟.. بلد عربي يظهر وسيطًا للإمدادات
- بتروتشاينا الصينية تنضم إلى ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز
- الجزائر تعلن رقمًا ضخمًا لقدرات الكهرباء.. ومعدات تتحمل حرارة 55 درجة