أهم المقالاتمقالات منوعةمنوعات

الذهب الملاذ الآمن في مواجهة أوميكرون - مقال

أحمد الطالب محمد*

خلال مدة جائحة كورونا التي ضربت العالم برمته، اتسمت الحالة العامة بعدم الاستقرار والضبابية ما عدا شيء واحد: الذهب.

لقد ظل المعدن الأصفر ثابتًا نسبيًا على الرغم من الشكوك المتزايدة التي اجتاحت الاقتصادات في العالم.

وفي الحين الذي شهدت أسعار السلع الأساسية زيادة في معظم البلدان وتراجع التبادل التجاري عمومًا، خالف الذهب ذلك الاتجاه؛ إذ لم يكتفِ بالصمود أمام الجائحة، بل ازدهر بشكل ملحوظ، وشكَّل، خلال السنتين الماضيتين، إحدى أكثر السلع أمانًا.

ما الذي يجعل من الذهب ذلك الملاذ الآمن؟

للذهب عدد من الخصائص الفريدة التي تميزه عن السلع الأخرى؛ فهو من منظور العرض، يوجد مخزون ضخم من الذهب (أكثر من 200 ألف طن) تملكه دول ومصارف ومستثمرون وخواص على شكل عملات معدنية وسبائك ومجوهرات، وهو ما أسهم في طمأنة المالكين؛ فالمعدن الأصفر مستقر للغاية ويزداد تدريجيًا عقب إنتاج الذهب في الدول المنتجة.

كما أن المعدن الأصفر يستخدم ليس في الاستثمار عن طريق ادخاره فحسب، بل أيضًا في شراء المجوهرات التي يقتنيها الأفراد.

وشهد الذهب أقوى أعوامه على الإطلاق خلال السنة الماضية؛ حيث ارتفع بنسبة 25% تقريبًا بالدولار الأميركي، وكان السبب وراء ذلك هو المخاوف المرتبطة بجائحة كورونا "كوفيد-19"، ومما فاقم التوجه نحو الذهب في السنة الماضية انخفاض عائدات السندات؛ ما دفع المستثمرين إلى شراء سبائك الذهب.

ورغم المخاطر التضخمية المتزايدة الواضحة في السوق؛ فقد كانت أسعار المعدن الأصفر أكثر هدوءًا سنة 2021.

اللجوء إلى الذهب كلما زاد القلق

تؤثر عوامل عديدة في سعر الذهب، تُذكر منها أسعار الفائدة المطبقة لدى المصارف المركزية والتضخم وحركة أسواق العملات وأسواق الأسهم وكذلك التطورات الجيوسياسية.

لكن كلما شعر المستثمرون بالقلق من المخاطرة في الأسواق؛ فإنهم يتجهون مباشرة إلى المعدن الأصفر نظرًا لوضعه الآمن، وهذا ما يؤدي عادة إلى ارتفاع سعره.

وظهر ذلك جليًا خلال هذا القرن؛ حيث ارتبطت الأحداث البارزة بزيادة معتبرة لسعر الذهب، ومن تلك الأحداث المهمة نذكر انهيار السوق المالية ناسداك عقب أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001 والأزمة العالمية سنتي 2007 و2008 وأخيرًا وباء كورونا.

وللتذكير فقد كانت مستويات أسعار المعدن الأصفر قبل أحداث 11 من سبتمبر/أيلول أقل من 300 دولار للأوقية لتصل إلى مستويات تفوق 1700 دولار خلال سنوات قليلة.

الذهب - الطلب العالمي على الذهب

تأثير أوميكرون في سعر الذهب

تضرر الانتعاش الاقتصادي العالمي، بسبب انتشار نوع جديد من فيروس كورونا حُدِّد في جنوب أفريقيا ويطلق عليه اسم المتحور "أوميكرون"؛ ما دفع المستثمرين إلى شراء السبائك؛ إذ ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة إلى مستوى 1805 دولارات للأوقية.

في المقابل تراجعت أسعار جميع المعادن النفيسة؛ إذ هبط سعر البلاتين 2.3% إلى 972.67 دولارًا، بينما انخفض البلاديوم 2.6% إلى 1812.28 دولارًا، كما انخفضت الفضة بنسبة 0.5% لتصل إلى 23.45 دولارًا للأوقية.

وما زال المتحور الجديد المكتشف في جنوب أفريقيا يطرح إشكالًا لدول العالم لمعرفة طريقة التعامل معه؛ حيث يتجه الكثير منها إلى وقف السفر أو الحد منه مع بعض البلدان المنكوبة، وتخشى الأسواق من أن متحور أوميكرون الجديد يمكن أن يثقل كاهل الاقتصاد بقوة أكبر من متغير دلتا الذي اكتُشِف قبل عام، وقد حفز هذا الطلب على الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا.

ومما ساعد على صعود الذهب عدة عوامل؛ منها:

  • تراجع مؤشر الدولار، الأسبوع المنصرم، بنسبة 0.4% من ذروة قاربت العام ونصف العام.
  • ضعف عوائد سندات الخزانة الأميركية الآجلة (10 سنوات).
  • تراجع الأسهم الأوروبية التي تتوجه لأسوأ جلسة لها منذ أكثر من عام.

وعلى الرغم من كل هذا؛ فإن أسعار الذهب تبقى غير معروفة الاتجاه مخافة احتمال خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مشترياته من الأصول وكذلك رفع أسعار الفائدة.

وبخصوص سعر المعدن الأصفر في الأسابيع المقبلة؛ يتوقع العديد من الخبراء أن يُتدَاول سعره بين 1780 دولارًا و1830 دولارًا.

دور الذهب في الدول العربية

أسهم الذهب في دعم الاقتصاد في العديد من البلدان العربية وصمود اقتصادياتها، ومن أبرز تلك الأمثلة:

  • الإمارات العربية المتحدة التي شكّل الذهب نسبة 29% من إجمالي صادرات البلاد غير النفطية، وقد زادت الصادرات بنسبة 6% خلال الأشهر الـ8 الأولى من 2020، ولمقارنة المستويات قبل الجائحة وخلالها؛ فقد نمت صادرات المعدن الأصفر بالإمارات بنسبة 84% من حيث القيمة مقارنة بما بين شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب من سنتي 2019 و2020.
  • السودان الذي تضاعف الإنتاج في النصف الأول من سنة 2021 مقارنة بالمدة نفسها من سنة 2020 التي بلغ الإنتاج فيها 30.3 طنًا و15.6 طًنا على التوالي.
  • أما في موريتانيا؛ فقد أسهَم قطاع التعدين وخاصة الذهب في تجنب انكماش الاقتصاد الوطني؛ حيث تضاعف الإنتاج أيضًا، ووصلت نسبة المنخرطين في التعدين للذهب إلى ما يقارب 200 ألف شخص.

ترتيب الدول المنتجة للذهب - الذهب - إنتاج الذهب - العالم

توقعات سعر الذهب مع أوميكرون

قد يكون من السابق لأوانه قياس ما إذا كانت المخاوف من الفيروس قد تؤثر تأثيرًا مهمًا في الاقتصاد العالمي وفي أسعار الذهب.

ويعتمد صعود أو هبوط أسعار الذهب عقب ظهور المتحور على احتمال تغيير الموقف المتشدد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن الفائدة، كما يعتمد على قوة انتشار الفيروس والأضرار التي قد يلحقها بالبلدان.

ومن الأمور التي لها علاقة مباشرة بأسعار المعدن الأصفر هي الإجراءات التي قد تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة المتحور الجديد، وقد خلا خطاب الرئيس بايدن، مساء الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني، من أي قيود جديدة.

وتبقى الإجراءات الوحيدة المتخذة حتى الساعة هي تقييد السفر من جنوب إفريقيا و7 دول أخرى في المنطقة بدءًا من يوم الإثنين.

وقد تحدث مسؤولو الصحة في الولايات المتحدة عن المتحور؛ حيث أعربوا عن أن البيانات من جنوب أفريقيا تشير إلى أن المتغير ينتشر بسرعة، لكن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة الدقيقة.

ولكن قد يكون هذا المتحور خفيف الضرر ولن يؤدي إلى أضرار جسيمة للاقتصاد العالمي، وخير دليل على ذلك هو المقابلة التي أجرتها الدكتورة أنجيليك كويتزي، رئيسة الجمعية الطبية بجنوب أفريقيا، يوم الأحد الماضي؛ إذ أكدت أن المرضى الذين فُحِصوا حتى الآن يعانون "أعراضًا خفيفة للغاية"، وتُعَد الطبيبة كويتزي أول من أثار ناقوس الخطر بشأن السلالة الجديدة.

وقد تحمل الأيام أو الأسابيع المقبلة جوابًا عن هذا السؤال.

*أحمد الطالب محمد - خبير الموارد المعدنية في موريتانيا

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق