التقاريرالنشرة الاسبوعيةتقارير النفطرئيسيةنفط

قطاعا النفط في السعودية وفنزويلا نشأة واحدة ونتائج متباينة.. أيهما تختار غايانا؟

مؤرخ يحذّر جورج تاون من "لعنة الموارد"

هبة مصطفى

ربما تتشابه سطور التاريخ الاقتصادي لنشأة قطاع النفط في السعودية وفنزويلا رغم المسافات بين البلدين، فكلاهما تمتَّع بموارد ضخمة، لكن التأسيس للاستفادة منها وتطويرها اختلف فيما بينهما بعد مرور سنوات عدّة.

وبينما يرصد التاريخ التباين الواسع بين تطوير الدولتين للذهب الأسود ووفرة احتياطياته، تتجه الأنظار إلى غايانا الدولة التي لم يزد عمرها النفطي عن بضع سنوات، وحديثه العهد بالاقتصاد القائم على تطوير الخام، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتعدّ لعنة الموارد شبحًا يطارد الدول التي تحوز إمكانات هائلة، ومن ضمنها غايانا الواقعة في أميركا الجنوبية التي لفتَ صعودها الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية الأنظار، لكنه اقترن في الوقت ذاته بتخوفات من عدم قدرتها على إدارة ثروتها النفطية لتنضم إلى سيناريو فنزويلا الحالي، بحسب رؤية مؤرخ النفط والسياسات الخارجية غريغوري برو التي نقلتها عنه صحيفة أويل ناو (Oil Now) المحلية في غايانا.

السعودية نموذجًا للتطوير

بالتضادّ تُعرف الأشياء.. هكذا أثبتت الفجوة الواسعة بين الأداء الحالي لقطاع النفط في السعودية وفنزويلا، إذ إن البدايات الطامحة لا تعني ثبات الإنجازات على الوتيرة ذاتها.

ومنذ تسارع ازدهارهما الاقتصادي القائم على تطوير موارد النفط، اكتسبت الدولتان أهمية كبرى لدى الأسواق العالمية بصفتهما مُصدّرين رئيسين، ودفعت استثمارات النفط في السعودية وتطوير القطاع نحو تقلُّد المملكة موقعًا قياديًا في منظمة أوبك وتنظيمها لنطاق تسعير الخام.

وبحلول 4 مارس/آذار العام المقبل (2023)، تحلّ الذكرى رقم 85 لاكتشاف النفط في السعودية، وعلى مدار سنوات، برزت المملكة ضمن أكبر مُصدّري الخام في العالم، إن لم تكن أكبرهم.

ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- حجم احتياطيات النفط في السعودية منذ عام 1980 وحتى العام الماضي (2021)، وفق بيانات شركة النفط البريطانية بي بي:

احتياطيات النفط في السعودية

واكتُشفت بئر الدمام 7 في 4 مارس/آذار عام 1938، بإنتاج زهيد بلغ 1600 برميل يوميًا، غير أنه في غضون 3 أسابيع نجحت البئر في إنتاج 100 ألف برميل يوميًا، ليزيد إنتاج النفط في السعودية خلال السنوات من 1945 حتى عام 1974 بنسبة 19%، مسجلًا 8.2 مليون برميل يوميًا حينها.

وعلى مدار سنوات طويلة من تطوير النفط في السعودية، عملت شركة أرامكو على زيادة نشاطها بالقطاع إلى أن أصبحت أكبر شركات النفط العالمية حسب التقديرات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة للعام الماضي (2021).

وسجلت الاحتياطيات المؤكدة للنفط في السعودية 261.6 مليار برميل في 2021، مرتفعة عن احتياطيات العام السابق له (2020) المقدّرة بنحو 258.6 مليار برميل.

فنزويلا ترجع إلى الخلف

كانت التوقعات تُشير إلى تكرار فنزويلا معدل الازدهار المتسارع الذي شهده قطاع النفط في السعودية، قبل أن تتحكم بها عوامل أسهمت في انهيار قطاع النفط، بجانب وقوعه تحت طائلة العقوبات الأميركية منذ سنوات.

ورغم أن كاراكاس تحوز لقب صاحبة أكبر احتياطيات نفطية بالعالم، فإن تطوُّّر قطاع النفط في الدولة العضو بأوبك أيضًا لم يكن على قدر الطموحات، وانهار اقتصادها آونة تلو الأخرى، إلى أن دفع مواطنيها للهجرة، وفق المؤرخ برو.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي (2021)، أعلنت شركة النفط الوطنية بالبلاد خفض الإنتاج إلى مليون برميل يوميًا، هبوطًا من هدف إنتاجي سابق مقدَّر بنحو 1.5 مليون برميل.

ويوضح الرسم البياني التالي تدرُّج إنتاج النفط في فنزويلا بالمقارنة بين الأشهر الـ12 للأعوام من (2019) حتى عام (2022)، وفق بيانات منظمة أوبك، وما اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة:

إنتاج فنزويلا من النفط الخام - يوليو 2022

ولم يطل الخفض الإنتاج الإجمالي فحسب، لكن إنتاج حوض نهر أورينوكو المُسهم بأكبر تدفقات الخام تقلَّص أيضًا إلى 650 ألف برميل، بعدما كانت يحوم حول نطاق المليون برميل.

وجاء تقليص الإنتاج بعد رصد تهالك البنية التحتية للطاقة في البلاد، واستمرار تخارج الشركات العالمية من قطاع النفط والغاز لضعف الاستثمارات وعوامل التضخم والفساد التي أحاطت بحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، وكانت سببًا رئيسًا في فرض عقوبات أميركية على القطاع ما زالت قائمة.

وتكافح فنزويلا لإنعاش قطاعها النفطي، ولجأت إلى إيران لدعمها، في محاولة من الدولة الواقعة بأميركا الجنوبية للّحاق بركب تطوّر قطاع النفط في السعودية، رفيقها من حيث النشأة.

جرس إنذار

الحديث عن قطاعي النفط في السعودية وفنزويلا بصفتهما نموذجين متضادين ليس بعيد الصلة عن غايانا، لكنه بمثابة جرس إنذار لها من تكرار سيناريو جارتها في أميركا الجنوبية، ويخشى المؤرخ "غريغوري برو" من تمكُّن عناصر داعمة للتراجع من إدارة النفط الحالية للبلاد.

وبصورة محددة، يرى "برو" أن الدول التي تملك ثروات نفطية ضخمة تشكّل عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية المعنية بتطوير الخام وتحقيق المكاسب، دون الأخذ في الحسبان عوامل التطوير الاقتصادي الوطني بصورة عامة، حسبما قال في مقابلة مع بلومبرغ، نقلت "أويل ناو" مقتطفات منها.

وبجانب مخاوف سيطرة الاستثمارات الأجنبية على قطاع النفط في غايانا، تواجه الدولة حديثة العهد بإنتاج الخام مخاوف إضافية تتعلق بالاعتبارات السياسية والإدارية لإدارة البلاد.

وقال برو: "على غايانا التأكد من إدارتها للبلاد بصورة صحيحة، إذ إن عادة الدول تقضي بعدم قدرتها على التراجع إلى المسار الصحيح مرة أخرى، إذا ما سادت شبهات فساد وسوء إدارة".

وأضاف أن التساؤل المثير للجدل الآن: "كيف تدير الدولة مواردها النفطية وتطورها بما يتلاءم مع الأهداف الوطنية والإبقاء على الاستثمار الأجنبي في الوقت ذاته لتجنُّب "لعنة الموارد"؟

لماذا غايانا؟

يرجع تركيز المؤرخ غريغوري برو على إدارة غايانا للقطاع النفطي واستشهاده بنموذجين متضادين (قطاعَي النفط في السعودية، وفنزويلا) وتخوفاته من تكرار نموذج كاراكاس إلى ما حققته جورج تاون من إنجازات ضخمة على صعيد الإنتاج والاستثمارات خلال سنوات قليلة.

وقدَّر برو حجم إنتاج غايانا النفطي في الآونة الحالية بما يصل إلى 360 ألف برميل يوميًا، مع توقعات ببلوغ إنتاجها 500 ألف برميل يوميًا العام المقبل، ليتجاوز سقف المليون برميل يوميًا بحلول عام (2027).

النفط في السعودية
منصة حفر تابعة لشركة إكسون موبيل في غايانا - الصورة (Stabroek News)

ومع تفاؤل توقعات الإنتاج، تسير الاحتياطيات على المسار ذاته في ظل مواصلة الاستكشافات والتنقيب، إذ إنه رغم حداثة عهد الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية بالاستثمارات النفطية، فإنها تحتلّ موقعًا متقدمًا ضمن الدول التي تستحوذ على احتياطيات مؤكدة باحتفاظها بالمرتبة رقم 17 عالميًا.

وتؤدي شركة إكسون موبيل الأميركية دورًا رئيسًا لتطوير قطاع النفط بالبلاد، إذ تؤهّل توقعاتها الإنتاجية لحقول غايانا تفوّق جورج تاون على جارتها فنزويلا واقتناصها لقب أعلى حصة إنتاجية للفرد على مستوى العالم.

ويبدو أن إدارة البلاد الحالية بدأت تدرك مخاوف سيطرة شركة إكسون موبيل على القطاع حديث النشأة، وتعتزم التوسع بعيدًا عن الشركة الأميركية بطرح 14 مربعًا بحريًا جديدًا، مع تعزيز العطاء بشروط جديدة تضمن لها حصة أكبر في المكاسب.

ومن جانب آخر، لم تكتفِ غايانا بالتركيز على استكشاف النفط والتنقيب عنه بغرض الإنتاج فقط، بل تستعدّ لتلقّي مقترحات حول تصميم وبناء أولى مصافي التكرير بها، بقدرة معالجة قد تصل إلى 30 ألف برميل يوميًا.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق