نفطتقارير النفطرئيسية

سقف أسعار النفط الروسي.. رصاصة أوروبية في "الاتجاه المعاكس"

اقتصاد القارة هو الضحية

محمد عبد السند

يبدو أن سقف أسعار النفط الروسي والمشتقات النفطية، الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على روسيا، ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد الأوروبي المأزوم في الأصل، لتجني القارة العجوز حصاد يدها، بدلًا من أن تُحقق هدفها المنشود من القرار، ألا وهو تقويض الاقتصاد الروسي، وتعطيل آلة الحرب الأوكرانية.

فبعد مضي نحو عام على اندلاع الشرارة الأولى للحرب الروسية الأوكرانية، ما تزال المخاوف بشأن قضية أمن الطاقة تؤرّق أوروبا.

وفي ضوء ذلك، ما يزال عدم اليقين يغلّف آفاق الاقتصاد الأوروبي، مع دخول قرار سقف أسعار المشتقات النفطية حيز التنفيذ يوم الأحد 5 فبراير/شباط (2023)، وفق ما أورده موقع قناة "سي جي تي إن" التلفزيونية الصينية.

السقف السعري

في يوم السبت 4 فبراير/شباط (2023)، وافقت دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الـ7 وأستراليا على سقف أسعار المشتقات الروسية، في إطار العقوبات المفروضة على موسكو على خلفية عدوانها على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط (2022)، حسبما ورد في بيان صحفي صادر عن المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي.

ووضع الاتحاد الأوروبي الحد الأقصى لسعر المنتجات النفطية مرتفعة الثمن مثل الديزل والبنزين، عند 100 دولار أميركي للبرميل، في حين يلامس الحد الأقصى لسعر المنتجات المخفضة، مثل زيت الوقود، 45 دولارًا أميركيًا للبرميل.

ومنح القرار مُهلة 55 يومًا للمنتجات الروسية المنقولة بحرًا، المبيعة بسعر أعلى من الحد الأقصى المسموح به، شريطة أن تُحمّل على السفن بحلول الـ5 من فبراير/شباط (2023)، وتفريغها بحلول 1 أبريل/نيسان (2023).

وفي بيان صدر الخميس 2 فبراير/شباط (2023)، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن سقف أسعار النفط الروسي والمشتقات النفطية يستهدف "مواصلة الضغوط المتزايدة" على روسيا.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج النفط الخام في روسيا:

إنتاج النفط الروسي

مخاوف السقف السعري

يعني سقف أسعار النفط الروسي والمشتقات النفطية أن الاتحاد الأوروبي يتخذ خُطوة إضافية صوب قطع علاقات الطاقة التي تجمعه مع روسيا.

وبينما يُستعمل الغاز أساسًا لتوليد الكهرباء، وتدفئة المنازل، والإنتاج الصناعي، قد تكون تلك الخُطوة محفوفة بالمخاطر، في ظل ارتفاع أسعار الغاز منذ 24 فبراير/شباط (2022)، وسط تناقص إمدادات الغاز القادمة من روسيا.

وقال العميد التنفيذي لمعهد البحوث الأوراسي في جامعة رينمين الصينية شو تشينهوا، إن سقف أسعار النفط الروسي ستصاحبه آثار سلبية عديدة في البلدان الأوروبية، وسيقود على الأرجح إلى زيادة حادة في أسعار النفط العالمية والإقليمية.

وأوضح تشينهوا أن سقف أسعار النفط الروسي والمشتقات النفطية من شأنه أن يُفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، وأن يرفع تكاليف المعيشة على نحو لا يطيقه المواطنون الأوروبيون، ناهيك بالتدخل في آلية عمل الأسواق.

وفي العام الماضي (2022)، قادت الاضطرابات في إمدادات النفط الروسي بالسوق العالمية إلى ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، ما أرهق كاهل المستهلكين، وتسبب في هبوط قوتهم الشرائية.

وأضاف تشينهوا -في تصريحات أدلى بها لـ"سي جي تي إن"-: "سقف أسعار النفط الروسي سيقود كذلك إلى جولة جديدة من الإجراءات المضادة من قبل روسيا، ما سيذكي بدوره التوترات الإقليمية، وينذر بمزيد من الاضطرابات في أسواق الطاقة".

ويبيّن الرسم البياني التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي:

صادرات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي

تحذير روسي

في يوم الجمعة 3 فبراير/شباط (2023)، حذرت روسيا من مغبة حصول مزيد من الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية.

وشرعت في اتخاذ ما يلزم من تدابير لتأمين مصالحها ضد المخاطر المحتملة ذات الصلة، وفق ما قاله الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف.

وبدورها، أبدت مؤسِّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة، ومقره سنغافورة، فاندانا هاري، شكوكها خلال حوار حصري أجرته معها شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، قائلة إن سقف أسعار النفط الروسي "غير منطقي".

وأشارت هاري إلى أن النفط الروسي سيتدفق إلى الأسواق، ليصل إلى المستهلكين الذين سيشترونه بأسعار مُخفضة.

في المقابل، ستجد أوروبا مزودين جُددًا لمصادر الطاقة، ما سيتيح لها تنويع مزيج الطاقة لديها.

ألمانيا المتضرر الأكبر

شهدت البلدان الأوروبية اضطرابات في أسعار الطاقة، خلال أشهر الصيف.

وفي يونيو/حزيران (2022)، حذّر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من أنه إذا استمرت أزمة الطاقة في أوروبا فسيكون هناك "إغلاق كارثي" في الصناعات، ما سيقود في نهاية المطاف إلى ارتفاع في معدلات البطالة.

في غضون ذلك، تدفع تكاليف الطاقة المرتفعة مستويات التضخم إلى الصعود، ما يجعل الحياة أصعب على المواطنين في أوروبا.

وأوضح هابيك، في حوار مع الإعلام المحلي، أن غالبية المواطنين سيتضررون جراء نقص الغاز، والأسعار المرتفعة، إذ تُمرر التكاليف تدريجيًا إلى المستهلكين النهائيين.

وتتحمل ألمانيا وحدها العبء الأكبر من أزمة الطاقة نتيجة اعتمادها الرئيس على صادرات الطاقة الروسية.

ويبدو أن برلين قد فطنت إلى خطورة هذا الأمر، لتقرر أخيرًا التخلص من واردات الطاقة الروسية كافّة، بحلول منتصف عام 2024.

ويُظهر التصميم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات الدول الأوروبية من النفط الخام والمشتقات النفطية الروسية:

النفط الروسي - واردات أوروبا

زيادة الأسعار

حذت دول أوروبية أخرى حذو ألمانيا في اتخاذ الإجراءات الضرورية لمقاومة ارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم.

ففي فرنسا، كان العديد من المفاعلات النووية الرئيسة تخضع لأعمال الصيانة في العام الفائت (2022)، في حين كانت تكافح أوروبا من أجل تجاوز نقص إمدادات الغاز الروسي اللازم لتوليد الكهرباء.

وفي اليونان، تجاوز معدل التضخم 8% في ديسمبر/كانون الأول (2022)، كما ارتفعت أسعار الأخشاب ارتفاعًا حادًا، وسط زيادة الطلب على حرقها للتدفئة.

وحاول بعض المواطنين اليونانيين جاهدين مواكبة الطلب المرتفع على الأخشاب التي تُعد خيارًا ميسور التكلفة لتدفئة منازلهم، في ظل تزايد فواتير النفط والغاز.

في غضون ذلك، أدى اختلال التوازن بين العرض والطلب في أسواق الطاقة إلى زيادة أسعارها في أوروبا، لا سيما بالنسبة إلى الغاز الطبيعي، حسبما ذكرت بروغل، وهي مؤسسة بحثية مستقلة مقرها العاصمة البلجيكية بروكسل، وتتخصص في تزويد صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي بالدراسات التحليلية اللازمة.

وحظرت دول الاتحاد الأوروبي شراء النفط الروسي المنقول بحرًا واستيراده منذ شهر ديسمبر/كانون الأول (2022)، وفرضت سقفًا سعريًا على الخام من روسيا عند 60 دولارًا للبرميل.

سقف أسعار النفط الروسي
ناقلة تحمل شحنات من النفط الروسي - الصورة من إندبندنت عربية

تداعيات السقف السعري

يرى كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن الدكتور أومود شوكري، أن مسألة تضمين المنتجات النفطية المُكررة في قرار سقف الأسعار ستكون لها تداعيات على الاقتصاد الروسي.

وأوضح شوكري -في تصريحات سابقة أدلى بها إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن روسيا ستلجأ إلى تقديم خصومات أعلى لعملائها من أجل رفع المبيعات، وتقليص آثار قرار سقف أسعار النفط الروسي.

وزعم شوكري أن موسكو ستجد على الأرجح صعوبة بالغة في العثور على وجهات بديلة لأوروبا، لاستقبال صادراتها النفطية، بالنظر إلى أن دول القارة العجوز تمثّل نصيب الأسد من صادرات موسكو النفطية.

ويعتقد أن العقوبات الأخيرة على روسيا ستظهر آثارها بدءًا من مارس/آذار (2023)، مع تضمين الديزل وغيره من المشتقات في قائمة الحظر الأوروبي لمنتجات الطاقة الروسية.

واستند شوكري في رأيه هذا إلى حقيقة مفادها بأن الديزل هو الوقود المحرك للسيارات التقليدية التي ما تزال هي السائدة في أوروبا حتى الآن، ما سيُلقي بظلاله على قطاعات اقتصادية مختلفة في القارة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق