الوجه الخفي للطاقة الشمسية... تراكم نفايات الألواح ينذر بأزمة عالمية (فيديو)
مخلفات القطاع حول العالم تصل إلى 78 مليون طن بحلول عام 2050
كريم الدسوقي
- ينتج عن صناعة الألواح الشمسية مركب شديد السمية هو رابع كلوريد السيليكون
- متوسط العمر الافتراضي للوح الشمسي 25 عاما فقط
- تؤول الألواح بعد انتهاء صلاحيتها إلى مكبات النفايات أو إلى بلدان نامية لإعادة استخدامها
- أميركا لا تصدر تفويضات فيدرالية لإعادة تدوير الألواح الشمسية بأغلب ولاياتها
- ثلث مساحة إنتاج الطاقة الشمسية في كاليفورنيا تأسست خصما من أراض زراعية
"نصف العلم أخطر من الجهل".. مثل عربي قديم، لكنه بات الآن مقولة عالمية متصاعدة يردّدها العديد من خبراء الطاقة الشمسية للتعبير عن حقيقة الثقافة السائدة حول الصادر عن ألواحها، وعلاقة توليدها بالحفاظ على معايير نظافة البيئة ومكافحة تغيّر المناخ.
ومن الواضح الآن أن كلّ المنافع التي يتحدّث عنها حماة البيئة تتعلّق بفترة توليد الكهرباء فقط، لكنها لا تتضمّن فترة تصنيع وتركيب الألواح الشمسية أو الأبراج والعنفات الهوائية، ولاتتضمن مخلفاتها التي تتراكم يوما بعد يوم.
فبينما ترسم المفاهيم السائدة صورة وردية عن طاقة لطيفة ونظيفة ومستدامة وأقلّ كلفة، مدعومة بـ "أرقام" حول أرخص أشكال توليد الكهرباء عالميًا، تؤكّد عديد من الدراسات والبحوث وبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة (IREA) أن دورة حياة الألواح الشمسية عبارة عن "عملية قذرة من البداية إلى النهاية"، ومن ثمّ فهي أكثر كلفة، وفقًا لما أورده موقع "هاكاداي".. كيف ذلك؟.
بداية تصنيع الألواح
تعود الإجابة إلى تفاصيل تتعلّق بـ "بداية" تصنيع الألواح و"نهاية" استخدامها بعد انقضاء عمرها الافتراضي، إذ تتسبّب الأولى في نواتج تؤدّي إلى الإصابة بأمراض الرئة وهدر كمّيات كبيرة من المياه، فيما تؤدّي الثانية إلى نفايات سامّة، بعضها بالغ الخطورة بيئيًا وصحّيًا.
ويعتمد تصنيع الخلايا الشمسية على "الرمل" بصفته مادّة خامًا يُستخلص منها معدن المرو (الكوارتز) عالي النقاء (يتألّف من ثاني أكسيد السليكون، وصيغته الكيميائية SiO2)، الذي يجري تسخينه في درجات حرارة عالية، ما يُنتج مركبًا غازيًا عديم اللون في الظروف العادية للضغط ودرجة الحرارة، لكنه شديد السمّية، وهو رابع كلوريد السيليكون.
أمّا نهاية الألواح الشمسية، فتؤول إلى حقيقة أن لها عمرًا افتراضيًا (يبلغ 25 عامًا في المتوسّط)، حتّى إذا جرى تنظيفها وصيانتها بشكل صحيح، إذ لا تسهم عملية الصيانة سوى في الحفاظ على الألواح بحالة جيّدة لعدّة عقود، لكن بعد تدهور حالتها تصبح أقلّ كفاءة بكثير، وفي النهاية تتوقّف عن العمل تمامًا.
مكبات النفايات
تؤول الألواح بعد انتهاء صلاحيتها إلى مكبّات النفايات بالدول المصنّعة لها، أو إلى بلدان نامية كي تعيد استخدامها، وفي الحالتين تتضرّر البيئة بشدّة من نواتج حرق مكوّنات الألواح، أو تعريضها لدرجات عالية من الحرارة، أو تسرّب الموادّ الكيميائية السامّة بالألواح بعد دفنها في الأرض.
وإلى جانب السيليكون والنحاس والألومنيوم، تشمل مكوّنات الألواح الشمسية طبقة خارجية من الزجاج الواقي، إضافة إلى البوليمر، الذي يحمي ظهر الألواح من تراكم الأوساخ والحطام.
-
دراسة: 4 مزايا ترجّح كفة شاحنات الغاز على نظيرتها الكهربائية
-
بتروبراس: لا نخطط لاستثمار دولار واحد في الطاقة المتجددة
صعوبة تدوير الألواح
رغم أن الحلّ الواضح للمشكلة يبدو في إعادة تدوير هذه المكوّنات، إلّا أن الأمر ليس ببساطة الذهاب إلى السوق لاستبدال الألواح الشمسية القديمة بأخرى جديدة، إذ يرتبط بالشركات التي تقوم بتركيب الألواح، ومدى قدرتها على تدويرها.
وتتعلّق تلك القدرة بإعادة استخلاص النحاس والسيليكون من الألواح الشمسية، وهو ما يتكلّف ما بين 12 و 25 دولارًا لكلّ لوح، فضلًا عن تكلفة النقل، بينما لا يكلّف الإلقاء في مكبّات النفايات سوى دولار واحد فقط لكلّ لوح.
لذا، فإن بلدانًا متقدّمة كالولايات المتحدة -على سبيل المثال- لا تصدر تفويضات فيدرالية لإعادة تدوير الألواح الشمسية بأغلب ولاياتها، ونتيجة لذلك لا يشمل التدوير سوى 10% فقط من إجمالي عدد الألواح الشمسية منتهية الصلاحية في أميركا.
وتعدّ شركة تصنيع الألواح الشمسية الأميركية "فيرست سولار" الوحيدة التي أقدمت على تطوير قدرات ذاتية لإعادة تدوير ألواحها، فيما ترعى جمعية صناعات الطاقة الشمسية (SEIA) مبادرة إعادة التدوير الوحيدة في الولايات المتحدة، بمشاركة 5 شركات فقط، حسبما أورد المحلّلان "إريك ويزوف" و"بيكي بيتز" في تقرير نشراه بمجلة "بي في" المتخصّصة في مجال الطاقة المتجدّدة.
فقد زراعي وبيئي
تُبرز حالة كاليفورنيا مشكلة أخرى لانتشار المنشآت المدعومة بألواح الطاقة الشمسية، إذ إن ما يقرب من ثلث مساحة إنتاج تلك الطاقة بالولاية تأسّس على أراض زراعية، حيث حوّل العديد من المزارعين مساحات كبيرة من أراضيهم من زراعة المحاصيل إلى توليد الكهرباء عبر الألواح، وفقًا لما أثبتته دراسة أجرتها جامعة ستانفورد ومعهد كارنيجي للعلوم، عام 2015.
ومع تصاعد الإقبال على التحوّل إلى الطاقة الشمسية، فقدت كاليفورنيا نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية والمناظر الطبيعية الخلّابة، ما يمثّل ضررًا فادحًا، بعكس ما يروّج له العديد من دعاة حماية البيئة.
وتشير الدراسة ذاتها إلى أن كاليفورنيا تحتاج إلى مساحة توازي ولاية بحجم "كارولينا الجنوبية"، أو دولة مثل النمسا أو الأمارات مليئة بالألواح الشمسية، إذا أرادت تحقيق هدفها بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 80%، بحلول عام 2050.
ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة
إذا ما واصلت الولاية الأميركية خططها، فإن درجات الحرارة المحلّية ستكون مرشّحة لارتفاع قياسي، بحسب الدراسة التي رصدت زيادة درجات الحرارة حول مزارع الألواح الشمسية الحاليّة، بمعدل يتراوح بين 3 إلى 4 درجات مئوية مقارنةً بباقي الأراضي البرّية القريبة منها.
هنا تطرح جامعة ستانفورد ومعهد كارنيجي سؤالًا تقريريًا: ما هو حجم الاحتباس الحراري المنتظر إذن في حال شغل 20 مليون فدّان -مساحة كارولينا الجنوبية- أو 160 مليون فدّان -مساحة ولاية تكساس-، لتحقيق أهداف الحدّ من الانبعاثات؟
إنها إذن محاولة حلّ مشكلة بأخرى أكبر منها، بحسب الدراسة، خاصّةً أن الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة تتوقّع أن يشهد العالم 6 ملايين طن من نفايات الألواح الشمسية سنويًا، بحلول عام 2050، توازيًا مع عدم وجود تدابير لإعادة تدوير هذه الألواح في أغلب الدول المصنّعة لها، خاصّةً الولايات المتحدة.
وللسبب ذاته، تشير بيانات الوكالة، لعام 2016، إلى أن قطاع الطاقة الشمسية كان مسؤولًا عن 250 ألف طن من نفايات الألواح في جميع أنحاء العالم، وتوقّعت أن ينفجر هذا الإجمالي إلى 78 مليون طن، بحلول عام 2050.
كندا وأوروبا واليابان
في كندا وحدها، من المتوقّع أن يكون قطاع الطاقة الشمسية مسؤولًا عن 700 طن من نفايات الألواح التي توقّفت عن التشغيل عام 2020، وقد يرتفع هذا الرقم إلى 13 ألف طن في العقد المقبل.
وتفتقر كندا إلى وجود بُنية تصنيع لإعادة تدوير الألواح الشمسية، وإلى لائحة تصنّف الخلايا الكهروضوئية بوصفها نفايات خطرة، إذ تعدّ التشريعات الخاصة بالنفايات مسؤولية المقاطعات والأقاليم.
وفي السياق، يقول مدير برنامج مرصد التعدين الكندي "أوغو لابوانت": "لسنا مجهزين لإعادة تدوير المعادن والمعادن التي نستخدمها في حياتنا اليومية بشكل صحيح، خاصّةً في ظلّ الطفرة المعدنية الهائلة توازيًا مع الطلب على انتقال الطاقة" في إشارة إلى زياد الإقبال على السيارات الكهربائية وتوليد الطاقة من الشمس والرياح، وفقًا لما أورده موقع "آي بوليتيكس".
ورغم أن الأمر يبدو مختلفًا ببلدان الاتحاد الأوروبي واليابان، حيث تلتزم الشركات المصنّعة للألواح الشمسية أمام الدولة بإعادة تدويرها، وفقًا لاشتراطات قانونية، إلّا أنها تظلّ حالة استثنائية في ظلّ الوضع بالولايات المتحدة وكندا، فضلًا عن الدول النامية.
كما أن دخول الألواح الشمسية بعملية التدوير لا يعني التخلّص التامّ من آثار نفاياتها، ففي معظم الحالات تزيل الشركات الموصلات والحوامل والإطارات المعدنية من الألواح (الألومنيوم – النحاس - السيليكون.. إلخ)، وترسل ما تبقّى منها إلى مكبّات النفايات، وفقًا لبيانات منظّمة "بي في" المتخصّصة في إعادة التدوير بقطاع الطاقة الشمسية.
زجاج الألواح الشمسية
بينما يمثّل زجاج الألواح الشمسية غالبية وزنها، إلا إنه يمثّل –في المقابل- جزءًا صغيرًا جدًا من قيمتها، إذ يحتوي الزجاج على معادن، ولذا فإن تطبيقاته للاستخدام الثاني محدودة، بحسب تقرير "بي في".
وفي الفيديو التالي يوضّح مسؤولو شركة "فيوليا" الفرنسية أن أقصى ما استطاعوا الوصول إليه في تدوير الألواح الشمسية هو نسبة 95%، ما يعني أن الادّعاء بمثالية صناعة الطاقة الشمسية غير دقيق.
ومصنع التدوير الذي تملكه "فيوليا" هو الوحيد الذي يمكنه إعادة تدوير الخلايا الكهروضوئية على مستوى العالم.
خدعة حماية البيئة
فيما تنصّ قوانين أميركية (بينها قانون الاستجابة البيئية الشاملة لعام 1980) ضريبة لدفع تكاليف معالجة الانبعاثات أو تهديدات المواد التي يمكن أن تعرّض الصحّة العامّة أو البيئة للخطر، لا تجد شركات الطاقة الشمسية نفسها ملزمة بأيّ من تلك القيود، حسبما أورد تقرير لمعهد "هيرتلاند" الأميركي.
وإذ يجب على شركات الفحم والطاقة النووية والبتروكيماويات أن تضع خططًا مفصّلة ومكلفة للتعامل مع النتائج السلبية -الحقيقية أو المحتملة- لعملياتها، فإن شركات الطاقة الشمسية -وطاقة الرياح- تُكافأ بإعانات ضخمة دون أيّ التزام بمعايير أو التخلّص من النفايات على الإطلاق، بحسب تقرير المعهد.
فالمنح الحكومية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدّمة لا تُلزم شركات الطاقة الشمسية بتخصيص أموال للتخلّص من النفايات المتولّدة خلال التصنيع، أو بعد توقّف مزارع" الطاقة الشمسية الضخمة عن العمل، أو إعادة تدويرها.
لذا تخلُص الصحفية المتخصّصة في الشأن البيئي "إميلي فولك"، في تقرير نشرته بمجلّة الطاقة المتجدّدة (عالمية)، إلى أن الحديث عن الطاقة الشمسية بوصفها أقلّ كلفة من النفط أو الغاز الطبيعي ليس سوى "خدعة" طالبت قرّاءها بعدم الانجرار وراءها.
تكاليف التخلص من النفايات
تشير "فولك" إلى "تجاهل متعمّد" لتكاليف التلوّث والتخلّص من النفايات وخسائر الأراضي الزراعية، فضلًا عن كلفة تصنيع بطاريات تخزين الطاقة، تحت ضغوط حملات مكافحة تغيّر المناخ وسيادة المفاهيم الخاصّة بـ "الضرورة الملحّة لإيجاد مصادر طاقة بديلة"، ما جعل الناس يتردّدون في مناقشة "الآثار السلبية المحتملة للطاقة المتجدّدة"، حسب قولها.
وتضيف: "هناك أدلّة متزايدة على أن الألواح الشمسية المكسورة تطلق ملوّثات سامّة.. [و] قلق متزايد بشأن ما يحدث مع هذه الملوّثات عندما لم تعد الألواح قابلة للاستخدام"، داعيةً إلى "بعض الحسابات الصادقة الآن، وقبل فوات الأوان"، في إشارة إلى غياب حسابات الكلفة الحقيقية لتوليد الطاقة من الشمس والرياح عن أغلب وسائل الإعلام.
وبدا حديث "فولك" صدى لتيّار يتصاعد داخل جبهة حماية البيئة ذاتها، وهو ما عبّر عنه مدير "نادي سييرا" للحفاظ على الأرض والبيئة بولاية مسيسبي الأميركية "لوي ميلر"، قائلًا: "أشعّة الشمس وقود مجّاني ونظيف.. حسنًا، لكن تسخير هذه الأشعّة لخدمة البشرية ليس مجّانيًا أو نظيفًا أو متجدّدًا أو مستدامًا"، وفقًا لما أورده موقع معهد "هيرتلاند".
تصاعد مشكلة النفايات
يحذّر "ميلر" من أن مشكلة نفايات الألواح الشمسية ستستمرّ في التصاعد مع وصول مزيد من الألواح إلى نهاية عمرها الافتراضي، خلال السنوات المقبلة، خاصّةً في ظلّ التوسّع الكبير في التحوّل نحو الطاقة الشمسية حول العالم.
وينسجم تحذير "ميلر" مع دراسة أجراها معهد مانهاتن، في أغسطس/آب الماضي، تحت عنوان (المناجم والمعادن والطاقة الخضراء: دراسة واقعية)، خلصت إلى أن كمّية الألواح الشمسية البالية ستمثّل، بحلول عام 2050، ضعف حجم جميع النفايات البلاستيكية العالمية، اليوم.
وما بين تحذيرات "فولك" و"ميلر" وضغوط الثقافة السائدة، يبدو أن مفهوم "الطاقة المتجدّدة" على موعد مع "اختبار مراجعة حقيقي"، للمرّة الأولى منذ عقود.
- دراسة أميركية: الطاقة المتجددة عدو البيئة
- G20.. السعودية ستواصل تصدير النفط لعقود مع تنويع الاقتصاد والطاقة المتجددة