تقارير النفطتقارير الغازرئيسيةغازنفط

هل يتراجع بايدن عن سياسة استقلال الطاقة في عهد ترمب؟ (خبراء يجيبون)

أميركا لم تتوقف عن استيراد النفط والغاز الروسي

أحمد بدر

يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن انتقادات حادة من جانب الجمهوريين، الذين اتّهموه بالتخلّي عن سياسة استقلال الطاقة، التي سبق أن طرحها الرئيس السابق دونالد ترمب.

وتحت عنوان "مراجعة الحقائق: أميركا لم تتوقف أبدًا عن استيراد النفط الأجنبي، رغم مزاعم استقلال الطاقة"، فنّد الكاتب الصحفي دانييل ديل، في مقال نشرته "سي إن إن، الاتهامات الموجهة لبايدن.

وقال دانييل ديل، إن أميركا كانت تستورد الغاز والنفط من روسيا قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وبعد الغزو وارتفاع أسعار الغاز وجّه الجمهوريون انتقاداتهم لبايدن لتخلّيه عن استقلال الطاقة، الأمر الذي ترك انطباعًا بأن الولايات المتحدة "المستقلة في مجال الطاقة" لم تكن في حاجة إلى الاستيراد من روسيا وأماكن أخرى في عهد ترمب، وأصبحت مجبرة على ذلك في عهد بايدن.

وأضاف: "الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لم تكن أبدًا قريبة من الاستقلال الحقيقي عن الطاقة الأجنبية في عهد ترمب"، موضحًا أن "استقلال الطاقة" هنا عبارة سياسية، وليست حرفية.

الخبراء ومفهوم استقلال الطاقة

بايدن والنفط

لم يمرّ مصطلح استقلال الطاقة مرور الكرام على الخبراء، فقد وصفه زميل دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، جيم كرين، بأنه "مصطلح سخيف".

ووصفه الأستاذ ومدير مختبر الحلول المناخية في جامعة راون والخبير الجيوسياسي في مجال النفط جيف كولغان، بأنه "مصطلح مروع".

بينما أشارت إليه خبيرة الطاقة وأستاذة الأبحاث في جامعة تافتس إيمي مايرز جاف، قائلة: "هذا المصطلح الغبي".

ورغم أن مصطلح استقلال الطاقة له تعريفات غير حرفية مختلفة، فقد أوفت الولايات المتحدة ببعض هذه التعريفات في ظل ترمب، عام 2020، وفعلت مرة أخرى في 11 شهرًا من عام 2021، معظمها في عهد بايدن.

على سبيل المثال، في كلتا المدتين، صدَّرت الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات البترولية أكثر مما استوردته، بجانب أنها تُنتج طاقة أولية أكثر مما تستهلك.

وتابع "لكن لا شيء من هذا يعني أن الولايات المتحدة في عهد ترمب لم تستورد الطاقة على الإطلاق، فمنذ بداية ولاية ترمب وحتى نهايتها، اعتمدت أميركا بشكل كبير على النفط والغاز من الخارج".

وفي عام 2020، آخر عام لترمب في منصبه، استوردت الولايات المتحدة نحو 7.9 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات البترولية.

وكان هذا أقلّ من السنوات السابقة، فقد استوردت الولايات المتحدة أكثر من 10 ملايين برميل يوميًا في عام 2016، وهو آخر عام في حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولكن لا يزال هناك قدر كبير من الطاقة الأجنبية.

الواردات الأميركية من روسيا

صادرات النفط الروسية- أوبك+
شحنات النفط الروسية - أرشيفية

على عكس ما يقوله الجمهوريون -بحسب ديل-، بأن أميركا بدأت مؤخرًا استهلاك الطاقة الروسية في عهد بايدن، فإن الحقيقة هي أن واردات الطاقة الأميركية من روسيا ارتفعت بقوة خلال رئاسة ترمب، "وهذا ليس الشيء الوحيد الذي أخطأ فيه الجمهوريون".

وأضاف: "على عكس ادّعاءات ترمب والجمهوريين، لم يوقف بايدن الطاقة الأميركية: فقد كان إنتاج النفط الخام الأميركي في العام الأول لبايدن أعلى مما كان عليه في أول عامين من عهد ترمب، ولكنه كان أقلّ من الإنتاج في العام الثالث لترمب الذي سجل رقمًا قياسيًا".

ويقول الخبراء، إن العوامل الاقتصادية والضغوط التحذيرية من وول ستريت، وليس أيّ شيء فعله بايدن، هي التي جعلت شركات النفط الأميركية مترددة في زيادة الإنتاج بشكل كبير من المستويات الحالية.

وقبل إعلان بايدن فرض حظر على واردات الطاقة الروسية، في 8 مارس/آذار، ادّعى بعض الجمهوريين أن الولايات المتحدة بدأت -فجأة- استيراد النفط الروسي تحت قيادة بايدن.

فعلى سبيل المثال، وفقًا للمقال، قال حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، في أواخر فبراير/شباط: "قبل أن يتولى بايدن منصبه، كنّا قد حققنا استقلال الطاقة، ولم يكن بوتين مهمًا، الآن نستورد ملايين البراميل من النفط من روسيا".

بينما قال السناتور جون إرنست، إن خيارات بايدن عندما تولّى منصبه لأول مرة "وضعتنا في هذا الموقف الهشّ بالنسبة لاستقلال الطاقة في الولايات المتحدة، وبدلًا من أن نكون مصدّرين للطاقة، أصبحنا مستهلكين للنفط الروسي".

ويضيف كاتب المقال: "الحقيقة هي أن الولايات المتحدة كانت تستورد كمية كبيرة من النفط والمنتجات النفطية من روسيا في عهد ترمب: أكثر من 137 مليون برميل في عام 2018، ثم 189.8 مليون برميل في عام 2019، و197.7 مليون برميل في عام 2020".

كما زادت الواردات من روسيا مرة أخرى إلى 245.2 مليون برميل في عام 2021.

وأرجع المحللون جزءًا من الزيادة في واردات الطاقة من روسيا منذ 2018 إلى العقوبات التي فرضها ترمب على النفط الفنزويلي في 2019، والتي جعلت المصافي الأميركية تبحث عن مورّد بديل.

وتابع "بغضّ النظر عن السبب، ليس صحيحًا أن بوتين لم يكن مهمًا لإمدادات الطاقة الأميركية قبل تولّي بايدن منصبه، أو أن الولايات المتحدة "أصبحت مستهلكًا للنفط الروسي" في عهد بايدن.

والصحيح، وفقًا له، أنه في عهد كل من ترمب وبايدن، شكّلت الواردات من روسيا جزءًا بسيطًا من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط، بنحو 8% في عام 2021.

أسباب اللجوء للواردات الأجنبية

النفط الصخري - إنتاج النفط الصخري
عمليات استخراج النفط - أرشيفية

وسط الطفرة الأميركية في إنتاج النفط والغاز من التكسير الهيدروليكي، كانت كمية واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات النفطية تتجه نحو الانخفاض منذ أوائل الولاية الثانية للرئيس جورج دبليو بوش، ولكن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة لا تتوقف تمامًا عن الاستيراد.

أحد الأسباب الرئيسية هو أن هناك عدم تطابق بين العديد من المصافي في الولايات المتحدة، التي صُممت للتعامل مع النفط الخام الثقيل، والخام الأخفّ وزنًا الذي يُنتَج في الولايات المتحدة من خلال التكسير.

والسبب الثاني هو أن إنتاج الطاقة المحلي لا يكفي لتلبية احتياجات جميع مصافي التكرير الأميركية، إذ يمكن أن يكون من المربح شراء طاقة منخفضة التكلفة غير مكتملة من الخارج، وتحويلها إلى منتجات نفطية عالية القيمة، ثم تصدير بعضها.

ويرى الأستاذ ومدير مختبر الحلول المناخية في جامعة راون والخبير الجيوسياسي في مجال النفط جيف كولغان، أنه "حتى في اللحظات التي تكون فيها الولايات المتحدة مصدّرًا صافيًا للنفط، تظل مندمجة بإحكام في السوق العالمية للنفط، وتصدِّر باستمرار بعض درجات النفط للعملاء الأجانب، بينما تستورد درجات أخرى من النفط إلى الولايات المتحدة.. الشيء نفسه بالنسبة لمنتجات النفط، مثل البنزين والديزل".

كما تؤدي العوامل الجغرافية دورًا أيضًا، فعلى سبيل المثال، اعتمدت مصافي التكرير في كاليفورنيا على الواردات، وبعضها من روسيا، لأن الاستيراد كان أرخص من شحن النفط من أجزاء مختلفة من الولايات المتحدة، مثل حوض بيرميان في الجنوب الغربي، إذ لا يوجد خط أنابيب لولاية كاليفورنيا.

وقال زميل دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، جيم كرين، في مقابلة، إنه إذا لم تتحول أميركا بالكامل إلى الطاقة المتجددة أو النووية، ستظل مقيّدة بخطوط إمداد تمتدّ في منتصف الطريق حول العالم.

في الوقت نفسه، تعتمد أميركا في تلبية الطلب على الطاقة الأجنبية إلى حدّ كبير على الحليف الوثيق كندا، التي وفرت 51% من واردات الولايات المتحدة في عام 2021.

معاداة صناعة النفط والغاز

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب
دونالد ترمب

رغم أن تأثير بايدن كان مبالغًا فيه، صوّر الجمهوريون بايدن على أنه عدوّ قوي لصناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة.

ففي خطابه أواخر فبراير/شباط الماضي، زعم ترمب أن بايدن "أغلق الطاقة الأميركية"، كما اتّهمه السناتور في فلوريدا، ماركو روبيو، بأنه كان يمنع شركات النفط من زيادة الإنتاج، وكتب: "إذا سمح بايدن لأميركا بالعودة إلى إنتاج 2019، فلن نحتاج إلى قطرة واحدة من النفط من فنزويلا أو إيران أو أيّ مكان آخر".

لفت الكاتب إلى أنه رغم كون موقف بايدن تجاه صناعة النفط والغاز الأميركية أقلّ ودية من ترمب، فإن الحقيقة هي أنه لا يمنع شركات الطاقة الأميركية من زيادة الإنتاج، وبالتأكيد لا "يوقف" إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة.

وقالت خبيرة الطاقة وأستاذة الأبحاث في جامعة تافتس إيمي مايرز جاف، إن بايدن لم يفعل أيّ شيء حتى الآن، لأنه لا يستطيع تمرير أيّ شيء من خلال الكونغرس.

بدلًا من ذلك، حسب جاف، كانت شركات النفط الأميركية نفسها مترددة في زيادة الإنتاج بشكل كبير، بينما ألقى اللوبي النفطي باللوم على سياسات بايدن،

ويستشهد الخبراء بأسباب أخرى مختلفة، بما في ذلك مشكلات سلسلة التوريد وتحديات العثور على العمال، والأهم من ذلك الإصرار الحالي في وول ستريت على أن شركات الطاقة تقيّد الإنفاق وتعيد الأموال إلى المستثمرين.

وبحسب المحلل في شركة ريموند جيمس، يافيل مولتشانوف، فقَبْلَ أن يعلن بايدن الحظر الروسي، لا تريد شركات النفط والغاز القيام بالمزيد من الحفر، مضيفًا: "إنهم يتعرّضون لضغوط من المجتمع المالي لدفع المزيد من الأرباح، والقيام بالمزيد من عمليات إعادة شراء الأسهم".

من جانبه، أوضح كرين أن نقص التأجير ليس هو ما يعوق الخام الأميركي، ولكنها وول ستريت، مشبّهًا الحكومة الفيدرالية بلاعب من الدرجة الثالثة في سوق النفط الأميركية.

وأضاف: "إشارات السوق نفسها هي المحرك الرئيس لإنتاج الطاقة وصنع القرار في الولايات المتحدة".

إنتاج أميركا من النفط الخام

بلغ إنتاج الحقول الأميركية من النفط الخام في عام 2021، نحو 11.2 مليون برميل يوميًا، وهو رقم أقلّ بقليل من إنتاجها في عهد ترمب 2020، الذي بلغ 11.3 مليون برميل يوميًا، ولكنه أعلى من إنتاج عامي 2017 و2018، وهما أول عامين لترمب في منصبه.

ويوجّه الجمهوريون انتقاداتهم لبايدن بعد قراره بإلغاء خط أنابيب "كسيتون إكس إل"، الذي كان سينقل النفط الخام من الرمال النفطية الكندية إلى الولايات المتحدة.

لكن من شبه المؤكد أن خط الأنابيب الذي طال انتظاره لم يكن جاهزًا هذا العام، حتى لو سمح بايدن بمواصلة البناء.

ومن المتوقع أن يصل إنتاج النفط الأميركي إلى 12 مليون برميل يوميًا مرة أخرى في عام 2022، وأن يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا قدره 13 مليون برميل يوميًا في عام 2023، وفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق