أهم المقالاتالمقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

هل يوقف بايدن صادرات النفط الأميركية؟ - مقال

وقف الصادرات سيسبب أزمة نفطية عالمية

اقرأ في هذا المقال

  • طلب بايدن من دول أوبك زيادة الإنتاج يتنافى مع المبادئ الرأسمالية وحرية الأسواق
  • نمو النفط الصخري في الولايات المتحدة سيتعرض لطعنة قاتلة إذا أوقف بايدن الصادرات
  • وقف صادرات الخام الأميركية يُعطي قوة إضافية للسعودية وروسيا في أسواق الطاقة العالمية
  • آثار منع تصدير البنزين في الأسواق العالمية أقل بكثير من آثار منع تصدير النفط الخام

هل يوقف بايدن صادرات النفط الأميركية على أمل في تخفيض أسعار البنزين؟ هل يضحي بصناعة النفط الأميركية لصالح السعودية وروسيا؟ هل هناك خيارات أخرى غير وقف صادرات النفط؟

ماذا يريد بايدن؟ هل يريد تخفيض أسعار البنزين؟ أم أنه يريد تخفيض أسعار النفط للضغط على إيران للقبول باتفاق نووي جديد؟ هل هناك أمور سرية لا نعرفها؟ هل هناك مخطط أميركي ما؟

أجمع الخبراء على أن المزيد من النفط الخام لا يعني بالضرورة المزيد من البنزين، ومن ثم فإنه لا يعني انخفاض أسعار البنزين، ويمكن الحصول على مزيد من النفط الخام بزيادة دول أوبك+ للإنتاج أو السحب من الاحتياطي الإستراتيجي.

لهذا فإن مطالبة دول أوبك بزيادة إنتاج النفط لا تؤدي إلى تخفيض أسعار البنزين، خاصة أن إنتاجه وشحنه وتخزينه وتكريره وتوزيع المواد النفطية تستغرق نحو 3 أشهر.

وأوضحت الدراسات الأكاديمية والاستشارية أن أثر السحب من الاحتياطي أو المخزون الإستراتيجي في أسعار البنزين بسيط إن وُجد.

وتشير التحليلات الإحصائية إلى أن أسعار البنزين الحالية في الولايات المتحدة مرتفعة بشكل كبير مقارنة بأسعار النفط، وأن سعر البنزين الحالي يعكس أسعار نفط تتجاوز 90 دولارًا للبرميل، هذا يدل على أن المشكلة محلية وتتعلق بالمصافي، وليست مشكلة إمدادات نفطية.

ولو نظرنا إلى كمية مدخلات النفط في المصافي الأميركية؛ لوجدنا أنها لم تتغير بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة رغم الاستعدادات لموسم سفر عيد الشكر، كما أنها ما زالت أقل مما كانت عليه في عام 2018 بنحو مليون برميل يوميًا.. هذا دليل آخر على وجود مشكلات في المصافي.

إحباط أميركي

أعلن البيت الأبيض، على لسان المتحدثة الرسمية، جين ساكي، أنهم محبطون بسبب عدم انخفاض أسعار البنزين رغم الإعلان عن سحب 50 مليون برميل من الاحتياطي الإستراتيجي، ورغم الانخفاض الكبير في أسعار النفط نتيجة انتشار متحور أوميكرون، ثم إعلان رئيس شركة موديرنا، التي تنتج لقاحًا ضد فيروس كورونا بالاسم نفسه، أن اللقاحات أقل فاعلية في مكافحة المتحور الجديد.

واليوم تجتمع أوبك+ لتقرير ما إذا كانت ستستمر في خطتها بزيادة إنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا كل شهر، وقبل ذلك بيومين، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أنهم يأملون في أن تزيد أوبك الإنتاج وأن هناك اتصالات مع بعض الدول الأعضاء.

في الوقت نفسه زار مستشار بايدن لشؤون الطاقة، وهو مسؤول في وزارة الخارجية، أميس هتشنسون، الرياض، وناقش مع المسؤولين السعوديين أمورًا تتعلق بالموضوع.

ومع عودة هتشنسون إلى واشنطن، بدأ الحديث من بعض الديمقراطيين المقربين من بايدن عن ضرورة وقف صادرات النفط الخام الأميركي، بهدف تخفيض أسعار البنزين.

صادرات النفط الأميركي

الدولة التي تدّعي أنها أمّ الرأسمالية في العالم، الولايات المتحدة، تبنت سياسات شيوعية بحتة في مدد عديدة من تاريخها، وحقيقة سياسات الرئيس بايدن أن أغلبها سياسات اشتراكية.

فطلب بايدن من دول أوبك زيادة الإنتاج، ثم استخدام المخزون الإستراتيجي للتحكم في أسعار البنزين، يتنافى مع المبادئ الرأسمالية وحرية الأسواق التي يعتقدون أن النظام الأميركي يقوم عليها.

عانت الولايات المتحدة أزمة طاقة خانقة في بداية السبعينات، تضمنت عجزًا في الإمدادات في كل مصادر الطاقة بما في ذلك الكهرباء.. وجاءت ردة فعل الحكومة الأميركية غريبة للغاية: تحديد أسعار كل منتجات الطاقة، بما في ذلك أسعار الغاز الطبيعي والنفط والبنزين، تمامًا كما كان يحصل في الدول الشيوعية.

وكان من مظاهر أزمة الطاقة طوابير السيارات في محطات البنزين، واعتقاد الناس بأن طوابير البنزين بدأت بعد ما يسمى بـ"المقاطعة النفطية العربية" غير صحيح؛ لأن الطوابير كانت موجودة قبل ذلك بمدة.

وجاءت المقاطعة في أوج الأزمة، واستغلت حكومتا الرئيس ريتشارد نيكسون ثم جيرالد فورد الوضع إلى أقصى ما يمكن: مررتا قوانين عديدة بحجة المقاطعة، بما في ذلك موافقة الكونغرس على بناء خط أنابيب ألاسكا الذي أوقفه الكونغرس عدة مرات في السنوات السابقة، كما استطاعت إدارة نيكسون، ثم فورد بعد استقالة نيكسون، نقل اللوم من الإدارة إلى العرب!

وكان من ضمن القوانين التي مُررت تحت مظلة المقاطعة النفطية أمر رئاسي يمنع تصدير النفط المنتج داخل الولايات المتحدة.. لم يكن لهذا القانون أي أثر بعد ذلك بسبب الانخفاض المستمر في إنتاج النفط الأميركي والزيادة المستمرة في الاستهلاك؛ الأمر الذي مكّن المصافي الأميركية من استخدام كل النفط الأميركي المنتج، ومع مرور الزمن نسي الناس وجود هذا القانون.

وجاءت ثورة النفط الصخري في عام 2010، وبدأ إنتاج النفط الأميركي بالزيادة، وبدأت المصافي تحذّر بأنها لا تستطيع أخذ المزيد من النفط الصخري؛ لأنه من النوع الخفيف الحلو، وقدرتها على استخدام هذا النوع محدودة؛ فأصبح هناك فائض كبير.. عندها أدرك الناس أن الحل في التصدير، وعندها عرف الكثيرون أن هناك قانونًا يمنع تصدير النفط الأميركي.

نتج عن ثورة الصخري في ظل قانون منع صادرات النفط، انخفاض أسعار الخام داخل الولايات المتحدة بشكل كبير مقارنة بالأسعار العالمية، وارتفعت الفروق السعرية بين خام برنت وخام غرب تكساس إلى نحو 20 دولارًا للبرميل، كما هو موضح بالرسم البياني أدناه.

أسعار النفط - أسعار خام برنت وغرب تكساس

هذه الفروقات السعرية تعني أن المنتجين الأميركيين يخسرون نحو 20 دولارًا للبرميل؛ لأنهم لا يستطيعون التصدير.. هذا الفرق ذهب للمصافي التي استغلت الوضع؛ فاشترت النفط الأميركي الرخيص، وكرّرته، ثم باعته على شكل منتجات نفطية في الأسواق العالمية بالأسعار الدولية! وحققت المصافي أرباحًا طائلة وارتفعت أسعار أسهمها بشكل كبير في تلك المدة.

كان من الطبيعي أن يحاول منتجو النفط الصخري الضغط على حكومة أوباما حينها لإلغاء قانون منع التصدير، خاصة في ظل توقعات باستمرار إنتاج النفط الصخري بالزيادة خلال السنوات المقبلة، في وقت لا تستطيع فيه المصافي الأميركية أن تأخذ برميلًا إضافيًا واحدًا.

وتمكن لوبي النفط الصخري في النهاية من إقناع إدارة أوباما-بايدن، بالأمر، وأصدر الرئيس أوباما أمرًا يلغي القانون القديم ويسمح للشركات بتصدير النفط الأميركي.

تلاشت الفروق السعرية بمجرد السماح للنفط الأميركي بالتصدير، كما هو موضح في الرسم البياني، وهذا أحد أهم الأمور التي أدت إلى الزيادات المستمرة في إنتاج النفط الأميركي بين عامي 2016 و2020.

آثار وقف صادرات النفط

إذا أصدر الرئيس بايدن قرارًا بوقف صادرات النفط الأميركي؛ فإن الأثر معروف؛ لأننا شاهدناه سابقًا: انخفاض أسعار النفط داخل الولايات المتحدة مقارنة بالأسعار العالمية، وزيادة الفروقات السعرية بين خامي برنت وخام غرب تكساس إلى مستويات لم نرَها منذ عام 2015، وشراء المصافي الأميركية للنفط الأميركي الرخيص وتصدير المنتجات النفطية، بما فيها البنزين، لبيعها بالأسعار العالمية.

هذا يعني أن أسعار البنزين قد لا تنخفض بالشكل المطلوب، وقد ينتج عنها عجز في إمدادات البنزين داخل الولايات المتحدة إذا حولت المصافي البنزين المخصص للاستخدام الداخلي إلى الأسواق الدولية، لجني المزيد من الأرباح.

وإذا وُقِفت الصادرات؛ فإن هذا يعني أن بايدن وجّه طعنة قاتلة لنمو النفط الصخري الأميركي، وقد ينحفض الإنتاج نتيجة ذلك، وبما أن النفط الصخري من النوع الخفيف الحلو؛ فإنه ينتج كميات كبيرة من البنزين، ومن ثم فإن بايدن لن يحصل على الإمدادات التي يريدها لتخفيض أسعار البنزين، خاصة بعد نحو 6 أشهر من الآن والحملات الانتخابية النصفية في أوجها.

وواقع الأمر أن قرار بايدن بوقف صادرات النفط الأميركية سيجعل أوبك+ أقوى من أي وقت مضى، وسيعطي قوة إضافية للسعودية وروسيا في أسواق الطاقة العالمية، وسبب ذلك أن أسواق النفط العالمية لا تتحمل خسارة 3 ملايين برميل فجأة، في وقت ستزداد فيه واردات الولايات المتحدة من النفط بسبب انخفاض إنتاج الخام محليًا، وسينتج عن ذلك ارتفاع كبير في أسعار النفط العالمية؛ ما يعطي دورًا أكبر لتحالف أوبك في إدارة أسواق النفط العالمية.

خلاصة الأمر أن منع تصدير النفط الخام الأميركي لن يحل مشكلة البنزين، بل قد تصبح أسوأ، وستكون لذلك عدة نتائج كلها ليست في صالح الولايات المتحدة؛ منها ارتفاع شديد في أسعار الخام العالمية وتقوية تحالف أوبك+، خاصة الدور السعودي والروسي.

منع صادرات البنزين

عند طرح الآثار السلبية لقرار منع صادرات النفط الخام، تُطرَح فكرة منع صادرات البنزين بدلًا من منع صادرات النفط الخام، حتى وزيرة الطاقة الأميركية، جينيفر غرانهولم، ذكرت ذلك.

آثار منع تصدير البنزين في الأسواق العالمية أقل بكثير من آثار منع تصدير النفط الخام، إلا أن منع تصدير البنزين سيجعل المصافي الأميركية تفعل تصرفات تضمن لها تحقيق أكبر أرباح ممكنة، أو تخفيض خسائرها.

من ضمن هذه التصرفات، تخفيض معدلات التشغيل، أو اللجوء إلى عمليات صيانة، أو حتى إغلاق المصفاة بالكامل مؤقتًا، وإذا مُنِع تصدير البنزين فقط فإن المصافي ستحاول إنتاج المزيد من المنتجات النفطية الأخرى لتصديرها، بينما تخفض إنتاج البنزين.

إذا نظرنا إلى أي من هذه الخيارات؛ نجد أنها كلها لا تحل مشكلة البنزين في الولايات المتحدة، بل على العكسن قد تؤدي إلى نقص في الإمدادات.

ما يجب على بايدن فعله

إذا كان الرئيس بايدن وإدارته جادين فعلًا في تخفيض أسعار البنزين، وأن الأمر غير متعلق بإيران أو أمور دولية أخرى؛ فإن عليه أن يفعل أحدًا أو مزيجًا مما يلي:

1- تعطيل الضرائب الفيدرالية على البنزين جزئيًا أو كليًا لمدة مؤقتة، كما يمكنه مطالبة حكام الولايات الديمقراطيين بأن يحذوا حذوه لتخفيض ضرائب الولايات على البنزين.. الأسعار ستنخفض مباشرة في هذه الحالة.

يعارض البعض هذه الفكرة؛ لأنها ستزيد من العجز في الموازنة، ولكن يرد على ذلك بأن الكونغرس وافق منذ مدة وجيزة على حزمة تحفيز مالية تاريخية قدرها 1.5 تريليون دولار، وضرائب البنزين تعد بسيطة إذا قورنت بهذه الأرقام.

وسيشكل تعطيل الضرائب مشكلة سياسية ضمن داعمي بايدن من أنصار البيئة وحماة التغير المناخي؛ لأن تخفيض أسعار البنزين يتنافى مع أفكارهم وأهدافهم؛ فهم يرون أن تخفيض أسعار البنزين يعني زيادة الطلب عليه، ومن ثم فإنه يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون.

2- تخفيف القيود البيئية على المصافي كي تنتج المزيد من البنزين بتكلفة أقل وبمدة أسرع.. هذه التغيرات ستخفض أسعار البنزين لتعكس أسعار النفط السائدة، ولكنها ستسبب مشكلات أخرى لبايدن مع حماة البيئة.

هذان الخياران يخفضان أسعار البنزين، ولكن يوضحان قاعدة مهمة في كل من الاقتصاد والسياسة: لا يمكنك الحصول على كل شيء، أي خيار له تكلفته وتضحياته، ومن ثم فإن السؤال سيكون: بمن سيضحي بايدن في سبيل تخفيض أسعار البنزين؟ هل سيضحي بالبيئيين، خاصة أنه يعلم أنه ليس لديهم خيار سوى اختيار المرشح الديمقراطي؟

3- استيراد البنزين بكميات كبيرة، وهذا يتطلب توجيهًا ودعمًا من الحكومة، كما أن توجيه هذه الكميات إلى الولايات المتحدة يتطلب قيامها بدفع أسعار أعلى، ورغم ذلك؛ فهذا الخيار قد يكون الأرخص والأجدى.

خلاصة الأمر أن وقف صادرات النفط الخام أو البنزين لن يحل مشكلة البنزين في الولايات المتحدة.. وقف صادرات النفط الخام سيسبب أزمة نفطية عالمية، ولن يحل مشكلة البنزين داخل أميركا، بينما وقف صادرات البنزين لن يحل المشكلة أميركيًّا ولكنه لن يسبب أزمة نفطية عالمية.

هناك حلول عاجلة أمام بايدن تتمثل في تخفيض الضرائب على البنزين وتخفيف القيود البيئية على المصافي.. ورغم فاعلية هذه السياسة؛ فإنها مزعجة لقاعدة انتخابية أساسية للحزب الديمقراطي، فهل يتجاهلها بايدن؟

*الدكتور أنس الحجي - خبير أسواق الطاقة، مستشار تحرير "الطاقة"

  • للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).
  • للتواصل مع منصة الطاقة (هنا).

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق