بلغ العالم، اليوم السبت، "يوم تجاوز موارد الأرض"، أي التاريخ الذي تكون فيه البشرية قد استهلكت موادّ أكثر من تلك التي يكون الكوكب قادرًا على تجديدها في سنة، في موعد متأخّر، مقارنةً بالسنوات الماضية، بفعل وباء كوفيد-19.
ويرمي هذا التاريخ السنوي الذي تحتسبه، منذ 2003، منظّمة "غلوبال فوتبرينت نتوورك" الأميركية غير الحكومية، إلى تجسيد الاستنفاد المتسارع لموارد الأرض المحدودة، من العدد المتنامي من سكّان الأرض. ولإعطاء صورة توضيحية، سيحتاج العالم، هذه السنة، إلى ما يوازي 160% من موارد الأرض، لتلبية احتياجات السكّان بصورة مستدامة.
ويُحتسب التاريخ من خلال مقاطعة البصمة البيئية للأنشطة البشرية (المساحات البرّية والبحرية اللازمة لإعادة إنتاج الموارد المستهلكة، ولاستيعاب مخلّفات السكّان)، و"القدرة الحيوية" للأرض (قدرة الأنظمة البيئية على التجدّد، واستيعاب مخلّفات البشر، خصوصًا امتصاص ثاني أكسيد الكربون).
وتُبلغ عتبة تجاوز الموارد عندما يتخطّى الضغط البشري قدرات الأنظمة البيئية على التجدّد، مع اقتراب هذا الموعد -سنويًا- منذ نصف قرن: من 29 ديسمبر/كانون الأوّل 1970 إلى 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1980، ثمّ 11 أكتوبر/تشرين الأوّل 1990، و23 سبتمبر/أيلول 2000، و7 أغسطس/آب 2010.
تأخير عن العام الماضي
في العام الماضي، سُجِّل "يوم تجاوز موارد الأرض" في 29 يوليو/تمّوز، وهذا يعني أن 2020 تحمل انفراجًا نادرًا يُعزى مباشرة إلى تبعات الوباء العالمي، الذي شلّ قطاعات برمّتها من الأنشطة البشرية، وأخّر الموعد ثلاثة أسابيع، من دون أن يعكس ذلك أيّ تغيّر بنيوي.
وقال رئيس شبكة "غلوبال فوتبرينت نتوورك"، ماتيس فاكرناغل، خلال مؤتمر عبر الإنترنت، الخميس، وفق وكالة الأنباء الفرنسية: "لا شيء يدعو إلى الاحتفال، لأن هذه النتيجة متأتّية من معاناة، من دون أيّ عمل متعمّد، بل بسبب كارثة". وحذّر من أن "الأمر أشبه بالمال، إذ يمكن للمرء أن ينفق أكثر ممّا يجني، لكن ليس إلى الأبد".
وتشكّل السلوكات التي يضيء عليها "يوم تجاوز موارد الأرض" وتبعاتها موضوع دراسات علمية موثّقة، من الاختلال المناخي إلى الاختفاء الكارثي للأجناس والأنظمة البيئية.
وقد حدّدت أحدث تقارير خبراء الأمم المتّحدة، بوضوح، الاتّجاهات الواجب سلوكها، بما يشمل تقليص انبعاثات الغازات المسبّبة لمفعول الدفيئة، والاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفورية، وإدخال تغييرات جذرية في نموذج الإنتاج الزراعي.
أهداف اتّفاق باريس للمناخ
يتطلّب بلوغ أهداف اتّفاق باريس، الموقَّع سنة 2015، خصوصًا لناحية الإبقاء على الارتفاع الإجمالي لمعدّلات الحرارة "عند مستوى أدنى من درجتين مئويّتين إضافيّتين، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وعند 1,5 درجة مئوية إذا أمكن، يتعيّن خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 7,6% سنويًا"، وفق الأمم المتّحدة.
وبيّنت دراسة نشرتها مجلة "نيتشر كلايمت تشاينج"، مطلع الشهر الجاري، أن التراجع غير المسبوق في انبعاثات غازات الدفيئة، بفعل تدابير الإغلاق خلال وباء كوفيد-19 (ما قد تصل نسبته إلى 8%، بحسب هذه الدراسة، وإلى أكثر من 10%، وفق "غلوبال فوتبرينت")، لن يؤدّي إلى أيّ نتيجة إيجابية على صعيد الاحترار المناخي، في غياب تغيير منهجي على صعيد الطاقة والغذاء.
وتشدّد "غلوبال فوتبرينت نتوورك" على هذه النقطة، خصوصًا عبر حملة "أخّروا الموعد"، مؤكّدةً أن تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتأتّية من مصادر الطاقة الأحفورية، بنسبة 50%، من شأنه تأخير "يوم تجاوز موارد الأرض" أكثر من تسعين يومًا.
ويأمل ماركو لامبرتيني، المدير العامّ للصندوق العالمي للطبيعة -وهي منظّمة شريكة للحدث، منذ 2007- في أن يعمد البشر بعد وباء كوفيد-19، والنقاشات التي أطلقها بشأن النماذج الاجتماعية المعتمدة، إلى "استخلاص العبر التي سلّطت هذه الجائحة الضوء عليها، أي العلاقة غير المستدامة التي نقيمها مع الطبيعة والكوكب، بفعل الإهدار والهدم الذي نلحقه".