التقاريرتقارير الغازسلايدر الرئيسيةغاز

غاز شرق المتوسط.. هل يعقّد ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل أزمة المنطقة؟

ياسر نصر

اقرأ في هذا المقال

  • إسرائيل تبدأ تثبيت وحدة إنتاج الغاز المسال وتخزينه في حقل كاريش.
  • لبنان يطلب تدخل الولايات المتحدة لحل أزمة ترسيم الحدود البحرية.
  • مخاوف من اندلاع صدام بحري بين تل أبيب وحزب الله.
  • توقعات ببدء إنتاج الغاز من حقل كاريش خلال 3 أشهر.
  • بيروت تطلب مساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومترًا مربعًا تمتد لجزء من حقل كاريش.

تحوّلت أنظار العالم إلى غاز شرق المتوسط، بالتزامن مع مساعي العديد من دول العالم، خاصة الأوروبية، إلى تأمين احتياجاتها من الغاز الذي يُنظر إليه على أنه وقود انتقالي نظيف في مرحلة تحول الطاقة.

ورغم الاحتياطيات الضخمة التي تتمتع بها المنطقة؛ فإن الأزمات والتوترات السياسية تكاد تكون إحدى العقبات الرئيسة من أجل استثمارات ضخمة لغاز شرق المتوسط.

ومع عبور سفينة "إنرجين باور" (وحدة بحرية لإنتاج الغاز ومعالجته، إلى جانب تخزين المكثفات) قناة السويس، يوم الجمعة الماضي 3 يونيو/حزيران 2022، ووصولها إلى المياه الإقليمية الإسرائيلية، أمس الأحد، اندلعت الشرارة، التي تهدد استقرار المنطقة.

تأتي الشرارة هذه المرة مع عزم إسرائيل استخدام وحدة إنتاج الغاز وتخزينه في حقل كاريش، وهو الحقل الذي يعدّه لبنان يدخل ضمن المنطقة البحرية المتنازع عليها.

ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيلترسيم الحدود البحرية

الأزمة الجديد تطلّ برأسها في وقت لم يتوصل فيه لبنان بعد إلى ملامح تشكيل مجلس النواب الجديد والصراع بين الكتل السياسية على اللجان النيابية، وصولًا إلى المشاورات من أجل تسمية رئيس جديد للحكومة، وهو الأمر الذي يهدد بعدم اتخاذ إجراءات جدّية في ملف ترسيم الحدود، التي تعطي بيروت الحق بالتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.

دفع دخول سفينة "إنرجين باور" إلى المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل في الحدود البحرية الجنوبية، أمس الأحد، ووصولها إلى حقل كاريش؛ ما يسمح للإسرائيليين باستخراج الغاز خلال 3 أشهر، حكومة لبنان إلى طلب الولايات المتحدة بالتدخل لحسم أزمة ترسيم الحدود البحرية.

وقال رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، في بيان، اليوم الإثنين، إنه اتفق مع الرئيس ميشال عون على دعوة الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين للحضور إلى بيروت؛ للبحث في مسألة استكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.

وأعلن لبنان تمسّكه بحقوقه وثروته البحرية في غاز شرق المتوسط، وتأكيده أن أيّ أعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تجريها إسرائيل في المناطق المتنازَع عليها، تشكّل استفزازًا وعملًا عدوانيًا يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية الذي يجري بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة.

3 سنوات تفاوض

تخوض إسرائيل ولبنان مفاوضات غير مباشرة منذ 3 أعوام؛ إذ انطلقت عام 2020 برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة للتوصل إلى حلّ لترسيم الحدود البحرية، إلا أن الملف جُمِّدَ خلال الأشهر الماضية بعد عدّة جولات.

ويطمح لبنان إلى تقاسم الموارد النفطية مع إسرائيل في المياه الإقليمية؛ إذ تبلغ المساحة المتنازع عليها 860 كيلومترًا مربعًا، وفقًا لخريطة مسجّلة لدى الأمم المتّحدة، عام 2011.

وتطالب بيروت بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومترًا مربعًا، جنوبًا، تمتد إلى جزء من حقل كاريش للغاز، الذي خصّصته إسرائيل لشركة إنرجين اليونانية، للتنقيب عنه، ويُعرف الطرح اللبناني الحالي بالخط 29، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل، متهمة لبنان بعرقلة مفاوضات ترسيم الحدود عبر توسيع مساحة المنطقة المتنازع عليها.

لبنان - الرئيس اللبناني ميشال عون
الرئيس اللبناني ميشال عون - الصورة من رويترز

اتهام الرئيس بالتخاذل

عدد من الصحف اللبنانية، وفي مقدّمتها النهار والأخبار، وصفت التحركات الإسرائيلية للسيطرة على غاز شرق المتوسط بأنها أقرب إلى "افتعال" معركة، من خلال فرض "أمر واقع".

كما يتّهم العديد من السياسيين، الرئيس اللبناني، بالتخاذل في ملف ترسيم الحديد؛ إذ لم يوقّع مرسوم تعديل المرسوم 6433، المجمّد منذ أشهر طويلة، والذي من شأنه إلزام إسرائيل بوقف أيّ عمليات حفر أو توقيع عقود للتنقيب عن النفط والغاز في منطقة متنازع عليها.

وأقرّ الرئيس اللبناني علنًا، في فبراير/شباط الماضي، بأنّ حدود لبنان البحرية تنطلق من إحداثيات الخط 23 مقابل رأيه أنّ الخط 29 ليست لديه "حجج تبرهنه".

ولفت عضو تكتّل "لبنان القوي"، أسعد درغام، إلى أنّ "موقف الحكومة اللبنانية مجتمعة واضح، باحتساب الخط 23 هو الخطّ المُعترف به في ترسيم الحدود البحرية، والخط 29 هو خط التفاوض.

وأشار "التيار الوطني الحر" إلى أن الخط الذي اعتمدته رسميًا الدولة اللبنانية منذ 10 سنوات وطالبت به بكل مكوناتها ومؤسساتها هو الخط 23، ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تعمل في حقل كاريش دون اعتراض.

وأوضح أن الخط 29 اعتمده الفريق اللبناني خطَّ تفاوض، ولا يمكن لرئيس الجمهورية أو غيره اعتباره خطًا رسميًا للبنان من دون اعتماده بقرار ومرسوم من الحكومة اللبنانية.

وشدد على ضرورة عدم القبول باستخراج إسرائيل الغاز من حقل كاريش، قبل تثبيت حقوق لبنان وخطوطها في المربعات الجنوبية، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لذلك.

حقل كاريش

في الوقت الذي يطالب فيه لبنان بوضع حد للاستفزازات الإسرائيلية؛ فإن سفينة استخراج الغاز لم تتمركز شمال الخط 29، بل جنوبه ولم تدخله عمليًا، وهو ما يشير إلى أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود.

وبدأ العمل على دعم وتثبيت موقع السفينة في حقل كاريش مع إرساء سفينتين على متنها، واحدة خاصة بإطفاء الحرائق وأخرى معنية بنقل الطواقم والعاملين.

وكان لبنان قد بعث برسالة إلى الأمم المتحدة بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2022 أكد فيها حقّه بالخط 29 بعد حصول شركة هاليبرتون الأميركية في سبتمبر/أيلول الماضي على ترخيص وقّعت بموجبه عقدًا مع شركة نوبل إنرجي اليونانية لحفر آبار في القسم الشمالي من حقل كاريش القريب من المربع 9 اللبناني.

ويُعتَقد أن المنطقة المتنازع عليها، التي يبلغ عرضها مئات الأميال المربعة، تحتوي على رواسب كبيرة من الغاز الطبيعي، وهو ما قد يغير قواعد اللعبة بالنسبة للبنان، الغارق في أزمة اقتصادية مدمرة.

ترسيم الحدود البحرية
علم لبنان قرب المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل- أرشيفية

صدام بحري

تفاقمت المخاوف منذ أمس الأحد من صدام بحري على وقع بعد وصول السفينة المتخصصة باستخراج الغاز وتمركزها في حقل كاريش، لبدء أعمال الاستخراج خلال الأشهر المقبلة.

وحذر حزب الله، قبل أشهر، إسرائيل من البحث من جانب واحد عن الغاز الطبيعي في المنطقة البحرية المتنازع عليها قبل التوصل إلى أي اتفاق.

من جانبها، أشارت صحيفة "إسرائيل تايمز" إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال أن يحاول حزب الله مهاجمة منصة غاز كاريش الجديدة قبالة ساحل البحر المتوسط في البلاد.

ولفتت الى أن السفن البحرية ستساعد في تأمين الحفارة، بما في ذلك الغواصات، وستصل أيضًا نسخة بحرية من نظام الدفاع الصاروخي القبة الحديدية إلى المنطقة للمساعدة في حماية المنصة.

ووافقت لجنة الاقتصاد في الكنيست الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، على لوائح تحظر الحركة البحرية في دائرة نصف قطرها حول منصة الحفر.

وأكدت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن تل أبيب أكدت أن أي ضرر يلحق بمنصات الغاز الخاصة بها سينظر إليه على أنه إعلان حرب، مشيرة إلى أن مسؤولي الدفاع أبلغوا لبنان مؤخرًا بأن منصة الغاز الجديدة ستبدأ العمل في المنطقة قريبًا.

احتياطيات كبيرة

أشارت الصحف الإسرائيلية إلى أن المنطقة المحيطة بكاريش تضم احتمالًا يُعرف باسم مربع 72، والذي يُعتقد أنه يحتوي أيضًا على رواسب هيدروكربونية كبيرة.

في يونيو/حزيران 2019، منحت إسرائيل شركة نوبل إنرجي -التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها- الضوء الأخضر لإجراء عمليات حفر استكشافية، على الرغم من أن تطوير الحقل قد عاقته مخاوف بشأن مصيره في النزاع مع لبنان.

وشدد النائب أشرف ريفي على أن ترسيم الحدود البحرية يشكل مصلحةً لبنانية كبرى، للبدء بالتنقيب عن الثروة الغازية والنفطية، والمطلوب إنجاز الملف وفقًا لما تقتضيه المصلحة اللبنانية وما يراعي القوانين الدولية.

غاز شرق المتوسط
المدير التنفيذي لجمعية استدامة البترول والطاقة في لبنان، مروان عبدالله

عوامل نجاح الوساطة

من جانبه، يرى المدير التنفيذي لجمعية استدامة البترول والطاقة في لبنان، مروان عبدالله، في تصريحات إلى منصة الطاقة، أن نجاح الوساطة الأميركية يتوقف على العديد من العوامل؛ في مقدمتها عوامل سياسية خاصة بالداخل اللبناني وأخرى متعلقة بأوضاع المنطقة.

وقال إن الوساطة الأميركية موجودة منذ عدة سنوات، إلا أنها لم تصل إلى حل نهائي، وكلما اقتربنا من التوصل لاتفاق تحدث بعض العراقيل.

وشدد مروان عبدالله على أن ترسيم الحدود يُعَد الحل الوحيد من أجل بدء التنقيب عن النفط والغاز سواءً من جانب لبنان أو إسرائيل، مشيرًا إلى أن بيروت لديها 3 مربعات مشتركة مع تل أبيب، هي (8 و9 و10)، ومن الضروري التوصل لاتفاق نهائي لترسيم الحدود من أجل البدء في الاستفادة من الثروات النفطية.

التنقيب عن النفط في لبنان

أوضح مروان عبدالله أن إقبال شركات النفط العالمية للمنافسة على المناطق المطروحة في لبنان لاستكشاف النفط والغاز، لا يتوقف على أزمة ترسيم الحدود مع إسرائيل؛ إذ إن من بين المربعات الـ8 المطروحة للاستثمار، 2 فقط في الحدود مع إسرائيل.

وأضاف: "من الطبيعي ألا تقبل الشركات على الدخول للاستثمار في المناطق المتنازع عليها، لكن هناك عوامل أخرى تخفت من عزيمة وحماس الشركات للإقبال على المنافسة على المربعات المطروحة، أهمها العوامل السياسية والاقتصادية والبنية التحتية في لبنان".

وكان لبنان قد أعلن، في أبريل/نيسان 2020، أن عمليات الحفر الأولية في منطقة امتياز 4، أظهرت آثارًا للغاز، لكنّها لم تكُن تملك احتياطيات تجارية، ولم يبدأ الاستكشاف في منطقة امتياز 9، الذي يقع جزء منه في المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل.

ويقصد بـ"الاحتياطيات التجارية" كميات النفط والغاز المجدية اقتصاديًا؛ بحيث إن الإيرادات من بيع النفط والغاز تغطي التكاليف، بما في ذلك الربوع التي تحصل عليها الحكومة، وتحقق عائدًا مجزيًا للمستثمرين.

كما أطلق لبنان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، المرحلة الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية، والتي من المقرر فيها أن ينتهي الموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في جولة التراخيص من قِبل شركات النفط والغاز بحلول 15 يونيو/حزيران الجاري.

ويتضمن القرار أرقام الرقع المفتوحة للمزايدة، وهي 8 قطع من أصل 10 رقع؛ إذ جرت المزايدة على الرقعتين 4 و9 في دورة التراخيص الأولى.

عقبات تواجه الاستثمار

قال المدير التنفيذي لجمعية استدامة البترول والطاقة، مروان عبدالله، إنه حتى الآن فشل لبنان في إدارة ملف التنقيب عن النفط والغاز واستغلال ثرواته، لكن نعمل كوننا منظمات مجتمع مدني لتذليل العقبات من خلال الحوكمة والقوانين التي ترعى هذا القطاع".

وأضاف في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: "لم تنجح محاولاتنا دائمًا، لكن نحاول التجربة، ونأمل عندما نصل إلى الإنتاج والبدء في التنقيب والاستخراج، في تعديل الكثير من المراسيم والقوانين التي تهيئ هذا القطاع الحيوي".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق