تشغيل الحفّارات البحريّة عن بُعد يثير مخاوف عمال النفط في النرويج
بعد أيّام من انتهاء إضرابهم
ترجمة: محمد زقدان
- الشركات النرويجية بدأت قبل 7 سنوات تجربة أجهزة التحكم عن بُعد
- العمال يخشون من فقدان الوظائف والحوافز المجزية نظير العمل من المنصات البحرية
- نقابات عمال النفط في النرويج أعربت عن مخاوف تتعلق بالسلامة
- هيئات السلامة المهنية أكدت عدم تسبب غرف التحكُم في أي حوادث حتى الآن
أثار تحوّل شركات النفط والغاز إلى الاعتماد على تشغيل حفّارات النفط البحريّة عن بُعد (عبر غرف تحكّم على اليابسة) -وهي الطريقة التي تسارعت وتيرتها -مؤخّرًا- بسبب انخفاض أسعار النفط الخام، والحاجة لتقليص الإنفاق- مخاوف النقابات النرويجية حول عواقب ذلك على سلامة العمّال، وأيضًا فقدانهم وظائفهم ذات الأجر المجزي.
وسلّط الضوء على هذه المخاوف، نقابة ليدرن- وهي واحدة من ثلاث نقابات تمثّل عمّال المنصّات البحريّة- التي تسبّبت، هذا الشهر، في إغلاق 6 حقول، إثر إضراب هدّد ربع إنتاج النفط والغاز النرويجي، وهزّ أسواق النفط العالمية.
وقال رئيس النقابة "أودون إنغفارتسن" في تصريحات لوكالة رويترز: "لم يكن الإضراب ضدّ انتقال التحكّم للبرّ فقط، لكنّنا كنّا بحاجة إلى الحصول على صفقة لأعضائنا، لكي يكونوا أيضًا جزءًا من المناقشات بشأن نقل التحكّم للبرّ وسلامتهم".
وتعدّ ليدرن -التي انتهى إضراب أعضائها في 9 أكتوبر/تشرين الأوّل- نقابة عمّال النفط والغاز النرويجية الوحيدة التي لم يكن لديها اتّفاق يخصّ أعضاءها فيما يتعلّق بغرف التحكّم عن بُعد.
مخاوف كبيرة تتعلّق بمدى الأمان وسلامة العمّال داخل غرف التحكّم عن بُعد، لكن حتّى الآن لم تُرصد أيّ حوادث
وقبل نحو 7 سنوات، بدأت شركات النفط تجربة أجهزة التحكّم عن بُعد، حيث انطلق ذلك في المنشآت الأصغر غير المأهولة، قبالة سواحل النرويج.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت النرويج -التي تعدّ أكبر منتج للنفط والغاز في أوروبّا- ساحة اختبار لمحاولات الصناعة الرامية لنقل هذه التكنولوجيا إلى منصّات أكبر مأهولة.
في المقابل، أدّى انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا، إلى تسريع هذا التحوّل، ما أثار مخاوف بشأن سلامة الموظّفين الذين لا يزالون يعملون على الحفّارات البحريّة.
وفي هذا الصدد، قال إنغفارتسن، لا يزال أعضاؤنا يتساءلون عمّا إذا كان (التحكّم البرّي) هذا جيّدًا وآمنًا بما يكفي، أم لا؟
ووفق إنغفارتسن، وهيلدا ماريت ريست، رئيسة نقابة تدعى (Safe)، فإن مخاوف أعضاء النقابتين تتعلّق بالوعي بطبيعة الموقف والعمليات من أولئك الذين يعملون في المنصّات البحريّة والبرّية.
وقالت ريست، عندما تجلس على القنبلة، سيكون ردّ فعلك مختلفًا عمّا إذا كنت بعيدًا عنها.
منشآت أشباح
على بُعد نحو 160 كم من الأرض، أصبح حقل النفط والغاز فاليمون التابع لشركة إكوينور، باكورة التشغيل من اليابسة في النرويج، عام 2017، لا يزال هناك أماكن للمعيشة وغرفة تحكّم، لكن، معظم الوقت، لا يوجد به طاقم.
ويُدار الإنتاج عبر غرفة تحكّم في بيرغن، لكن يتعيّن على مشغّليها قضاء أسبوعين في البحر، كلّ عام، للتأكّد أنّهم على دراية كاملة بأوضاع الحفّارة.
وقال جارلي إيدي، ممثّل نقابة Industri Energi في إكوينور، إن العمّال كانوا أكثر ثقة من ذي قبل في استخدام أجهزة التحكّم عن بُعد.
وأضاف، في حديثه عبر الهاتف لرويترز من منصّة فاليمون: "كان الناس متشكّكين في البداية، لكنّك تعتاد على ذلك تدريجيًا.. لا أعتقد أن شخصًا يشعر بعدم الارتياح حيال ذلك اليوم".
وتابع: "بالطبع هناك دائمًا مخاطر، ويمكن أن تسوء الأمور، لذلك عليك التركيز على سبل السلامة، حتّى خلال وقت الفراغ".
شركة إكوينور ترى أن الجمع بين الكفاءة البشرية والتكنولوجية يوفّر أفضل الحلول، وأن التقنيات الرقمية تساعد على زيادة الأرباح
قبل عام، اتّخذت شركة "أكير بي بي" -وهي إحدى شركات النفط والغاز البحريّة المستقلّة- خطوة مماثلة، عندما أصبحت أوّل منصّة بحريّة مأهولة تُدار عن بُعد.
وهناك في المتوسّط نحو 50 شخصًا يعملون في الحفّارة، التي يجري تشغيلها من اليابسة بوساطة 14 شخصًا.
قال "إنجارد هوجبرج"، ممثّل نقابة إندستري إنرجي في "أكير بي بي": إنّه لا يوجد أيّ مؤشّر على أن العاملين في Ivar Aasen شعروا بعدم الأمان، كانت هناك مخاوف بشأن المنصّات الآليّة بالكامل في المستقبل.
- انتهاء إضراب عمّال النفط في النرويج
- إضراب العمّال يغلق 8% من إنتاج النفط والغاز النرويجي الأسبوع المقبل
وأضاف: "عندما تسيطر التكنولوجيا بنسبة 100%، يتعيّن علينا إعادة التفكير في سبل المضيّ قُدمًا نحو المستقبل.. سيكون هناك عدد أقلّ من الوظائف البحريّة في المستقبل، ونحن بصفتنا نقابات، لا نحبّ ذلك".
وقالت كلّ من شركتي "أكير بي بي" و"إكوينور"، إنّهما تسعيان لمعالجة المخاوف من خلال نقل التحكّم على البرّ بشكل تدريجي، وضمان بأنّه يمكن للعاملين على المنصّات تولّي زمام الأمور، إذا لزم الأمر، مع استجابة الطوارئ المتاحة في مكان قريب.
وقال متحدّث باسم إكوينور: إن الجمع بين الكفاءة البشرية والتكنولوجية يوفّر أفضل الحلول، كما نراها فيما يتعلّق بالحفاظ على السلامة وتقليل المخاطر.
وفي غضون ذلك، قالت هيئة سلامة البترول النرويجية -التي يتعيّن عليها الموافقة على طرق جديدة للتحكّم في العمليات البحريّة- إنّه لم تكن هناك حوادث تتعلّق بوحدات التحكّم عن بعد.
وعلّقت المتحدّثة باسم الهيئة، إنجر آندا: "حتّى الآن لم نجد أيّ سبب لإثارة أيّ اعتراضات على تكنولوجيا التحكّم عن بُعد"، مضيفةً أن المسؤولية النهائية، في نهاية المطاف، تقع على عاتق الشركات.
تقليل التكاليف
قالت رئيسة نقابة "سيف": إن نقل العمّال من المنشآت البحريّة يسمح لشركات النفط بتوفير نفقات نقل العمّال بالهليكوبتر، إضافة لتوفير مدفوعات إضافية، يتلقّاها العمال نظير وجودهم في تلك المنشآت، وتمثّل ما يقرب من 50% من إجمالي رواتبهم.
وتساعد الابتكارات التقنية الأخرى -مثل تجميع البيانات من أجهزة استشعار مختلفة على منصّة بحريّة، واستخدام أجهزة التنبيه الآلي بمتطلّبات الصيانة- الشركات أيضًا على تقليل التكاليف.
تخطّط شركات مثل "أكير بي بي" للتحكّم عن بُعد في المزيد من المنصّات البحريّة في المستقبل، حيث ترى أن ذلك سيضمن لها تحقيق المزيد من الربح
فيما أكّدت شركة إكوينور، أن الحلول الرقمية ساعدت على زيادة الأرباح في حقل يوهان سفير دروب العملاق، في بحر الشمال النرويجي، بنحو 213 مليون دولار، منذ بدء الإنتاج قبل عام.
ولا يحتوي "سفيردروب" على غرفة تحكّم على اليابسة، لكن إكوينور أنشأت نظامًا يسمح للمهندسين باستكشاف التحسينات المحتملة واللازمة، وتسمح للعمّال باستكشاف منصّاتهم البحريّة عبر الأجهزة اللوحية.
وقالت شركة "أكير بي بي" في موقعها عبر الإنترنت: إنّها ترى إمكانات كبيرة فيما يتعلّق بزيادة الإيرادات بعد بدء تشغيل غرف التحكّم البرّية.
وأضافت الشركة في تصريحات نقلتها رويترز، أنّها تخطّط للتحكّم عن بُعد في المزيد من المنصّات البحريّة في المستقبل، بما في ذلك عمليات التطوير بمنطقة "نواكا" في بحر الشمال.
وقالت إكوينور -التي لديها غرفة تحكّم برّية في حقل "مارتن لينغ"، والمقرّر أن يبدأ عام 2021-، إنّها ستفكّر في استخدام خيارات التحكّم عن بُعد للمنصّات الصغيرة ومتوسّطة الحجم، لكن المنصّات الكبرى ستظلّ تعمل بالطواقم البشرية.
وقال إنغفارتسن من نقابة ليدرن: "هذا هو المستقبل.. لا يمكننا إيقافه، لكنّنا بحاجة إلى التأكّد من أن العاملين في المنصّات البحريّة -على الأقلّ- لديهم قدرة كافية على التحكّم، إذا لزم الأمر، وأنّهم يشعرون بالأمان".