التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسيةقمة المناخ كوب 27

صدمة مناخية.. توليد الكهرباء من الفحم يشهد زيادة بقيادة الدول الكبرى (تقرير)

عمرو عز الدين

تشير الإحصاءات المجمعة عن دول العالم الكبرى إلى زيادة الاعتماد على توليد الكهرباء من الفحم؛ ما يمثّل صدمة كبرى لأنصار التحول المناخي والحياد الكربوني الذين يرغبون في إزاحته بحلول 2040.

تتجه الصين والهند -أكبر كتلتين بشريتين في العالم- إلى تعزيز خطط الاعتماد على أقذر أنواع الوقود الأحفوري عبر استثمارات ضخمة لبناء محطات جديدة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتمثل الخطط نكوصًا عن وعود سابقة قطعتها الدول الكبرى على نفسها بخفض حصص توليد الكهرباء من الفحم الذي يصنف على أنه أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة.

يفسّر خبراء التراجع بأسباب مختلفة ترتبط جميعها بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على أسواق الطاقة وتوقعات المستقبل؛ ما أربك حسابات جميع الدول الكبرى والصغرى ودفعها لتأجيل خطط التحول المناخي والحياد الكربوني، وفقًا لموقع بلومبرغ.

الدول تتهرب من الالتزام

ظهرت بوادر الخلاف بين دول العالم في قمة غلاكسو للمناخ، نوفمبر/تشرين الثاني 2021، خلال صياغة المسودة النهائية لاتفاقية القمة؛ فالبعض كان يريد تضمين صيغة التعهد لفظ "التخلص من الفحم" فقط، بينما أراد البعض كتابة "التخلص التدريجي من الفحم".

تشير العبارة الأولى إلى تعهّد مطلق من الدول الموقعة بـ"التخلص من الفحم"، دون التزامها بأجل زمني محدد؛ ما يجعلها في سعة من أمر خططها المحلية للطاقة على حسب أحوالها وظروفها.

بينما يشير اللفظ الثاني إلى درجة من التقييد ترتب على الدول شبه التزام بالتخلص من توليد الكهرباء من الفحم في أجل زمني محدد، وإن كان طويلًا.

وتتخذ أغلب دول العالم الصناعية الكبرى موقف التهرب من الصيغ الإلزامية في أي اتفاقيات مناخية منذ توقيع بروتوكول كيوتو للمناخ عام 1997، واتفاقية باريس للمناخ 2015، بل إن بعضها يهدد بالانسحاب من حين لآخر، كما فعل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب.

تندر بعض الخبراء من جدل قمة غلاسكو بإسكتلندا قائلًا: "يبدو أن المصطلح الأنسب لهذا التهرب هو زيادة إنتاج الفحم!!".

محطة لتوليد الكهرباء من الفحم تابعة لشركة آر دبليو إي أكبر شركة منتجة للكهرباء في ألمانيا
محطة لتوليد الكهرباء من الفحم في بيرغهايم - الصورة من موقع إيه بي سي

ملك الكهرباء

تربّع الفحم على عرش مصادر توليد الكهرباء برقم قياسي، خلال العام الماضي (2021)، وتتجه إحصاءات 2022 لتسجيل الرقم نفسه للعام الثاني على التوالي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وأربكت الحرب الروسية الأوكرانية، المندلعة منذ فبراير/شباط (2022)، أشد الدول الأوروبية المدافعة عن الطاقة النظيفة باتجاه تعزيز الاعتماد على الفحم والطاقة النووية لتعويض انقطاع الغاز الروسي .

كما تتجه الصين -أكبر منتج للفحم عالميًا- إلى زيادة معدلات الاستخراج بصورة قياسية، في محاولة لحماية اقتصادها من تقلبات أسواق الطاقة العالمية.

تعصف هذه الخطط الحكومية بالجهود العالمية للتخلص من الفحم، المساهم الأكبر في انبعاثات الاحتباس الحراري المسؤولة عن تفاقم الفيضانات وموجات الجفاف والعواصف حول العالم.

وتُسهِم عوامل عدة في عودة الدول للاعتماد على الفحم؛ أبرزها الانقطاعات المتكررة في محطات الطاقة النووية وضعف قدرتها التوليدية، إضافة إلى ضعف قدرات المشروعات المائية بسبب موجات الجفاف التاريخية التي ضربت أوروبا والصين على وجه الخصوص.

وارتفعت أسعار الفحم المستورد إلى مستويات قياسية، خلال الأشهر الماضية، كما تشير العقود الآجلة إلى أن أسعاره ستظل عند مستويات تاريخية عالية لسنوات مقبلة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

استهلاك الفحم في أوروبا
محطة لتوليد الكهرباء من الفحم - أرشيفية

علماء المناخ غاضبون

يثير الفحم حساسية شديدة لدى علماء المناخ الذين يعتقدون بشدة في ضرورة التخلص منه بشكل تدريجي بحلول عام 2040؛ تجنبًا لأسوأ كوارث بيئية يحذرون منها طيلة السنوات الماضية.

ويأمل أنصار المناخ في أن تسفر قمة المناخ كوب 27 في شرم الشيخ في مصر، خلال أسبوعين (6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 20222)، عن تعزيز نتائج قمتي غلاسكو وباريس وغيرهما من مؤتمرات المناخ السابقة باتجاه تعهدات أكثر إلزامية فيما يتعلق باستعمال الفحم ومصادر الوقود الأحفوري على وجه الدقة.

يقول المحلل في مركز أبحاث المناخ البريطاني "إيمبر"، داف جونز ، إن أي رؤية جادة لتخفيض الانبعاثات الكربونية خلال هذا العقد لا بد أن تستهدف قطاع الطاقة التقليدية بالأساس وفي مقدمتها توليد الكهرباء من الفحم.

وأضاف جونز: "الأمر أعقد من مجرد صورة عابرة لزعماء مجتمعين بشأن المناخ. هذه لحظة يجب على الحكومات أن تتحلى فيها بروح الجدية".

العملية قد تستغرق عقودًا

مثّل هذا العام، بتحدياته العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، فرصة ذهبية لعمالقة إنتاج الفحم في العالم لتحقيق أرباح قياسية من شدة الطلب عليه.

كما أسهمت أزمات العام في إثبات وجهة نظرهم حول أهمية الطاقة الرخيصة وموثوقيتها خلال الأزمات في مقابل المصادر النظيفة التي ما زالت تواجه تحديات ضخمة أبرزها ارتفاع التكاليف بصورة باهظة لا يقوى على تحملها أغلب دول العالم في ظروفه الحالية المضطربة.

يقول رئيس شركة "وايت هفن كول" الأسترالية المنتجة للفحم، مارك فايل: "إن إزالة الكربون أمر ضروري، لكن يجب أن يتم بطريقة منظمة ومسؤولة؛ فالأمر قد يستغرق عقودًا وليس سنوات كما يظن بعض المتحمسين".

يتميز الفحم -الوقود الأساسي للعصر الصناعي الحديث- بعدة مميزات لا تتوافر في غيره من مصادر الطاقة المتجددة؛ أبرزها انخفاض تكاليف تعدينه واستخراجه، وسهولة نقله وحرقه.

في مقابل هذه المميزات ثمة عيوب قاتلة لصيقة باستعمال الفحم دون غيره من مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة على حد سواء، من أبرزها كثافة الانبعاثات التي يسببها في البيئة والمناخ بصورة لا تقوى تقنيات تلوث الهواء على صدها أو مقاومتها إلا في حدود ضيقة للغاية.

وتطلق عمليات حرق الفحم لتوليد الكهرباء كميات قياسية من ثاني أكسيد الكربون في الجو تفوق التي تخرج من النفط أو الغاز الطبيعي، كما تطلق عمليات تعدين الفحم واستخراجه غاز الميثان بكثافة؛ ما يُسهِم في زيادة الفيضانات حول العالم.

التخلص أو الكارثة

تشدد وكالة الطاقة الدولية على ضرورة التخلص من الفحم نهائيًا في الدول المتقدمة بحلول عام 2030، وفي بقية العام بحلول 2040 ضمن خطط الوصول للحياد الكربوني بحلول 2050.

على عكس التقديرات، تتجه أغلب دول العالم لرصد استثمارات طويلة الأجل في مجال الفحم بمليارات الدولارات حتى منتصف القرن الحالي بقيادة الصين والهند، أكبر كتلتين بشريتين في العالم .

كان من المفترض أن يكون العام الماضي (2021) نقطة انطلاق عالمية باتجاه التخلص التدريجي من الفحم بعد انخفاض استهلاكه عامي 2019 و2020، لكن رياح الصين والهند وأوروبا وروسيا وأوكرانيا أتت بما لا تشتهيه سفن أنصار المناخ؛ فانقلبت دفة الخطط الحكومية رأسًا على عقب.

بذل رئيس مؤتمر غلاسكو للمناخ (كوب 26)، ألوك شارما، جهودًا مضنية، خلال العام الماضي؛ لحث قادة العالم على إرسال الفحم إلى أرشيف التاريخ، لكن يبدو أن هذه المسألة ما زالت أعقد من مجرد المناشدة والتحذير من كوارث المناخ المقبلة على كوكب الأرض.

وأسهم انتعاش الصناعة بعد انتهاء خطر وباء كورونا عالميًا في ارتفاع الطلب على الفحم بمعدلات قياسية، كما أدى انقطاع التيار الكهربائي في الصين والهند إلى تبني حكومات الدولتين خططًا توسعية لمضاعفة الاعتماد على الفحم لضمان أمن الطاقة والحفاظ على ازدهار اقتصاداتهما.

رئيس قمة غلاسكو يبكي

قوبل اقتراح شارما بإدراج عبارة "التخلص التدريجي" من الفحم في ختام مؤتمر غلاسكو بالرفض من بكين ونيودلهي، واضطر في نهاية المؤتمر لتخفيف الصيغة والاعتذار لمندوبي الدول الأخرى وهو يبكي، في مشهد إنساني صعب يؤكد أن العواطف وحدها لا تكفي لإثناء الدول عن مسألة الفحم.

رئيس مؤتمر غلاسكو
لحظة بكاء رئيس مؤتمر غلاسكو

تشير بيانات مركز إمبر البريطاني المتخصص في أبحاث المناخ إلى زيادة معدلات توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 1% حتى أغسطس/آب (2022)، مقارنة بمعدلات التوليد خلال العام الماضي.

ورصد المركز عودة أوروبا للاعتماد على توليد الكهرباء من الفحم ضمن بدائل أخرى لتعويض النقص الحاد في الغاز الروسي على خلفية الحرب الأوكرانية الممتدة منذ فبراير/شباط (2022)، إضافة إلى تعويض نقص الإنتاج من محطات الطاقة النووية وطاقة السدود المائية.

كما رصد المركز استنزاف خزانات السدود الضخمة في الصين بسبب موجة الجفاف التاريخية خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب (2022)؛ ما دفعها إلى زيادة الاعتماد على توليد الكهرباء من الفحم لتعويض نقص الطاقة الكهرومائية.

أما في الولايات المتحدة الأميركية؛ فقد رصد المركز تأجيل خطط التخلص من محطات الفحم، مع توقعات بارتفاع إنتاج الفحم من المناجم الأميركية بنسبة 3.5% هذا العام لتلبية الطلب المتزايد من جميع أنحاء العالم، والاستفادة من الأسعار القياسية.

تضاعف الأسعار 6 مرات

سجّلت العقود الآجلة للفحم في مدينة نيوكاسل الأسترالية -أكبر ميناء لتصدير الفحم في العالم- مستويات قياسية بلغت 360 دولارًا للطن، بمعدل زيادة 6 مرات عما كانت عليه الأسعار قبل عامين؛ حيث كانت الأسعار أقل من 75 دولارًا للطن.

ويجري تداول العقود الآجلة في الوقت الحالي فوق 260 دولارًا للطن حتى عام 2027، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتمثل هذه الأسعار مكاسب خرافية لعمال المناجم العاملة حول العالم؛ إذ سجلت شركاتهم أرباحًا مضاعفة فاقت التخيلات خلال العامين الماضي والحالي.

وأفصحت شركة غلينكور بي إل سي عن ارتفاع أرباح النصف الأول من وحدة الفحم التابعة بنسبة 900% إلى 8.9 مليار دولار؛ ما يفوق أرباح ستاربكس ونايكي خلال عام كامل.

كما أعلنت شركة كول إنديا، أكبر منتج عالمي للفحم، تضاعف أرباحها 3 مرات تقريبًا خلال النصف، أما للشركات الصينية التي تستخرج أكثر من نصف فحم العالم؛ فقد زادت أرباحها أكثر من الضعف إلى 80 مليار دولار، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

المصادر المتجددة أقل ثقة

ارتبطت الزيادة في الاعتماد على الفحم هذا العام بانخفاض مستويات توليد الطاقة الكهرومائية وانخفاض قدرات المحطات النووية؛ ما يمثّل مفارقة قد توحي للدول بأن المصادر المتجددة لا يمكن الوثوق بها على الدوام.

وتوقّع مسؤول صيني في أكبر شركة هندسية بالصين أن تضاعف الحكومة الصينية خطط إنشاء محطات الفحم الجديدة بمعدلات تفوق أسطول الولايات المتحدة بأكمله حتى عام 2025.

كما تخطط الهند لتوسيع أسطول محطات الفحم بنسبة 25% على الأقل حتى نهاية 2030، ما لم تتغير الظروف وتدفعها إلى زيادتها فوق هذا المستوى.

وتستهلك الصين والهند أكثر من 70% من إنتاج الفحم في العالم، بوصفهما أكبر دولتين في العالم من حيث الاستهلاك والسكان (2.7 مليار نسمة للدولتين تقريبًا).

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق