الغاز الطبيعي.. تخبط شركات الكهرباء الأوروبية في رحلة تحول الطاقة
تواجه ضغوطًا كبيرة من أجل الالتزام بالحياد الكربوني
نوار صبح
- أعلن المطورون في أكبر 5 أسواق للكهرباء في أوروبا عن 60 ألف ميغاواط من مشروعات محطات الغاز
- تؤدي عمليات التخلص التدريجي من الفحم والطاقة النووية إلى الضغط على إمدادات الطاقة في ألمانيا وبلجيكا
- وضع أكبر بنك عام في أوروبا قيودًا على الإقراض لاستبعاد تمويل البنية التحتية الجديدة للغاز
- المحطات الجديدة لم تعد قادرة على المنافسة من حيث التكلفة مقارنة بالطاقة المتجددة والبطاريات
حالة من التخبط تعيشها كبرى شركات توليد الكهرباء في أوروبا، التي وضعت خُطة زمنية للتحول إلى الحياد الكربوني، في الوقت الذي تزيد فيه من استثماراتها في محطات الغاز الطبيعي.
توحي تصريحات مسؤولي كبرى شركات الكهرباء الأوروبية بأن الغاز الطبيعي -الذي طالما عدّه مصنّعو السيارات وغيرهم وقودًا انتقاليًا- بدأ يفقد بريقه بسبب سعي منتجي الطاقة إلى تحقيق الحياد الكربوني.
وتأتي تلك التصريحات في الوقت الذي لا تزال فيه تلك الشركات تبني محطات جديدة تعمل بالغاز لتوليد الكهرباء، وتراهن على أن التقنيات المبتكرة أو المكلفة -مثل التحليل الكهربائي للهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه- ستمنحها الاستدامة، حسبما ذكرت مؤسسة ستاندرد آند بورز غلوبال.
أقوال تتعارض مع الأفعال
في استعراضه لإستراتيجية شركته، في فبراير/شباط الماضي، تعهّد الرئيس التنفيذي لشركة "إي دي بي" البرتغالية، ميغيل ستيلويل دي أندرادي، بأن الشركة لن تمتلك أي محطات كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي في عام 2030، وهو التاريخ الذي تريد فيه تحقيق الحياد الكربوني.
بدورها، التزمت شركة إينيل سبا الإيطاليّة بالاستغناء عن الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، موعد استحقاق الحياد الكربوني؛ إذ تريد الشركة تحويل عديد من محطات الفحم التي تمتلكها إلى العمل بالغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة.
وفي الوقت ذاته، تعتزم شركة إينيل سبا بناء 4 مصانع للغاز في بلجيكا، إذ استحوذت شركة "آر دبليو إي" على مشروع بقدرة 920 ميغاواط، كما فازت الأخيرة بعقود لبناء طاقة احتياطية تعمل بالغاز في ألمانيا.
علاوة على ذلك، أعلن المطورون -في أكبر 5 أسواق للكهرباء في أوروبا- أكثر من 60 ألف ميغاواط من مشروعات محطات الغاز الطبيعي، وهذا يضيف ما يقرب من ضعف قدرة الطاقة الكاملة في هولندا، وفقًا لبيانات ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس.
ومن المتوقع أن تؤدي عمليات التخلص التدريجي من الفحم والطاقة النووية إلى الضغط على إمدادات الطاقة في ألمانيا وبلجيكا، على سبيل المثال، وتحفز عديد من الحكومات مشغلي محطات الغاز العاملة بوصفها قدرة احتياطية في حالة النقص.
تحديات مواجهة تغير المناخ
قال رئيس أبحاث المرافق الأوروبية في مؤسسة باركليز، دومينيك ناش، إن الشركات ستواجه مصاعب عديدة في محاولة لتحقيق الحياد الكربوني، وإثبات قدرتها على موازنة مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة والحفاظ على استقرار الشبكة.
من جهة ثانية، وضع بنك الاستثمار الأوروبي -أكبر بنك عام في أوروبا- قيودًا على الإقراض لاستبعاد تمويل البنية التحتية الجديدة للغاز اعتبارًا من نهاية العام الجاري.
كما تتعرض المفوضية الأوروبية (الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي) لضغوط من أجل استبعاد الغاز الطبيعي من التصنيف الأخضر القادم، وهو كتاب إرشادات وقواعد للمستثمرين الراغبين في استثمار الأموال في أنشطة مستدامة.
وقال نائب الرئيس التنفيذي للصفقة الخضراء الأوروبية، فرانس تيمرمانس، أخيرًا، إن الغاز الطبيعي وقود يجب تقليصه بسرعة كبيرة مع مواصلة الانتقال إلى الحياد الكربوني.
مواجهة المخاطر
رغم تأكيد محطات الكهرباء أنها تقوم فقط ببناء محطات غاز جديدة يمكن تعديلها لعمليات خالية من الانبعاثات في وقت لاحق، يحذِّر بعض المحللين من أن بناء قدرات جديدة أصبح اقتراحًا جريئًا بسبب عدم التيقن من أن تقنيات احتجاز الكربون ستكون قابلة للتطبيق على نطاق واسع.
وقالت رئيسة قسم الطاقة والمرافق في مبادرة "كاربون تراكر"، كاثرينا هيلينبراند فون دير نيين -وهي مؤسسة فكرية- إن هناك كثيرًا من المخاطر في القيام بذلك.
ووفقًا لتحليل "كاربون تراكر"، يخاطر المطورون -في إيطاليا وحدها- بما يقدر بنحو 13.17 مليار دولار في استثمارات الغاز العالقة، لأن سوق السعة للطاقة الاحتياطية "يشوه بشكل كبير" حالة الاستثمار.
ويشير التحليل إلى أن المحطات الجديدة لم تعد قادرة على المنافسة من حيث التكلفة، مقارنة بالبدائل الأنظف مثل الطاقة المتجددة والبطاريات.
التحول إلى مصادر الطاقة الجديدة
تخلّت شركة "دراكس غروب بي إل سي" -أخيرًا- عن خطط لبناء وحدتين كبيرتين للغاز الطبيعي في أكبر محطة كهرباء في بريطانيا، بعد عجزها عن تأمين مدفوعات السعة من الحكومة، وقبل شهرين فقط باعت الشركة آخر مصانع الغاز المتبقية في البلاد.
وفي إسبانيا -لا تدفع الحكومة هناك للمشغلين مقابل الطاقة الاحتياطية- حذّر المحللون من أن عددًا قليلاً فقط من محطات الغاز ذات الدورة المركبة البالغ عددها 51 في البلاد ستكون مجدية اقتصاديًا بحلول نهاية العقد، بموجب الإطار التنظيمي الحالي.
كما طلبت مجموعة "ناتورجي إنرجي" -أكبر مالك لمحطات الكهرباء التي تعمل بالغاز في إسبانيا- موافقة الحكومة على إغلاق بعض وحداتها مؤقتًا، إذ كانت محطات الغاز في البلاد تعمل بقدرات أقل بكثير مما صُممت من أجله.
وفي فبراير/شباط، قالت مجموعة "ناتورجي" إنها خفضت قيمة محطاتها التي تعمل بالغاز بمقدار 1.38 مليار دولار في عام 2020، بسبب الآثار الطويلة لوباء فيروس كورونا على أسعار الطاقة، وزيادة هدف الاتحاد الأوروبي لخفض الانبعاثات بحلول عام 2030.
ومع إعلان مزيد من الشركات عن أهداف الحياد الكربوني، يتحول التركيز -بشكل متزايد- إلى الانبعاثات التي يصعب تخفيفها، بما في ذلك التي تصدر عن إحراق العملاء الوقود، المعروفة باسم انبعاثات النطاق 3.
وبالنسبة إلى بعض شركات الكهرباء التي تتاجر بالغاز الطبيعي وتبيعه، تفوق هذه الانبعاثات بكثير الانبعاثات المباشرة من محطات الكهرباء الخاصة بها، والمعروفة باسم النطاق 1، التي ركزت عليها المرافق بشكل أساسي عند تحديد أهدافها المناخية.
وقد حددت 9 فقط من أكبر 24 مرفقًا في أوروبا أهداف الحياد الكربوني التي تتضمن انبعاثات النطاق 3.
اقرأ أيضًا..
- أوروبا تخاطر بـ103 مليارات دولار على مشروعات الغاز الطبيعي (تقرير)
- الغاز الطبيعي.. منافسة حادة بين الشركات للاستحواذ على السوق الصينية
- الغاز الطبيعي.. سلاح جنوب أفريقيا في التحول لمصادر الطاقة المتجددة