التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيتقارير الغازتقارير النفطتقارير دوريةتقارير منوعةسلايدر الرئيسيةعاجلغازمنوعاتنفطوحدة أبحاث الطاقة

دعم الوقود الأحفوري.. ماذا لو أوقف العالم استثمارات المسبّب الرئيس للانبعاثات؟

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي

اقرأ في هذا المقال

  • دعم الوقود الأحفوري تجاوز 5 تريليونات دولار آخر 10 سنوات
  • الدول المتقدمة تخطط لوقف استثمارات الوقود الأحفوري في الخارج فقط
  • وقف دعم الوقود الأحفوري يخفض الانبعاثات، لكن يصاحبه أضرار
  • الوقود الأحفوري سيظل يهيمن على مزيج الطاقة حتى 2050
  • الدول النامية الأكثر تضررًا من وقف تمويل الوقود الأحفوري
  • أفريقيا ستكون أكبر المتضررين، كونها تعاني أساسًا من فقر الطاقة

لا شك أن إنهاء دعم الوقود الأحفوري سيقود العالم نحو تحقيق الأهداف المناخية، لكنها عملية صعبة ستأخذ في طريقها ضحايا عدّة، خاصة من الدول النامية، التي لا تزال تكافح فقر الطاقة.

وترى الدول منخفضة الدخل أن إنتاج الفحم والنفط والغاز ضروري للتنمية الاقتصادية، وترغب في ضمان عدم خنق تنميتها في طريقها نحو مستقبل منخفض الكربون، مشيرةً إلى أن الاقتصادات المتقدمة هي التي تسببت تاريخيًا في معظم الانبعاثات.

ومن أجل تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي، يجب وقف الإنفاق على مشروعات الوقود الأحفوري فورًا، هذا ما تراه وكالة الطاقة الدولية.

وخلال قمة المناخ كوب 26، العام الماضي، وافقت عدّة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، على إنهاء دعم الوقود الأحفوري في الخارج -غير المصحوبة بتقنية احتجاز الكربون- بحلول نهاية عام 2022.

وأمام ذلك، إذ لم يُدَرْ وقف دعم الوقود الأحفوري والتخلص التدريجي من المسبّب الرئيس للانبعاثات بطريقة صحيحة، فإن هذا الإجراء سيكون له تداعيات سلبية كبيرة، خاصة أن العالم لم يقف بعد على أرض صلبة فيما يتعلق بالمصادر البديلة من الطاقة المتجددة.

ولعل أبرز الانتقادات إلى تعهدات وقف دعم الوقود الأحفوري، ليس في الإجراء ذاته، ولكن في كون هذا الالتزام يتجه في الغالب إلى إنهاء الاستثمارات في الخارج، وبصفة خاصة في الدول النامية، التي تُطلق انبعاثات أقلّ، ما يضع شكوكًا حول جدوى مثل هذه القرارات.

وتبرز الولايات المتحدة بوصفها مثالًا واضحًا في هذا الشأن، ففي الوقت الذي تفرض فيه إدارة الرئيس، جو بايدن، قيودًا على إنتاج النفط والغاز الطبيعي محليًا، فإنها تطالب كبار منتجي النفط من أوبك وحلفائها بزيادة الإنتاج، بل وتعزز أميركا صادراتها، خاصة مع أزمة نقص الإمدادات العالمية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

بدايةً.. ماذا عن دعم الوقود الأحفوري؟

يكون دعم الوقود الأحفوري من قبل الحكومات، سواءً من خلال إعفاءات ضريبية أو مدفوعات مباشرة تقلل من تكلفة إنتاج الفحم أو النفط أو الغاز، وتعزز الاستثمارات، وهذا أمر شائع في الدول المتقدمة، أو عن طريق دعم أسعار الوقود للمستخدم النهائي، وهذا أكثر شيوعًا في البلدان منخفضة الدخل.

وتُقدّر وكالة الطاقة الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن 52 من الاقتصادات المتقدمة والناشئة -تمثّل 90% من إمدادات الوقود الأحفوري العالمية- قدّمت إعانات بقيمة ​​555 مليار دولار سنويًا في المتوسط بين عامي 2017 و2019، قبل أن تنخفض إلى 345 مليار دولار، العام الماضي، بسبب الوباء.

وبحسب أحدث بيانات وكالة الطاقة، فإن إجمالي دعم الوقود الأحفوري من قبل الحكومات بلغ 5.028 تريليون دولار، منذ عام 2010 وحتى نهاية عام 2021.

بينما قدَّر صندوق النقد الدولي إجمالي دعم الوقود الأحفوري عام 2020 عند 5.9 تريليون دولار، أو ما يقرب من 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع الوضع في الحسبان التكاليف الخفيّة للوقود الأحفوري، مثل تأثيره في تلوث الهواء والاحتباس الحراري.

ووفر 60 بنكًا من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم تمويل بقيمة 3.8 تريليون دولار للوقود الأحفوري في المدة من عام 2016 إلى 2020، أي منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ، بحسب تقرير لمجموعة من المنظمات المناخية بعنوان "الخدمات المصرفية حول الفوضى المناخية 2021".

وبحسب تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، فإنه من بين 634 مليار دولار لقطاع الطاقة عام 2020، ذهب 70% إلى دعم الوقود الأحفوري، مقابل 20% و6% و3% للطاقة المتجددة والوقود الحيوي والطاقة النووية على الترتيب.

دعم الوقود الأحفوري

هل من السهل وقف التمويل؟

خلال قمة المناخ كوب 26 -الأخيرة في غلاسكو الإسكتلندية- جاء على لسان الأمين العامّ للأمم المتحدة، أنطونيو غويتيريس، أن العالم بات مدمنًا للوقود الأحفوري، ما قد يدفعه إلى الهاوية.

وفي الواقع، التخلّص من إدمان شيء ما ليس بالمهمة السهلة، خاصةً إذا كان متوقعًا استمرار هذا الإدمان.

رغم توقعات تزايد حصة الطاقة المتجددة بمزيج الطاقة خلال السنوات المقبلة، فإن الوقود الأحفوري سيظل هو المهيّمن، بحسب تقرير آفاق النفط طويلة الأجل، الصادر عن أوبك عام 2021.

كما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية -في تقرير آفاق الطاقة- استمرار الطلب على الفحم والغاز الطبيعي حتى عام 2050، من أجل تلبية متطلبات الحمل الكهربائي، ودعم موثوقية الشبكة في أوقات عدم توافر الطاقة النظيفة.

وفي أميركا -على سبيل المثال- قد يمثّل الوقود الأحفوري 44% من توليد الكهرباء بحلول 2050، رغم تراجع حصته في مقابل الزيادة الكبيرة للطاقة المتجددة.

وأوضح تقرير لشبكة (رين21) المعنية بسياسات الطاقة النظيفة -في يونيو/حزيران من العام الماضي- أن حصة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة لم تشهد أيّ تغيير تقريبًا على مدى 10 سنوات مضت، بالرغم من إجراءات مواجهة تغيّر المناخ.

وبحسب التقرير، فإن استخدام الوقود الأحفوري بالنسبة لإجمالي مصادر الطاقة العالمية بلغ 80.2% عام 2019، مقارنة مع 80.3% عام 2009.

ويحدد المتخصص في سياسة الطاقة في كلية جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة، يوهانس أوربلينين، 3 عوائق رئيسة أمام إلغاء دعم الوقود الأحفوري، بحسب مجلة نيتشر.

  1. تُعدّ شركات الوقود الأحفوري مجموعات سياسية قوية.
  2. هناك مخاوف مشروعة بشأن فقدان الوظائف في المجتمعات التي لديها خيارات عمل بديلة قليلة.
  3. غالبًا ما يشعر الناس بالقلق من أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى انخفاض النمو الاقتصادي، أو تسارع التضخم.

الآثار الإيجابية

من شأن الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، من خلال وقف الدعم أو الابتعاد عن استخدامه، أن يؤدي الدور الرئيس في تحقيق الحياد الكربوني، وتقليل تداعيات تغيّر المناخ، الذي يؤثر سلبًا في الاقتصاد والأرواح.

وبحسب مؤسسة كاربون برايف، تمثّل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري ما يزيد عن 90% من الانبعاثات العالمية الحالية.

وتقدّر منظمة ستاند إيرث البيئية أن سحب استثمارات الوقود الأحفوري في العالم بلغ 39.2 تريليون دولار، منذ بدء المنظمة رصد ذلك بشكل سنوي في 2014.

ومن شأن إلغاء دعم استهلاك الوقود الأحفوري في 32 دولة أن يؤدي إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمعدل 6% بحلول عام 2025، وفقًا لتقرير المعهد الدولي للتنمية المستدامة الصادر في يوليو/تموز 2021.

وأشار تقرير للأمم المتحدة لعام 2018 إلى أن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري يمكن أن يقلل الانبعاثات العالمية بنسبة تتراوح بين 1% و11%، بين عامي 2020 و2030.

فضلًا عن ذلك، فإن الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة عالميًا؛ جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، يجب أن يشجع الحكومات على تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة.

ويتوقع معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي في تقرير حديث أن تمثّل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية 33% من توليد الكهرباء في أميركا بحلول 2026، ارتفاعًا من توقعات العام الماضي البالغة 30%.

أضرار وقف دعم الوقود الأحفوري

تعهدت مجموعة من 25 دولة ومؤسسات تمويل التنمية بوقف معظم الاستثمار العام في مشروعات الوقود الأحفوري خارج حدودها بحلول نهاية عام 2022، لكن العديد من البلدان لا تزال تدعم الوقود الأحفوري في الداخل.

ومن السهل أن تعلن الدول الغنية المسؤولة عن غالبية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تعهدات وقف تمويل مشروعات الوقود الأحفوري في البلدان الأقل نموًا، لكن داخليًا يكون الوضع صعبًا، ما يجعل الدول الفقيرة، الأقلّ إطلاقًا للانبعاثات، أكثر تضررًا.

تغيّر المناخ - انبعاثات الكربون - الدول المتقدمة

وعلى سبيل المثال، تعهّدت الصين واليابان -وهما دولتان تستهلكان كميات كبيرة من الفحم- مؤخرًا بوقف تمويل مشروعات الفحم في الخارج، وزيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، لكنهما لم تقدّما التزامات مماثلة في الداخل.

ويخاطر إنهاء دعم الوقود الأحفوري في الخارج فقط، بعدم الاتّساق مع التحوّل العادل إلى مستقبل محايد الكربون.

وتتمتع الاقتصادات المتقدمة بقدرة أكبر على التحول إلى الطاقة الخضراء، بينما بالنسبة للاقتصادات النامية، يمكن أن يكون الوقود الأحفوري مثل الغاز وقودًا انتقاليًا بالغ الأهمية في طريقه إلى البدائل الخضراء، حسب قول الشريك في شركة أوليفر وايمان للطاقة والموارد الطبيعية، ديفيد كنيب.

ومن ثم يمكن أن يكون لهذا التعهد نتيجة غير مقصودة تتمثل في قمع نمو الاقتصادات النامية، أو إجبارها على تبنّي حلول أخرى أقلّ ملاءمة للمناخ وأرخص تكلفة، مثل الفحم المحلي، أو أنواع الوقود البدائية الأخرى، مثل الخشب، بحسب كنيب.

ومع أزمة الطاقة التي ضربت العالم وخاصة أوروبا خلال 2021، تعالت الأصوات التي تندد بوقف الاستثمار في الوقود الأحفوري، مشيرةً إلى أن ذلك هو السبب الرئيس في نقص الإمدادات، خاصة مع استمرار الطلب.

وحذّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين -قبل غزو موسكو للأراضي الأوكرانية- من تعرّض العالم لأزمات شديدة لنقص الإمدادات، جراء القيود المفروضة على الاستثمار في تطوير النفط.

وبالفعل، أدى نقص إمدادات الكهرباء من الطاقة المتجددة، العام الماضي، جراء الظروف الجوية، إلى ضرورة استمرار وجود مصدر موثوق للإمدادات مثل الغاز الطبيعي.

ويرى معهد النفط الأميركي أن الغاز الطبيعي وقود أنظف لتوليد الكهرباء أكثر من بعض البدائل الأخرى، مع امتلاكه مميزات تدعم موثوقية شبكة الكهرباء، مشيرًا إلى أنه الشريك الأساس لنمو طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ومعالجة مشكلة عدم توافرهما طول اليوم.

ليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول تعلّق تحقيق هدف الحياد الكربوني على استثمارات الوقود الأحفوري، مثل كندا، التي أرجعت سبب شراء خط أنابيب "ترانس ماونتن" عام 2018 إلى أن عائداته الاستثمارية سوف تساعدها في تمويل أهدافها المناخية، بحسب تصريحات وزير البيئة وتغيّر المناخ جوناثان ويلكينسون، رغم أنها من أبرز الدول التي تعهدت بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.

أفريقيا أكبر المتضررين

لا شك أن التفاوتات في استهلاك وتوليد الكهرباء في العالم أصبحت مذهلة، ما يتطلب مراعاة الجانب الأضعف عند اتخاذ قرارات بشأن أيّ مصدر طاقة مهمّ.

وعلى الصعيد العالمي، تستهلك أعلى 10% من الدول -من حيث الدخل- كهرباء تعادل 20 مرة ما يستهلكه أدنى 10% من البلدان حول العالم.

ويتضح الفرق بصفة خاصة في أفريقيا، إذ يشترك 1.1 مليار شخص من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في المقدار نفسه من قدرة توليد الكهرباء مثل سكان ألمانيا البالغ عددهم 83 مليون نسمة، ما جعل نصفهم على الأقلّ لا يحصلون على الكهرباء، بحسب تقرير لموقع ذا كونفرزيشن.

ويعادل عدد سكان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا العدد نفسه تقريبًا -1.1 مليار شخص- مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن هذه الدول الكبرى لديها محطات فحم أكثر 52 مرة من الدول الأفريقية ومحطات للغاز الطبيعي أكثر 35 مرة من هذه البلدان الأفريقية، بحسب موقع ذا كونفرزيشن.

ويرى العديد من الدول الأفريقية الغنية بالموارد أن النفط والغاز والفحم هي المسار السريع لتحسين الوصول إلى الكهرباء وتحسين نوعية الحياة ودفع النمو الاقتصادي، أولًا قبل التفكير في تحوّل الطاقة، ومن شأن وقف دعم الوقود الأحفوري، أن يعرقل هذه الطموحات.

ويشير مقال للكاتبة فيجايا راماشاندران عبر مجلة نيتشر، إلى أن وقف دعم الوقود الأحفوري سيؤدي إلى ترسيخ الفقر في مناطق، مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لكنه لن يفعل شيئًا يُذكر للحدّ من انبعاثات الكربون في العالم، موضحًا أنه ليس من العدل أن تكافح الدول الغنية تغيّر المناخ على حساب تنمية البلدان منخفضة الدخل.

وعلى لسان رئيسها ماكي سال، عارضت السنغال إنهاء تمويل مشروعات الوقود الأحفوري، مشيرةً إلى أن الخطوة ستوجه "ضربة قاتلة" لاقتصادات عدّة دول أفريقية.

وقال سال: "مثلما تستعد عدّة دول أفريقية لاستغلال مواردها الكبيرة من الغاز، فإن وقف تمويل قطاع الغاز سيوجّه ضربة قاتلة لاقتصاداتنا، التي تسعى إلى للنمو".

وأضاف الرئيس السنغالي أن منع تمويل قطاع الغاز من شأنه أن يضيف ظلمًا اقتصاديًا كبيرًا إلى الظلم المناخي الذي تعاني منه أفريقيا أكثر من أيّ قارّة أخرى.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق