النفط والغاز والطاقة النووية بين روسيا والهند.. تعاون إستراتيجي وتداعيات محتملة (مقال)
فيلينا تشاكاروفا - ترجمة: نوار صبح
- • التعاون في مجال الطاقة جانب محوري في العلاقة الاقتصادية الأوسع بين روسيا والهند
- • نمو عائدات روسيا من النفط والغاز يظل مصدر قلق كبيرًا للغرب
- • تزوّد روسيا حاليًا الهند بنحو 3 ملايين طن من الغاز المسال سنويًا
- • الشراكة بين روسيا والهند في قطاع الطاقة النووية تُعد رمزًا لتحالفهما الإستراتيجي الأوسع
تصدَّر تعميق التعاون في قطاعات الطاقة الرئيسة (الفحم والنفط والغاز والمحطات النووية) محادثات القمة الروسية الهندية الأخيرة في موسكو، التي جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
ويمثّل الاجتماع الأخير بين الطرفين -وهو أول زيارة رسمية لمودي بعد تنصيبه وتشكيل حكومة ولايته الثالثة- لحظة محورية في المشهد الجيوسياسي، ويؤكد استمرارية السياسات الإستراتيجية للهند.
ويعكس الاحتفاظ بالوزراء الرئيسين في وزارات الخارجية والدفاع والمالية عزم الهند على المضي في مسار ثابت في علاقاتها الدولية وسياساتها الداخلية.
وتسلّط المناقشات، التي جرت خلال القمة الروسية الهندية، خصوصًا فيما يتعلق بالاستعمال المحتمل لطريق بحر الشمال لتوصيل الطاقة، وتحديدًا النفط والغاز؛ الضوء على التطورات الحاصلة في أسواق الطاقة العالمية وإعادة الاصطفاف الإستراتيجي للتحالفات.
القمة الروسية الهندية والتعاون في مجال الطاقة
خلال القمة الروسية الهندية الثنائية السنوية الـ22 التي عُقدت في موسكو، أكدت الدولتان أهمية تعميق تعاونهما في قطاعات الطاقة الرئيسة، ومن بينها النفط والغاز والطاقة النووية والفحم.
ويتطلّب ذلك بذل جهود كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة النووية، وتكرير النفط، والبتروكيماويات، إلى جانب توسيع الشراكات في البنية التحتية للطاقة، والتقنيات والمعدّات.
ويلتزم كلا البلدين بتعزيز أمن الطاقة الثنائي والدولي، مع التركيز على معالجة آفاق التحول العالمي في مجال الطاقة، ويهدف هذا النهج التعاوني إلى ضمان مستقبل طاقة مستقر وآمن لهما.
إلى جانب ذلك، سلطت القمة الروسية الهندية الضوء على نية زيادة حجم التجارة الثنائية في السلع والخدمات المتعلقة بالطاقة؛ ما يجعل التعاون في مجال الطاقة جانبًا محوريًا في العلاقة الاقتصادية الأوسع بينهما.
ويؤكد هذا التركيز الإستراتيجي على الطاقة الدور الحيوي الذي تؤديه في التطوير المستمر والمستقبلي للعلاقات الروسية الهندية.
في المقابل، فإن اقتراح نقل موارد الطاقة الروسية -النفط والغاز المسال والفحم- عبر طريق بحر الشمال إلى المواني الهندية يمثّل تطورًا كبيرًا.
ويوفر هذا الطريق، الذي يتضمن إعادة الشحن في المواني الشمالية الغربية الروسية، مسارًا أقصر وربما أكثر فاعلية من حيث التكلفة لإمدادات الطاقة إلى الهند.
وبالنسبة إلى روسيا، تمثّل هذه المبادرة خطوة إستراتيجية لتنويع أسواق تصدير الطاقة لديها، والحد من اعتمادها على أوروبا.
بدورها، أصبحت السوق الأوروبية محفوفة بالتوترات الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية؛ ما دفع روسيا إلى استكشاف أسواق بديلة في آسيا.
أمّا بالنسبة إلى الهند، يُعد تأمين إمدادات النفط طويلة الأجل بأسعار مخفضة أمرًا بالغ الأهمية، للحفاظ على مسار نموها الاقتصادي.
وبالنظر إلى استعداد الاقتصاد الهندي لأن يصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم، فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة بصورة كبيرة.
وستدعم إمدادات الطاقة المستقرة والمجدية اقتصاديًا من روسيا التوسع الصناعي والاقتصادي في الهند، وستعزز أمن الطاقة لديها.
وتتوافق هذه الشراكة مع إستراتيجية الهند، لتنويع مصادر الطاقة لديها، وتقليل اعتمادها على الشرق الأوسط.
التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية
يمكن أن يكون للاتفاق المحتمل، خلال القمة الروسية الهندية، بشأن إمدادات الطاقة (النفط والفحم والغاز المسال) من خلال طريق بحر الشمال تداعيات اقتصادية وجيوسياسية بعيدة المدى.
ومن الناحية الاقتصادية، يمكن أن يوفر دفعة كبيرة لكلا البلدين، ويمكن لروسيا، التي تواجه العقوبات الغربية وتتطلع إلى تعزيز إيراداتها، أن تجد سوقا موثوقة ومتنامية في الهند، وهذا من شأنه أن يساعد في استقرار اقتصادها وتعزيز مكانتها بصفتها موردًا عالميًا للطاقة.
وبالنسبة إلى الهند، فإن إمدادات الطاقة مخفضة السعر من شأنها أن تخفض التكاليف التي يتحملها المستهلكون والصناعات، وتعزز الاستقرار والنمو الاقتصادي.
ومن الناحية الجيوسياسية، يمكن لهذه الشراكة أن تغيّر توازن القوى في أسواق الطاقة العالمية.
تُجدر الإشارة إلى أن دول الغرب، خصوصًا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كانت حريصة على الحد من عائدات الطاقة الروسية من خلال تدابير مثل تحديد سقف أسعار النفط.
وقد يؤدي تحول روسيا نحو آسيا، واعتبار الهند شريكًا رئيسًا، إلى تقويض هذه الجهود.
ويشير التعاون الإستراتيجي بين روسيا والهند إلى التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، إذ تؤدي القوى الناشئة مثل الهند دورًا أكثر أهمية في الشؤون العالمية.
السياق التاريخي والدبلوماسي
أظهر الاجتماع بين الرئيس الروسي بوتين، ورئيس وزراء الهند مودي، العلاقة طويلة الأمد ومتعددة الأوجه بين روسيا والهند.
ويتمتع البلدان بتاريخ من العلاقات الدبلوماسية القوية، يعود تاريخها إلى 77 عامًا، ويوفر هذا السياق التاريخي أساسًا من الثقة والاحترام المتبادل، ويُعد هذا أمرًا بالغ الأهمية لنجاح أي شراكة إستراتيجية طويلة الأمد.
وتؤكد دعوة بوتين لمودي لحضور قمة البريكس في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان، وتعبيرات الاحترام والتعاون المتبادلة على الروابط الدبلوماسية العميقة بين الزعيمين وبلديهما.
من جهته، وصف رئيس الوزراء الهندي روسيا بأنها "صديقة تأتي للإنقاذ تحت أي ظرف من الظروف".
توقعات الطاقة في روسيا
بلغت إيرادات روسيا من النفط والغاز 5.698 تريليون روبل (65 مليارًا و305 ملايين دولار) في النصف الأول من عام 2024، بزيادة قدرها 68.5% مقارنة بالنصف الأول من عام 2023، حسبما ذكر الموقع الإلكتروني لوزارة المالية الروسية.
وتعزو الوزارة هذا النمو إلى ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، وتوضح أن الإيرادات الفعلية تجاوزت، ومن المتوقع أن تتجاوز تقديراتها الأساسية.
من ناحية ثانية، خُفضت تقديرات عائدات النفط والغاز الإضافية -التي تذهب إلى صندوق الرعاية الوطنية- حتى نهاية العام بسبب التغير في توقعات التنمية الاقتصادية في روسيا، الذي انعكس في قانون الموازنة الفيدرالية.
ويظل نمو عائدات روسيا من النفط والغاز مصدر قلق كبيرًا للغرب، الذي يحاول تقليص هذه العائدات من خلال فرض سقف لسعر إمدادات النفط من الاتحاد الروسي بمبلغ 60 دولارًا للبرميل.
بدورها، تعلّمت الشركات الروسية طريقة التحايل على القيود من خلال توفير النفط بسعر أعلى من السقف لأولئك الذين لا يخشون العقوبات الثانوية، واعتمادًا على أسطول ناقلات الظل.
ويحظر القانون توريد النفط الخام بموجب عقود تحتوي على مثل هذه القيود السعرية.
(روبل روسي = 0.011 دولارًا أميركيًا)
وبلغت الإيرادات من غير النفط والغاز للنصف الأول من العام 11.395 تريليون روبل، بزيادة قدرها 26.6% مقارنة بالمدة نفسها من عام 2023.
وقد زادت وزارة المالية تقديراتها لنهاية العام، إذ تتوقع نمو نشاط الشركات، وبذلك بلغ إجمالي إيرادات الموازنة الروسية 17.093 تريليون روبل، وبلغ نموها في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران الماضيين 38%.
وبلغت نفقات الموازنة للنصف الأول من عام 2024 الجاري 18.022 تريليون روبل، أي أن الموازنة الفيدرالية تبيّن أنها تعاني من عجز، رغم أن هذا العجز انخفض مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي.
ويوضح الرسم البياني التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- أكبر مستوردي النفط والغاز والفحم من روسيا منذ بدء الحرب حتى 7 يوليو/تموز 2024:
توقعات النفط
برزت الهند بصفتها أكبر سوق للنفط الروسي، وهي أحد شركاء موسكو الأساسيين في هذا القطاع.
وفي العام الماضي، صدرت روسيا 90 مليون طن من النفط إلى الهند، وهو ما يلبي 40% من إجمالي الطلب في البلاد.
وتضاعف حجم النفط المصدر إلى الهند العام الماضي مقارنة بعام 2022، في حين في عام 2021 زوّدتها روسيا بـ5 ملايين طن فقط.
وقال نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك: "إذا قارناه بعام 2021، فإن النمو بلغ 20 ضعفًا تقريبًا".
إلى جانب ذلك، أشار الزعيمان إلى أن روسيا والهند اتفقتا على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار.
• التعاون الحالي والآفاق المستقبلية:
كان من المقرر أن تركز زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لموسكو على التفاوض على اتفاقية طويلة الأجل لتوريد النفط الروسي إلى الهند، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة إيكونوميك تايمز الهندية.
ويتمثل أحد الجوانب المحورية لهذه الاتفاقية المحتملة في بيع النفط الروسي بسعر مخفض، ما قد يؤثر بصورة كبيرة في تعاملات الطاقة بين البلدين.
وخلال المحادثات في موسكو، ركز رئيس الوزراء مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تعزيز التعاون الثنائي في قطاع الطاقة، بما فيه النفط والغاز.
وسلط النائب الأول لوزير الخارجية الهندي، فيناي كواترا، الضوء على المناقشات الإستراتيجية في مؤتمر صحفي بعد المحادثات.
وأكد أن الحوار يهدف إلى استكشاف سبل تعاون أعمق، لا سيما إشراك المؤسسات الحكومية الهندية وشركات الطاقة الروسية الكبرى، مثل روسنفط Rosneft.
• التطورات الاقتصادية والبنية التحتية:
سعت الهند إلى زيادة التخفيضات على سعر النفط الروسي، للاستفادة من الكميات المتزايدة من الخام الروسي الذي يجري تصديره إلى الهند.
ويتوافق هذا الطلب الإستراتيجي مع أهداف أمن الطاقة الأوسع للهند وجهودها لإدارة التأثير الاقتصادي لتقلبات أسعار النفط العالمية.
وكانت هناك فترات من التوتر، مثلما حدث عندما توقفت المصافي الهندية عن قبول نفط سوكول الروسي من مشروع سخالين -1 بسبب العقوبات.
ومع ذلك، ظهرت أسواق بديلة للنفط الروسي في آسيا، وفي وقت لاحق، استأنفت المصافي الهندية استهلاكها من الخام الروسي.
• التعاملات المالية:
إلى جانب التعاون في مجال الطاقة، كان موضوع التسويات النقدية باستغلال بطاقات نظام الدفع الوطني نقطة مهمة للمناقشة.
وأطلع نائب رئيس ديوان المكتب التنفيذي الرئاسي الروسي، مكسيم أوريشكين، الصحفيين على هذا الأمر، مؤكدًا أهميته لتسهيل التفاعلات التجارية والاستثمارية.
وأشار أوريشكين إلى اتفاق بين البنكين المركزيين في كلا البلدين لقبول بطاقات الدفع الوطنية، ما يمثّل اتجاهًا إستراتيجيًا نحو استغلال العملات الوطنية في التجارة الثنائية.
وشدد على أن 70% من حجم التجارة بين روسيا والهند تتم الآن بالعملات الوطنية، ما يدل على تقدم كبير في التعاون المالي.
من ناحيته، أكد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، الإرادة السياسية المتبادلة بين موسكو ونيودلهي لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وتتقدم عمليات التكامل ضمن أطر مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، مع انعقاد اجتماعات رفيعة المستوى تتناول باستمرار قضايا الأمن الإقليمية والعالمية.
وتعمل علاقة الثقة العالية بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء مودي، على تسهيل التبادلات الشاملة حول جميع الموضوعات ذات الصلة خلال مناقشاتهما.
توقعات الغاز
تُجري روسيا والهند محادثات لتوسيع تعاونهما في قطاع الغاز، مع التركيز على زيادة الإمدادات.
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي تسعى فيه الدولتان إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية وسط ديناميكيات الطاقة العالمية المتطورة والتحولات الجيوسياسية.
• التعاون الحالي والآفاق المستقبلية:
وتزوّد روسيا حاليًا الهند بنحو 3 ملايين طن من الغاز المسال سنويًا، وهناك خطط لزيادة هذا العرض، ما يشير إلى تعميق الشراكة في مجال الطاقة، وأبرزها النفط والغاز.
وتحرص روسيا على التعاون مع الشركات الهندية في الجرف القطبي الشمالي وفي مشروع سخالين، مع استمرار شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية (ONGC) في مشاركتها بمشروع سخالين 1.
وقد أبدت شركة نوفاتك Novatek، وهي شركة غاز روسية كبرى، اهتمامًا بدخول السوق الهندية، ما يسلط الضوء على الأهمية الإستراتيجية للهند بصفتها مستهلكًا متزايدًا للطاقة.
• التداعيات الإستراتيجية:
بالنسبة إلى الهند، فإن زيادة واردات الغاز المسال من روسيا من الممكن أن تعمل على تنويع مصادر الطاقة لديها، وتعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الموردين في الشرق الأوسط.
ويُعد هذا التنويع أمرًا بالغ الأهمية، إذ تهدف الهند إلى تعزيز حصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة لديها من 6.5% في عام 2020 إلى 15% بحلول عام 2030.
ويمكن النظر إلى تحرك روسيا لتوسيع صادراتها من الغاز إلى الهند على أنه محاولة للتخفيف من تأثير العقوبات الغربية والعزلة الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، فإن تعزيز العلاقات مع اقتصاد ناشئ مثل الهند يساعد روسيا في الحفاظ على نفوذها الجيوسياسي.
• التطورات الاقتصادية والبنية التحتية:
تؤكد الزيادة المتوقعة في استهلاك الهند من الغاز الطبيعي، من 60 مليار متر مكعب في عام 2020 إلى 115 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية.
ويشمل ذلك محطات الغاز المسال وخطوط الأنابيب ومرافق التخزين. وتوجد مشروعات خطوط أنابيب محتملة عبر آسيا الوسطى يمكن أن تعيد توجيه إمدادات الطاقة الإقليمية، وتخلق ممرات اقتصادية جديدة، وتعزز الاتصال بين روسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
• الاعتبارات الإقليمية:
يسلط احتمال وصول إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب عبر آسيا الوسطى الضوء على الأهمية الإستراتيجية المتزايدة للمنطقة.
ويمكن لدول آسيا الوسطى أن تستفيد من رسوم العبور وتعزيز أمن الطاقة، وتظل الشراكة في مجال الطاقة بين الصين وروسيا عاملًا مهيمنًا في المنطقة.
ومن الممكن أن يؤدي انخراط الهند المتزايد مع روسيا إلى خلق ديناميكية متوازنة، وهو ما قد يؤثر في إستراتيجية الطاقة التي تنتهجها الصين.
توقعات الطاقة النووية
تناقش شركة روساتوم الروسية الحكومية إمكان بناء 6 وحدات نووية أخرى عالية القدرة ومحطات طاقة نووية منخفضة القدرة في الهند.
واتفق الطرفان على مواصلة المشاورات الفنية بشأن تنفيذ مشروع بناء محطة طاقة نووية ثانية بتصميم روسي بمفاعل "في في إي آر-1200" VVER-1200، وتوطين المعدات والإنتاج المشترك لمكونات محطة الطاقة النووية، وكذلك بشأن قضايا تنسيق الأنشطة في بلدان ثالثة.
ويمثل التعاون المستمر بين روسيا والهند في قطاع الطاقة النووية جانبًا مهمًا من علاقاتهما الثنائية، التي تتميز بأبعاد إستراتيجية واقتصادية.
ويؤكد هذا التعاون، خصوصًا من خلال بناء وحدات نووية عالية القدرة ومحطات طاقة نووية منخفضة القدرة، العديد من الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية الرئيسة.
• تعزيز العلاقات الثنائية:
تُعد الشراكة بين روسيا والهند في قطاع الطاقة النووية رمزًا لتحالفهما الإستراتيجي الأوسع.
وتمثل محطة كودانكولام للطاقة النووية المشروع الرئيس لهذا التعاون، إذ ترمز إلى الثقة والاعتماد المتبادل.
ويسلط البناء المستمر لوحدات إضافية في محطة كودانكولام الضوء على العلاقات العميقة والمصالح المشتركة بين البلدين.
• الاستقلال في مجال الطاقة والنمو الاقتصادي:
بالنسبة إلى الهند، يُعد تطوير الطاقة النووية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وتنويع محفظة الطاقة لديها، ودعم اقتصادها سريع النمو.
وتوفر الطاقة النووية مصدرًا مستقرًا ومستدامًا للطاقة يمكن أن يساعد في تلبية احتياجات الهند المتزايدة من الكهرباء، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، والإسهام في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية.
ولا يقتصر التعاون في مجال التكنولوجيا النووية على البناء، وإنما يشمل نقل الخبرات والتكنولوجيا؛ ما يعزّز قدرات الهند في قطاع التكنولوجيا الفائقة هذا.
ويتماشى هذا التعاون مع الأهداف الأوسع للهند المتمثلة في التقدم التكنولوجي والاعتماد على الذات في القطاعات الحيوية.
وينطوي تطوير محطات الطاقة النووية على استثمارات اقتصادية كبيرة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الأنشطة الاقتصادية في القطاعات ذات الصلة مثل البناء والهندسة والتصنيع. ويُسهم هذا الاستثمار في التنمية الإقليمية والنمو الاقتصادي في الهند.
• الأهمية الجيوسياسية:
يعكس دعم روسيا للهند خلال فترة الحظر النووي، خصوصًا توريد الوقود إلى المفاعلات، مصلحة موسكو الإستراتيجية طويلة المدى في الحفاظ على شراكة قوية مع نيودلهي.
ومن المرجح أن هذا الدعم التاريخي عزّز العلاقات الثنائية، وجعل روسيا حليفًا موثوقًا في تطوير الطاقة في الهند.
وتشير المناقشات بشأن استغلال طريق بحر الشمال لتوصيل صادرات الطاقة الروسية للهند إلى مبادرة إستراتيجية لتعزيز طرق التجارة وأمن الطاقة.
جدير بالذكر أن طريق بحر الشمال يوفر مسارًا أقصر وربما أكثر اقتصادًا لنقل موارد الطاقة مقارنة بالطرق التقليدية.
وتسلط خطط تحديث التعاون في مجال بناء السفن لطريق بحر الشمال الضوء على جهد مشترك لتطوير البنية التحتية والقدرات اللازمة لاستغلال هذا الطريق بصورة فعالة.
وقد يؤدي هذا التعاون إلى تعزيز العلاقات البحرية وتعزيز التعاون الإستراتيجي في مناطق المحيط الهندي والقطب الشمالي.
من جهة ثانية، يمكن النظر إلى الشراكة الروسية الهندية في مجال الطاقة النووية وطريق بحر الشمال على أنها ثقل موازن لنفوذ القوى الكبرى الأخرى في المنطقة، خصوصًا الولايات المتحدة والصين.
وتسمح هذه الشراكة لكلا البلدين بتأكيد استقلالهما الإستراتيجي ونفوذهما في الشؤون الإقليمية والعالمية. وتمثّل القدرة على تأمين مصادر طاقة متنوعة وموثوقة جانبًا بالغ الأهمية للأمن القومي لكل من روسيا والهند.
ومن خلال التعاون في مجال الطاقة النووية واستكشاف طرق نقل جديدة، يعمل كلا البلدين على تعزيز أمن الطاقة لديهما، والحد من نقاط الضعف المرتبطة بسلاسل إمدادات الطاقة التقليدية.
التحديات والآفاق
على الرغم من التوقعات الواعدة، هناك تحديات يتعيّن التصدي لها. إن الخدمات اللوجستية لاستغلال منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي تكون محفوفة بالظروف المناخية القاسية وتتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، تحتاج إلى تخطيط وتنفيذ دقيقَيْن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المناخ الجيوسياسي، الذي يتسم بالعقوبات الغربية والصراع المستمر في أوكرانيا، يمكن أن يشكل مخاطر على تنفيذ ممر الطاقة هذا.
من ناحية ثانية، فإن المنافع المتبادلة والضرورات الإستراتيجية لكلا البلدين تجعل من هذه الشراكة اقتراحًا مقبولًا.
ويمكن للتعاون في مجال الطاقة عبر طريق البحر الشمال، عند تنفيذه بنجاح، أن يشكل سابقة للتعاون المستقبلي ويزيد من تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والهند.
ويمثّل اجتماع مودي وبوتين في موسكو منعطفًا حاسمًا في العلاقات الروسية الهندية، ويحمل تداعيات كبيرة على أسواق الطاقة العالمية والتحالفات الجيوسياسية.
وتعكس المناقشات بشأن استغلال طريق بحر الشمال لتوصيل الطاقة الأولويات الإستراتيجية لكلا البلدين والتزامهما بتعميق العلاقات الثنائية.
وعلى الرغم من مواصلة الهند صعودها على الساحة الاقتصادية العالمية وسعي روسيا إلى تنويع صادراتها من الطاقة، فإن هذه الشراكة قادرة على إعادة صياغة السياسات الإقليمية والعالمية، ما يمهد لعصر جديد من التعاون الإستراتيجي بين دولتين بارزتين.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- تطورات أسواق النفط والغاز.. أنس الحجي يكشف توقعات النصف الثاني من 2024
- مجلة أوابك تستعرض آثار إزالة الكربون من صناعة النفط والغاز في الدول العربية
- صناعة الرياح البحرية العائمة تواجه تحديات كبرى.. والحل بيد قطاع النفط والغاز
اقرأ أيضًا..
- أنس الحجي: سوء حالة البيانات في أسواق الطاقة يتفاقم.. وهذه أزمة "الصخري" الأميركي (فيديو)
- صادرات مصر من الغاز المسال تهبط 80% في 6 أشهر.. وتفاصيل جديدة عن الواردات (خاص)
- الاتحاد الأوروبي يدرس خفض ضريبة الطاقة عند ارتفاع الأسعار المفاجئ