وعود بايدن المناخية تدعم قوّة الصين في منافسة أميركا
بكين تسيطر على صناعة بطّاريات السيّارات الكهربائية ومكوّنات الطاقة الشمسية
حياة حسين
بينما تستعدّ أميركا لتجديد التزامها بمحاربة التغيّرات المناخية، بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، تُثار مخاوف بعضهم من أن هذا يعني التخلّي عن ساحة المعركة للصين.
يقول تقرير تحليلي لموقع "مارتيتيم إكسيكيوتيف"، إن بايدن الذي قضى نصف قرن من عمره في إجراء المساومات وصنع الصفقات في واشنطن، يفوز الآن، بعد تصديره صورة عن نفسه، تزعم أنّه سيعمل على الوحدة الوطنية الأميركية.
وعود صعبة التحقّق
يبدو أن الحملة الانتخابية لبايدن، قد قدّمت الكثير من الوعود التي لا يمكن تحقيقها حتّى على أيدي محنّكي الحزب الديمقراطي. ومع ذلك تستعدّ الإدارة الجديدة لوضع خطّة تتّسم بأنّها الأعنف في التاريخ الأميركي.
ومع توقّعات انقسام الهيئة التشريعية وحالة استقطاب في الكونغرس غير مسبوقين في الذاكرة الحيّة الأميركية، يمتلك بايدن خيارات محدودة للمناورة، ولكي ينفّذ بعض أهدافه قد يضحّي بالآخرين -وفق التحليل-.
وتحتلّ قضيّتا التغيّرات المناخية والطاقة النظيفة، ودعم أميركا على جبهة المنافسة مع جمهورية الصين الشعبية، أعلى قائمة القضايا التي ستثير الصراع.
وفي الوقت الذي يتردّد فيه بايدن في مسألة التحوّل بقوّة إلى "الصفقة الجديدة الخضراء"، التي يؤيّدها بعض أعضاء حزبه الأكثر تقدّمًا، يؤكّد أن علاج التغيّرات المناخية وتعزيز مستقبل الطاقة النظيفة، سيكونان أقرب الأهداف إلى قمّة أولوياته.
أميركا تعود لاتّفاقية باريس للمناخ
أعلن فريق بايدن بالفعل نيّته إعادة أميركا إلى اتّفاقية باريس للمناخ، وبدء العمل لخفض انبعاثات الكربون، لتصل إلى محايد، بحلول عام 2050، فور تولّيه المنصب.
وعلى النقيض من ترمب، الذي شكّك في علم المناخ، وانسحب من الاتّفاقية 2015، تعهّد بايدن بمعاودة الانضمام واستثمار تريليوني دولار لإبعاد البلاد عن استخدام الوقود الأحفوري الذي يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وفق وكالة رويترز.
وفي المقابل، يخشى بعضهم أن تُضعِف إدارة بايدن أميركا في مواجهة تحدّيات القوّة المتنامية للصين.
وقد تعرّضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي كان بايدن مسؤولا رئيسًا عن إدارة شؤونها الخارجية، في ذلك الوقت، إلى الكثير من النقد، حيث اتُّهمت بأنّها لم تُدِر العلاقات مع الصين بشكل جيّد.
ووصف المنتقدون لإدارة أوباما، في ذلك الوقت، الردّ الأميركي على النموّ العنيف للصين، بالضعيف.
ونظرًا للتحوّل المزلزل الذي شهدته العلاقات الأميركية مع الصين، خلال السنوات الأربع الماضية -مدّة حكم ترمب-، فمن الصعب تخيّل أن بايدن قد يجازف بحدوث ردود فعل سلبية، سواء محلّيًا أو مع حلفاء المنطقة، بالتحرّك للتصالح مع الصين.
تحذيرات من الاعتماد الأميركي على السلع الصينية
كانت مؤتمرات وندوات عديدة قد حذّرت مرارًا، خلال السنوات الأخيرة، من الاعتماد المفرط على سلاسل الإمدادات الصينية، كونها تهدّد الأمن القومي، خاصّةً في مجال السلع الضرورية، مثل المعدّات الطبّية.
ومع أنّه يمكن الحصول على سلع ضرورية، مثل أقنعة الوجه والمستحضرات الصيدلانية من أيّ مكان في العالم غير الصين، إلّا أن إدارة بايدن ستكون مضطرّة للاعتماد على بكين في مجال تحقيق أهداف حماية المناخ، وفق التقرير.
ويؤكّد التقرير وجهة النظر تلك، ببطّارية الليثيوم (لي-أيون)، التي أصبحت الصين تمتلك الحصّة الأكبر في مجال إنتاجها.
يقول التقرير، إن تلك البطّاريات قد تكون معروفة للمستهلك العادي من خلال الهواتف الذكيّة أو الحواسيب المحمولة، لكنّها تُستخدم أيضًا في المركبات الكهربائية، وكذلك في معدّات تخزين الطاقة المنتجة من الرياح أو الشمس.
ويضيف أن الصين أيضًا تأتي في مقدّمة الدول المنتجة للخامات الأوّلية المستخدمة في تصنيع هذه البطّارية، مشيرًا إلى أن بكين تعدّ مركزًا لإنتاج وخدمات إنتاج العديد من السلع على مستوى العالم.
ويتابع التقرير، أن الصين تنتج نحو 80% من المعادن الأرضية النادرة، وهو أمر غير عادي لدولة كانت تعتمد على شركائها التجاريّين لتلبية الطلب الداخلي الضخم على الموارد.
والمعادن النادرة، هي مجموعة من 17 عنصرًا كيماويًا، تُستخدَم في كلّ شيء من الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة إلى المعدّات العسكرية. وهدّدت بكين باستخدامها سلاحًا في الحرب التجارية مع أميركا، العام الماضي.
"تيسلا" في الصين
تعتقد الصين أن ميزتها التفضيلية في مجال مكوّنات المركبات الكهربائية، تعدّ أهمّ سبب يقف وراء قرار شركة تيسلا الأميركية لإقامة مصنع لها في بكين، حتّى في ظلّ ضعف العلاقات بين البلدين، وإعادة كثير من شركات موطنها النظر في أنشطتها بها.
وبدأت تيسلا إنتاج سيّاراتها الكهربائية في الصين، في أكتوبر/تشرين الأوّل قبل الماضي، وفقًا لما ذكرته وكالة رويترز. ويعدّ هذا أوّل موقع تصنيع للشركة خارج الولايات المتّحدة الأميركية.
ويقول تقرير "مارتيتيم إكسيكيوتيف"، إن مصنع غيغافاكتوري الذي بُني خارج شنغهاي، بدأ تصدير سيّارات طراز 3 سيدان إلى أوروبّا، ويتوقّع أن تنتج تيسلا سيّارة كهربائية بالكامل في الصين، قريبًا.
وتلعب الشركات الصينية دورًا رئيسًا في تحويل الأساطيل الأميركية للعمل بالكهرباء. وقد استثمرت شركة بي واي دي -تتّخذ من تشينغن مقرًّا لها- مبالغ ضخمة في الشمال الأميركي، وأيضًا أنشأت مصانع في كندا.
وفي ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، أعلنت الشركة الصينية عن اتّفاق مع إدارة ولاية لوس أنغلوس الأميركية، لتوفير بطّاريات كهربائية لنحو 130 حافلة نوعيّة كيه سفن أم، وهو ما يعدّ أكبر طلب فردي في أميركا، ذلك الوقت.
غير إنّه ليس من المستحيل أن تنتقل أميركا إلى الطاقة النظيفة دون تهديد لأمنها القومي من الهيمنة الصينية في مجال صناعة السيّارات الكهربائية وبطّاريات الليثيوم، فواشنطن وحلفاؤها الأوروبّيون، وأيضًا دول المحيط الهادي، يمتلكون قدرات إنتاجية حاليّة أو مستقبلية لمنافسة الصين في مجال إمدادات الطاقة النظيفة.
ولكن لتحقيق هذا الهدف ستحتاج إدارة بايدن الكثير من الوقت والأموال والمفاوضات داخليًا ومع الحلفاء في الخارج، لذلك من المتوقّع أن تلجأ إلى الصين ليتحوّل الهدف إلى واقع، بشكل أسرع وأرخص وأسهل.
ماكرون يرحب
رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، باحتمال عودة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى اتّفاق باريس للمناخ، قائلًا، إن الدول لديها الآن فرصة "لتجعل كوكبنا عظيما مرّة أخرى".
وتأتي تعليقاته في أعقاب تصريحات زعماء آخرين رحّبوا بفوز بايدن بوصفه دفعة للتعاون العالمي بشأن التصدّي لتغيّر المناخ، بعد أربع سنوات من التقاعس عن العمل المتعلّق بالمناخ، في عهد الرئيس دونالد ترمب.
وبحسب رويترز، قال ماكرون، إن انضمام الولايات المتّحدة مرّة أخرى إلى الاتّفاقية، بعد انسحابها رسميًا، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سيعزّز الثقة في الاتّفاق الذي يهدف إلى منع تغيّر المناخ، ووقّعته نحو 200 دولة.
وأضاف ماكرون، خلال قمّة عبر الإنترنت استضافتها الحكومة الفرنسية: "هذا دليل على أنّه يتعيّن علينا الوقوف بحزم ضدّ كلّ الرياح المعاكسة"، مؤكّدًا أن "جعل كوكبنا عظيما مرّة أخرى ممكن، ليس بالأقوال فحسب، بل بالأفعال أيضًا".
وتعهّد بايدن بدعوة زعماء العالم لإجراء محادثات بشأن المناخ، خلال أوّل 100 يوم له في منصبه.
وكان تغيّر المناخ موضوعًا بارزًا في أولى مكالماته، منذ انتخابه، مع حلفاء الولايات المتّحدة والبابا فرنسيس، لكن بايدن قد يواجه قيودًا تًحِدّ من قدرته على إقرار سياسات مناخية طموحة إذا استمرّ الحزب الجمهوري في السيطرة على مجلس الشيوخ، وفقًا لرويترز.
ويأمل القادة الأوروبّيون أن يشجّع تركيز إدارة بايدن في موضوع تغيّر المناخ الدولَ الأخرى على التعهّد بتخفيضات أكبر للانبعاثات، قبل مؤتمر المناخ المقبل للأمم المتّحدة.