غازتقارير الغازتقارير النفطرئيسيةنفط

استكشاف النفط والغاز في لبنان.. طموحات واقعية أم أحلام تذهب أدراج الرياح؟

بين صراعات سياسية وتحديات اقتصادية

محمد عبد السند

لم يعد أمام لبنان سوى التحول إلى استكشاف النفط والغاز في أعقاب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، من أجل رأب الصدع الاقتصادي، وتحسين مستويات المعيشة المتردية للمواطنين.

إلا أن تلك الطموحات في الآفاق الواعدة لهذا القطاع في البلد الكائن غرب آسيا تصطدم على ما يبدو بالعديد من التحديات السياسية والاقتصادية العصيبة التي قد تحول دون تحقق تلك الأحلام الوردية على الأرض.

فقد بدأ السيناريو الباعث على التفاؤل في 27 أكتوبر/تشرين الأول (2022)، حينما وقّع لبنان وإسرائيل على اتفاقية تاريخية لترسيم الحدود البحرية بينهما في مياه البحر المتوسط، في خُطوة فتحت نافذة أمل لتنفيذ مشروعات استكشاف النفط والغاز في البلد العربي، أملًا في مساعدته على إحياء اقتصاده المأزوم.

ورغم أن لبنان وإسرائيل يخوضان حربًا منذ عام 1984، جاءت الاتفاقية تتويجًا لمفاوضات ماراثونية دامت أكثر من 12 عامًا، قادها مؤخرًا الدبلوماسي الأميركي آموس هوكستين، وفريقه في وزارة الخارجية الأميركية، حسبما ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

وأشادت حكومات العالم بالاتفاقية، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه لا ينبغي أن تكون الطاقة -لا سيما في شرق البحر المتوسط- سببًا في الصراع، ولكن يجب أن تكون أداة للتعاون، والاستقرار والأمن والرفاهية.

كما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاتفاقية، واصفًا إياها بأنها "خطوة مهمة صوب مزيد من السلام للبنان وإسرائيل، وكل شعوب المنطقة".

وتابع: "ستُسهم (الاتفاقية) كذلك في رفاهية كلا البلدين".

ويوضح التصميم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- خريطة مربعات النفط والغاز في لبنان:

خريطة مربعات النفط والغاز في لبنان

خطوات متباينة

في السنوات الأخيرة، اتخذت دول عدة في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز، مثل مصر وقبرص، خطوات واسعة لاستكشاف ما لديها من احتياطيات غاز بحرية.

وشرعت إسرائيل في استكشاف النفط والغاز قبل سنوات عدة، فيما تحرك لبنان نحو المشروعات نفسها منذ عام 2021.

إلا أن مساعي تل أبيب وبيروت في هذا الخصوص دون اتفاقية ترسم الحدود البحرية بينهما كانت ستنطوي على مخاطر لكلا الجانبين، وللمستثمرين -أيضًا-.

واستحدثت إسرائيل خطة تنموية تستهدف استكشاف النفط والغاز في عام 2017، كما أبرمت اتفاقية لتصدير الغاز مع مصر والاتحاد الأوروبي في العام الماضي (2022).

وما تزال عمليات الاستكشاف والإنتاج قبالة السواحل الإسرائيلية تجري على قدم وساق، ومن المتوقع أن تصل إلى سعتها القصوى في الصيف المقبل.

لبنان يتخلف

في المقابل، ما يزال لبنان يتخلف في هذا الصدد، رغم ما قد تجلبه استكشافات النفط والغاز من حلول لأزمات اقتصادية ومالية عصيبة يشهدها البلد العربي الذي مزقته الصراعات الطائفية.

وفي يناير/كانون الثاني (2023)، أبرمت الحكومة في بيروت اتفاقية مع عمالقة الطاقة "توتال إنرجي" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، و"قطر للطاقة" للبدء في استكشاف النفط والغاز قبالة سواحلها بأواخر العام الجاري (2023).

ومع ذلك، يتوقع بعض الخبراء استغراق لبنان من 5 إلى 6 سنوات قبل أن يُنتج النفط والغاز، حال وجود مستودعات لديه ذات جدوى تجارية.

أزمات اقتصادية

في يناير/كانون الثاني (2022)، قال البنك الدولي إن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان -حاليًا- هي واحدة من أسوأ 3 أزمات في العالم منذ أواسط القرن الـ19.

فبعدما ظل في الشريحة العليا من الاقتصادات متوسطة الدخول على مدار 25 عامًا، هبط لبنان إلى مصاف الدول القابعة في الشريحة السفلى من الدول متوسطة الدخول في العام الماضي (2022).

وفي الوقت الحالي، تلامس البطالة في لبنان 30%، ويعني التضخم أن 74% على الأقل من اللبنانيين يعيشون على أقل من 14 دولارًا يوميًا.

كما فقدت الليرة اللبنانية نحو 97% من قيمتها منذ عام 2019، حسبما أوردت وكالة رويترز.

وفوق هذا وذاك، يشهد لبنان تدهورًا في مستوى الخدمات العامة، والبنية التحتية التي أضحت على شفا الانهيار، كما تلاشت مظاهر التطوير التي شهدها البلد العربي على مدار عقود، ناهيك بانهيار المؤسسات العامة.

معضلة سياسية

يقترن كل هذا وذاك بأزمة سياسية مستعصية على ما يبدو، مع فشل لبنان في تشكيل حكومة عقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/أيار (2022)، التي تمخض عنها برلمان يفتقر بوضوح إلى كتلة الأغلبية.

وزاد الطين بلة مع انتهاء مدة ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول (2022)، إذ لم يقدر البرلمان منذ ذلك الحين على التوافق على شخصية تخلفه في منصب الرئيس، لتتولى مقاليد الأمور حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي، بسلطات محدودة للغاية.

ومن الممكن أن تصير احتياطيات النفط والغاز البحرية رافدًا اقتصاديًا غاية في الأهمية للبلد الواقع غرب آسيا.

بيد أن وضع أسس متينة لاستكشافات النفط والغاز المستقبلية في لبنان قد يكون صعبًا في ظل البيئة الممزقة سياسيًا، بخلاف الصعوبات المالية في لبنان.

وتُظهر الخريطة التالية -التي أعدّتها منصة الطاقة المتخصصة- صراع الغاز في شرق المتوسط:

خريطة صراع غاز شرق المتوسط

التحديات الـ3

يواجه لبنان 3 تحديات تعرقل جهوده في مسار استكشاف النفط والغاز، ومن ثم الوصول إلى الموارد التي يزخر بها، والتي يستطيع من خلالها تغيير الوضع المعيشي لمواطنيه الذين لا يستطيعون تدبير حتى أبسط مستلزماتهم الأساسية اليومية.

ويتمثّل التحدي الأول في معاناة لبنان سجلًا واسعًا وممنهجًا من الفساد والمحسوبية السياسية، ما قد يحول دون تمتع البلاد بمكاسبها من الإيرادات المتحققة من استكشاف النفط والغاز.

وفي هذا السيناريو، يُصنف لبنان في المرتبة الـ50 من بين 180 دولة على مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

ليس هذا فحسب، وإنما يقبع لبنان في مرتبة متأخرة على مؤشر الحوكمة التابع للبنك الدولي، ما يرجع في جزء كبير منه إلى هشاشة النظام السياسي في البلاد، نتيجة نار الصراعات الطائفية التي لا تنطفئ.

ويخضع لبنان في الغالب تحت ضغط شبكات المحسوبية في تعيينات المناصب الوظيفية، من بينها الأجهزة الرقابية، وهيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية، وهي مؤسسة عامة أسستها الحكومة في عام 2012 لتخطيط قطاع النفط البحري والإشراف عليه وإدارته.

وتُعد الشفافية والقدرة على التنبؤ والوصول إلى المعلومات الحكومية عناصر أساسية للاستثمارات الأجنبية، وتحقيق استقرار بيئة العمل في لبنان، لكن ما هو كائن في لبنان -حرفيًا- يمكّن ذوي النفوذ من مصادرة الاستثمارات الأجنبية وأرباح النفط والغاز، لتحقيق مكاسب خاصة أو سياسية، ما يعرقل وصول ثمار تلك المكاسب إلى الشعب اللبناني.

أما التحدي الثاني الذي يعرقل قدرة لبنان على المضي قدمًا صوب استكشاف النفط والغاز، فهو عدم قدرته على المحافظة على تلك الثروات -حال اُستغلت على النحو الأمثل- للأجيال المستقبلية.

وفي هذا السيناريو، ينص قانون الموارد النفطية البحرية الصادر في لبنان عام 2020، على أن تؤسس الدولة صندوقًا سياديًا، وهو الخطوة التي ما تزال تُناقش آليات تفعيلها لجنة برلمانية، في ظل اختلاف المقترحات المقدمة حول هيكل الصندوق وتمويله.

فعلى الأرجح سيشهد لبنان خلافات -إن لم تكن صراعات- سياسية واتفاقيات خفية، بشأن إشراف الهيئات الحكومية على إدارة الصندوق، وتعيين مجلس إدارة لإدارته، ما سيذكي بدوره الخلافات الطائفية.

وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية اللبنانية، ثمة قلق آخر يتمثل في احتمالية أن يعيد السياسيون توجيه عائدات استكشاف النفط والغاز نحو تمويل الإنفاق الحكومي وخفض الدين العام، بدلًا من الاستثمار في رفاهية الأجيال المستقبلية وأمانها.

يُشار هنا إلى أنه عندما طبق بنك لبنان المركزي هذا السيناريو في الماضي، جاءت النتائج كارثية، إذ تناقص الاحتياطي الأجنبي، وتفاقم هبوط الليرة لمستويات مخيفة.

أما التحدي الثالث والأخير الذي قد ينثر الضبابية حول آفاق استكشافات النفط والغاز، فيكمن في ضعف القدرات والكفاءة الحكومية، وفق ما تشير إليه غالبية البيانات المتاحة.

استكشافات النفط والغاز
محطة وقود في لبنان - الصورة من blogbaladi

فخفض الموازنة وتراجع الأجور نتيجة معدلات التضخم المرتفعة، قد استنزف جهود الحكومات المتتالية، ما قاد في النهاية إلى هجرة جماعية للعقول من البلاد، جنبًا إلى جنب مع خلو الجهاز الإداري للدولة من موظفيه الأكفاء نتيجة تدني الرواتب بصورة قياسية.

وقد تقود تلك الظروف إلى كارثة مُحققة في رأس المال البشري، وهي نقطة سيصعب الانطلاق منها نحو التعافي الاقتصادي، وفق ما ورد في تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2021.

ومنذ عام 2019، غادر الكثير من الموظفين الحكوميين قطاع النفط، بعد تلقيهم تدريبات من قبل هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية لتنظيم عملية استكشاف النفط والغاز.

والخلاصة أن لبنان يقف على مفترق طرق، وفي حين تُعد قرارات استكشاف النفط والغاز سياسية في المقام الأول، ينبغي أن تنأى عن شبهات الفساد السياسي المستشري في البلاد.

ومن خلال الشفافية والمشاركة والمراقبة، تكون أمام بيروت فرصة ذهبية لبناء دولة مستقبلية تتقاسم ثرواتها كل طوائف المجتمع دون تمييز.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق