اقتصادي: تشبّث أستراليا بالوقود الأحفوري يكلّفها أموالًا ضخمة
قال إن الخطوة تُدخلها في دائرة خلافات مع داعمي الطاقة المتجدّدة
حذّر الكاتب الاقتصادي، كلايد راسل، من النتائج المترتّبة على ما وصفه بتشبّث الحكومة الفيدرالية الأستراليّة برؤية مستقبل مدعوم بالوقود الأحفوري، بعيدًا عن الاعتماد على الطاقة المتجدّدة.
جاء ذلك في مقال نشره الكاتب المتخصّص في السلع الآسيويّة، وخاصّةً النفط والغاز والفحم والطاقة المتجدّدة وسياسة الحكومات، بوكالة رويترز، تحت عنوان" أستراليا لا تزال تدمن الوقود الأحفوري.. بتقديمها الدعم للغاز والنفط".
وقال راسل، إن الحكومة الأستراليّة عزّزت اعتمادها على الوقود الأحفوري، بعدما قدّمت منحًا لقطاعي صناعة الغاز الطبيعي وتكرير النفط، بجزء من جهود الإنعاش الاقتصادي، عقب التأثير المدمّر الذي خلّفه فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19).
وأضاف أن رئيس الوزراء "سكوت موريس" أعلن، أمس الثلاثاء، عن خطّة لتطوير صناعة الغاز الطبيعي المحلّي، تتضمّن إستراتيجيات لإنشاء مركز للغاز الطبيعي، وتطوير حقول غاز، وبناء ودعم خطوط أنابيب. ووفق تقارير إعلامية متعدّدة، فإن الحكومة تدرس بناء محطّة للطاقة تعمل بالغاز.
وأوضح راسل أن الإعلان عن خطّة الغاز الطبيعي، جاء بعد يوم من عرض موريسون تقديم حوافز بقيمة 1.67 مليار دولار، على مدى 10 سنوات، لإبقاء مصافي النفط الأربع المتبقّية في البلاد مفتوحة، بالإضافة إلى الالتزام بالاستثمار في التخزين لتعزيز أمن الوقود.
وتابع، إن الغائب عن كلتا الخطّتين هو وجود أيّ التزام من قبل الحكومة بمستقبل يعتمد على الطاقة المتجدّدة بشكل أساس، الأمر الذي يضع حكومة موريسون على خلاف مع هيئات، مثل وكالة الطاقة الدولية، التي دعت إلى استثمار جائحة كورونا فرصةً لتعزيز التحرّكات صوب نظام طاقة مستقبلي منخفض الكربون.
كما يعرّض الحكومة الفيدرالية الأستراليّة للدخول في خلاف مع حكومات الولايات الستّ والأقاليم في البلاد، والتي أعربت جميعها عن التزامها بزيادة الطاقة النظيفة، بغضّ النظر عمّا إذا كان يحكمها حزب موريسون الليبرالي أو حزب العمّال ذي الميول اليسارية.
وثمّة أمور أخري تتعلّق بأمن الوقود -والحديث لراسل- فيما يخصّ تقديم الدعم لمصافي النفط الأربع المملوكة لشركات بي بي (BP Plc) وإكسون موبيل (Exxon Mobil Corp)، وفيفا إنرجي (Viva Energy Group)، وأمبول (Ampol Ltd).
وعقّب راسل، قائلًا: "السماح لتلك المصافي بالإغلاق سيجعل أستراليا تعتمد كلّيًا على الوقود المستورد، ومن ثمّ تكون عرضة للخطر في أوقات التوتّرات الجيوسياسية المتصاعدة". مشيرًا إلى أن المصافي في حدّ ذاتها ليست من أرباب العمل الرئيسة، ولكن قيمتها للاقتصاد تمتدّ إلى ما هو أبعد من مجرّد الاقتصاد، وستظلّ كذلك لسنوات قادمة، حتّى لو ظهرت أكثر السيناريوهات تفاؤلًا بشأن الانتقال إلى السيّارات الكهربائية.
لماذا الغاز الطبيعي؟
يرى راسل أن قضيّة التوسّع الهائل والدعم لقطاع الغاز الطبيعي أكثر إثارة للقلق. فقد تحدّث موريسون ووزراؤه وأعضاء لجنة مشكّلة من قادة فئة مكلّفة برسم مخطّطات للتعافي من فيروس كورونا، عمّا يسمونه انتعاش تصنيع يقوده الغاز.
وقال الاقتصادي كلايد راسل، في حين أن التفاصيل لا تزال غير واضحة، يبدو أن الحكومة تهدف إلى تشجيع تطوير احتياطات غاز جديدة، ومن ثمّ دعم إنشاء وتشغيل خطوط أنابيب جديدة على المدى الطويل، من أجل إيصال الوقود من أحواض النفط التي تقع في أماكن نائية وسط أستراليا، إلى المنطقة الساحلية الجنوبية الشرقية المأهولة بالسكّان.
ولفت إلى أن بناء محطّة طاقة تعمل بالغاز بقدرة 1000 ميغاواط، في ولاية "نيو ساوث ويلز"، لتحلّ محلّ الوحدات القديمة من المحطّات التي تعمل بالفحم، والمقرّر إغلاقها في غضون سنوات قليلة، هي زاوية جديدة لخطّة موريسون.
ويكمن الخطر هنا -من وجهة نظر الكاتب- في أن الحكومة تورّط نفسها في تقديم منح باهظة على المدى الطويل، بينما لا تفعل الكثير لتعزيز الاقتصاد.
وقال الكاتب، إن الحكومة لم تقم بعد بوضع نماذج لتوضّح مدى رخص سعر الغاز الطبيعي، الذي يمكن أن يصل إلى أكبر مدينتين، وهما سيدني وملبورن.
كما يتعيّن على الحكومة أن توضّح نوع التصنيع الذي تعتقد أنّه سيُنشَأ على خلفية هذا الغاز الطبيعي الرخيص. إذ تشمل الصناعات التي تستخدم الغاز الطبيعي، الإسمنت والكيماويات والأسمدة وصناعة الزجاج.
وتساءل راسل، هل يتوقّع موريسون تدفّقًا للاستثمار في هذه الصناعات، على خلفية الغاز الطبيعي الرخيص؟. وأضاف: "هذه ليست صناعات ذات أسواق محلّية ضخمة في أستراليا، ما يعني أنّه سيتعيّن عليهم التركيز على الصادرات".
وعقّب الكاتب، قائلًا: "وفي هذه الحالة، من غير المرجّح أن يكون الغاز الطبيعي المجّاني كافيًا لجعلهم قادرين على المنافسة في آسيا، نظرًا لتكاليف العمالة المرتفعة في أستراليا، والعزلة الجغرافيّة عن المنطقة".
وأردف الكاتب، أن موريسون ربّما يتجاهل التاريخ أيضًا، حيث تمتّعت أستراليا، لسنوات عديدة، بالغاز الطبيعي الرخيص، مقارنةً بالاقتصادات الأخرى في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، من حقولها في مضيق باس بين البرّ الرئيس، وتاسمانيا هي ولاية وجزيرة أستراليّة.
وتابع: "لقد ساعد هذا الغاز الرخيص -بالتأكيد- في إنشاء بعض الصناعات، والحفاظ عليها، ولكنّه لم يدفع أستراليا أن تكون رائدة عالمية في صادرات السلع المصنوعة من الغاز الطبيعي، بصفته مادة وسيطة رئيسة للطاقة.
ومضى الكاتب، قائلًا: "إذا اعتقد موريسون أن الكهرباء التي تعتمد على الغاز ستكون قادرة على المنافسة، فسوف يتطلّب الأمر تقديم منح هائلة، لتكون أرخص من مزيج من الطاقة المتجدّدة والتخزين، سواء كانت بطّارية أو طاقة مائيّة.
وذكر راسل، أنّه ربّما من العدل القول، على مدار العقد المقبل، أو نحو ذلك، سيكون للكهرباء التي تعمل بالغاز دور في أستراليا، بشكل أساس، بصفة وحدات ذروة لتلبية فترات ارتفاع الطلب.
ويعتقد مشغّل سوق الطاقة الأسترالي، أن مستقبل الكهرباء سيعتمد على مصادر الطاقة المتجدّدة، ولا يتوقّع الحاجة إلى محطّات طاقة جديدة تعمل بالغاز.
ولفت راسل إلى أن ما يصعب فهمه، هو سبب تشبّث الحكومة الفيدرالية بروية مستقبل مدعوم بالوقود الأحفوري. فلا توجد أعداد هائلة من الوظائف التي يجب الحفاظ عليها، أو التي من المحتمل إنشاؤها، لذلك ستكون تكلفة الدعم ضخمة وممتدّة، والسياسات صمّاء تمامًا للقلق العامّ المتزايد بشأن تغيّر المناخ.
اقرأ أيضًا:
- أستراليا تستفيد من انخفاض أسعار الخام لبناء مخزوناتها النفطية
- ألمانيا توقّع مع أستراليا وتبحث مع فرنسا مشروعات طاقة الهيدروجين