سوق الغاز العالمية.. كيف انقلب الوضع رأسًا على عقب خلال عامين؟ (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
- تعافي النشاط الاقتصادي يقود ارتفاع الطلب على الغاز في 2021.
- الصين تقود تعافي الطلب العالمي مع زيادة واردات الغاز المسال.
- ارتفاع إنتاج الغاز عالميًا في العام الماضي بقيادة روسيا.
- تقلبات حادة شهدتها أسعار الغاز الطبيعي في 2021 و2020.
- دور مهم للغاز الطبيعي في إزالة الكربون من قطاع الطاقة.
"شديد التقلب"، هكذا وصف الاتحاد الدولي للغاز سوقَ الغاز الطبيعي على الصعيد العالمي خلال العامين الماضيين، بل ازدادت الاضطرابات في 2022، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأدت عمليات الإغلاق المتعلقة بفيروس كورونا إلى فائض في المعروض وأسعار منخفضة للغاية وتحديدًا في النصف الأول من 2020، قبل أن ينقلب الوضع رأسًا على عقب، وتشهد سوق الغاز العالمية ارتفاعًا حادًا في الأسعار ونقصًا بالإمدادات أواخر 2021، واستمر الوضع -بل ازداد سوءًا- في 2022؛ بسبب الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا.
وبحسب تقرير سوق الغاز العالمية الصادر حديثًا عن الاتحاد الدولي للغاز، والذي اطلعت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه؛ فقد هبط إنتاج الغاز العالمي بنسبة 3.5% عام 2020، مدفوعًا بانخفاض الطلب والأسعار؛ الأمر الذي يقود تراجع الاستثمارات في النفط والغاز، قبل أن تتعافى الإمدادات بنسبة 4% العام المنصرم، مع الانتعاش الاقتصادي.
وبعد انخفاضه بنسبة 2% خلال عام 2020، تعافى الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بنسبة 4% في العام الماضي، بدعم ارتفاع النشاط الاقتصادي والظروف الجوية الأكثر برودة، التي زادت من استهلاك الغاز لأغراض التدفئة.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية انكماش الطلب على الغاز الطبيعي في العام الجاري، مشيرةً إلى الضغوط التي تشهدها سوق الغاز، مع تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
نظرة على سوق الغاز
قاد تعافي الاقتصاد الصيني والطقس الأكثر برودة في أوروبا وروسيا، ارتفاع الطلب على الغاز عالميًا من 3.753 تريليون متر مكعب في عام 2020؛ ليصل إلى 3.913 تريليون متر مكعب العام الماضي، بزيادة سنوية 4.3%.
وكان الطلب العالمي على الغاز قد بلغ 3.842 تريليون متر مكعب في عام 2019، قبل أزمتي كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا.
ومن حيث القطاعات، استحوذ قطاع الكهرباء على 35% من إجمالي استهلاك الغاز عالميًا، خلال العامين الماضيين، يليه القطاع الصناعي بنسبة 27%، بحسب التقرير الذي رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
بينما ارتفع إنتاج العالم من الغاز الطبيعي ليصل إلى 4.028 تريليون متر مكعب عام 2021، مقارنة بـ3.865 تريليون متر مكعب في العام السابق له؛ حيث زادت الإمدادات في الولايات المتحدة وروسيا والشرق الأوسط، لتلبية الطلب المرتفع في أوروبا وآسيا؛ ما يُحدِث توازنًا في سوق الغاز.
وبهذا، تمكّن إنتاج الغاز الطبيعي في العالم من تجاوز مستوى ما قبل وباء كورونا، البالغ 4.007 تريليون متر مكعب في 2019.
وانخفضت استثمارات النفط والغاز بنسبة 27% على أساس سنوي خلال 2020، قبل أن تتعافى بنسبة 6% فقط العام الماضي؛ ما أسهم في أزمة إمدادات منذ نهاية 2021، بحسب الاتحاد الدولي للغاز.
وبالنسبة إلى الصادرات والواردات في سوق الغاز؛ فقد تضررت تجارة خطوط الأنابيب؛ بسبب الوباء في عام 2020، قبل أن تتعافى العام الماضي بنسبة 6%.
بينما أثبتت تجارة الغاز المسال مرونة كبيرة في أثناء الوباء؛ إذ ارتفعت بنحو 2%، لتسجّل 362 مليون طن عام 2020، رغم إلغاء بعض الشحنات، قبل أن تتسارع وتيرة الصعود إلى 6% عند 385 مليون طن العام الماضي، بدعم صادرات الولايات المتحدة.
وأظهر تقرير منظمة أوابك، الصادر حديثًا، ارتفاع صادرات الغاز المسال عالميًا إلى 99.3 مليون طن، خلال الربع الأول من 2022، مقارنة بـ95.1 مليون طن خلال الربع المقارن من عام 2021.
أما أسعار الغاز؛ فقد عكست اتجاهها وسجلت أعلى مستوى على الإطلاق في أوروبا، بصفة خاصة، بعد المستويات القياسية المنخفضة في عام 2020.
وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليدفع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية جديدة؛ إذ بلغت العقود الآجلة لمؤشر تي تي إف الهولندي، 68.30 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 8 مارس/آذار، بعد نحو أسبوعين من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مقارنة بمستوى منخفض عند 1.20 دولارًا في مايو/أيار 2020.
تغيّرات الطلب حسب المنطقة
شهدت سوق الغاز الطبيعي اختلافات كبيرة بين المناطق حول العالم، في العامين الماضيين، اعتمادًا على تأثير كورونا ومدى التعافي من تداعياتها الصحية والاقتصادية.
وفي أكثر المناطق استهلاكًا للغاز الطبيعي عالميًا -تُشكل نحو 26% من الإجمالي- ارتفع الطلب في أميركا الشمالية بنسبة 0.4% في 2021، بعد هبوطه 2% العام السابق له.
كما زاد استهلاك الغاز في آسيا -يمثل 24% من الطلب العالمي- بنسبة 6.4% العام الماضي، بعد زيادته بنسبة طفيفة 0.4% عام 2020، بحسب التقرير.
وكالعادة، قادت الصين ارتفاع استهلاك القارة الآسيوية؛ فمع قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على التعافي جزئيًا من تداعيات الوباء في النصف الثاني من 2020، زاد الطلب على الغاز في البلاد بنسبة 7% على أساس سنوي، ليصل إلى 326 مليار متر مكعب في عام 2020، مع زيادة أخرى بنحو 12% في العام الماضي.
وباتت الصين أكبر مستورد للغاز المسال في 2021، متجاوزة اليابان، بعدما بلغت وارداتها 80 مليون طن، بحسب الاتحاد الدولي للغاز.
بينما ارتفع الطلب على الغاز في أوروبا -التي تمثل 14% من الاستهلاك العالمي- بنسبة 3.2% العام الماضي، بعد انكماشه بنحو 3.4% في عام 2020.
ودفع الشتاء الأكثر برودة في روسيا الطلبَ على الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية جديدة عام 2021، بعدما ارتفع 9% على أساس سنوي.
وشهد استهلاك الغاز الطبيعي ارتفاعًا في أميركا الجنوبية وأفريقيا والشرق الأوسط، بنحو 8% و9.7% و3.6% على التوالي، على أساس سنوي، مع الوضع في الاعتبار أن الطلب في أفريقيا كان الأكثر تضررًا خلال عام الوباء بانخفاض 13.7%.
وكانت أستراليا المنطقة الوحيدة التي شهدت هبوط استهلاك الغاز، العام الماضي، بنسبة 3%، بعد انكماش بلغت نسبته 5.5% عام 2020.
تغيّرات الإنتاج حسب المنطقة
استفادت إمدادات سوق الغاز الطبيعي من ارتفاع الطلب العالمي، بعد تعافي النشاط الاقتصادي؛ حيث عزز كبار المنتجين إنتاجهم العام الماضي.
وتسيطر أميركا الشمالية على إمدادات الغاز عالميًا بحصة 29%، تليها روسيا بنسبة 18%، ثم آسيا والشرق الأوسط، بنحو 17% لكل منهما، وفق أرقام 2021.
وارتفع إنتاج الغاز في روسيا من 632 مليار متر مكعب عام 2020 إلى 712 مليار متر مكعب في 2021، مع زيادة الطلب من السوق المحلية والأسواق الأوروبية.
ومن حيث النسبة المئوية، كانت أفريقيا أكبر المناطق زيادة في إنتاج الغاز خلال 2021، بعد روسيا، بنسبة 11.6%، ليصل إلى 253 مليار متر مكعب، عقب تراجع الإمدادات الأفريقية بنحو 8.5% في عام 2020.
وزاد إنتاج الغاز في الولايات المتحدة بنسبة 2%، على الرغم من الانقطاعات الكبيرة، نتيجة الظروف الجوية، بحسب التقرير، بينما ارتفعت إمدادات الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 4.7% خلال العام الماضي، بقيادة قطر والإمارات.
وتمكّنت منطقة آسيا والمحيط الهادئ من زيادة إنتاج الغاز بنسبة 1.5% ليصل إلى 662 مليار متر مكعب، بقيادة الصين والهند.
في المقابل، تراجع إنتاج الغاز الطبيعي في أوروبا وأميركا الجنوبية وأستراليا بنسبة 4.2% و6.4% و4.8% على التوالي خلال العام الماضي.
سوق الغاز وأهداف خفض الانبعاثات
ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 5% في العام الماضي، مع زيادة الطلب على الطاقة، والتحول من الغاز إلى الفحم في توليد الكهرباء، وسط ارتفاع أسعار الغاز.
وأكد الاتحاد الدولي للغاز الدورَ المهم للغاز في إزالة الكربون من نظام الطاقة العالمي، من خلال إزالة الفحم والنفط في البداية، إلى جانب توفير الإمدادات الموثوقية مع التحول إلى الطاقة المتجددة ذات الطبيعة المتقطعة.
وأشار التقرير إلى إمكان الاعتماد الكبير على الغاز في إنتاج مصادر منخفضة الكربون مثل الهيدروجين، والميثان الحيوي، مع تعزيز تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.
وبحسب سيناريو خفض درجات الحرارة العالمية إلى 1.6 درجة مئوية الخاص بشركة أبحاث الطاقة، ريستاد إنرجي؛ فمن المتوقع أن تنمو قدرة احتجاز الكربون وتخزينه عالميًا إلى 550 مليون طن سنويًا بحلول نهاية العقد، مقارنة بـ45 مليون طن سنويًا حاليًا، وذلك لتلبية القدرة المطلوبة بحلول عام 2050 عند 8 غيغا طن.
وفي الصناعات الثقيلة، التي لم تجد خيارًا منخفض الكربون قابلًا للتطبيق بعد، يمكن أن يؤدي الغاز الطبيعي دورًا حاسمًا في خفض الانبعاثات في قطاع الصناعة، الذي يمثل 30% من الطلب على الطاقة.
وخلاصة الأمر أن كل هذه الأمور سالفة الذكر ستكون محركًا رئيسًا لاتجاهات سوق الغاز الطبيعي في المستقبل، كما يشير تقرير الاتحاد الدولي للغاز.
موضوعات متعلقة..
- سوق الغاز المسال في 2021.. ارتفاع غير مسبوق للأسعار
- سوق الغاز الطبيعي في 2022.. هدوء متوقع بعد عام عاصف
- قطر تعزز هيمنتها على سوق الغاز الطبيعي المسال عالميًا
اقرأ أيضًا..
- بعد اتجاهها لعقود الغاز طويلة الأجل.. حلول أوابك قد تنقذ أوروبا (تقرير)
- بريطانيا تُقر ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز.. هل تحل الأزمة أم خطأ فادح؟