التقاريرتقارير الطاقة المتجددةتقارير الكهرباءرئيسيةسلايدر الرئيسيةطاقة متجددةكهرباء

الجفاف يهدد باختفاء الطاقة الكهرومائية من مزيج الكهرباء العالمي

هبة مصطفى

يبدو أن التغيرات المناخية بصدد ضرب موثوقية الطاقة الكهرومائية باعتبارها أحد أبرز مصادر إنتاج الكهرباء النظيفة في العالم، بعدما دفعت موجات الحرارة المرتفعة خلال الأشهر الأخيرة نحو جفاف الأنهار بعدد من السدود والمحطات الرئيسة بدول عدة.

وتأتي تداعيات الجفاف في توقيت بالغ الأهمية؛ إذ تسعى الدول المقبلة على فصل الشتاء لضمان إمدادات تسمح بتلبية الطلب على الكهرباء والتدفئة، ولا سيما في أوروبا التي تشهد للمرة الأولى منذ سنوات غياب تدفقات الغاز الروسي عنها، بحسب ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

ومؤخرًا، أصيب إنتاج الكهرباء عبر السدود المائية بحالة من الاضطراب في دول عدة بالأميركيتين وأوروبا وآسيا؛ ما يجدد المخاوف بشأن العودة للوقود الأحفوري لتلبية الطلب في ظل تراجع إنتاج أبرز مصادر الطاقة المتجددة وأكثرها توافرًا، وفق ما تطرّق إليه تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

مصدر موثوق أم إنذار بالخطر؟

تشكّل موجات الجفاف، خلال الآونة الأخيرة، جرس إنذار حول موثوقية أكبر مصادر الطاقة النظيفة على الصعيد العالمي، ورغم تصدرها مزيج الكهرباء واعتبارها الأبرز بين الطاقة المتجددة؛ فإنها باتت في مهب الريح مع تزايد الاضطرابات المناخية.

الطاقة الكهرومائية
أكبر السدود المائية في الصين - الصورة من (The Japan Times)

ووفق التقديرات، تتربع الطاقة الكهرومائية على عرش مصادر الطاقة المتجددة، ويفوق معدل توليد الكهرباء منها الإنتاج الإجمالي للطاقة الشمسية والطاقة النووية وطاقة الرياح معًا، وتأتي تلك الصدارة في ظل محدودية المصادر المتجددة التي يمكن أن تكون بديلًا لغيابها.

ويُشكّل إنتاج الكهرباء عبر السدود المائية في بعض البلدان ما يزيد على نصف المزيج مثل النرويج في أوروبا والبرازيل في أميركا الشمالية؛ إذ قارب إنتاج السدود كبيرة الحجم 42% مقابل 25% من طاقة الرياح و12% من الطاقة الشمسية، بحسب بيانات بلومبرغ نيو إنرجي فايننس.

وتبرز أهميتها بصورة أكبر باعتبار أن الكهرباء المنتجة منها قابلة للتشغيل الفوري لدى مُشغلي الشبكة مثل توليد الكهرباء من الفحم والغاز؛ ما يعزز موثوقيتها وسهولة الاعتماد عليها باعتبارها مصدرًا آمنًا.

ومع تزايد تلك المزايا ترتفع معدلات الخطر أيضًا؛ إذ إن تراجع إنتاجها يشكل ضعفًا بالقدرة على تلبية الطلب على الكهرباء والتدفئة مع قدوم فصل الشتاء المتوقع أن يكون شديد البرودة ولا سيما في أوروبا.

التغيرات المناخية توجّه ضربتها

يبدو أن الطاقة الكهرومائية لم تكُن الضحية الوحيدة للتغيرات المناخية؛ إذ قد يمتد تأثير حرائق الغابات والعواصف والأتربة ودرجات الحرارة ارتفاعًا وانخفاضًا إلى الألواح الشمسية المثبتة وتوربينات الرياح وإنتاج المحطات النووية المعتمدة في عمليات التبريد على مياه الأنهار.

ويلاحق شبح التغير المناخي استثمارات مشروعات الطاقة الكهرومائية الجديدة، ولا سيما في ظل زيادة الاحترار العالمي وكذا مواجهة أبرز مصادر الطاقة النظيفة إنتاجًا اتهامات بالتأثير في النُظم البيئية والأراضي الرطبة ونزوح السكان.

وتتجه هذه الاعتبارات إلى فقدان الطاقة الكهرومائية دورها البارز ضمن مصادر الطاقة المتجددة؛ إذ تُشير التقديرات إلى زيادة سعتها على الصعيد العالمي حتى منتصف القرن (2050) بمعدل 18% فقط، مقارنة بزيادة 8 أضعاف للطاقة الشمسية و3 أضعاف لطاقة الرياح، وفق بلومبرغ نيو إنرجي فايننس.

ويوضح الرسم أدناه أكثر 10 دول إنتاجًا للطاقة الكهرومائية، وكانت الصين في مقدمة تلك الدول على مدار عامي 2020 و2021، وفق بيانات لشركة النفط البريطانية بي بي، وما رصدته منصة الطاقة المتخصصة:

الطاقة الكهرومائية وأكثر 10 دول منتجة للطاقة الكهرومائية

وقائع الانحسار

كان تراجع المياه في السدود وجفاف الأنهار وتبخرها إثر ارتفاع درجات الحرارة في بلدان وقارات عدة بمثابة جرس إنذار للتحذير من انحسار توليد الطاقة الكهرومائية وفقدان مزيج الكهرباء العالمي للحصص المولدة منها بصورة كبيرة.

ويتزامن ذلك مع غياب الغاز الروسي عن أوروبا؛ ما يضيف أعباء جديدة تثقل كاهل الدول الأكثر اعتمادًا على الغاز والطاقة الكهرومائية لتوليد الكهرباء.

وفيما يلي تستعرض منصة الطاقة أداء السدود والمحطات وتأثر إنتاج الكهرباء منها في دول بالأميركيتين وأوروبا وآسيا خلال الآونة الأخيرة:

  • أوروبا.. القارة العجوز تبحث عن الكهرباء

يشكّل إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية أهمية بالغة للدول الأوروبية التي تخطط لفطم نفسها بعيدًا عن التدفقات الروسية، ومع إصابة مصدرين من أبرز مصادر التوليد (الغاز، الطاقة الكهرومائية) بالخلل؛ بات ضمان أمن الكهرباء الأوروبية في خطر مع بلوغ فصل الشتاء ذروته.

وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، سجّل الاعتماد على السدود ومياه الأنهار لتوليد الكهرباء الأوروبية أدنى مستوياته منذ عام 2015 إثر جفاف الأنهار، وفق بيانات مؤسسة "إمبر" لأبحاث المناخ.

ومع انخفاض توليد الطاقة الكهرومائية وغياب الغاز الروسي، اضطرت بعض المرافق للعودة بمعدلات كبيرة إلى الاعتماد على الفحم في توليد الكهرباء؛ إذ تسعى بلدان القارة للحفاظ على مخزونها من الغاز استعدادًا لشتاء قاسٍ.

وفي شهر أغسطس/آب الماضي، اجتاحت موجة جفاف دولًا أوروبية عدة وطالت معاناة نقص المياه البرتغال وأوروبا الشرقية وإيطاليا وبريطانيا، وكان نهر الراين الذي يربط أنحاء أوروبا الغربية وألمانيا أبرز الضحايا؛ إذ أدى نقص معدلات المياه به وانخفاض منسوبه إلى توقف حركة الشحن بالقارة العجوز.

وفي خضم أزمة الطاقة نُظِر إلى انخفاض مياه النهر باعتبارها بادرة لتراجع شحنات النفط والغاز غير المنقولة عبر خطوط الأنابيب وتكلفة الشحن، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتدت المخاوف لنقص إمدادات الكهرباء المولدة من الطاقة الكهرومائية في توقيت بالغ الحيوية للقارة.

  • الصين.. أعلى المنتجين تسجل تراجعًا

كان انعكاس موجة الجفاف التي اجتاحت الصين في أغسطس/آب الماضي إثر طقس شديد الحرارة باديًا على إنتاج الطاقة الكهرومائية من أكبر وأضخم محطات بكين في سد الممرات الـ3 الذي يُقدر إنتاجه بالأوقات العادية بما يعادل تزود دولة مثل الفلبين بالكامل بالكهرباء النظيفة.

الطاقة الكهرومائية
مشهد علوي لسد الممرات الـ3 الصيني - الصورة من (International Water Power)

واستمرت تداعيات تلك الموجة في الأشهر اللاحقة؛ إذ سجل إنتاج الطاقة الكهرومائية في الصين، خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، انخفاضًا بنسبة 30%، ورغم أن السدود والمحطات المائية أكبر مصادر الطاقة النظيفة على الصعيد العالمي؛ فإن التغير المناخي في طريقه لتغيير هذه الصدارة.

وظهرت مقاطعة سيتشوان الصينية -التي يقارب حجمها حجم ألمانيا- باعتبارها الضحية الأبرز لموجة الجفاف الأسوأ منذ 60 عامًا؛ إذ انخفض توليد الطاقة الكهرومائية بها إلى 50% ومع زيادة الطلب على أجهزة التبريد واجهت المقاطعة انقطاعًا للتيار عن المصانع وكبرى الشركات وتقييدًا للاستهلاك المنزلي.

وعقب انتهاء موجة الجفاف بالمقاطعة استمرت تداعياتها على المقاطعات المجاورة مثل مقاطعة "يونان" وقلصت مصانع الألومنيوم والمصاهر من عملها؛ حفاظًا على إمدادات الكهرباء ولإتاحة إعادة ملء السدود قبيل فصل الشتاء.

وزادت المقاطعات الصينية بالكامل من الاعتماد على الفحم والغاز رغم ارتفاع أسعارهما بالأسواق العالمية لمستويات قياسية.

  • أميركا.. الانقطاعات تهدد كاليفورنيا

قد تدفع موجات الجفاف في أميركا إلى تسجيل إنتاج الطاقة الكهرومائية، خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، تراجعًا إلى أدنى مستوياته في غضون 6 سنوات.

وتفصيليًا، سجل الإنتاج الأميركي الإجمالي من أبرز مصادر الطاقة النظيفة، في سبتمبر/أيلول الماضي، انخفاضًا إلى 17.06 تيراواط/ساعة، في ظل توقعات بمزيد من الانخفاض في إنتاج شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو أدنى المستويات منذ عام 2016.

وواجه غرب أميركا -خلال العام الجاري (2022)- أسوأ موجات الجفاف منذ نحو 1200 عام، ويُشير ذلك إلى تناقص قدرة الخزانات المائية بالسدود إلى مستوى إنتاج يقارب نصف إمدادات الكهرباء الكافية لتلبية الطلب في كاليفورنيا؛ ما يجعل أكثر الولايات الأميركية اكتظاظًا بالسكان عرضة لخطر انقطاع التيار.

ولم تكُن كاليفورنيا وحدها المعرضة للخطر؛ إذ انخفض أيضًا منسوب المياه بـ"بحيرة ميد" -التي تزود لاس فيغاس وحدها بنحو 90% من إمداداتها- خلال فصل الصيف إلى حد ظهور بقايا بشرية كانت تقبع في قاع البحيرة.

وتعيد التوقعات حول اضطراب إمدادات أكبر مصادر الطاقة النظيفة في الولايات الأميركية ما واجهته البرازيل الواقعة في أميركا الجنوبية العام الماضي (2021) بعدما لجأت البلاد لتقنين الاستهلاك وزيادة واردات الكهرباء من الأرجنتين وتعويض فارق الإنتاج عبر مصادر الوقود الأحفوري.

وتفاقمت الأزمة بالبرازيل؛ لاعتمادها على الطاقة الكهرومائية لتلبية ما يزيد على 60% من الطلب على الكهرباء، وبالنظر إلى انخفاض معدلات التوليد في البرازيل وأميركا؛ نجد أن الجفاف يهدد بسيناريو قاتم في كلا الأميركيتين.

ويلخص الرسم البياني أدناه السعة العالمية للطاقة الكهرومائية المركبة، وتدرجها من عام 2017 حتى العام الماضي (2021)، وفق بيانات صادرة عن الرابطة الدولية للطاقة الكهرومائية (آي إتش إيه) وما رصدته منصة الطاقة المتخصصة:

سعة الطاقة الكهرومائية

ما الحل؟

ذهب محللون إلى سيناريوهات عدة في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واقترحوا سبلًا يمكنها تعويض انخفاض إنتاج أبرز المصادر المتجددة في توقيت حرج وأزمة طاقة تستعد لاقتناص أسواق كبرى في ظل غياب الغاز الروسي وارتفاع أسعار الغاز المسال بالسوق الفورية؛ وهو ما يزيد الأمر سوءًا.

وقال المحلل في منظمة "غرينبيس"، لي شو، إن استمرار وتيرة الجفاف وفق معدلاتها توجه للعالم ضربة مزدوجة؛ إذ تنخفض إمدادات الكهرباء النظيفة ويزداد الطلب في الوقت ذاته.

واقترح مسؤول سياسات الطاقة بالرابطة الدولية للطاقة الكهرومائية، لي شي، تركيب ألواح شمسية عائمة أعلى الخزانات بالسدود؛ إذ تعمل في اتجاهين بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وخفض معدل تبخر المياه.

وأشار إلى أن دمج الطاقتين الشمسية والكهرومائية في نطاق واحد قد يكون حلًا لزيادة مرونة المرافق.

ويمكن أن تكون العودة للوقود الأحفوري وزيادة اعتماد بعض البلدان على الفحم والغاز في توليد الكهرباء حلًا، غير أنه يبعد كثيرًا عن الخطط المناخية ومسارات تحول الطاقة.

ويبقى التركيز على استثمارات الطاقة النووية ومشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكذا مشروعات بطاريات تخزين الكهرباء أحد أكثر الخيارات ملاءمةً للاعتبارات كافة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق