التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيتقارير منوعةرئيسيةمنوعات

الفحم أو الانهيار.. العالم يختار بين الوقود الملوث والأهداف المناخية (تقرير)

أزمة الطاقة العالمية وغزو أوكرانيا أعادا الفحم للصدارة

أحمد بدر

عاد الفحم من جديد ليتصدّر المشهد في كثير من دول العالم الباحثة عن أيّ مصدر متاح للطاقة، حتى إن كان هذا المصدر يخالف تعهداتها المناخية.

فبينما تعيد ألمانيا وإيطاليا النظر في محطات الكهرباء التي تعمل بالفعل، والتي سبق إعلان وقف تشغيلها، تشهد الولايات المتحدة أكبر انتعاشة في حرقه منذ عقد كامل، وتعيد الصين فتح المناجم المغلقة، وتضع خططًا لفتح مناجم جديدة.

وتشير السفن المحمّلة بأكثر أنواع الوقود تلويثًا للبيئة من جنوب أفريقيا -أكثر الدول استفادة من الأزمة الحالية- في طريقها إلى كثير من دول أوروبا، إلى أن إدمان العالم على الفحم أصبح الآن أقوى من أيّ وقت مضى.

ارتفاع الطلب

منذ أواخر العام الماضي، ارتفع الطلب على الفحم، بسبب نقط الغاز الطبيعي بالتزامن مع زيادة استهلاك الكهرباء، بعد إلغاء قيود جائحة كورونا، إلّا أن الغزو الروسي لأوكرانيا حفّز سوقه بشدة، الأمر الذي جعل منتجي الطاقة يتدافعون عليه، لتشهد أسعاره ارتفاعات قياسية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الطفرة في مبيعات الفحم ستترك تداعيات كارثية على الاقتصاد العالم، لا سيما مع التوقعات بأن أسعاره المرتفعة ستؤثّر في التضخم المتزايد، رغم أن المحللين يؤكدون أنه لا يزال أرخص أنواع الوقود نسبيًا، وفق موقع "بيزنس تك" الاقتصادي في جنوب أفريقيا.

ويعيش العالم أكبر أزماته حاليًا، فبينما يواجه حقيقة أن هناك ضرورة للحصول على الطاقة من خلال حرق الفحم، يظل الأخير أكبر عقبة في المعركة ضد تغير المناخ.

في الوقت نفسه، يكافح عمال المناجم لاستخراج أي أطنان إضافية، إذ تستمر المرافق في جميع أنحاء العالم بطلب المزيد منه، ما يمهد الطريق للمرحلة التالية من أزمة الطاقة العالمية.

وقال نائب الرئيس الأول لأسواق الفحم في شركة أبحاث السوق ريستاد إنرجي، ستيف هولتون، إنه عند محاولة تحقيق التوازن بين إزالة الكربون وأمن الطاقة، يعرف الجميع أيهما سيفوز: يجب أن تظل الأضواء مضاءة، مضيفًا: "هذا ما يبقي الناس في السلطة، ويمنع الناس من الشغب في الشوارع".

في عام 2021، أنتج العالم الكهرباء من الفحم أكثر من أيّ وقت مضى، بزيادة قدرها 9% عن عام 2020، وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.

ومن المتوقع، في 2022، أن يرتفع إجمالي استهلاك الفحم -لتوليد الطاقة وصنع الحديد والاستخدامات الصناعية الأخرى- بنسبة 2% تقريبًا إلى مستوى قياسي يتجاوز 8 مليارات طن متري، ليظل استخدامه مرتفعًا حتى عام 2024، على الأقلّ.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تشير جميع الأدلة إلى اتّساع الفجوة بين الطموحات والأهداف السياسية من جانب، وواقع نظام الطاقة الحالي من جانب آخر.

وقدّرت الوكالة أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الفحم في عام 2024 ستكون أعلى بمقدار 3 مليارات طن على الأقلّ، وهو رقم يخالف ما كان متوقعًا أن تكون عليه؛ تمهيدًا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

عودة الفحم إلى أوروبا

عندما بدأ العالم يتحرر من قيود الوباء منتصف عام 2021، ارتفع الطلب على الكهرباء، مع إعادة فتح المتاجر والمصانع، إلّا أن أوروبا واجهت أزمة غير مسبوقة في الكهرباء، بجانب نقص كبير في الغاز الطبيعي.

في الوقت نفسه، كانت الطاقة المتجددة قليلة في القارّة العجوز وأجزاء أخرى من العالم، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق، ودفع أسعار الغاز إلى أقصى الحدود في جميع أنحاء العالم، ومن ثم حدوث أزمة الطاقة العالمية.

مناجم الفحم

وبشكل مفاجئ، عاد الفحم ليشهد رواجًا بوصفه الوقود الأقلّ تكلفة، إذ يعدّ الفحم الحراري -وهو النوع الذي تحرّكه مولدات الكهرباء- أحد أرخص مصادر الطاقة عالميًا، وتبلغ تكلفته نحو 15 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفقًا لتقرير بتاريخ 1 أبريل/نيسان من بنك أوف أميركا، ويقارن ذلك بنحو 25 دولارًا للنفط الخام والسعر العالمي للغاز الطبيعي البالغ 35 دولارًا.

وشهد الاتحاد الأوروبي، الذي يملك الأهداف المناخية الأكثر طموحًا في العالم، ارتفاعًا في استخدام الفحم بنسبة 12% العام الماضي، وهي أول زيادة منذ عام 2017، في حين ارتفع استهلاك الفحم بنسبة 17% في الولايات المتحدة، كما ارتفع في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وكانت الهند والصين -اللتان تهيمنان على الأسواق العالمية- من أهم أسباب ارتفاع الطلب العالمي على الفحم، خاصة أن المفاوضين في قمة المناخ كوب26 في غلاسكو كانوا يتحدثون عن "جعل الفحم تاريخًا"، قبل أن تنتهي المحادثات إلى "التخفيف من استخدامه".

ووفقًا لتقارير غربية، فإن الصين والولايات المتحدة والهند أكثر 3 دول تلويثًا، تعهّدت بالتخلص من انبعاثاتها خلال العقود المقبلة، ولكن الهند والصين تدخّلتا خلال المؤتمر في اللحظة الأخيرة؛ لتخفيف اللغة بشأن استخدام الفحم، وساعدت أميركا في قبول هذا الموقف الأضعف.

الاستغناء عن الطاقة الروسية

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تقليل الاعتماد على روسيا، التي تعدّ المورد الرئيس للوقود الأحفوري لدول الكتلة، إذ يتحرك الاتحاد حاليًا لحظر واردات الفحم الروسي، رغم زيادة استخدامه الكلي للوقود، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تقليل استخدامه للغاز الطبيعي الروسي.

الفحم

وتهدف أوروبا من خلال حظر المنتج الروسي إلى أن تكون قادرة على دفع المزيد مقابل إمدادات الفحم غير الروسية، مقارنة بالمشترين الآخرين، وهي مقامرة تؤدي إلى صعود الأسواق العالمية، ويمكن أن تثمر في البلدان النامية التي قد تواجه نقصًا.

وتعمل ألمانيا على تأمين الطاقة في الشتاء المقبل، إذ تدرس الحكومة العمل مع مرافق مثل "آر دبليو إي. إيه جي"، لإعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي سبق أن أوقفت تشغيلها، بالإضافة إلى تأخير إيقاف تشغيل المرافق النشطة.

وفي الدنمارك، تعمل شركة أورستد على دعم إمدادات الفحم لاستخدامها بدلًا من الكتلة الحيوية، لأن إمدادات الكريات الخشبية المحايدة الكربون قد تعطلت بسبب الحرب، في حين تستكشف بريطانيا خيارات لتعزيز أمن الطاقة، بما في ذلك إبقاء وحدات الفحم "دراكس جروب" مفتوحة.

ارتفاع الأسعار

تشهد أسعار الفحم العالمية حاليًا قفزة غير مسبوقة، إذ ارتفعت أسعار العقود الآجلة للمعيار الأسترالي، والتي نادرًا ما تتجاوز 100 دولار للطن المتري، إلى 280 دولارًا في أكتوبر/تشرين الأول، فقد جابت المرافق الكوكب بحثًا عن الوقود، ثم تراجعت بشكل طفيف، حين خففت درجات الحرارة الشتوية المعتدلة نسبيًا في نصف الكرة الشمالي بعض الطلب على الطاقة.

الفحم الإندونيسي
قوارب الفحم على طول نهر ماهاكام في إندونيسيا - الصورة من موقع رويترز

ولكن مع انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت المخاوف من نقص الإمدادات إلى دفع الأسعار إلى 440 دولارًا، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.

واتّبعت الأسواق الأوروبية النمط نفسه، وحتى في الولايات المتحدة، التي يقودها الطلب المحلي بشكل أكبر، وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها في 13 عامًا هذا الشهر.

وقال العضو المنتدب للطاقة العالمية ومصادر الطاقة المتجددة في "إس آند بي غلوبال" تشينزو زوا، إن سلاسل إمداد الفحم لم تكن جاهزة لهذا النوع من الصدمة، فعلى الرغم من تزايد أهميته وقودًا، ليس من المرجح تزايد قدرات الإمدادات بالقوة نفسها.

وعلى الرغم من الطلب الحالي، لا يزال عمال المناجم قلقين بشأن توقعات الطلب على المدى الطويل، خاصة أن الأمم المتحدة تكرر وجهة نظرها بأن العالم بحاجة إلى التخلص التدريجي من الوقود.

وأظهر التقرير الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، الذي صدر هذا الشهر، أن حرق الفحم يحتاج إلى أن يصل إلى "الصفر" بحلول عام 2050، للوصول إلى هدف الحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.

وإضافة إلى الفوضى، يتّخذ صنّاع السياسات والشركات في اليابان وكوريا الجنوبية خطوات للحدّ من الواردات الروسية، الأمر الذي سيجعل العالم مضطرًا إلى البحث عن بدائل لنحو 187 مليون طن صدّرتها روسيا إلى محطات الطاقة العام الماضي، أي ما يعادل 18% من تجارة الفحم الحراري في العالم، وهو رقم ليس من السهل استبداله.

قضايا التوريد العالمية

لم ينتعش الإنتاج العالمي بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، إذ عانى عمال المناجم من مشكلات الطقس ونقص العمالة وقضايا النقل، فضلًا عن نقص الاستثمار في القدرات الجديدة.

وأوقفت إندونيسيا، أكبر المصدّرين، تصدير الفحم في أوائل هذا العام؛ لتأمين الإمدادات المحلية، في حين أشار المنتجون في أستراليا، التي تعدّ ثاني أكبر مصادره، إلى أن لديهم قدرة محدودة على زيادة المبيعات.

وتعمل شركة "كول إنديا"، الهندية الحكومية، وهي أكبر شركة تعدين في العالم، على الحدّ من عمليات التسليم للمستخدمين الصناعيين؛ لإعطاء الأولوية لمحطات الطاقة في محاولة لتجنّب انقطاع التيار الكهربائي عن ملايين الأسر.

كما انخفضت الصادرات من محطة الفحم "ريتشاردز باي" في جنوب إفريقيا إلى 58.7 مليون طن، عام 2021، وهو أدنى مستوى في 25 عامًا.

وقالت المحللة في وود ماكنزي، شيرلي زانج: "لا تزال سوق الفحم العالمية المنقولة بحرًا ضيقة للغاية هذا العام، لذا فإن العثور على إمدادات بديلة سيكون أمرًا صعبًا للغاية، بغضّ النظر عن الأسعار المرتفعة".

ومع تراجع إمدادات الفحم العالمية وارتفاع الأسعار، قد لا تكون دول الأسواق الناشئة قادرة على شراء الوقود للحفاظ على استمرارية اقتصاداتها، بينما البلدان التي تعاني من ضائقة مالية في جنوب آسيا، مثل باكستان وسريلانكا وبنغلاديش، معرضة بشكل خاص لصدمات الأسعار.

ووفقًا للتقرير، فإنه في حالة استمرار ارتفاع أسعار الفحم، قد تتشجع بعض الدول على المدى الطويل للتخلص من الوقود واستبدال الطاقة المتجددة به، كما إن التوترات الجيوسياسية الأكبر التي سبّبتها الحرب الروسية تعزز الحجة القائلة بأن المركبات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية ستعزز استقلالية الطاقة.

الفحم في الصين

تشهد الصين حاليًا طفرة في إنتاج الوقود الأحفوري، إذ يحتلّ الفحم مكانة متميزة بعدما تسبَّب نقص الوقود في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، العام الماضي.

وتستخرج الصين نصف الفحم الموجود في العالم، وارتفع إنتاجها منه في وقت أدت فيه موجة جديدة من عمليات الإغلاق الوبائي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وكبح الطلب على الطاقة.

لكن من غير الواضح ما إذا كانت الزيادات في الإنتاج مستدامة، إذ قال مسؤول كبير في الصناعة مؤخرًا، إن بلاده وصلت إلى أقصى حدود إنتاجها.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق