سلايدر الرئيسيةالمقالاترئيسيةروسيا وأوكرانياغازمقالات الغازمقالات النفطمنوعاتنفط

آثار الغزو الروسي لأوكرانيا في أسواق الطاقة العالمية - مقال

ارتفاع أسعار الوقود والغذاء قد يؤدي إلى قلاقل سياسية في بعض دول أوبك

اقرأ في هذا المقال

  • مع تجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل هل تُوقف إدارة بايدن استيراد النفط من روسيا؟
  • أوروبا وإدارة بايدن ستصرخان أولًا بسبب اعتمادهما المباشر على النفط والغاز الروسيين
  • أهمية أوكرانيا أوروبيًا تكمن في خط نورد ستريم 2.. والخلاف الروسي-الأميركي حوله قد ينتهي بتدميره
  • إذا طُردت روسيا من نظام سويفت فإنها تستطيع أن تصدّر النفط والغاز لكن لا يمكنها تسلّم إيرادات هذه الصادرات
  • نقص المواد الغذائية والارتفاع الشديد في أسعارها قد يؤدي إلى مظاهرات في بعض الدول النفطية

بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفعت أسعار النفط لتتجاوز 104 دولارات للبرميل في أثناء كتابة هذا المقال، فهل تستمر الأسعار بالارتفاع؟ وهل تبقى مرتفعة في المستويات الحالية؟ هل تنخفض؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تعتمد على نوعية العقوبات التي سيفرضها الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن، لكن هذا الجواب يُثير سؤالًا آخر: ما خيارات قادة الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن في التعامل مع بوتين؟

تتكوّن الإجابة عن السؤال الأخير من جزأين، الأول يتعلق بعدم فاعلية العقوبات، والثاني يتعلق باعتماد الولايات المتحدة وأوروبا على مصادر الطاقة الروسية ومواد أخرى مثل الحديد الخام.

العقوبات الاقتصادية على روسيا

الهدف الأساس للعقوبات الاقتصادية هو إجبار الخصم على تغيير موقفه من أمر ما، وتوضح الدراسات الأكاديمية أن تاريخ العقوبات الاقتصادية خلال 120 سنة الماضية يشير إلى فشل العقوبات.

فهذه العقوبات -التي تتضمّن المقاطعة النفطية خلال حرب رمضان عام 1973- فشلت في تحقيق أهدافها "المعلنة".. لا شك أنها كانت مؤلمة، لكنها لم تجبر الخصم على تغيير موقفه، أضف إلى ذلك أن الدول المستهدفة تستطيع تلافي أثر العقوبات بطرق محتلفة، تمامًا كما تفعل إيران وفنزويلا حاليًا.

وفي كثير من الحالات، أثّرت العقوبات سلبًا في الطرفين، مَن فَرضها ومن فُرضت عليه، وهذا يقودنا إلى السؤال أدناه:

هل اعتماد الولايات المتحدة وأوروبا على واردات النفط والغاز سيجعل العقوبات محدودة؟

أكثر من نصف إمدادات الغاز الأوروبية يأتي من روسيا عبر أنابيب الغاز وعلى شكل غاز مسال، ونحو 27% من واردات النفط الأوروبية يأتي من موسكو، فهل يفرض القادة الأوروبيون عقوبات على روسيا تكون نتيجتها انخفاض صادرات النفط والغاز إلى أوروبا وارتفاع أسعارهما إلى مستويات تاريخية؟

تستورد الولايات المتحدة مئات الألوف من براميل النفط والمنتجات النفطية يوميًا من روسيا.. مع تجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل، هل تُوقف إدارة بايدن استيراد النفط من روسيا، خاصة أنه سينتُج عن ذلك ارتفاع أسعار البنزين والديزل داخل الولايات المتحدة، مباشرة قبل الانتخابات النصفية؟

وتعتمد صناعة الحديد والصلب الأميركية على واردات الحديد الخام المعالج من روسيا، فهل تُوقف إدارة بايدن هذه الواردات، التي سينتج عنها وقف معامل الحديد والصلب، وتسريح العمال، الذين يعتبرهم بايدن ضمن مؤيديه؟

واقع الأمر أنه في حالة فرض عقوبات اقتصادية على موسكو -نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا- فإن الأمر سيؤول إلى لعبة عض الأصابع، ومن يصيح أولًا.

يتضح من عوامل عديدة، أن أوروبا وإدارة بايدن ستصرخان أولًا بسبب اعتمادهما المباشر على النفط والغاز الروسيين في وقت انخفضت فيه مستويات المخزون بصفة كبيرة، لهذا يُعتقد أن تكون العقوبات أقل خطورة مما يُظهره السياسيون في الغرب.

لماذا تحارب إدارة بايدن خط نورد ستريم 2؟

من الطبيعي أن تحاول إدارة بايدن منع زيادة اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي حتى تخفّف من الضغوط الروسية عن أوروبا.

إلا أن الحقيقة المرّة بالنسبة إلى أوكرانيا أن أهميتها بالنسبة إلى أوروبا تكمن في كونها قناة الوصل بين روسيا وأوروبا، بسبب مرور الأنبوب الذي ينقل الغاز الروسي.

إدارة بايدن ترى أن اعتماد أوروبا على خط الغاز المار بأوكرانيا سيجبر أوروبا دائمًا عن الدفاع عنها في وجه أي عدوان روسي، لهذا فإن إيقاف خط نورد ستريم 2 مطلب أمني، إلا أن بوتين يدرك هذه النقطة!

الخلاف الأوكراني الروسي قديم، وتعدّي أوكرانيا على خط الغاز الروسي تكرر عدة مرات في السابق، لهذا قرر بوتين بناء خط أنبوب نورد ستريم 2 في أسفل بحر البلطيق إلى ألمانيا لتفادي أوكرانيا.

ونظرًا إلى المعارضة الأميركية للخط، ووقف ألمانيا كل الإجراءات اللازمة لتشغيله، فإن بوتين قد يقرر تدمير خط الغاز المار بأوكرانيا تمامًا، إذ لا يمكن إصلاحه، ومن ثم فإنه يلغي الخيار الأوكراني لأوروبا تمامًا، كما أنه يقلل من أهمية أوكرانيا في أوروبا.

خلاصة الأمر أن أهمية أوكرانيا أوروبيًا تكمن في هذا الخط، والخلاف الروسي-الأميركي حوله قد ينتهي بتدمير الخط، وتفعيل نورد ستريم 2 مستقبلًا، هذا يعني أن بوتين سيحقق ما يريد في كل الحالات.

كيف نتأكد من صحة هذا السيناريو؟ إذا فُجّر خط أنابيب الغاز المار بأوكرانيا بشكل لا يمكن إصلاحه، إما بشكل مباشر وإما عن بُعد، وإذا كان بوتين ينوي فعلًا احتلال أوكرانيا وبناء نظام جديد داعم لموسكو، فإن تدمير الخط سيكون في الجزء الغربي من أوكرانيا كي تستمر إمدادات الغاز الروسية إلى أوكرانيا فقط.

وعند معارضة خط أنبوب نورد ستريم 2، لا يمكننا تجاهل دور ثورة الغاز الصخري الأميركية وصناعة الغاز المسال فيها، فالولايات المتحدة حاليًا أكبر منتج ومصدّر للغاز المسال، وصدّرت كميات تاريخية إلى أوروبا في الأسابيع الماضية، لدرجة أن واردات أوروبا من الغاز الأميركي فاقت وارداتها من الغاز الروسي.

لا يمكن فصل موضوع الغاز المسال الأميركي عن نورد ستريم، لأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب كان المسوّق الأكبر للغاز المسال الأميركي في أوروبا وكان شغله الشاغل، إلا أن الرئيس بايدن هو من أجبر -فعلًا- أوروبا على استيراد كميات هائلة منه.

باختصار، هناك مصلحة أميركية كبيرة في تخفيض صادرات الغاز الروسية كي تأخذ حصة من سوق الغاز الروسي.

ما خيارات بوتين حال فرض عقوبات صارمة على روسيا؟

كل العقوبات المفروضة الآن هي عقوبات غير مؤثرة بشكل كبير، إلا أنه ستكون هناك عقوبات إضافية خلال الساعات المقبلة، مع استمرار الغزو الروسي أوكرانيا.

إذا كانت هذه العقوبات صارمة، ونتج عنها انخفاض صادرات النفط الروسية إلى أوروبا والولايات المتحدة، فإن موسكو تستطيع التصدير إلى الصين والدول الآسيوية، وسترتفع أسعار النفط بشكل أكبر مما هي عليه الآن.. هذا الارتفاع سيعوّض روسيا جزئيًا عن خسارة جزء من صادرتها.

أما إذا طُردت روسيا من نظام المدفوعات العالمي (سويفت)، فإنها تستطيع أن تصدر النفط والغاز كالعادة، لكنها لا تستطيع تسلّم إيرادات هذه الصادرات، وفي هذه الحالة ستلجأ إلى ما لجأت إليه إيران: فتح حسابات في البنوك الغربية والشرقية لتخزين الأموال بها حتى يتم سحبها في وقت لاحق عندما تنفرج الأزمة.

إلا أن بوتين كان واعيًا لهذه الفكرة، فعقد اتفاقيات مع الصين وتركيا وإيران وبعض دول آسيا الوسطى للتعامل بالعملات المحلية والذهب، تفاديًا للتعامل بالدولار وبنظام المدفوعات العالمي.

وإذا كانت العقوبات موجعة، فإن لدى بوتين أسلحة موجعة أيضًا، فهو يستطيع أن يوقف أو يخفض صادرات الغاز إلى أوروبا بشكل كبير، في وقت ما زال الشتاء فيه رابضًا في أوروبا.. هذا التصرف لن يرفع أسعار الغاز والكهرباء إلى مستويات قياسية فقط، ولكن قد يؤدي إلى مظاهرات وربما استقالة حكومات أوروبية.

وعلينا أن نتذكر أن صناعة الحديد والصلب الأميركية تعتمد على واردات الحديد الخام المعالج من روسيا، ووقف صادرات هذه المواد يعني ضربة قاصمة لصناعة الصلب في الولايات المتحدة.

خلاصة الأمر أنه في لعبة عض الأصابع، الخاسر من يصرخ أولًا، ويتضح من الوضع الحالي أن أوروبا والولايات المتحدة ستصرخان أولًا بسبب نقص الإمدادات والارتفاع الشديد في الأسعار، وعلينا أن نتذكر مرة أخرى أننا على أبواب انتخابات مهمة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في الولايات المتحدة.

الأثر المخيف للأزمة الروسية-الأوكرانية

تتمتع أوكرانيا بأرض خصبة ومساحات واسعة للزراعة، الأمر الذي جعلها سلة غذاء لعدد كبير من الدول النامية، خاصة النفطية منها، كما أن روسيا من أهم مصدري القمح والحبوب في العالم.

وقف صادرات الحبوب والمواد الغذائية من أوكرانيا بسبب الاحتلال الروسي، أو وقف تصدير هذه المواد من روسيا وأوكرانيا نتيجة العقوبات الاقتصادية التي قد تُفرض عليها، سيؤدي إلى نقص عالمي في المواد الغذائية وارتفاع أسعارها إلى مستويات تاريخية، وهذا يعني معاناة ضخمة في الدول الفقيرة.

إلا أن ما يهمنا في سياق هذا المقال هو أن عددًا كبيرًا من الدول النفطية حول العالم تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب والأغذية من روسيا وأوكرانيا، فإذا توقفت صادرات هاتين الدولتين، فإن نقص المواد الغذائية والارتفاع الشديد في أسعارها قد يؤدي إلى مظاهرات في بعض الدول النفطية وقلاقل سياسية، هذه الأحداث قد تخفّض أو توقف إنتاج النفط أو تصديره في هذا الدول، فتستمر أسعار النفط في الارتفاع.

وعلينا أن نتذكر أن الحروب في الدول النفطية والقلاقل السياسية الكبيرة تحصل -دائمًا- في أوقات أسعار النفط المرتفعة، وليس في أوقات الأسعار المنخفضة، لهذ فإن هناك مسوغات قوية لتوقع استمرار أسعار النفط بالارتفاع نتيجة هذه التطورات في بعض الدول النفطية.

المؤسف أن ارتفاع أسعار النفط لن يفيد الدول النفطية إذا استخدمت هذه الزيادات في تقديم الإعانات إلى مواطنيها للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

كما أنه من المؤسف أنه بعدما تمكنت هذه الدول من تحرير أسعار الوقود والسلع الغذائية، تعود إلى نقطة الصفر وتقدم الإعانات مرة أخرى.

إذًا من نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا احتمال استمرار أسعار النفط في الارتفاع، نتيجة قلاقل سياسية في بعض الدول النفطية بسبب زيادة أسعار الغذاء والوقود.

أثر الغزو الروسي لأوكرانيا في سياسات التغير المناخي؛ الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية

قد لا يكون هذا الأمر مقصودًا، ولكن قد ننتهي بوضع يكون فيه الغزو الروسي لأوكرانيا ضربة كبيرة لسياسات التغير المناخي والتحول الكربوني في الدول الغربية وغيرها.. كيف؟

الارتفاع الكبير في أسعار الوقود أجبر العديد من الدول على تخفيض الضرائب على الوقود، في حين أجبر دولًا أخرى على تقديم إعانات للمواطنين.. هذه السياسات تُعد تراجعًا عن سياسات العولمة وتحرير الأسواق، ولكن من نتائجها أيضًا زيادة الطلب على المنتجات النفطية، ومن ثم استمرار ارتفاع أسعار النفط، ولنتذكر أن من أهداف سياسات التغير المناخي تخفيض الطلب على النفط!

يُضاف إلى ذلك الآن الارتفاع الكبير في أسعار الحبوب والمواد الغذائية بسبب الأزمة الروسية-الأوكرنية، الذي يعني اضطرار هذه الحكومات إلى تقديم المزيد من الدعم، لمنع سقوطها.

وعند الحديث عن ارتفاع الأسعار، لا يمكننا تجاهل أسعار المعادن المختلفة، خاصة النحاس والألومنيوم والحديد، التي سترفع تكاليف الإنتاج، ومن ثم زيادة أسعار المنتجات الصناعية المختلفة.

المشكلة أن الأموال المتاحة للحكومات محدودة، مهما كانت كبيرة، وبالتالي فإن عليها الاختيار بين دعم أسعار الوقود والمواد الغذائية أو دعم السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.. عليها الاختيار بين دعم عامة الشعب والفقراء، أو دعم الأغنياء.

هذه الحكومات "المنتخبة" ستختار ما يُبقيها في السلطة، وستتخلّى عن سياسات التغير المناخي والحياد الكربوني "مؤقتًا" وستحوّل الدعم إلى المواد الغذائية والوقود، هذا التحول سيؤخر من خطط الحياد الكربوني، وسيضرب كل التوقعات المتعلقة بقرب وصول الطلب العالمي على النفط إلى ذروته.

باختصار، سيحقق بوتين أهدافًا لم يكن يقصدها..

الخلاصة..

استمرار أسعار النفط بالارتفاع مرهون بأمرين، نوعية العقوبات التي ستُفرض على روسيا في الساعات المقبلة، وأثر ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية في الدول النفطية.

إلا أن ارتفاع أسعار النفط قد يكون أقل المشكلات التي تواجه الدول الصناعية، لأن استخدام بوتين الغاز سلاحًا وتخفيض صادراته سيصيب اقتصادات هذه الدول -خاصة الأوروبية منها- في مقتل.

ورأينا أثر الغزو الروسي لأوكرانيا اليوم في البورصات العالمية التي انخفضت بشكل كبير، وهو أمر مخيف لكل السياسيين في الغرب.. المشكلة التي تواجه العالم الآن ركود اقتصادي مع تضخم كبير.

للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق