غازتقارير الغازرئيسيةعام على حرب أوكرانيا

تقرير: استهلاك الغاز في أوروبا يجب أن ينخفض بمقدار 55 مليار متر مكعب

المنافسة الآسيوية قد تربك حسابات الأوروبيين ولو رشّدوا الاستهلاك

رجب عز الدين

ما زالت معدلات استهلاك الغاز في أوروبا تؤرّق المؤسسات البحثية المتخصصة المعول على تقديراتها وتوصياتها المستقبلية في فهم وتحليل سياسات الطاقة على مستوى القارة العجوز.

وأوصت شركة "ماكنزي أند كومباني" الرائدة في مجال استشارات الأعمال، بضرورة خفض الاستهلاك على مستوى أوروبا بمقدار 55 مليار متر مكعب؛ تجنبًا لكارثة قد تحل بالأوروبيين في الشتاء المقبل.

وانتهى تقرير حديث نشرته ماكنزي إلى أن الفشل في خفض معدلات استهلاك الغاز في أوروبا بهذا المقدار على الفور، سيعرّضها لخطر المنافسة مع الآسيويين المتلهفين على الغاز مثل الأوروبيين أو أكثر منهم.

الطلب الآسيوي معضلة

تتخوف الشركة الأميركية العريقة في استشارات الطاقة وأبحاثها من تداعيات المنافسة الآسيوية على شحنات الغاز المسال، التي لجأ الأوروبيون إليها بكثافة، خلال العام الماضي (2022)، لسد جانب كبير من العجز بعد انقطاع الغاز الروسي.

وأدى انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا -بعد الحرب الأوكرانية بأشهر- إلى زيادة التنافس الآسيوي الأوروبي على الغاز المسال القادم من الولايات المتحدة والشرق الأوسط وأستراليا وغيرها من الدول المصدرة؛ ما دفع أسعار الغاز والشحن إلى الارتفاع بصورة قياسية خلال العام الماضي.

ولم تهدأ أسعار الغاز على مستوى أوروبا إلا خلال الأشهر الأولى من عام 2023، بعد مرور ذروة فصل الشتاء ووصول مخزونات أغلب الدول الأوروبية إلى معدلات مطمئنة.

75 مليار متر مكعب عجزًا

وتُقدّر شركة "ماكنزي أند كومباني" حجم العجز المركّب الذي سيواجه الأوروبيين في إمدادات الغاز خلال عام 2023 بـ75 مليار متر مكعب؛ لأسباب شرحتها في مذكرة بحثية تفصيلية حديثة.

فمن المتوقع أن يبلغ العجز من انقطاع إمدادات الغاز الروسي قرابة 25 مليار متر مكعب، كما سيبلغ حجم ما يمكن للآسيويين أن يسحبوه من المعروض العالمي قرابة 35 مليار متر مكعب.

كما يتوقع زيادة حجم استهلاك الغاز في أوروبا خلال شتاء عام 2023 بـ15 مليار متر مكعب لظروف موسمية معتادة، وفقًا لتفاصيل المذكرة البحثية التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

استهلاك الغاز في أوروبا
مؤسسة ماكنزي أند كومباني - الصورة من بلومبرغ

النرويج المورد الأكبر

نجحت أوروبا في تجاوز الشتاء المنصرم عبر بدائل مختلفة للغاز الروسي، بعضها جاء عن طريق الأنابيب، كما في حالة النرويج ودول شمال أفريقيا، والبعض الآخر جاء عن طريق ناقلات الغاز المسال، كما في حالة الولايات المتحدة وقطر وغيرهما.

واستطاعت النرويج وحدها أن تغطي قرابة 40% من استهلاك الغاز في أوروبا خلال العام الماضي، عبر 22 خط أنابيب ممتدة لأكثر من 8 آلاف و800 كيلومتر، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتضاعف حجم صادرات الغاز النرويجي إلى دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أكثر من 10 مرات، من 10 مليارات متر مكعب في عام 2021 إلى 117 مليار متر مكعب في 2022.

أميركا تنقذ الحلفاء

على الجانب الآخر، ضاعفت أوروبا من مشتريات الغاز المسال المنقول عبر السفن بصورة كبيرة إلى 135 مليار متر مكعب خلال عام 2022، مقارنة بـ80 مليار متر مكعب في 2021.

وجاءت أغلب الإمدادات من الولايات المتحدة، التي وعدت بمضاعفة صادرات الغاز المسال إلى حلفائها الأوروبيين؛ لدعم صمودهم ضد العدوان الروسي.

وقفزت صادرات الغاز المسال الأمريكي إلى الاتحاد الأوروبي لتسجل 56.4 مليار متر مكعب خلال عام 2022، مقارنة بـ34 مليار متر مكعب خلال عام 2021، لتصبح الولايات المتحدة أكبر مورد غاز مسال للقارة، بينما أصبحت النرويج أكبر مورد غاز طبيعي للقارة عبر خطوط الأنابيب.

إلى جانب هذه البدائل، نجحت أغلب دول الاتحاد الأوروبي في تنفيذ خطط ترشيد استهلاك الغاز بنسب تراوحت بين 10% و15%، لكنها لم تصل إلى المستوى المعلن منذ الحرب الأوكرانية عند حدود (20%).

المصانع لن تلتزم بالترشيد

أظهر تحليل أجرته شركة "ماكنزي أند كومباني" أن 57% من الشركات المصنعّة في الاتحاد الأوروبي لن تكون قادرة على خفض استهلاك الغاز، مع استمرارها في الحفاظ على معدلات إنتاج مرتفعة خلال العامين المقبلين.

وعوّلت أوروبا على خفض الاستهلاك في قطاعي الصناعة والمنازل ضمن خطط الترشيد خلال العام الماضي؛ ما يعني أن هذه الخطط ربما تواجه صعوبات أكبر خلال عامي 2024 و2025.

ويخشى الباحثون في شركة "ماكنزي أند كومباني" من تقلبات أسعار الغاز واحتمال انقطاع الإمدادات أو تعثرها بصورة أو بأخرى؛ ما سيرفع المخاطر المحتملة التي قد تصيب العديد من القطاعات في الاقتصادات الأوروبية خلال العامين المقبلين على الأقل.

وتظل هذه المخاطر ذات أهمية كبيرة بالنسبة للخبراء والمراقبين حتى لو نجحت أوروبا في إحكام خطط ترشيد استهلاك الغاز وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المباني والمصانع، وفقًا لموقع أويل آند غاز جورنال المتخصص (Oil & Gas Journal).

أوروبا تحتاج إلى الفحم

استهلاك الغاز في أورويا
إنتاج الفحم في أوروبا - الصورة من أسوشيتد برس

لهذه الأسباب تنصح "ماكنزي أند كومباني" الساسة الأوروبيين بمد خطط التخلص التدريجي من الفحم إلى سنوات أطول، إضافة إلى منح الثقة لمحطات الطاقة النووية لسنوات إضافية.

كما تنصح الشركة بالتوسع في مصادر الطاقة المتجددة التي تواجه صعوبات كبيرة نتيجة اضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف المواد ونقص العمالة الماهرة في التركيب؛ ما يهدد بنتائج أقل من الطموح الأوروبي في هذا القطاع.

وتعتقد الشركة الأميركية -المؤسسة عام 1926- أن تطبيق هذه الخطط الموازية بسرعة يمكن من تقليل اعتماد أوروبا على الغاز بصورة ملحوظة خلال سنوات معدودة.

ويمكن للطاقة النووية في فرنسا، على سبيل المثال، أن تعوّض الطلب على 5 مليارات متر مكعب من الغاز خلال 2023، كما يمكن لخطة ترشيد بنسبة 5% أن تساعد في خفض الطلب بمقدار 14 مليار متر مكعب على مستوى الاتحاد.

وتعني هذه التقديرات أن قدرة أوروبا على خفض استهلاك الغاز ما زالت بحاجة إلى إجراءات وتدابير أكثر صرامة لبلوغ مستوى الـ55 مليار متر مكعب، الذي تحذّر "ماكنزي أند كومباني" من تداعيات الإخفاق في تحقيقه.

آسيا قد تُربك الحسابات

مع ذلك لا يعتقد الخبراء أن خفض استهلاك الغاز في أوروبا يمكن حدوثه دون وقوع أضرار اقتصادية كبيرة خلال العامين المقبلين على الأقل، وفقًا لكبير المحللين في شركة "ماكنزي أند كومباني" ناميت شارما.

فإذا نجح الاتحاد الأوروبي في تنفيذ جميع تدابير ترشيد استهلاك الغاز؛ فقد يصل إلى خفض الطلب بنسبة 24%، وهو معدل كافٍ للاطمئنان والتفاؤل بشأن توازن أسعار السوق، لولا وجود عوامل أخرى، مثل المنافسة الآسيوية، التي قد تؤثر في تقليص الإمدادات الواصلة إلى أوروبا وزيادة أسعارها بصورة كبيرة.

وتُسهِم هذه المتغيرات في خلق حالة واسعة من عدم اليقين؛ ما قد يربك تقديرات الشركات الأوروبية وحساباتها للمخاطر المتعلقة بجانبي العرض والطلب والأسعار الإقليمية والعالمية.

ويمكن للشركات أن تفكّر بجدية في تنويع مصادر الطاقة، وكذلك ضخ استثمارات سريعة في بدائل الغاز الطبيعي أو تخزينه، مع مراقبة حركة الأسواق العالمية خلال سنوات الاضطراب الحالية، وفقًا لتوصيات شركة "ماكنزي أند كومباني".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق