غازأسعار النفطالتقاريرتقارير الغازرئيسيةروسيا وأوكرانيانفط

الطاقة في أفريقيا.. كيف يؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا في القارة السمراء؟

مي مجدي

رغم البعد الجغرافي الشاسع بين القارّة السمراء وأوكرانيا، فإن تداعيات الحرب التي شنّتها روسيا على الأراضي الأوكرانية ستمتدّ آثارها إلى قطاع الطاقة في أفريقيا.

ويرى محللون أن الدول الأفريقية ستعاني من ارتفاع أسعار الوقود والسلع بعدما أدت الحرب والعقوبات على موسكو إلى زعزعة سلاسل التوريد والأسواق العالمية، لا سيّما أنّ روسيا تُعدّ منتجًا رئيسًا للنفط والغاز والألومنيوم والنيكل والقمح والذرة.

وفي الوقت الذي تُعدّ فيه مصر أكثر البلدان تأثرًا بالحرب بسبب اعتمادها على حصة كبيرة من القمح الأوكراني، سيشعر مستوردو الذهب الأسود الأفارقة، مثل كينيا، بارتفاع أسعار النفط بعد فرض العقوبات على روسيا.

وكتب الناشط الجنوب أفريقي، مارك هيوود، في مقال بصحيفة ديلي مافريك اليومية، أن الحرب في أوروبا البعيدة ستشعر بها كل قرية وبلدة بجنوب أفريقيا والعالم.

وقال: "حتى قبل إطلاق أول صواريخ على أوكرانيا، تسبّبت هذه الحرب في خسائر مروعة، باستخدام مليارات الدولارات في إعادة التسلح بدلاً من معالجة الفقر والأوبئة والتعليم وعدم المساواة وأزمة المناخ المتنامية".

تأثير أسعار الطاقة في أفريقيا

وفقًا لمقال هيوود، سيكون لارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية تأثيرات مباشرة في تكلفة النقل بأفريقيا.

جنوب أفريقيا
محطة بنزين في جنوب أفريقيا - أرشيفية

وتتوقع رابطة السيارات في جنوب أفريقيا أن يشهد الشهر الجاري ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية، إذ ارتفعت الأسعار -حاليًا- فوق 20 راندًا (1.30 دولارًا أميركيًا) للّتر الواحد.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، ارتفعت أسعار الوقود في جنوب أفريقيا بنسبة 40.5% مقارنة بالعام السابق، حسب موقع بروكينغز.

وفي زامبيا، وافقت البلاد في وقت سابق على خفض دعم الوقود للالتزام بمفاوضات جدولة ديونها بعد الوباء مع صندوق النقد الدولي، لكن خططها الإصلاحية ستتراجع بسبب ارتفاع الأسعار.

في حين تراجعت نيجيريا في يناير/كانون الثاني الماضي عن خططها لخفض دعم الوقود بعد احتجاجات من النقابات العمالية والأحزاب المعارضة، وتسبّبت في خيبة أمل لصندوق النقد الدولي.

وبحسب تقرير منشور في أكاديمية دويتشه فيله، فقد ارتفعت أسعار الوقود في بوركينا فاسو بنسبة 8%.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، رفعت حكومة بوروندي أسعار الوقود بنحو 13%، ويخشى المواطنون ان تشهد أسعار المواد الغذائية المستوردة ارتفاعًا جديدًا.

وبدورها، ألقت وزارة الطاقة البوروندية باللوم على الزيادة المطّردة في أسعار النفط العالمية.

الأمن الغذائي في خطر

من المتوقع أن يؤثّر ارتفاع أسعار الطاقة في أفريقيا بإنتاج الأسمدة، إذ ارتفعت أسعار اليوريا والفوسفات -المكونان الرئيسان للأسمدة- بحلول نهاية 2021، ومع حظر تصدير الأسمدة من الصين وروسيا حتى يونيو/حزيران المقبل، ستواصل الأسعار في الارتفاع، ومن ثم، سترتفع تكاليف الغذاء.

والأهم من ذلك هو اعتماد أفريقيا على صادرات القمح الأوكرانية، ومثّلت القارّة -شمال وجنوب الصحراء- نسبة 36% من إجمالي صادرات القمح الأوكرانية.

مصر -أيضًا- معرّضة لارتفاع في أسعار السلع الأساسية بسبب اعتمادها على واردات الحبوب من كلا البلدين، وقد يؤدي ذلك إلى اتّساع طفيف في عجز الحساب الجاري، حسب وكالة كابيتال إيكونوميكس.

أزمة غزو أوكرانيا

وشهدت كينيا، التي تستورد القمح من أوكرانيا وروسيا، ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية خلال الأسابيع الأخيرة، ما أثار حالة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومنذ عدّة سنوات، قررت السودان استبدال أستراليا بروسيا، بصفتها مصدرًا رئيسًا لواردات القمح، وسيزيد ارتفاع أسعار الحبوب غضب المدنيين.

أمّا أثيوبيا، فتُعدّ أوكرانيا أكبر مصدر لواردات القمح ودقيق القمح بعد الولايات المتحدة فيها، ويعني ذلك أن ارتفاع الأسعار الناجم عن الغزو الروسي سيؤدي إلى ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي الناتج عن الحرب الأهلية هناك.

سيناريوهات متفائلة

رغم أن الوضع قاتم، وليس بإمكان أحد التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، بدأت الدول الأوروبية البحث عن مصادر بديلة لتعويض احتمال نقص الإمدادات الروسية.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يستطيع الاتحاد الأوروبي خفض واردات الغاز الطبيعي الروسي بأكثر من الثلث في غضون عام؛ بفضل مجموعة من التدابير تتماشى مع صفقة أوروبا الخضراء، وتدعم أمن الطاقة والقدرة على تحمّل التكاليف، بحسب ما نشرته صحيفة "إي إس آي أفريكا" المتخصصة في الطاقة.

وتتضمن الخطة تكثيف الجهود لتنويع مصادر الطاقة وإزالة الكربون، إلى جانب عدم توقيع أيّ عقود جديدة لاستيراد الغاز من روسيا.

وفي ظل تفاقم الوضع في أوروبا، يعتقد بعضهم أن الغاز الطبيعي في أفريقيا سيقلّل اعتماد القارّة العجوز على روسيا، خاصة أن الدول الأوروبية تسعى لتصنيف الغاز الطبيعي ضمن مشروعات الطاقة الخضراء.

على سبيل المثال، صرّحت رئيسة تنزانيا، سامية حسن، في مقابلة على هامش القمة الأوروبية الأفريقية في منتصف فبراير/شباط، بأن التوتر في أوكرانيا قد يُعزّز الاهتمام باحتياطيات الغاز في بلادها.

وتسعى تنزانيا لتامين سوق طاقة جديدة خارج أفريقيا، في وقت تبتعد فيه أوروبا عن الإمدادات الروسية.

وجددت تنزانيا المفاوضات مع شركات الطاقة، أملاً في جذب 30 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية لإحياء مشروعات الغاز الطبيعي المسال عام 2023.

كما يمكن أن تستفيد العديد من البلدان الأخرى من تنويع الطاقة في أوروبا، من بينها السنغال، بعد اكتشاف 40 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي بين عامي 2014 و2017، وتتوقع بدء الإنتاج في وقت لاحق من هذا العام.

الطاقة المتجددة في أفريقيا

أمّا نيجيريا، فهي مورّد للغاز الطبيعي المسال إلى العديد من البلدان الأوروبية، وبدأت -أيضًا- التعاون مع النيجر والجزائر لتطوير خط أنابيب الغاز عبر الصحراء؛ لزيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية.

وفي منتصف الشهر الماضي، وقّعت الدول الـ3 اتفاقية لتطوير خط الأنابيب، بتكلفة تصل إلى 13 مليار دولار.

كيف ستستفيد أفريقيا من العقوبات على روسيا؟

بجانب الغاز الطبيعي، قد تُفيد العقوبات على روسيا مصدّري الموارد الطبيعية في المنطقة، مع تزايد الاستثمار في تقنيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين البطاريات بهدف تنويع مزيج الطاقة.

وسيُعزز ذلك الطلب على المعادن الأرضية النادرة جنوب الصحراء الكبرى والمناطق الأخرى، إذ تؤدي هذه الثروات الطبيعية دورًا في تصنيع مكونات الطاقة المتجددة.

وربما هذه فرصة أمام هذه الدول لتتقدّم على المناطق المعروفة الأخرى، وترسّخ مكانتها في السوق العالمية.

جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، تعدّ ثاني أكبر منتج للبلاديوم في العالم بعد روسيا، وهو عنصر مهم في صناعة السيارات والإلكترونيات، ومن ثم يمكن أن تشهد طلبًا متزايدًا نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا.

كما يمكن أن تعزز مكانتها بصفتها مصدرًا رئيسًا للذهب في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للمعدن الثمين.

بالإضافة إلى ذلك، لدى تنزانيا أكبر منجم للنيكل في العالم المكوّن الرئيس لبطاريات الليثيوم أيون، وبدأت شركة "بي إتش بي" الأنغلو أسترالية تستغلّ هذه الإمكانات، وتتوقع بدء الإنتاج بحلول 2025.

ومن المتوقع أن يسهم نمو تعدين ومعالجة وتصنيع المعادن في سحب الاستثمارات من الفحم الذي تعتمد عليه أغلب الدول الأفريقية، وتحقيق انتقال عادل للطاقة، إذ ستصبح الطاقة المتجددة سلعة محلية، بداية من التعدين والتصنيع إلى تطوير المصانع والصيانة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق