تقارير الغازالتقاريررئيسيةغاز

الهند تراهن على غاز النفط المسال في إطار خطط التحول المناخي (تقرير)

نيودلهي تستضيف نسخة أسبوع الغاز السنوي

عمرو عز الدين

رفعت الهند رهانها على غاز النفط المسال في إطار خططها الطويلة نسبيًا للتحول المناخي باتجاه مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2070.

وقال وزير النفط والغاز الهندي هارديب سينغ بوري، إن التوسع في الاعتماد على هذا الغاز يمكن أن يُسهم في تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وفقًا لمنصة إس آند بي غلوبال (S&P Global).

وأضاف الوزير -في كلمة له خلال أسبوع غاز النفط المسال-، أن أزمة الطاقة الأخيرة عزّزت من رغبة بلاده في إجراء التحول نحو الطاقة المتجددة، لكن عليها التأكد من استمرار النمو في البلاد، لا سيما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

أسبوع غاز النفط المسال

تستضيف العاصمة نيودلهي نسخة هذا العام من أسبوع غاز النفط المسال خلال المدة من 14 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني (2022)، بحضور الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات الغاز الطبيعي المسال في العالم، ومجموعة من وزراء الحكومات، وممثلي المنظمات الدولية المعنية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويناقش هذا الحدث السنوي آخر تطورات صناعة غاز النفط المسال وفرص نموها حول العالم، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها المنتجون والموردون والمستوردون.

وترهن الهند التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بمدى قدرتها على تحمُّل تكاليفها، إذ ما تزال عمليات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتطلب موارد مالية كبيرة.

ويقول الوزير الهندي: "يجب على الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا أن تضمن وصول الطاقة إلى مواطنيها خاصة عندما يكون هناك الكثير من تحديات التنمية".

وأضاف هارديب سينغ بوري: "قد تكون بلادنا خامس أكبر اقتصاد في العالم، لكنها ما تزال تعاني انخفاض دخل الفرد".

تحذير من نقص الطاقة

حذّر وزير النفط هارديب سينغ بوري، في كلمته خلال الحدث السنوي، من أن أي نقص في الطاقة ستكون له عواقب وتداعيات كارثية، مشيرًا إلى تأثير الأزمة الأخيرة بصورة كبيرة في أسعار الوقود والأسمدة، وكذلك الغذاء.

وتستورد الهند -حاليًا- معظم احتياجاتها من النفط الخام والغاز في إطار خطط أمن الطاقة التي تستهدف توفير الكهرباء لـ1.3 مليار نسمة بصورة آمنة ومستدامة.

غاز النفط المسال
جانب من إحدى جلسات أسبوع غاز النفط المسال - الصورة من صفحة وزير النفط الهندي على تويتر

وتصدّر الهند منتجات نفطية مكررة مثل وقود الديزل، بالإضافة إلى وقود الطائرات منخفض الكبريت لا سيما إلى أوروبا، وأحيانًا إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ويقول الوزير الهندي، إن التكيف مع الواقع المحلي أمر لا مفر منه، فحتى تبقى على قيد الحياة في الوقت الحالي لا بد من ضمان استمرار تدفق الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها في العالم النامي.

خطط الهند متأخرة 20 سنة

لا تخطط الهند للتحول إلى الطاقة المتجددة سريعًَا خلافًا لدول الاتحاد الأوروبي وبعض الاقتصادات المتقدمة التي تخطط للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، في حين تمتد خطة الهند إلى عام 2070، أي بفارق 20 سنة.

وتطمح الهند إلى خفض الانبعاثات الكربونية في البلاد تدريجيًا بمقدار مليار طن بحلول عام 2030، كما تستهدف خفض كثافة الكربون في الاقتصاد بنسبة 45% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات 2005، وصولًا إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2070.

وترى الدولة أن الاستخدام الشامل لغاز النفط المسال في مجالات الطهي، يمكن أن يُسهم بطريقة فعالة في تحسين حياة المواطنين وخفض التلوث، ما يصب في تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

وارتفع استخدام غاز النفط المسال في الهند من 61% في عام 2016، إلى 100% حتى أول 10 أشهر من العام الجاري، فلم يعد أي منزل هندي يخلو من أسطوانة غاز نفط مسال.

وغاز النفط المسال عبارة عن خليط غازات هيدروكربونية يتكوّن أساسًا من مواد البروبان والبيوتان العادي والأيزوبيوتان، المشتقة من عمليات تكرير النفط الخام أو عمليات معالجة الغاز الطبيعي.

وتتعدّد استخدمات هذا الغاز في الأغراض المنزلية كما في أعمال التدفئة والطهي، كما يُستعمل وقودًا للمركبات، بالإضافة إلى استخدامه في أغراض صناعية وزراعية وتجارية أخرى.

ويمكن تسييل خليط مكونات غاز النفط المسال عبر الضغط لسهولة نقله وتخزينه، وفقًا لكتيب صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

ويتميّز استخدام غاز النفط المسال بانخفاض انبعاثات الكربون، ما يجعله أقل تلويثًا للبيئة مقارنة بحجم الانبعاثات الضخمة التي يخلفها استعمال وقود الديزل أو زيت الوقود، ما يشجّع كثيرًا من الدول على التوسع في الاعتماد عليه لتوفير احتياجات الطاقة لشعوبها.

دول أفريقيا تشارك الهند رؤيتها

يتشارك مع الوزير الهندي في اتجاهه، رئيس شركة أوركس غاز تنزانيا بينو أرامان، الذي صرّح في حدث نيودلهي بأن أغلب الدول الفقيرة لا تستطيع تحمل تكاليف الابتعاد عن الوقود الأحفوري على الفور.

وقال أرامان، إن غاز النفط المسال يمكنه أن يمثّل ملاذًا آمنًا للأسر عبر توفير الطاقة بعيدًا عن استخدام الوقود الضار الذي يعتمدون عليه الآن.

وأشار أرامان إلى أن عددًا كبيرًا جدًا من الناس في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما يزالون يستخدمون الفحم والأخشاب للطهي، ما يعني أن تحول هذا الكم من البشر إلى غاز البوتان يمثّل بديلًا بيئًيا جيدًا على المديين القصير والمتوسط.

عودة الاعتماد على الفحم

تبدو قدرة الهند ضعيفة على إحداث نقلة نوعية في مجال التحول للطاقة المتجددة، لأسباب كثيرة أهمها ضخامة عدد سكانها، مقارنة بالدول الأوروبية المتسارعة في هذا المجال.

ويعيش في الهند 1.3 مليار نسمة، ما يقرب من ضعف من يعيش في القارة الأوروبية مجتمعة (700 مليون نسمة تقريبًا)، وهي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين.

وعلى الرغم من أن الهند تمثّل واحدة من أكبر الدول المنتجة لانبعاثات الكربون في العالم، فإن نصيب الفرد فيها من الانبعاثات ما يزال أقل مقارنة بنصيب الفرد في الدول المتقدمة.

ويحتاج هذا الكم الضخم من السكان في المقابل إلى كميات ضخمة من الكهرباء تزيد معدلاتها كل عام بنسب كبيرة بسبب الزيادة السكانية، ما يكبّل الهند في خطط الانتقال السريع نحو مصادر متجددة ما زالت باهظة التكاليف حتى على الدول الغنية خفيفة ومتوسطة السكان.

واضطرت الهند -مؤخرًا- إلى تجديد الثقة في الفحم (أسوأ أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة)، وسط ضغوط هائلة من الطلب المحلي على الكهرباء.

وتشير خطة وزارية حديثة -رصدتها منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن الهند ستعزّز الاعتماد على محطات الفحم في توليد الكهرباء بنسبة 25% على الأقل بحلول عام 2030.

وقد صرّح وزير الطاقة الهندي راج كومار سينغ، في 24 سبتمبر/أيلول (2022)، باتجاه بلاده نحو زيادة الاعتماد على الفحم لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في البلاد.

غاز النفط المسال
جانب من إحدى جلسات أسبوع غاز النفط المسال - الصورة من صفحة وزير النفط الهندي على تويتر

وتتضمّن خطة وزارة الطاقة الهندية المحدثة إضافة 56 غيغاواط من الكهرباء المولّدة عبر الفحم إلى الشبكة القومية حتى عام 2030.

وتخصص الهند مبالغ ضخمة للاستثمار في مشروعات طاقة الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية، إلا أن تكاليف تخزين الكهرباء المنتجة من هذه المشروعات ما زالت مرتفعة، ما قد يضطرها إلى التركيز على أولوية توفير الكهرباء للسكان من المصادر التي لم تألف غيرها.

ثالث أكبر منتج للانبعاثات

تمثّل الهند ثالث أكبر دولة منتجة للانبعاثات في العالم؛ بسبب اعتمادها على الفحم في توليد الكهرباء بصورة أساسية بنسبة 70% تقريبًا.

ويبلغ حجم إجمالي استهلاك الهند من الكهرباء قرابة 404.1 غيغاواط، موزعة بين الفحم بنسبة 69.9%، ومصادر الطاقة المتجددة بنسبة 11.4%، بالإضافة إلى مصادر أخرى، وفقًا للبيانات المتاحة عن السنة المالية الحالية 2021-2022.

وتمثّل التحديثات الجديدة في خطط وزارة الطاقة الهندية نكوصًا عن خطط سابقة كانت تطمح إلى تخفيض دور الفحم في إنتاج الكهرباء إلى أقل من 60% خلال السنوات الـ5 المقبلة، لكن يبدو أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية قد أربكت جميع دول العالم، بما فيها الدول المتصدرة في مجالات الطاقة المتجددة.

ويشهد أكثر من بلد أوروبي عودة الاعتماد على الفحم بسبب انقطاع إمدادات الغاز الروسي عبر خط نورد ستريم الرئيس، وارتباك حكومات القارة العجوز في توفير بدائل الطاقة منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط (2022).

ويضيف ارتفاع درجات الحرارة في فصول الصيف -تحديدًا- أعباء إضافية على الحكومات التي ينظر إليها بوصفها مسؤولة عن توفير الكهرباء على مدار الساعة في جميع أنحاء البلاد.

وتعرّضت الهند، خلال الصيف الحالي، إلى ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة أدت إلى زيادة الضغط على شبكات الكهرباء، وانقطاع التيار على نطاق واسع ومتكرر في أغلب ولايات البلاد ومقاطعاتها.

وتتحسّب الهند لهذه العوامل مجتمعة، وتخشى إغلاق محطات الفحم بصفة سريعة، وترى أن الأفضل من ذلك زيادة عمليات التعدين في مناجم الفحم مع زيادة الاستيراد من الخارج.

وتقع الهند في المرتبة الثانية ضمن قائمة أكبر مستوردي الفحم في العالم، ويأتي أغلب صادراتها من إندونيسيا وأستراليا وجنوب أفريقيا، كما تمتلك احتياطيات ضخمة تصل إلى 344 مليار طن.

الطاقة المتجددة مكلفة جدًا

غاز النفط المسال
مشروعات الطاقة الشمسية في الهند

تواجه الهند -مثل غيرها من الدول النامية- مشكلة ارتفاع تكاليف بطاريات التخزين اللازمة، لجعل الكهرباء المولدة من الشمس والرياح متاحة للاستخدام على مدار الساعة، ما يحتاج إلى ضخ استثمارات ضخمة لا تقوى عليها في ظل أولويات أخرى تفرضها ظروف البلاد الاقتصادية وأوضاعها السكانية.

ووجّه وزير الطاقة راج كومار سينغ لومًا إلى الدول المتقدمة لضعف استثماراتها في تطوير تقنيات تخزين الكهرباء النظيفة وإزالة الكربون، في ظل سيطرة الصين على الجزء الأكبر من إمدادات الليثيوم عالميًا.

وترى الهند أن سيطرة الصين على المعدن الرئيس المستخدم في صناعة بطاريات تخزين الكهرباء يمثّل مصدر قلق لها وللعالم، وتدعو إلى الاهتمام بتطوير التقنيات الواعدة في هذا المجال، ما قد يُسهم في جعل البطاريات أرخص سعرًا، ويصب في اتجاه تسريع عمليات العزوف عن الوقود الأحفوري في البلدان النامية التي تنظر إلى التكاليف بوصفها عائقًا معجزًا لقدراتها المالية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق