التقاريرتقارير الغازروسيا وأوكرانياسلايدر الرئيسيةغاز

الغاز الروسي في مأزق بعد خسارة السوق الأوروبية.. هل يدفع بوتين الثمن؟

هبة مصطفى

فشلت جهود الكرملين -حتى الآن- في إيجاد منافذ لصادرات الغاز الروسي بعيدًا أوروبا؛ لأسباب ترجع إلى تكلفة البنية التحتية اللازمة للنقل، والخسائر التي قد تلحق بخزينته جراء المطالبة بخصومات على أسعاره أسوة بصادرات النفط الخام.

ولم تسفر الحرب الأوكرانية عن الخسائر في الأرواح والممتلكات فقط، لكن كان لها مردود بالغ الأثر بتدمير علاقة روسيا بسوق الطاقة الأوروبية على المدى الطويل، في أعقاب انتهاء الحرب وتداعياتها.

وبفقدان موسكو للسوق الأوروبية، تصبح عاجزة عن إيجاد بديل يستوعب الموارد كافة (نفط، ومنتجات مكررة، وكذلك الغاز الروسي) في آن واحد، لتقليص حجم الخسائر، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

فإن كانت قد نجحت -حتى الآن- في جذب السوق الهندية لنفطها الخام بخصومات لافتة للنظر، فإنها لم تتمكن من تكرار الأمر ذاته مع المنتجات المكررة والغاز، بحسب مقال للمحلل الإستراتيجي للنفط في "بلومبرغ فيرست وورد" وكبير المحللين السابق بالمركز العالمي لدراسات الطاقة، جوليان لي، ونُشر في بلومبرغ.

ورغم محاولات صادرات الطاقة الروسية مدّ جذورها في أنحاء أوروبا طوال 50 عامًا، يُنظر إلى الحرب الأوكرانية وتداعيات العقوبات في الأشهر اللاحقة لها بصفتها أبرز أسباب تدمير تلك العلاقة، لا سيما في ظل عجز موسكو عن توفير بدائل لها.

النفط الروسي

كان النفط الروسي الأسرع في إيجاد منفذ بديل عن سوق الطاقة الأوروبية التي كان تتسع لنحو 2.5 مليون برميل يوميًا من خامات موسكو قبل اندلاع الحرب الأوكرانية.

واقتنصت الهند غالبية شحنات الخام، بعد أن قدّمت موسكو خصومات خيالية بنسبة وصلت في بعض الأحيان إلى 40% بما يعادل 35 دولارًا للبرميل.

سوق الطاقة الأوروبية
حقل نفط في روسيا - الصورة من The Economic Times

وحوّلت شركات النفط الروسية مسار شحنات الخام من الأسواق الأوروبية إلى السوق الآسيوية بصورة عامة، والهندية بصورة خاصة، وأسهم في ذلك تعطش مصافي التكرير في نيودلهي إلى التدفقات زهيدة الثمن.

وشكّلت صادرات النفط الروسي الخام -بحلول نهاية العام الماضي (2022)- ربع واردات النفط الهندية، ودفع ذلك نحو تغير خريطة الشراء وتراجع واردات نيودلهي من خامات الشرق الأوسط (السعودية، العراق، الإمارات، الكويت).

وقد تكون قدرة مصافي التكرير الهندية على معالجة الخام الروسي عالي الكبريت، بالإضافة إلى خفض أسعار شحنات النفط، عوامل أنقذت في نهاية الأمر صادرات موسكو، بعدما أغلقت سوق الطاقة الأوروبية أبوابها أمامها.

وكانت صادرات شحنات النفط أوفر حظًا من تدفقات الغاز الغاز الروسي، إذ يمتاز الخام بسهولة نقل الشحنات والبراميل بحرًا بتكلفة ملائمة، حسب المقال.

المنتجات المكررة

تنضم المشتقات النفطية والمنتجات المكررة إلى القيود المفروضة على صادرات الطاقة الروسية بدءًا من فبراير/شباط المقبل، ورغم تداعيات ذلك على سوق الطاقة الأوروبية، فإنه يلقي ببالغ الأثر على عائدات موسكو.

ومما يزيد من مشقة الأمر صعوبة إيجاد منافذ بديلة مثلما فعلت روسيا مع نفطها، وقد يتحول الأمر لدى أسواق الدول إلى "تجارة" بشراء المزيد من شحنات الديزل الروسي ومزجه بالوقود المحلي، ثم يعاد تصديره إلى أوروبا مرة أخرى.

وتتطلب تلك الحيلة تقديم روسيا المزيد من الإغراءات حتى تشعر الدول الوسيطة بعائدات مُجزية، غير أن احتساب قيمة الخصومات يضيف للخسائر التي يتكبّدها الكرملين وشركات النفط في موسكو.

ويعدّ إيجاد روسيا منافذ بديلة لمنتجاتها النفطية المكررة، بعيدًا عن سوق الطاقة الأوروبية التي فقدت مليون برميل من مشتقات موسكو، احتمالًا ضئيلًا في ظل اتجاه غالبية الأسواق نحو التخلّي عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة النظيفة والمتجددة التزامًا بالأهداف المناخية.

وقد تتعرض شحنات المنتجات النفطية المكررة من روسيا إلى المزيد من "تضييق الخناق" في أعقاب سريان العقوبات الأوروبية، 5 فبراير/شباط المقبل، ما يعيد للأذهان الانخفاض التدريجي لتدفقات النفط من موسكو إلى بلغاريا -سوق الطاقة الأوروبية الوحيدة التي كانت ما تزال مفتوحة أمام النفط الروسي- منذ عقوبات ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويكشف الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم الصادرات الروسية من النفط الخام خلال العام الماضي (2022)، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة:

صادرات روسيا من النفط

صادرات الغاز.. الأقل حظًا

استعدّت موسكو على مدار السنوات الـ55 الماضية لاقتحام سوق الطاقة الأوروبية وإيجاد منافذ لبيع تدفقات الغاز الروسي، وفي سبيل ذلك مدّت خطوط أنابيب ضخمة بآلاف الكيلومترات للربط بين حقولها وبين أسواق الشراء في القارة العجوز.

وبدأت موسكو -خلال العقد الماضي- البحث عن أسواق جديدة للغاز بخلاف أوروبا، ونجحت في مدّ خط أنابيب "باور أوف سيبريا" لنقل التدفقات إلى الصين، لكن تلك الخطوة -وإن كانت تمثّل استقلالًا نسبيًا عن أسواق القارة العجوز- قد كبدت موسكو تكلفة ضخمة لمدّ الخطوط لمسافات أبعد من مثيلاتها الأوروبية.

وقدّرت عملاقة الغاز الروسي "غازبروم" تكلفة خط "باور أوف سيبريا" والحقول المصاحبة له بنحو 55 مليار دولار، في حين رفع محللون تقديرات هذه الاستثمارات لمستويات أعلى من ذلك.

ويُنظر إلى تلك الاستثمارات بصفتها "مُهدرة" بالنسبة لروسيا؛ إذ إن إيجاد منافذ بديلة عن سوق الطاقة الأوروبية كبّدها تكلفة تغيير مسار خطوط النقل، بالإضافة إلى اضطرارها تقديم خصومات تجعل مكاسبها دون جدوى.

ويبدو أن الصين تعلّمت الدرس من أزمة الطاقة في أوروبا، ولن تخاطر باعتمادها على الغاز الروسي مصدرًا وحيدًا لوارداتها؛ ما يشير إلى أن الآونة المقبلة ستجبر موسكو على البحث عن منافذ بديلة لغازها، وفق مقال "جوليان لي".

ويقارن الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- بين حجم صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب خلال عامي (2021) و(2022)، بحسب بيانات "ستاتيستا" و"غازبروم":

صادرات روسيا من الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب

خسائر البنية التحتية

كانت سوق الطاقة الأوروبية تستوعب تدفقات الغاز الروسي بما يُقدَّر بنحو 155 مليار متر مكعب سنويًا قبيل اندلاع حرب أوكرانيا، وعقب تطور حزم العقوبات على موسكو واحدة تلو الأخرى خلّفت وراءها خسائر من نوع آخر تضاف لخسائر الكرملين من فقدان سوق ضخمة مثل القارة العجوز.

ويُعزى ذلك إلى إنفاق مليارات الدولارات على تطوير الحقول و شبكات التوزيع وخطوط أنابيب النقل منذ ضخ أول تدفقات من الغاز الروسي إلى النمسا عام 1968، ويبدو مصير تلك المرافق مجهولًا الآن؛ إذ لم تعد تُستَعمَل؛ لكونها كانت مصممة خصوصًا للنقل إلى سوق الطاقة الأوروبية.

وتفصيليًا، أُنفق ما يقرب من 100 مليار دولار -عام 2017- على تطوير احتياطيات الغاز في "شبه جزيرة يامال" التي تعدّ نقطة اتصال بأوروبا عبر خطوط أنابيب عدّة، من بينها الخط الممتد أسفل بحر البلطيق، وآخر يربط روسيا بألمانيا، وكانت موسكو تخطط لمضاعفة تلك الاستثمارات بحلول عام 2025، قبل أن تصبح طموحاتها في مهبّ الريح.

ماذا بعد الحرب؟

تنوي موسكو زيادة صادرات الغاز الروسي إلى الهند -الدولة الآسيوية ذات معدلات الطلب الهائلة-، غير أن صعوبة نقل التدفقات وتهيئة المرافق لذلك، والاضطرار إلى مرورها عبر أكثر من دولة، سيضيف تكلفة باهظة إلى الوقود.

سوق الطاقة الأوروبية
شبكات لنقل الغاز - الصورة من Stratfor

ويمكن القول بأن الغزو الروسي لأوكرانيا كلّف موسكو خسارة ضخمة بفقدانها سوق الطاقة الأوروبية الذي يصعب -إن لم يكن مستحيلًا- إيجاد بديل له.

ويبدو أن مشهد صادرات الطاقة الروسية حاليًا لن يختلف كثيرًا في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب على أوكرانيا، فحتى إن نجحت روسيا في استرداد جانب من وجودها في سوق الطاقة الأوروبية، فإن دول الاتحاد الأوروبي لن توافق على الانخراط في الاعتماد المفرط على الغاز الروسي مرة أخرى، كما كان المشهد قبل عام.

ومما يسهم في نجاح ذلك، تطور القناعة الأوروبية لدى كل من الحكومات والمستهلكين حول ترشيد الطلب، بعدما تصاعدت وتيرة المعاناة من أسعار الغاز والكهرباء القياسية وغير المسبوقة في القارة.

ومن جانب آخر، دفع الغزو الروسي لأوكرانيا -بطريقة غير مباشرة- نحو تحفيز الاستثمارات الأوروبية في مصادر الطاقة المتجددة المتنوعة وخفض حصة الوقود الأحفوري في مزيج الكهرباء.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق