التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيتقارير منوعةرئيسيةمنوعات

سوق الكربون الصينية قد تفشل في خفض انبعاثات شركات الطاقة (تقرير)

أحجام تداول ضعيفة وأسعار متدنية بعد عام و4 أشهر من إطلاقه

عمرو عز الدين

ما زالت سوق الكربون الصينية عاجزة عن قيادة شركات الطاقة إلى خفض انبعاثاتها، على الرغم من مرور قرابة عام ونصف العام على إطلاقها في بورصة شنغهاي للبيئة والطاقة (إس إي إي إي).

ورصد تقرير حديث أعدّته وكالة بلومبرغ الاقتصادية المتخصصة، تدني أسعار تداول الكربون في الصين بصورة قياسية مقارنة بالأسعار في الأسواق الأوروبية.

وبلغ متوسط سعر تداول الطن من ثاني أكسيد الكربون في بورصة شنغهاي للبيئة والطاقة أقل من 9 دولارات هذا العام، مقارنة بـ85 دولارًا في السوق المشابهة بالاتحاد الأوروبي، وفقًا للتقرير الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وأطلقت الصين سوق تداول الكربون رسميًا في 16 يوليو/تموز (2021)، وذلك في إطار خططها المناخية لخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060.

أحجام التداول ما زالت ضعيفة

سوق الكربون الصينية
لحظة إطلاق سوق الكربون الصينية، 16 يوليو/تموز 2021 - الصورة من موقع ريفيني تف

رغم مرور عام و4 أشهر على إطلاق سوق الكربون الصينية؛ فإنها ما زالت سوقًا ضيقة تعاني ضعف أحجام التداول وتدني الأسعار.

وبدأ أول تداول للكربون في سوق شنغهاي للبيئة والطاقة، الجمعة 16 يوليو/تموز 2021، على سعر ضعيف للغاية تراوح بين 48 و52 يوانًا للطن المتري (7.5 إلى 8 دولارات أميركية وقتها).

وكانت أسعار الكربون متداولة في سوق الاتحاد الأوروبي في الشهر نفسه عند مستوى 69.22 دولارًا للطن المتري؛ ما أشار إلى أن البداية الصينية غير مبشرة بالنسبة لخطط التحول المناخي طويلة الأمد، أما بالنسبة للشركات الملوثة فالأسعار المنخفضة تشجع على التجاهل والتراخي.

الزيادة 1.5 دولارًا فقط

حتى الآن، لم يزِد سعر تداول الكربون في الصين على 9 دولارات للطن للمتري؛ ما يعني أن معدل الارتفاع عن أول تداول ما زال ضعيفًا للغاية ولا يتجاوز 1.5 دولارًا للطن، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتُزيد الأسعار المرتفعة لتداول الكربون الضغوطَ على شركات الوقود الأحفوري للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، بينما تشجع الأسعار المنخفضة على التجاهل والاعتياد؛ ما يهدد الخطط الوطنية الصينية متوسطة وطويلة المدى.

ويشدد الخبير الاقتصادي، جوزف ستيغليتز -الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد- على ضرورة رفع سعر طن الكربون إلى 100 دولار للطن بحلول عام 2030، إذا أرادت حكومات العالم أن تُبقي درجات الحرارة في حدود درجتين مئويتين.

كما يحث صندوق النقد الدولي قادة العالم على التوصل لاتفاق دولي بشأن وضع حد أدنى لأسعار الكربون لا يقل عن 70 دولارًا للطن بحلول 2030، بهدف تعزيز الجهود الجماعية لتحقيق الحياد الكربوني في العالم.

ويخشى الصندوق ومنظمات البيئة والمناخ من ترك أسعار الكربون بلا حد أدنى في دول العالم الكبرى المسببة للانبعاثات؛ ما قد يضعف الجهود العالمية لخفض الانبعاثات.

سوق لا تغطي إلا قطاع الكهرباء

لا تغطي سوق تداول الكربون في الصين حتى الآن سوى قطاع الكهرباء فقط، الذي يضم 2225 شركة منتجة للكهرباء من الفحم.

لكن حجم الانبعاثات الصادرة عن هذا القطاع منفردًا يتجاوز 4 مليارات طن متري من الكربون سنويًا، تعادل 40% من حجم الانبعاثات في الصين؛ ما يعني أن السوق الصينية هي أكبر سوق للكربون في العالم من حيث حجم الانبعاثات المتداولة، بينما تعد السوق الأوروبية المناظرة الأقدم والأكثر نشاطًا، وإن كانت أقل في الحجم النظري.

رغم ذلك؛ فما زالت قطاعات صناعية شديدة التلوث والانبعاث خارج سوق التداول الصينية الوليدة، ولا سيما صناعة الحديد والصلب والألومنيوم والأسمنت، إضافة إلى قطاعات الطيران والصناعات البتروكيمياوية.

وعود بتوسعة السوق لم تتحقق

سوق الكربون الصينية
وزير البيئة الصيني، لي جيانغ - الصورة من قناة سي جي تي إن الصينية

أعلنت وزارة البيئة في الصين، منذ عام ونصف العام، خططًا لتوسعة نطاق سوق الكربون في البلاد، بإضافة القطاعات الأخرى الملوثة مثل الحديد والأسمنت، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن تحت ضغط الظروف الاقتصادية في العالم وتداعيات إغلاق كورونا والاضطرابات التى يشهدها العالم.

حتى الآن يظل قطاع الفحم هو الوقود المحفز لسوق تداول الكربون الصينية، لكن تدني الأسعار المتداولة لا يمثل ترغيبًا أو ترهيبًا كافيًا لإجباره على الحد من كميات الانبعاثات التي يطلقها في الغلاف الجوي، وفقًا لمدير قطاع الاستدامة بمجموعة سي إل بي هولدنج هندريك رونتال.

يقول رونتال، في كلمة بمؤتمر قمة آسيا للمناخ المنعقدة في سنغافورة 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن تطور سوق الكربون الصينية ما زال ضعيفًا للغاية، بسبب استمرار الحكومة الصينية في إصدار تصاريح التلوث للشركات الحكومية الكبرى بصورة سخية؛ ما يعوق الأسعار المتداولة عن التحرك لأعلى بصورة كبيرة.

وأضاف رونتال: "البداية البطيئة للأسواق الجديدة ليست خطأ، لكن المشكلة أن غالبية الصناعات الملوثة ما زالت خارج التغطية في الصين، كما أن محطات الفحم لا تتعرض لضغوط كبيرة بسبب تدني الأسعار المتداولة".

وعلّق أنصار البيئة والمناخ آمالًا كبيرة على سوق الكربون الصينية منذ إطلاقها، بوصفها خطوة على طريق مكافحة التغير المناخي في أكبر بلد من حيث عدد السكان وحجم الانبعاثات في العالم.

ولا يتوقع رونتال أن يتعرض قطاع الفحم للضغط في الصين قبل عام 2025، استنادًا إلى خطط حكومية معلنة لخفض الاعتماد على الفحم في توليد الكهرباء بداية من هذا التاريخ.

وتعتمد الصين حاليًا على الفحم في توليد 60% من احتياجات الكهرباء، وهي أكبر بلد منتج ومستورد للفحم في العالم، ويعادل حجم ما تستهلكه سنويًا كل ما تحرقه بلدان العالم من الفحم مجتمعة منذ عام 2011 حتى الآن، وفقًا لتقارير دورية ترصدها منصة الطاقة المتخصصة.

وبلغ حجم واردات الصين من الفحم الحراري في عام 2021 قرابة 324 مليون طن متري؛ ما يعادل أكثر من نصف واردات الفحم العالمية، وفقًا لبيانات بلومبرغ.

كيف تعمل أسواق الكربون؟

تقوم فكرة أسواق الكربون المبتكرة في أوروبا منذ 16 عامًا على فرض حد أقصى إلزامي لحجم الانبعاثات المسموح بخروجها من الشركات الملوثة مع تناقصه سنويًا، بما قد يرفع تكلفة التلويث على الشركات بمرور الزمن.

ووفق هذه الفكرة تُلزم الشركات بخفض انبعاثاتها من خلال إصدار تصاريح تسمح للشركات بإطلاق الانبعاثات إلى حد معين، وإذا تجاوزت الشركة حصتها؛ فستجد نفسها مضطرة لشراء تصاريح شركات أخرى مطروحة في أسواق تداول تشبه أسواق الأسهم وتخضع للعرض والطلب.

تمكّن هذه الفكرة الشركات الأقل تلويثًا من بيع تصاريحها الإضافية في الأسواق للحصول على مقابل مالي يمكنها أن تستخدمه في التوسع نظير محافظتها على البيئة، بينما ستضطر الشركات الأكثر تلويثًا لزيادة إنفاقها على شراء التصاريح؛ ما يجعلها تفكر في منطق الفرصة للبديلة للاستثمار في الطاقة المتجددة على المدى المتوسط والطويل.

منحت قواعد سوق الكربون الصينية الحق للسلطات المحلية -لأول مرة- بتحديد حصص الانبعاثات المسموح بها لمحطات الكهرباء والطاقة الحرارية، مع السماح لشركات الطاقة بتبادل ما بات يُعرَف بحقوق التلوث من الآخرين الذين لديهم آثار كربونية أقل.

ووفقًا لهذه القواعد، تمنح السلطات المحلية شهادة للشركات مقابل كل طنّ من الانبعاثات يُسمح لها بإطلاقه في الغلاف الجوي، وفقًا لسقف يجري تحديثه باستمرار.

وتلتزم الشركات في المقابل بنشر بيانات التلوث الخاصة بها بصورة منتظمة، على أن تقوم جهات تابعة لوزارة البيئة الصينية بالتحقق من هذه البيانات سنويًا، للتأكد من مدى صحتها.

وأشار تدقيق موسّع أجرته وزارة البيئة على شريحة من الشركات في يونيو/حزيران 2021، إلى أن واحدة من كل 3 شركات قدمت بيانات أقل مما تنتجه من انبعاثاث، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويأخذ البعض على وزارة البيئة الصينية تساهلها في معايير إلزام الشركات بحدود الانبعاثات، فما زالت التعليمات الصادرة تتعلق بخفض كثافة الكربون لكل وحدة من إجمالي الناتج الداخلي للشركة، وليس إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن الشركة.

السوق مغلقة على شركات الطاقة

سوق الكربون الصينية
الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يحدد خطط الحياد الكربوني - الصورة من رويترز

تضرر مستثمرون ماليون من سيطرة كبرى شركات الطاقة في الصين على غالبية التداول في سوق الكربون ببورصة شنغهاي للبيئة والطاقة، مطالبين بفتح السوق أمام الجميع.

وتنشط شركة الصين للنفط والكيماويات العملاقة "سينوبك"، في سوق تداول الكربون بصورة مكثفة، إضافة إلى شركة تشاينا إينرجي إنفستمنت، إحدى أكبر شركات تعدين الفحم في العالم.

واشتكى رئيس قطاع تجارة السلع البيئية بمجموعة أكت كوموديتز غروب، من ضعف فاعلية سوق الكربون الصينية الوليدة لاقتصار التجارة فيها على شركات الطاقة فقط.

وقال كيمن تشانغ إن إضافة قطاعات أخرى ستؤدي إلى مزيد من النشاط في سوق الكربون الوليدة، كما ستسمح للمستثمرين الماليين بالمشاركة إلى جانب شركات الطاقة.

وأضاف تشانغ: "هذه هي الطريقة الأكثر فاعلية والأكثر سهولة لزيادة السيولة في أي سوق تداول.. إضافة إلى المزيد من القطاعات مع فتح الباب أمام المستثمرين والشركات التجارية.. إذا لم يكن هناك وسطاء في السوق فلن تكون هناك سيولة".

ويطمح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى خفض انبعاثات الكربون بنسب محفزة بحلول عام 2030، على أمل في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060.

وتستهدف سوق الكربون الوليدة في الصين إجبار الشركات على الدفع مقابل الحصول على تصاريح إطلاق الانبعاثات؛ ما قد يضطرها إلى تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة مستقبلًا، بدلًا من الاستمرار في دفع مبالغ مهدرة؛ ما يحقق مصالح الشركات والدولة والبيئة معًا.

ولم تسلم فكرة سوق الكربون في أوروبا من الانتقاد منذ إطلاقها في عام 2005؛ إذ يُفضّل البعض فرض ضرائب كربون مباشرة ومتصاعدة على أنشطة الشركات بديلًا لسوق تتداول فيها حقوق التلوث بين شركات طاقة عملاقة ذات قدرات مالية ضخمة تمكنها من اختراق هذه الأسواق والتلاعب بها.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق