مقال - الطاقة النووية وأسعار اليورانيوم عالميًا
أحمد الطالب محمد
يدور نقاش منذ سنوات بين مناصري الطاقة النووية ومعارضيها، إذ يذهب الأوائل إلى أن فوائدها كثيرة على المستوى البيئي، فهي تنتج بخار الماء بدلًا من ثاني أكسيد الكربون، كما إنها متاحة على مدار السنة، فضلًا عن أن إنتاجها غير مكلف وبكميات كبيرة عند الحاجة.
ويزيد من أهمية الطاقة النووية أن العمر الافتراضي لمنشآتها طويل (40 عامًا تقريبًا) مقارنة بمنافساتها.
فيما يدعو مناهضو الطاقة النووية إلى تجنّبها بسبب التعامل مع النفايات النووية المشعة، وكذلك العواقب المحتملة التي قد تخلّفها الحوادث النووية، إن حصلت.
ويعود ذلك الخوف أساسًا إلى حادثتي تشيرنوبيل وفوكوشيما اللتين لا زالتا حاضرتين بقوة فى الذاكرة الجماعية.
وتشكّل أيضًا التكاليف العالية للتركيب والصيانة والتفكيك عند تهالك أو تقادم محطات الطاقة النووية وتكاليف إنشائها، عقبة لا يستهان بها.
طاقة نظيفة خالية من الكربون
قد تكون التطورات الأخيرة المتعلقة بالمناخ والتزام الدول المصنعة بالحدّ من إنبعاث الغازات، قد حسمت المعركة لصالح استخدام الذرة بصفة خيار فى إنتاج طاقة نظيفة خالية من الكربون.
ويشهد على ذلك التشريعات التي سُنَّت فى المدة الأخيرة في الدول المصنّعة، ومن ذلك تعهدت كل من أميركا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، أمّا الصين فقد التزمت هي الأخرى أن يكون ذلك بحلول عام 2060.
وعلى المستوى القريب، فإن وكالة الطاقة الدولية تتوقع توفير ثلثي إنتاج الكهرباء في العالم سنة 2030 من خلال قطاعات خالية من الكربون (الطاقة المتجددة والنووية)، كما يتوقع أن تنتج القطاعات المتجددة 60% من الكهرباء، مقارنة بـ27% عام 2019، والطاقة النووية قرابة 10%.
أسعار اليورانيوم في العشر الأخيرة
يرجع الانخفاض الحادّ في أسعار اليورانيوم التي أمضت ردحًا من الزمن دون سعر 30 دولارًا للرطل متراجعة من ذروة بلغت قرابة 140 دولارًا للرطل سنة 2007، إلى عدّة عوامل، أهمها حدوث الزلزال المسبب لتسونامي اليابان المسؤول عن حادثة فوكوشيما.
وقد أذكت هذه الحادثة المشاعر الشعبية ضد الطاقة النووية، مما حدا بالأسعار إلى الإنخفاض الحادّ الذي أدى بدوره إلى تجميد مناجم اليورانيوم حول العالم لعدّة سنوات، وتراجع المعروض من المعدن المشع حتى إنه لم يتبقّ سوى عدد قليل من المناجم في العالم، لم يتوقف إنتاجها.
توقعات أسعار اليورانيوم
الطاقة النووية صديقة للبيئة، وسيتعين على الحكومات إعادة تقييم خططها المستقبلية بشأنها، وذلك لأنه تكاد لا توجد طاقة خضراء مطلقة دون دعم من الطاقة النووية لها.
وقد بدأت بعض الدول -خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ- إدراج مشروعات منشآت نووية جديدة يبلغ إجمالي إنتاجها المتوقع 125 غيغاواط، وهذا ما سيعزز من ارتفاع أسعار اليورانيوم مستقبلًا.
من جهة أخرى، سيبقى المعروض من اليورانيوم غير كاف على مدى السنوات الـ5 إلى الـ10 المقبلة، وذلك لما تتطلبه المناجم من الإنتاج الكافي وتعويض الإحتياطي الذي كانت تخزّنه شركات توليد الطاقة النووية والذي تضاءل بشكل كبير.
إن المفاعلات النووية كانت تعتمد فى الفترة الماضية على الإمدادات الناجمة عن العقود الآجلة، وكذلك على الموارد التي كانت مخزّنة من مدة طويلة، وهذا ما سيتطلب وقتًا لإيجاد مورّدين يمكنهم تلبية الطلب.
لقد ظلت الصناعة النووية تعيش على المخزونات لمدة طويلة من الزمن، وهذه المخزونات آخذة في النفاد.
ويكفي أن نعرف أنه منذ عام 2011 استُهلِك نحو 1.6 مليار رطل من اليورانيوم في المفاعلات، يأتي نصفها فقط من العقود الآجلة.
لقد شهدت الأشهر الـ6 الماضية تحولًا مهمًا نحو التوجّه إلى "النووي" عقب الاعتراف الدولي بتغيّر المناخ المتسارع، والحاجة الماسّة للتقليل من انبعاثات الكربون.
يُذكر أن سعر الشراء الفوري لليورانيوم يبلغ حاليًا 32.50 دولارًا أميركيًا للرطل، مرتفعًا من مستوى أقلّ من 28 دولارًا أميركيًا للرطل في شهر مارس/آذار الماضي.
ويمكن أن يصل السعر الفوري لليورانيوم فى آخر هذه السنة إلى أقلّ بقليل من 40 دولارًا أميركيًا، خاصة أن كمية اليورانيوم التي تُستَخرَج لا تتناسب مع الاستهلاك.
وفي ظل عودة الزخم مرة أخرى على الطاقة النووية، نُجيب في المقال القادم، عن هذا السؤال المهم: "هل ستكون موريتانيا أول دولة عربية وشمال أفريقيا تنتج اليورانيوم؟".
*أحمد الطالب محمد - خبير الموارد المعدنية في موريتانيا
اقرأ أيضًا..
- الطاقة النووية.. مصدر آمن للكهرباء ويجنب الحكومات مخاطر تقلب الأسعار
- مقال - "الثوريوم" أحد المصادر المتوقعة للطاقة مستقبلًا.. موريتانيا مثالًا