مقالات الغازالمقالاتغاز

الغاز الطبيعي في إيران.. لماذا تواجه صاحبة ثاني أكبر احتياطي عالميًا أزمة؟ (مقال)

أومود شوكري – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • إيران تنتج حاليًا مليارًا و40 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي
  • إيران واجهت عجزًا كبيرًا في الغاز في مواسم البرد لعدة سنوات متتالية
  • إيران تمكّنت من زيادة قدرتها على إنتاج الغاز في السنوات الـ10 الماضية
  • يُعزى الإحراق إلى عدم تركيب معدات لتجميع الغاز المستخرج من حقول النفط
  • لا يمكن لإيران حل أزمة الغاز الطبيعي دون إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة

في فصل الشتاء، تواجه إيران مشكلة نقص الغاز الطبيعي، على الرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطي في السنوات الأخيرة.

وتنتج إيران -حاليًا- مليارًا و40 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، تسلم منه نحو 980 مليون متر مكعب إلى شركة الغاز الوطنية، لتوزيعها في شبكة الاستهلاك، وفقًا للمشرف على إنتاج النفط والغاز في شركة النفط الوطنية الإيرانية هرمز قلاوند.

في المقابل، واجهت طهران عجزًا كبيرًا في الغاز خلال مواسم البرد لعدة سنوات متتالية. وتُعادل كميات الغاز الطبيعي الإيراني المهدرة جرّاء عمليات الحرق ثلث استهلاك الغاز في تركيا سنويًا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم (2022)، أفاد تقرير للجنة الطاقة في البرلمان الإيراني بأنه بسبب الإهمال المستمر لنقص الغاز في البلاد فإن هذه العملية ستؤدي إلى ضياع إنتاج الكهرباء في البلاد بنسبة لا تقل عن 70%.

وأشار التقرير إلى توقف صناعات ثقيلة مثل الصلب والألومنيوم والصناعات المعدنية والبتروكيماوية الأخرى، وتعليق الخدمات الأساسية مثل المخابز ومراكز الخدمة العامة الأخرى، وتعطيل التدفئة للأشخاص في المراكز الحضرية والريفية إلى حد لا يقل عن 95%.

الغاز الطبيعي
حرق الغاز المصاحب - الصورة من CNN

وتتسبّب مشكلة نقص الغاز في توقف الإنتاج والخدمات في شبكات تنقية المياه وتوزيعه، وتعطل المؤسسات المالية والمصارف والانتقالات، ما سيؤدي إلى استياء شعبي وتداعيات أمنية وسياسية واجتماعية.

انبعاثات حقول النفط والغاز

تحتل إيران المرتبة الأولى بالعالم في زيادة انبعاثات الغاز خلال السنوات الـ10 الماضية.

وتُظهر تقديرات البنك الدولي أن إيران تحتل المرتبة الأولى في زيادة انبعاثات الغاز من حقول النفط والغاز بين جميع دول العالم خلال الأعوام 2012 إلى 2021.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، أُضيفت 6.3 مليار متر مكعب إلى فقدان الغاز الطبيعي في حقول النفط والغاز الإيرانية، خلال هذه السنوات.

وفي عام 2012، وصلت كمية الغاز المتسرّب في حقول النفط والغاز الإيرانية إلى 11.1 مليار متر مكعب، وزادت بمقدار 6.3 مليار متر مكعب إلى 17.4 مليار متر مكعب في عام 2021، ما يدلّ على أنه خلال هذه المدة شهد إهدار الغاز في إيران نموًا بنسبة 57%.

وفي السنوات الـ10 الماضية، تمكّنت إيران من زيادة قدرتها على إنتاج الغاز، لذا فإن جزءًا من هذا النمو يرجع إلى تطوير حقول الغاز، بما في ذلك حقل بارس الجنوبي.

التذرُّع بالعقوبات

لطالما تذرّعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالعقوبات بصفتها السبب الرئيس لزيادة حرق غازات المشاعل في حقول النفط والغاز.

وصرّح وزير النفط الإيراني السابق، بيجان زنغنه، أن المشكلة الرئيسة في حرق الغاز المصاحب في مركز عسلوية للبتروكيماويات وخلال مراحل الإنتاج كانت المشكلات الناجمة عن العقوبات. وقال إن حرق بعض الغاز المصاحب يعود إلى أن بعض المعدات في المصافي الجديدة لم تُركّب وتُعدّل.

بالطبع، في هذه السنوات، انخفضت كمية الغاز في المراحل الـ10 الأولى، وستستمر في الانخفاض تدريجيًا.

وتُظهر إحصاءات وزارة النفط والبنك الدولي أن إيران لديها نحو 18 مليار متر مكعب من الغاز المحترق سنويًا. وهذا يعني أن هذه الكمية من الغاز، التي تعادل ثلث استهلاك تركيا من الغاز، تُحرق وتُهدر في مرحلة الإنتاج نفسها.

وتبلغ قيمة هذه الكمية من الغاز في الأسواق العالمية الآن أكثر من 15 مليار دولار.

ويُعزى الحرق إلى عدم تركيب معدات لتجميع الغاز الطبيعي المستخرج من حقول النفط، وخلال العقدين الماضيين لم تتخذ إيران أي إجراء في هذا المجال.

وتبيّن إحصاءات مشروع الكربون العالمي أن 33 مليون طن من غازات الاحتباس الحراري في إيران تحدث فقط من الاحتراق في حقول النفط.

تآكل الشبكة والمعدات

يُفقد نحو 9 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني المنتج والمكرر في مرحلة النقل والتوزيع بسبب تآكل الشبكة والمعدات، وفقًا للإحصاءات الرسمية.

تُجدر الإشارة إلى أن نحو 9 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المنتج والمكرر تُفقد بسبب تآكل الشبكة وتمزقها في مرحلة النقل والتوزيع.

الغاز الطبيعي
مرافق لإنتاج ومعالجة الغاز الطبيعي - الصورة من Financial Tribune

وأُفيدَ سابقًا بأنه لتحديث شبكة الغاز يلزم استثمار ملياري دولار سنويًا على مدى عقد من الزمان. نتيجة لذلك، يُفقد سنويًا 27 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 20 مليار دولار.

من ناحيتها، تستهلك محطات الطاقة الحرارية ما بين 65 و70 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، ويبلغ متوسط كفاءة محطات الكهرباء 37% فقط.

وبحسب إحصاءات وزارة الطاقة، يبلغ الفاقد الكهربائي في شبكة النقل والتوزيع نحو 13%، ما يعني أن 30 إلى 35 مليار متر مكعب من الغاز المنتج يُهدر في أثناء تحوله إلى كهرباء.

كان أمام الجمهورية الإسلامية عقدان من الزمن لوقف ضياع الغاز في الإنتاج والنقل والتحويل إلى الكهرباء، لكن لأسباب عدة لم تكن هذه المسألة من أولويات أي من الحكومات خلال هذه المدة.

ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي

هذا العام، ونتيجة للغزو العسكري الروسي لأوكرانيا والعقوبات الأوروبية، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية.

خلال السنوات السابقة، لم يكن سعر الغاز عند هذا المستوى الذي أعطت الجمهورية الإسلامية الأولوية لاستثماره في فقدان الغاز. وازداد اهتمام إيران بتطوير حقول النفط والغاز خلال السنوات الـ4 الماضية.

وبحسب تقرير مركز أبحاث البرلمان الإيراني، وبسبب مشكلات مادية، استثمرت الحكومة 3 مليارات دولار فقط سنويًا في قطاع إنتاج النفط والغاز، في حين كان ينبغي أن يكون هذا الرقم 20 مليار دولار سنويًا على الأقل.

نمو حرق الغاز المصاحب في إيران

في إيران، بلغت كمية حرق الغاز المصاحب في عام 2020 ما يقارب 13.3 مليار طن، ووصلت إلى 17.4 مليار طن في عام 2021، ما يشير إلى نمو بنسبة 32% في حجم الغاز المحترق في البلاد، وبالتالي فإن كمية الغاز المُهدر تبلغ 30% من استهلاك تركيا من الغاز سنويًا.

ووصلت أزمة الغاز الطبيعي في إيران إلى حد أنه -وفقًا للرئيس التنفيذي السابق لشركة الغاز الوطنية- ستواجه الجمهورية الإسلامية حتمًا إما أزمة اجتماعية بسبب انقطاع الغاز عن المنازل وإما أزمة اقتصادية بسبب تقليص كميات الغاز الصناعي.

علاوة على ذلك، فإن تحول محطات توليد الكهرباء إلى الوقود الثاني أو حرق الديزل، الذي فسره البعض أنه "حرق صحي"، يجعل الهواء أكثر تلوثًا، كما أن فرض قيود على قطاع البتروكيماويات والصناعات والأسمنت يعوق التنمية.

ويكشف الرسم البياني أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- حجم إنتاج إيران من الغاز الطبيعي طوال 50 عامًا، من عام 1970 حتى عام 2020، وفق بيانات شركة النفط البريطانية بي بي.

إنتاج الغاز الطبيعي - إيران

إن أهم مشكلة عجزت إيران عن حلها حتى الآن لإدارة جزء من أزمة الغاز الطبيعي هي انخفاض الضغط في حقل بارس الجنوبي المشترك بين إيران وقطر.

وقد تمكنت قطر من حل مشكلة انخفاض الضغط هذه باستعمال التكنولوجيا العالية لدى الشركات الأجنبية.

خلال الأشهر القليلة الماضية، وقّعت قطر عقودًا عدة بقيمة تقارب 30 مليار دولار مع شركات أوروبية وصينية كبيرة لضمان سوق الاستهلاك من الغاز الطبيعي المسال المنتج لديها وتوفير الموارد المالية والتقنية، ولم تكن لديها مشكلة في ذلك.

وبعد عقدين من الزمن، لم تتمكن إيران بعد من تشغيل المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، التي تصادف أنها المرحلة الأكثر أهمية في هذا الحقل.

وعلى الرغم من أن مشكلات مثل التمويل أو عودة العقوبات أدت إلى إبطاء جمع الغازات المصاحبة، ساد اعتقاد في السنوات الأخيرة أن تسليم المشروعات إلى القطاع الخاص واستعمال موارد صندوق التنمية الوطني قد زاد الآمال بتحقيق النجاح في هذا المجال.

لأنه في العامين المقبلين، لن يُحرق أكثر من 90% من هذه الغازات فحسب، بل ستُحوّل إلى منتجات عالية القيمة عن طريق تحويلها إلى مواد أولية بتروكيماوية.

باختصار، تواجه إيران أزمة في الغاز الطبيعي، ولا يمكنها حلها دون إعادة تنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصّة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق