التقاريرتقارير الغازسلايدر الرئيسيةغاز

واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال الأميركي تواجه خطرًا في 2023 (تقرير)

عمرو عز الدين

تواجه قارة أوروبا المأزومة خطرًا إضافيًا يتعلق بتأمين واردات مستمرة من الغاز الطبيعي المسال من أميركا خلال العام المقبل (2023)، وسط مخاوف مركبة قد تحد من قدرة الولايات المتحدة على زيادة الإمدادات.

وتمكّنت أوروبا من سد الفجوة الناشئة عن انقطاع تدفقات الغاز الروسي عبر الإمدادات الأميركية خلال الأشهر الماضية، لكن يبدو أن هذه الشحنات لن تكون قادرة على مواكبة توسع العجز خلال 2023، وفقًا لتوقعات محللين في بلومبرغ.

وتشكّل إمدادات الغاز الطبيعي المسال الأميركي 40% من إجمالي واردات أوروبا في الوقت الحالي، وفقًا لبيانات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

ملء الخزانات سيكون صعبًا

تشير تقديرات الخبراء إلى أن الولايات المتحدة قد لا تستطيع تعويض العجز الأوروبي المتزايد خلال الصيف المقبل (2023)، ما يعني أن إعادة بناء المخزونات الأوروبية ستواجه صعوبات كبيرة إذا استمر انقطاع الإمدادات الروسية دون حل حتى 2023.

الغاز الطبيعي المسال
إحدى ناقلات الغاز الطبيعي المسال - الصورة من بلومبرغ

واعتمدت أوروبا بصورة كبيرة خلال الأشهر الماضية على منافسة آسيا -أكبر مشترٍ تقليدي لشحنات الغاز الطبيعي المسال- في محاولة لتعويض انقطاع إمدادات الغاز الروسي عبر خط أنابيب نورد ستريم.

وتحتاج القارة المأزومة إلى جهود مضاعفة لجذب 70% من شحنات الغاز الطبيعي المسال الفورية على الأقل لتأمين الطلب المحلي، لكن توقعات نمو إنتاج الغاز المسال عالميًا لا تبشر بطفرة كبيرة خلال السنوات المقبلة، ما يعرّض أوروبا لمأزق اختناق الطلب في سوق محدودة النمو.

ويقول المحلل في بلومبرغ آرون تورا، إن أوروبا كانت محظوظة هذا العام، لأن انقطاع الإمدادات الروسية لم يحدث في بداية الحرب الأوكرانية مباشرة فبراير/شباط (2022)، وإنما ظل ينخفض تدريجيًا خلال أشهر إلى أن انقطع الأمل فيه بصورة شبه نهائية نهاية سبتمبر/أيلول (2022).

وتعني هذه المفارقة أن حجم الفجوة سيكون أوضح بصورة حادة خلال العام المقبل، إذا ظل انقطاع الغاز المسال الروسي مستمرًا دون حل، وسيشكل هذا عبئًا كبيرًا على دول الاتحاد الأوروبي خلال 2023.

ويضيف آرون: "إذا استمرت الأزمة فستلجأ أوروبا إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال، ما يعني دخولها في منافسة حادة مع دول آسيا الكبرى ستنتهي إلى تدمير الطلب وارتفاع الأسعار بصورة قياسية على الجميع".

وأما بالنسبة إلى الغاز الأميركي الذي تتعهّد به الولايات المتحدة، فيبدو أكثر حساسية بالنسبة إلى السعر، ما يعني أنه سيظل يتدفق إلى أوروبا الأعلى سعرًا ما لم يدخل المنافسون الآسيويون الكبار على خط الطلب.

رغم كل هذه الاعتبارات، فما يزال النمو السنوي في إنتاج الغاز الطبيعي المسال عالميًا أصغر من الارتكان عليه لمواجهة التحديات الضخمة الناتجة عن انقطاع الغاز الروسي إلى أوروبا، ففي أحسن الأحوال يمكنه سد نصف الفجوة لا أكثر، وفقًا لمحلل بلومبرغ.

الغاز الأميركي باهظ الثمن

تتعهّد الولايات المتحدة بدعم صديقاتها من الدول الأوروبية بالغاز الطبيعي المسال، لتعزيز صمودها في مواجهة ضغوط روسيا الخصم المشترك في الحرب الأوكرانية، إلا أنها تمدها بالغاز بأسعار مضاعفة.

وتندّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره الأميركي جو بايدن، الذي اتهمه باستغلال الأزمة في التربح من الأوروبيين عبر بيع الغاز إليهم بأسعار مضاعفة.

وكذلك اشتكى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من ارتفاع أسعار الغاز المسال المورد من الولايات المتحدة، قائلًا إن ذلك يتنافى مع مبادئ الأخوة ومشاعر التضامن في ظل الأزمة.

وتشير بيانات حديثة إلى ارتفاع واردات شمال غرب أوروبا وإيطاليا من الغاز المسال بمعدل 9 مليارات متر مكعب خلال المدة من أبريل/نيسان إلى سبتمبر/أيلول (2022)، مقارنة بالمدة نفسها من العام السابق (2021).

ومن المتوقع أن يصل حجم النقص من روسيا إلى 20 مليار متر مكعب، في ظل توقف إمدادات خط أنابيب نورد ستريم الرئيس ومخاطر تلوح في الأفق حول الإغلاق الكامل عبر أوكرانيا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

أميركا تواجه ضغوطًا محلية

تواجه الولايات المتحدة عدة مشكلات تحد من قدرتها على زيادة الإمدادات إلى أوروبا، أبرزها الانقطاعات المستمرة في مشروع محطة فريبورت بولاية تكساس، ثاني أكبر مصدر أميركي للغاز المسال.

ويعني هذا أن إمدادات الولايات المتحدة ستشهد معدل نمو أضعف من التوقعات بنسبة لا تتجاوز 12% هذا العام، مع احتمال ثباتها عند النسبة نفسها خلال العام المقبل 2023.

كما تضيف حالة عدم اليقين العالمية تحديًا إضافيًا بشأن وجهة شحنات الغاز الطبييعي المسال، وإلى أي الأسواق تستقر في ظل منافسة الأوروبيين لكبار الآسيويين المعتمدين على ناقلات السفن المسالة تقليديًا.

وضمنت شركات الطاقة الكبرى والتجار معظم صادرات الولايات المتحدة الأميركية، وفقًا لتعاقدات طويلة تشمل الإمدادات المستقبلية، ما يعني أن بإمكانها إرسالها إلى أي وجهة تكون فيها الأسعار أعلى انطلاقًا من مبدأ تعظيم الأرباح الذي يسيطر على تفكير الشركات خاصة في زمن الأزمات.

الصين قد تعقّد المنافسة

تخشى أوروبا توجه شحنات الحليف الأميركي وغيرها إلى الصين، خاصة بعد تخفيف قيود كورونا واستئناف النشاط الصناعي في أكبر المناطق الصناعية الصينية، ما قد يعزز الطلب الصيني ويضع أوروبا في مأزق منافسة أكبر دول العالم من حيث السكان.

الغاز الطبيعي المسال
لقاء سابق بين الرئيسين الروسي والصيني - الصورة من بلومبرغ

كما تتزايد الضغوط المحلية على الحكومة الأميركية للحد من معدلات تصدير الغاز الطبيعي المسال للخارج، خشية تعرُّض الأسواق المحلية للنقص والاضطراب.

وحذرت لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية في إقليم نيو إنغلاند من خطر حدوث نقص في الغاز خلال الشتاء المقبل، بسبب ارتفاع الصادرات الأميركية للخارج، وفقُا لوكالة بلومبرغ.

ويقول المحلل في شركة الاستشارات النرويجية ريستاد إنرجي، شي نان، إن الولايات المتحدة ترسل الآن قرابة 60% من إمداداتها إلى أوروبا، ما يعادل ضعف نصيبها خلال العام الماضي (2021).

أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فيؤكد أن بلاده ستعزّز تجارة الغاز المسال بعد أن أصبحت أكبر مورد للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هذا العام.

وتصدّر الولايات المتحدة الغاز الطبيعي المسال منذ طفرة إنتاجها في 2016، إلى دول أميركا الجنوبية وآسيا بصورة أساسية، لكن كثيرًا من التجار الأميركيين بدأوا تحويل دفة ناقلاتهم (أحيانًا من منتصف الرحلة) إلى أوروبا الأعلى سعرًا منذ أواخر العام الماضي 2021 وحتى احتدام أزمة الحرب الروسية الأوكرانية.

وتبدو قدرة أوروبا -التي فُطمت عنوة عن الغاز الروسي المعتمدة عليه منذ عقود- على ملء الخزانات خلال الصيف المقبل مرتبطة بمدى قدرتها على سحب كميات من الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية.

الشركات حرة في التصرف

تظهر قاعدة بيانات بلومبرغ، أن أكثر من 43% من حجم تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم يمكنها أن تذهب إلى أي مكان، وفقًا لنصوص العقود التي تحرص الشركات على أن تكون أكثر مرونة في مثل هذه المسائل.

فإذا استطاعت أوروبا جذب 60% من الغاز الطبيعي المسال المطروح بالأسواق الفورية، فقد تتعثر معدلات حقن التخزين وتصل إلى أقل من 70% بحلول نهاية الصيف المقبل، مقارنة بقدرة تخزين بلغت 94% خلال العام الجاري (2022).

واعتمدت أوروبا على الغاز الطبيعي المسال في تعويض النقص الروسي بنسبة 42% هذا الشتاء، لكن قد تنخفض نسبة الاعتماد عليه العام المقبل إلى 35%، إذا أخذت كل هذه التحديات في الاعتبار، وفق دراسة حديثة صادرة عن شركة ريستاد إنرجي النرويجية لاستشارات وأبحاث الطاقة.

وأما على المدى المتوسط فيمكن لأوروبا أن تتجاوز هذا المأزق بشرطين، أولهما أن تستطيع الولايات المتحدة زيادة قدرتها التصديرية بحلول 2024، والثاني أن تستطيع أوروبا ترسيخ أقدامها في أسواق استيراد الغاز المسال مع توسيع البنية التحتية للغاز في دول الاتحاد.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق