طاقة متجددةالتقاريرتقارير الطاقة المتجددةرئيسية

خلاف يهدد أهداف المناخ في بريطانيا.. مفاضلة بين احتجاز الكربون ومزارع الرياح البحرية

من المقرر تطويرها في بحر الشمال

مي مجدي

أدخلت المملكة المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية العديد من المبادرات، لضمان تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام (2050)، إلا أن أهداف المناخ في بريطانيا تواجه العديد من التحديات.

وكان آخر هذه المعوقات ظهور صراع بين شركتي النفط البريطانية بي بي، وأورستد الدنماركية على بحر الشمال.

فعملاقة النفط البريطانية بي بي تخطط لبناء مشروع ضخم لاحتجاز الكربون في قاع بحر الشمال، وهو مشروع بالغ الأهمية لتحقيق أهداف المناخ في بريطانيا وخفض الانبعاثات، وفق ما رصدته منصة المتخصصة، نقلًا عن وكالة رويترز.

وفي الوقت نفسه، تنوي عملاقة الطاقة الدنماركية أورستد بناء مزرعة رياح بحرية ضخمة، لمساعدة البلاد على تحقيق أهداف المناخ في بريطانيا، وأولها أهداف الطاقة المتجددة.

وتتمثّل المشكلة في الحجز المزدوج لقاع البحر، وهذا يعني أنه لا يوجد متسع إلا لتطوير مشروع واحد والتخلي عن أحدهما.

النزاع بين الشركتيْن

منحت بريطانيا تراخيص أولية لكلا المشروعين المقترحين منذ أكثر من عقد، ولم يكن حينها يُنظر إلى تداخل قرابة 110 كيلومترات مربعة في قاع البحر على أنها مشكلة مستعصية أمام أي من التقنيتين.

أهداف المناخ في بريطانيا
مشروع إنديورانس لالتقاط الكربون وتخزينه – الصورة من موقع نت زيرو تيسايد

وعلى الرغم من ذلك، يتكشف النزاع تدريجيًا بين شركتي النفط البريطانية بي بي وأورستد حول الأسبقية في "منطقة التداخل" التي تتقاسمها مزرعة الرياح "هورنسي فور"، ومواقع مشروع "إنديورانس" لالتقاط الكربون وتخزينه قبالة مقاطعة يوركشاير.

وأدت الدراسات التي سلطت الضوء على مخاطر اصطدام القوارب المستعملة لرصد تسرب الكربون في توربينات الرياح المثبتة بقاع البحر إلى تأجيج المأزق.

وفي عام 2022، خلصت الهيئة الانتقالية عن بحر الشمال (إن إس تي إيه) -المسؤولة عن تنظيم أنشطة الطاقة البحرية- إلى أنه يتعذر العبور بين هذه المشروعات باستعمال التقنيات الحالية.

وقالت هيئة "ذا كراون إستيت" إنه في الوقت الذي مُنحت هذه التراخيص، لم يكن من الواضح كيف ستتطور التقنيات الناشئة، في إشارة إلى تراخيص مزارع الرياح ومشروعات التقاط الكربون وتخزينه التي منحتها الحكومة في عامي 2010 و2011 على التوالي.

ولا ترغب شركة النفط البريطانية بي بي في استعمال نظام مراقبة أكثر تكلفة خالٍ من القوارب، كما أن أورستد الدنماركية ترفض التخلي عن المنطقة، وتعتقد كلتاهما أن القيام بذلك سيضر بآفاق أعمالهما.

أهداف المناخ

من هذا المنطلق، يبدو أن النزاع يهدد بتقويض أهداف المناخ في بريطانيا، فقدرة مشروع إنديورانس وحده تمثل على الأقل نصف هدف البلاد المتمثل في التقاط 20- 30 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2030.

وأوضح عالم الجيولوجيا، مدير مركز انتقال الطاقة بجامعة أبردين، جون أندرهيل، أن تسوية الخلاف بين تقنيات الطاقة المتجددة، ووجود الإجراءات القانونية العادلة التي تحدد ما إذا كان لمزارع الرياح أو مشروعات تخزين الكربون أو مصادر الطاقة الأخرى لها الأولوية في منطقة التداخل؛ أمر بالغ الأهمية إذا كانت المملكة المتحدة تأمل تحقيق الحياد الكربوني.

وقال خبراء إن المواجهة بين شركتي أورستد والنفط البريطانية بي بي قد تنذر بخلافات مماثلة في أماكن أخرى ببحر الشمال.

ويرون أن الساحل الشرقي لبريطانيا -الذي يتمتع بتكوينات جيولوجية مواتية لتخزين الكربون والمياه الضحلة لمشروعات التوربينات الثابتة- سيكون ساحة معركة رئيسة للتقنيات الخضراء المتنافسة خلال السنوات المقبلة.

وسبق أن أكدت الشركتان التزامهما بإيجاد حل للنزاع، الذي قد يصل إلى مرحلة حرجة خلال الأشهر المقبلة.

فمن المقرر أن تحدد السلطات البريطانية ما إذا كانت ستمنح مشروع هورنسي فور الضوء الأخضر النهائي في 22 فبراير/شباط (2023)، في حين تخطط شركة النفط البريطانية وشركاؤها لاتخاذ قرار استثماري نهائي بشأن إنديورانس خلال العام الجاري (2023).

ويبدو أن أهداف المناخ في بريطانيا ليست وحدها على المحك، لكنّ هناك -أيضًا- استثمارات ضخمة مرهونة بهذه المشروعات.

فقد قدّرت شركة أورستد تكلفة مزرعة الرياح بنحو 8 مليارات جنيه إسترليني (9.9 مليار دولار)، في حين لم تقدم شركة النفط البريطانية تقديرات لتكلفة مشروعها.

(جنيه إسترليني = 1.23 دولارًا أميركيًا)

اعتراف الحكومة البريطانية

قالت وزارة الأعمال والطاقة والصناعة إن الحكومة وضعت خطة طموحة لأهداف المناخ في بريطانيا تهدف إلى نشر تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه ومزارع الرياح البحرية، وكلاهما يمثل أساسًا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، عندما سُئلت عن كيف يمكن أن ينتهي الأمر باثنين من هذه المشروعات في المنطقة نفسها.

وأضافت: "نحن ندرك أنه قد تكون هناك تحديات تقنية للتعايش في بعض الحالات".

ودشّنت السلطات منتدى للرياح البحرية وتخزين الكربون في عام 2021 للجهات التنظيمية والقطاعات الصناعية في محاولة للتنسيق وحل النزاعات.

وناقشت كل من شركة النفط البريطانية بي بي وأورستد وهيئة ذا كراون إستيت حلول التعايش منذ عدة سنوات، لكن لم يذكروا كيف تغيّرت وجهات نظرهم على مدار العقد الماضي فيما يتعلق بمخاطر التداخل بين التقنيات.

أهداف المناخ في بريطانيا
مشروع هورنسي فور – الصورة من موقع شركة أورستد

وتضمنت وثيقة التخطيط لشركة أورستد -التي نشرتها السلطات في 17 يناير/كانون الثاني (2023)- تقريرًا من مجموعة تمثل شركة النفط البريطانية بي بي وشركاء مشروع "نورث إنديورانس بارتنرشيب".

وذكر التقرير أن برنامج احتجاز الكربون وتخزينه يستبعد مشاركة المنطقة.

وجاء في تقرير مشروع "نت زيرو تيسايد" بتاريخ يوليو/تموز (2022) أنه كان من المتوقع تطوير المشروعيْن في منطقة التداخل، إلا أن شركة النفط البريطانية وشركاءها توصلوا إلى صعوبة تحقيق ذلك في جميع أنحاء المنطقة.

ومن أجل بدء حقن الكربون في المشروع بحلول عام 2026، أعربت شركة النفط البريطانية عن شكوكها المتعلقة بإمكان التوصل إلى حل وسط في الوقت المناسب، إذ تحتاج إلى تأكيد بشأن مصير المنطقة.

بينما ذكرت شركة أورستد أن التوربينات المتفرقة التي يمكن أن تحد من المشكلة المتعلقة بالقوارب ستقلل إنتاج الكهرباء السنوي للشركة بنسبة 2.5%، ومن ثم سيصبح المشروع أقل قدرة على المنافسة في السوق.

وستساعد القدرة المخطط لها لمشروع طاقة الرياح -البالغة 2.6 غيغاواط- البلاد على تحقيق هدفها المتمثل في زيادة قدرة الرياح البحرية من 11 غيغاواط في عام 2021 إلى 50 غيغاواط بحلول عام 2030.

وتتطلب هذه الجهود استثمارات ضخمة في البنية التحتية البحرية الجديدة لبحر الشمال.

استمرار المحادثات رغم العقبات

خلال المناقشات الحالية، صرّحت شركة النفط البريطانية بأنها ملتزمة بحل مقبول لكلا الطرفين، في حين أعربت شركة أورستد الدنماركية عن ثقتها بإمكان التوصل إلى اتفاق للسماح بتطوير كلا المشروعين.

ويعتقد المنظمون وخبراء الصناعة أن ثمة أملًا لتنفيذ مشروعات طاقة الرياح واحتجاز الكربون وتخزينه التي تتقاسمه المنطقة.

وأكدت الهيئة الانتقالية عن بحر الشمال (إن إس تي إيه) أن التقدم التكنولوجي يمكن أن يغير الحسابات، مضيفة أن الطرق البديلة لرصد ثاني أكسيد الكربون ما تزال في مراحل التطوير أو باهظة التكلفة، ما يؤدي إلى زيادة التكاليف للصناعة دون تحقيق أرباح.

ويمكن لتقنية "عُقد قاع المحيط" تنفيذ مهام قوارب البيانات الزلزالية، والتقنية عبارة عن مقياس للزلازل يقع في قاع البحر، ويمكن تطبيقها على عمق يصل إلى آلاف الأمتار.

ومع ذلك، قال كبير الجيوفيزائيين في الهيئة روني بار إنه رغم التوقعات بانخفاض تكاليف هذه التقنية، من المحتمل أن تكلف 3 أو 4 أضعاف تكلفة استعمال القوارب.

من جانبه، أكد عالم الجيولوجيا، مدير مركز انتقال الطاقة في جامعة أبردين جون أندرهيل الحاجة إلى تطوير مواقع لاحتجاز الكربون وتخزينه لدعم أهداف المناخ في بريطانيا، لكن لا توجد أي بوادر انفراجه لحل الأزمة بين الشركتين، مرجحًا ظهور المشكلة نفسها في مكان آخر.

فهناك مشكلات أخرى مماثلة تتعلق بمشروع "أكورن كاربون" المخطط لتطويره قبالة إسكتلندا، الذي يتداخل مع مزرعة الرياح البحرية "مرام ويند".

وقالت شركتا شل وسكوتش باور رينوابلز -اللتان حصلتا على الحقوق الأولية لتطوير مزرعة الرياح قبل عام- إنهما تجريان مناقشات مع شركة أكورن.

وأضافت شركة شل، التي تُعد مطورًا في أكورن -أيضًا-، أن كلا المشروعين كان في مرحلة مبكرة، وأن التداخل لم يكن على نطاق واسع.

وأشار أندرهيل إلى أن حقل الغاز بيكريل يُعد موقعًا محتملًا لاحتجاز الكربون وتخزينه في المستقبل، لكن الخطط الحالية لبناء مزرعة رياح "أوتر داوزينغ" يمكن أن تواجه عقبات مماثلة.

ووفقًا لمدير مشروع مزرعة الرياح ديفيد فيو، فإن تطوير المشروع يسير على الطريق الصحيح لتزويد 1.6 مليون منزل بالكهرباء بحلول نهاية العقد.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. موضوع ممتاز جدا
    هكدا مواضيع يحبد ان تكون في انسيات الطاقة الاسبوعية
    التنافس بين الطاقات
    وليس دائما التركيز على النفط و الغاز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق