خسائر اقتصادية وضحايا بيئية.. ارتفاع قياسي في حرق الغاز الطبيعي
العراق حرق 629 مليار قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي
- حرق الغاز الطبيعي هو حرق كميات من الغاز المصاحب لاستخراج النفط لا يمكن للأنابيب استيعابه
- الزيادة الكبرى في حرق الغاز جاءت من أميركا تلاها فنزويلا ثم روسيا
- تتركز عمليات الإحراق المتزايدة في أميركا في أحواض النفط الصخري مثل "إيغل فورد" بتكساس والحوض البرمي
ارتفع حرق الغاز إلى مستويات لم تشهدها منذ أكثر من 11 عامًا، إلى نحو 150 مليار متر مكعّب، وهو ما يعادل إجمالي استهلاك الغاز السنوي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقًا لبيانات حديثة.
وأرجع تقرير صادر عن البنك الدولي ارتفاع حرق الغاز بنسبة 3%، ليصعد من مستوى 145 مليار متر مكعّب خلال عام 2018، إلى نحو 150 مليار متر مكعّب خلال عام 2019، بسبب ارتفاع الحرق في الولايات المتّحدة وفنزويلّا وروسيا.
وحرق الغاز الطبيعي، هو حرق كمّيات من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، لا يمكن للأنابيب استيعابه، أو لعدم وجود أنابيب أصلًا. وتقول الشركات، إن هذا الإجراء المعروف باسم "الإحراق" أو "الإشعال"، هو الأكثر ملاءمة من الناحية البيئيّة للتخلّص من الفوائض التي لا يمكن بيعها، لأن غاز الميثان لو تُرك دون حرق، كان أخطر على البيئة من الحرق الذي يُنتج غاز ثاني أكسيد الكربون.
الولايات المتّحدة على رأس القائمة
قال التقرير، إن الزيادة الكبرى في حرق الغاز جاءت من الولايات المتّحدة، حيث بلغت الزيادة فيها نحو 23%، وفي الترتيب الثاني جاءت فنزويلّا بنسبة تصل إلى 16%، أمّا روسيا فوصلت نسبة حرق الغاز فيها إلى 9%.
فيما ازداد حرق الغاز في البلدان التي تعاني من قلاقل سياسية من 2018 إلى 2019: في سوريا بنسبة 35%، وفي فنزويلّا بنسبة 16%، على الرغم من تسطيح إنتاج النفط في سوريا، وانخفاضه بنسبة 40٪ في فنزويلّا.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أنّه لا تزال الدول الأربع الأولى التي تحرق الغاز (روسيا والعراق والولايات المتّحدة وإيران) تمثّل ما يقرب من نصف (45%) من جميع عمليات حرق الغاز العالمية، لمدّة 3 سنوات متتالية (2017-2019).
وباستثناء الدول الأربع الأولى، انخفض حرق الغاز بمقدار 9 مليار متر مكعّب (10%)، من 2012 إلى 2019.
وخلال الربع الأوّل من عام 2020، انخفض حرق الغاز العالمي بنسبة 10%، مع انخفاض الحرق في نحو 30 دولة اشتعلت فيها الغازات.
أضرار بيئيّة
ينتج عن حرق الغاز الطبيعي المرتبط باستخراج النفط، بسبب القيود التقنية والتنظيمية أو الاقتصادية، أكثر من 400 مليون طنّ من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون، كلّ عام، ويُهدر موردًا ثمينًا، مع تأثيرات ضارّة على البيئة من انبعاثات غازات الميثان والكربون غير المحترقة.
لماذا يدخل العراق قائمة الأكثر حرقًا للغاز؟
في حرق الغاز المصاحب، يبرز اسم العراق، الذي يحتلّ الترتيب الثاني في حرق الغاز المصاحب في العالم، بعد روسيا، رغم النقص المزمن الذي يعانيه في الطاقة، والانقطاعات المتكرّرة للتيّار الكهربائي التي يعيشها الكثير من المواطنين في العراق، إلّا إن العراق يعدّ ثاني أكبر دول العالم حرقًا للغاز المصاحب للنفط.
وأوضحت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن العراق قام بإشعال 629 مليار قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي، حيث يجري حرق الغاز الطبيعي بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبُنية التحتيّة الأخرى وسط المياه.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن كمّية الغاز التي يشعلها العراق، كافية لإمداد ما لا يقلّ عن 3 ملايين منزل بالطاقة.
وتشير بيانات للبنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدّات جمع الغاز، يؤدّي لحرق وإضاعة 18 مليار متر مكعّب من "الغاز المرتبط بالبترول" سنويًا.
وقدّرت وسائل إعلام عراقية، أن حرق الغاز المصاحب للنفط يكلّف العراق نحو 2.5 مليار دولار سنويًا، أو ما يعادل 1.55 مليار قدم مكعّبة من الغاز يوميًا، أي 10 أضعاف الكمّية التي يستوردها من إيران.
وكان وزير الكهرباء العراقي، لؤي الخطيب، قد قال، إن بلاده ستحتاج بين 3-4 سنوات، لتتوقّف عن استيراد الطاقة من جارتها. ويستورد العراق لأكثر من 80% من صادرات إيران من الكهرباء.
لماذا تدخل أميركا ضمن قائمة الأكثر حرقًا للغاز؟
بحسب بيانات البنك الدولي، فإن إجمالي الزيادة في حرق الغاز المصاحب للنفط تأتي من الولايات المتّحدة، وخاصّةً في طفرة النفط الصخري الأميركي، والتي تُغذّى باستخدام تقنيات التكسير الهيدروليكي، لاستخراج الخام من بين طبقات الصخور.
وتتركّز عمليات الإحراق المتزايدة في الولايات المتّحدة في أحواض النفط الصخري، مثل "إيغل فورد" في تكساس، والحوض البرمي في تكساس ونيو مكسيكو، و"باكن" في داكوتا الشمالية.
ووفقًا لبيانات "ريستاد إنرجي" للاستشارات، ارتفعت وتيرة الحرق في الحوض البرمي 85% خلال العام الماضي، وكان حجم الكمّيات المحروقة في تكساس وحدها، بنهاية عام 2018، أكبر من طلب الولاية بأكملها على الغاز.
تتسبّب الولايات المتّحدة وحدها في نحو 9-10 % من انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة من صناعة النفط والغاز العالمية، حيث تتسبّب عملية "الإحراق" في انتشار جسيمات دقيقة وسموم في الهواء، وثبت أنّها تشكّل خطرًا على البشر.
مشكلة مستمرّة
وقال كريستوفر شيلدون -مدير قطاع الممارسات العالمية للطاقة والصناعات الاستخراجية بالبنك الدولي-: "تشير بياناتنا إلى أن حرق الغاز لا يزال يمثّل مشكلة مستمرّة، حيث تبقى الحلول صعبة، أو غير اقتصادية، في بلدان معيّنة".
وأضاف: "تخلق جائحة وأزمة فيروس كورونا تحدّيات إضافية، مع احتمال تهميش مسائل، كالاستدامة وحماية المناخ. فيجب علينا أن نغيّر هذا الاتّجاه المقلق، وإنهاء حرق الغاز بشكل معتاد مرّة واحدة، وإلى الأبد".
وقال زوبين بامجي -مدير برنامج الصندوق الاستئماني التابع للشراكة العالمية لخفض إحراق الغاز، الذي يديره البنك الدولي-: "يلتزم البنك الدولي والشراكة العالمية بالعمل مع الحكومات والقطاع، لإنهاء هذه المشكلة المستمرّة، من خلال مبادرة الوقف التامّ لحرق الغاز المعتاد بحلول عام 2030". موضّحًا: "تعهّدت أكثر من 80 حكومة وشركة تمثّل أكثر من نصف عمليات الحرق المعتادة في العالم، بإنهاء هذه الممارسة المستمرّة لمدّة 160 عامًا".
هل هناك بدائل لعملية الإحراق؟
بصرف النظر عن نقل الغاز إلى الأسواق عبر خطّ أنابيب، يمكن لمنتجي النفط استخدامه في الموقع مصدرًا للطاقة، أو إعادة ضخّه تحت الأرض، وكلا الخيارين يتطلّب استثمارات، ومع ذلك، تطلب روسيا -مثلًا- من مستثمري النفط الاستفادة من 95% من الغاز الذي يستخرجونه، في حين تحظر نيجيريا ممارسة الإحراق تلك.