تساؤلات مهمة عن حقل الغاز التركي الجديد
الإنتاج لا يكفي إلا لحوالي 30% من إجمالي استهلاك تركيا من الغاز
أحمد صقر
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، أن تركيا اكتشفت في البحر الأسود "أكبر" حقل غاز طبيعي "في تاريخها"، مشيراً إلى أن مخزونه يُقدّر بـ 320 مليار متر مكعّب (11.3 تريليون قدم مكعبة).
ويأتي هذا الإعلان في وقت تكثّف فيه تركيا جهودها منذ سنوات لفرض نفسها كلاعب أساسي في مجال النفط والغاز في المنطقة، وتقليص اعتمادها على الواردات النفطية والغازية التي تُثقل كاهل اقتصادها الضعيف. ورغم ضآلة إمكانيات تركيا في احتياطيات النفط والغاز، إلا أنها من أهم الدول في عالم الطاقة؛ بسبب الأنابيب التي تمر فيها من روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى إلى أوروبا، وبسبب المضائق المائية فيها التي تعبر منها حاملات النفط والغاز المسال.
ويفتح الاكتشاف التركي الباب للعديد من الأسئلة المهمة حوله، خاصة أن المعلومات المتوافرة مازالت محدودة.
هل تكفي الاحتياطيات المعلنة لجعل تركيا مصدراً رئيساً للغاز؟
قال الرئيس التركي في خطابه، إن هذا الحقل سيجعل من تركيا مصدراً رئيساً للغاز في المنطقة، معتبراً أن لهذا الاكتشاف "أهمية تاريخية لمستقبل" تركيا.
ولكن بحسبة بسيطة نجد أن ما يمكن إنتاجه من هذه الاحتياطيات لا تكفي إلا لحوالي 30% من إجمالي استهلاك تركيا من الغاز الطبيعي لمدة 20 سنة على الأقل، ومن ثمّ ليس هناك كميات كافية للتصدير. فهي تستهلك بين 45 و 50 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي سنوياً، وما يمكن إنتاجه من هذا الحقل الجديد يتراوح بين 13 إلى 15 مليار متر مكعب سنوياً. وحالياً تستورد تركيا أغلب الغاز الذي تستهلكه من روسيا وإيران وأذربيجان عبر أنابيب، ومن الولايات المتحدة وقطر على شكل غاز مسال، بقيمة 11 مليار يورو، وفقاً لهيئة تنظيم أسواق الطاقة.
ويؤكد هذه الحسبة ما ذكرته وكالة فرانس برس من أن المخزونات المعلنة من قبل أردوغان لن تكون كافية لجعل تركيا مصدراً رئيساً للغاز، لكنها قد تشجّع أنقرة على مواصلة عمليات التنقيب.
ورأى أوزغور اونلو حصارجكلي مدير مكتب معهد "جرمان مارشال فاند" الأميركي في أنقرة، في تغريدة أن الاكتشاف "لا بأس به على الإطلاق، لكن ذلك لا يغير المعطيات أيضاً"، وفقا لفرنس برس.
وقال مكتب "كابيتال ايكونوميكس" في مذكرة إنه رغم أن حقل الغاز الجديد "متواضع نسبياً مقارنة بحقول غاز طبيعي أخرى في العالم، إلا أنه سيساعد تركيا في خفض فاتورتها في مجال الطاقة".
وأثار البعض قضية الفرق بين كمية الغاز في المكمن مقابل ما يمكن استخراجه، فهل 320 مليار متر مكعبة هي ما يوجد في المكمن أو ما يمكن استخراجه؟ لا يمكن حسم هذا الموضوع الآن دون إجابة صريحة وواضحة من وزارة الطاقة التركية، إلا أن انتشار رقم يفوق 730 مليار متر مكعبة في اليومين السابقين لإعلان أردوغان في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يوحي أن 320 مليار متر مكعبة هي ما يمكن استخراجه وأن 730 مليار متر مكعبة هي إجمالي الموجود في المكمن. إلا أنه يتوقع صدور إجابة واضحة عن هذا قريباً بسبب تركيز وسائل الإعلام المتخصصة عليها.
ما ترتيب هذا الاكتشاف عالمياً من ناحية الاحتياطيات؟
هذا الاكتشاف مهم نسبيا بالنسبة لتركيا، وسيكون له تأثيرات إيجابية سواء اقتصادية أو سياسية فيها، ولكنه لا يعد من حقول الغاز العالمية العملاقة. بفرض أن ما يمكن استخراجه من هذا الحقل هو 320 مليار متر مكعبة التي أعلن عنها أردوغان، فإن هذا الحقل لن يكون موجوداً في قائمة أكبر 30 حقل غاز في العالم. فحقل "ظهر" المصري ترتيبه 20 عالمياً في حقول الغاز غير المصاحب، وتبلغ احتياطياته حوالي ثلاثة أضعاف الاحتياطيات التي أعلنت عنها تركيا أمس.
هل 3 سنوات كافية لتطوير الحقل؟
قال الرئيس التركي: "فتح الله لنا باباً على موارد لم نرَ مثلها من قبل"، مضيفاً أن "هدفنا هو وضع غاز البحر الأسود في خدمة أمّتنا بدءاً من 2023"، السنة التي ستحيي خلالها البلاد الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. فهل 3 سنوات كافية لبدء الإنتاج؟
بداية، علينا أن نفرق بين أول كميات غاز يمكن أن ينتجها المشروع، وبين تطوير المشروع بالكامل. فيمكن أن نرى بداية تدفق الغاز خلال ثلاثة سنوات، ولكنها ستكون محدودة. أما تطوير المشروع فإنه سيستغرق عدة سنوات بناءً على تقدير الخبراء الذين تحدثت إليهم "الطاقة".
وحذر مسؤولون ومحللون من أن بدء الإنتاج من أي اكتشاف للغاز في البحر الأسود قد يستغرق من 7 إلى 10 سنوات، وسيحتاج إلى استثمار مليارات الدولارات لتشييد بنية تحتية للإنتاج والإمدادات، بحسب ما ذكرته رويترز.
ويقع الكشف التركي الجديد على بعد نحو 100 ميل بحري (185.2 كيلو متر) إلى الشمال من الساحل التركي، إضافة إلى كونه في المياه العميقة (3500 متر من سطح البحر).
ووفقاً لمذكرة من "كابيتال ايكونوميكس" فإن "هناك أسباباً للحذر، سيستغرق إنشاء البنى التحتية اللازمة لاستخراج الغاز وقتاً".
لماذا يصر الرئيس التركي على أن يعلن الإكتشاف بنفسه بدلاً من أن تعلنه الشركة المكتشفة؟
وفقا لما يقوله الدكتور أنس الحجي، مستشار التحرير في “الطاقة”، فإن مشكلة تركيا أنها فقيرة جداً في النفط والغاز، الأمر الذي جعلها تعتمد على استيراد الغاز من إيران وروسيا.
وأضاف في سلسلة من التغريدات عبر موقع تويتر، أن المشكلة تكمن في أن أردوغان يريد أن يتوسع أو يفرض إرادته في المنطقة، وروسيا وإيران ليس لديهما أي مشكلة في استخدام إمدادات الغاز كسلاح لتحجيم تركيا. وحصل هذا سابقاً عدة مرات.
ويضيف: "لهذا فإن موضوع اكتشاف الغاز بالنسبة لأردوغان هو موضوع التحرر من قبضة تحكم إيران وروسيا، وهذا قد يفسر إصراره على الإعلان عن الاكتشاف بنفسه".
من ناحية أخرى، فإن فاتورة واردات الطاقة التركية عالية بكل المقاييس وتستنزف العملة الصعبة من الاقتصاد التركي، حيث بلغت نحو 41 مليار دولار العام الماضي، بحسب بيانات تركية رسمية. هذا الدور الكبير لواردات الطاقة قد يكون سبب آخر يجعل أردوغان يعلن عن الإكتشاف بنفسه.
هل هناك ارتباط بين توقيت إعلان أردوغان عن الاكتشاف والإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا حيث حصلا في الوقت نفسه؟
لا يمكن بأي شكل تجاهل هذا التوقيت، خاصة أن الأخبار عن الاكتشاف تسربت قبل يومين. وهذا التوقيت هو الذي جعل البعض يعتقدون أن أردوغان يحاول أن يجد مخرجاً من مأزق شرق البحر المتوسط وليبيا، وكان هذه الفرصة المثالية له. إلا أن الخبراء المتخصصين بالعلاقات السياسية في المنطقة يعتقدون أن ما يحدث في شرق البحر المتوسط مستقل، وأن الخلاف بين دول المنطقة سيستمر.
ويبقى السؤال المهم.. هل تعتقد أن هذا الكشف حقيقي؟
الإجابة ببساطة شديدة وفقاً لما يقوله الدكتور أنس الحجي، أنه بغض النظر إذا كنت ضد أردوغان أو معه أو على الحياد، فإن عالم النفط والغاز أخذ ما قاله أردوغان ووزير الطاقة التركي على محمل الجد، ولا يوجد أي معلومات تثبت أن ما قاله غير صحيح، خاصة أن الاحتياطيات كانت أقل بكثير مما أشيع.
ويضيف عبر حسابه على تويتر، أن المعلومات التي ذكرها وزير الطاقة التركي تتناسب مع ما هو معروف في صناعة النفط والغاز، وتختلف عن المبالغات التي نشرت في وسائل الإعلام، خاصة أن الاكتشاف حصل في البئر التاسع، وبعد إنفاق مليارات الدولارات.
وأضاف في تعليق خاص بـ "الطاقة"، "إننا سنعرف في نهاية العام مدى صحة تصريحات أردوغان ووزير الطاقة، فتركيا لا يمكنها تطوير هذا الحقل وحدها، وتحتاج إلى شركات النفط العالمية لتطويره، وأخبار هذه العقود لا يمكن إخفاؤها؛ لأن كل هذه الشركات شركات عامة".