عجز الكهرباء.. الظلام يكسو السودان
وزير الطاقة: انتظروا أيّامًا عصيبة.. والماليّة: نتسوّل لإنقاذ القطاع
حازم العمدة
- انقطاع الكهرباء أكثر من 10 ساعات يوميا والعجز يصل إلى 60%
- عدم توافر قطع الغيار وعجز الوقود وتوقف المشروعات أبرز المشكلات
- مشكلات التمويل والنقد الأجنبي تحول دون دخول محطات جديدة الخدمة
- السودان تنتج 2000 ميغاوات والاستهلاك يتجاوز 3000 آلاف ميغاوات
- البنية التحتية للكهرباء ضحية لعقود من الاضطرابات السياسية والفساد
- وزارة الطاقة تعلن توقيع اتفاق مع إثيوبيا للحصول على 3000 ميغاوات
قبل نحو أسبوع، خرج وزير الطاقة والتعدين السوداني المكلّف، خيري عبد الرحمن، بتصريح نزل كالصاعقة على السودانيّين، قال فيه: "انتظروا أيّامًا عصيبة في إمدادات الكهرباء".. ولم يكد المواطنون يتعافون من آثار الصدمة، حتّى أطلقت وزيرة الماليّة المكلّفة، هبة محمد علي، تصريحًا أقلّ ما يوصف به أنّه صادم ومثير للأسى، تعليقًا على أزمة توفير الطاقة الكهربائية في البلاد.
جاء في تصريح الوزيرة، الذي نقله موقع (روسيا اليوم): "نضطرّ نمشي نسأل المانحين، وتقريبًا نشحذ من كلّ البلدان، لتساعدنا في حلّ مشكلة الكهرباء"، التي تشلّ الحياة اليومية للمواطنين والقطاعات الإنتاجية والصناعية.
ليس هذا فحسب، بل زادت هبة السودانيّين من الشعر بيتًا، وكأنّهم استفاقوا من سيل الإعلانات والتصريحات القاتمة، بقولها: "السودان يعاني من أجل توفير الكهرباء، ويشحذ العالم لمساعدته لحلّ المشكلة، في وقت تخبّئ قيادات النظام السابق أموالها للمنفعة الشخصية".
المتابع لهذين التصريحين -وهما غيض من فيض- سيدرك -للوهلة الأولى- حجم المأساة التي يكابدها قطاع الكهرباء في السودان.. من عدم توافر قطع الغيار بسبب شحّ النقد الأجنبي، ونقص زيت الوقود اللازم لتشغيل المحطّات، إلى عدم دخول المحطّات تحت الإنشاء للخدمة - مثل محطّة قري 3، ومحطة بورتسودان بطاقة 800 ميغاواط- لأسباب مختلفة، منها مشكلات التمويل، والنقد الأجنبي، حسبما أفادت صحيفة التغيير السودانية.
زيت الوقود
وتبلغ الطاقة التخزينية لزيت الوقود الخاصّ بمحطّات التوليد الحراري في الخرطوم، 100 ألف طنّ، حيث تستهلك المحطّات الحرارية في الخرطوم 2000 طنّ يوميًا. معنى ذلك أن التخزين بطاقته الحاليّة يكفي تلك المحطّات لمدّة 50 يومًا، ناهيك عن أن لكلّ محطّة من محطّات الولايات طاقتها التخزينية.
وزارة الماليّة ضاعفت أسعار الوقود 500%، وعجز وقود الفيرنس مازال قائمًا
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة التغيير عن مصادر، قولها: إن "زيت الوقود غير متوافر في الخرطوم، ما يثير الدهشة، لأن وزارة الماليّة ضاعفت أسعار الوقود خمس مرّات، وما زالت محطّات الوقود تتلوّى حولها صفوف طالبي الوقود، فإذا كان ما تجنيه الماليّة من بيع المواد البترولية قد زاد بنسبة 500%، فما الذي يعنيه شحّ الوقود، وتكدّس الصفوف؟!".
كما تتساءل الصحيفة السودانية: " لماذا لا يوجد زيت الوقود، رغم أهمّيته الآن للتوليد الحراري، ونحن في فصل الخريف؟!"
وما يزيد الأمور تعقيدًا أنّه في فترة الخريف يقلّ توليد الخزّانات، و يجري التعويض بالتوليد الحراري. ونظرًا لعدم جاهزية المحطّات الحرارية، يحدث عجز في إنتاج الكهرباء، مع ارتفاع الطلب، ومن ثمّ تتعرّض البلاد لانقطاعات متكرّرة وممنهجة، (قد تمتدّ لعشر ساعات أو أكثر يوميًا)، لتخفيف الضغط على الشبكة، وتوزيع الكهرباء على مختلف المناطق.
وفي 29 يونيو/حزيران، قال خيري عبد الرحمن -الذي كان وكيلًا لقطاع الكهرباء وقتها- في شرح مكتوب لوضع الإمداد في البلاد، إن التغطية تصل الى 73.5% من أعلى طلب عند الذروة.
وأوضح أن "عجز وانقطاعات الكهرباء في البلاد، يعود الى أن حجم الطاقة المنتجة حاليًا، هو 2.220 ميغاواط، مقارنةً بارتفاع الطلب من جانب المستهلكين إلى نحو ٣٠٢٠ ميغاواط".
ومنذ ذلك الحين، ينتظر القطاع التمويل المطلوب لشراء الوقود، وصيانة الكثير من الأعطال، بينما أجبر ضعف المكوّن الأجنبي القطاع على الحدّ الأدنى من التشغيل.
قطاع الكهرباء يفقد 476 ميغاواط جراء فيروس كورونا
وكشف خيري أن ما فقده القطاع بسبب جائحة كورونا، بلغ 476 ميغاواط، نتيجة لعدم اكتمال الصيانة، واستكمال تشييد بعض المشروعات.
الاضطرابات السياسية
كلّ ذلك يأتي وسط اضطرابات وتجاذبات سياسية بين فلول نظام انهار بالإطاحة بالرئيس السوداني، عمر البشير، وبين نشطاء الديمقراطية الذين يسعون لتأسيس نظام قائم على الشفافية والكفاءة، بما يكفل ضبط الإيقاع السياسي والاقتصادي والخدمي، لاسيّما أن البُنية التحتية وقطاعات مؤثّرة، مثل الكهرباء، عانت طويلًا من الإهمال وعدم القدرة على تلبية احتياجات البلاد من الطاقة.
وكانت قوّات الدعم السريع السودانية، قد أعلنت، مؤخّرًا، ضبط محطّتي توليد كهرباء (صناعة ألمانيّة) في مخازن القيادي بالنظام البائد، عبد الباسط حمزة، بالمنطقة الصناعية في مدينة الخرطوم بحري شمالي العاصمة. وتعمل المحطّتان بطاقة 16 ميغاواط، وهي طاقة تكفي لإنارة مدينة كاملة من مدن السودان، خارج شبكة الكهرباء السودانية.
ومع تزايد الطلب على الكهرباء، خصوصًا في الفصول الساخنة، يواجه السودان عجزًا متصاعدًا في الكهرباء جراء تدنّي الإنتاج، فالبلد الذي خرج لتوّه من نظامٍ عُرِف بالفساد الإداري والمالي، بحاجةٍ ماسةٍ إلى بناء محطاتٍ جديدة، لكن محلّلين في مجال الطاقة يقولون، إن هناك حلًا طارئًا بتشغيل محطّة قري (3) بالخرطوم بحري، بجانب إصلاحات جذريّة في شركات الكهرباء.
محطّة قري (3) حلم لم يتحقّق بعد، بسبب التحدّيات السياسية والتمويلية
ولمعرفة مصدر محطّة قري (3)، يلزمنا العودة إلى الوراء في عام 2015، عندما شارك السودان ضمن تحالف عاصفة الحزم للحرب في اليمن مع المملكة العربية السعودية، حيث منحت الأخيرة حكومة البشير المخلوع محطّة "سيمنس" ألمانيّة، تحتوي على خمس مكائن لإنتاج (935) ميغاواط/ساعة، بواقع (187) ميغاواط للماكينة الواحدة.
وانقسمت هذه المحطّة إلى عدّة أجزاء، بعد وصول ثلاث مكائن إلى مجمّع قري للتوليد الحراري بالخرطوم بحري، قبل خمسة أعوام، بينما ظلّت ماكينتان في بورتسودان، بعد وصولهما إلى البلاد عام 2015.
وتعدّ قري (3) محطّة إسعافية، فهي لا تحتمل التشغيل اليومي، وتنتج في المرحلة الأولى (561) ميغاواط، بتشغيل ثلاث مكائن، وترتفع إلى (935) ميغاواط بعد تركيب ماكينتين إضافيّتين، لترتفع إلى خمس مكائن، كما صرّحت مصادر هندسية لصحيفة "ألترا سودان".
وتستهلك الماكينة الواحدة 45 طنًا من الوقود (ديزل ووقود ثقيل) في الساعة، ومن ثمّ، مع العجز الذي يواجه السودان في المشتقّات النفطية، فإن تلبية استهلاك المحطّة من الوقود يعدّ مستحيلًا في الوقت الراهن، وهو ما يدفع وزارة الطاقة إلى البحث عن حلول أخرى غير متوافرة، في ظلّ بقاء السودان ضمن قائمة الإرهاب، وهي قائمة تمنع حصوله على تمويل من البنك الدولي.
فور وصول المكائن الثلاث، تعاقدت الحكومة السودانية مع شركة تركيّة لتركيبها وتشغيلها، إذ إن المملكة العربية السعودية تكفّلت بدفع مصروفات (85) % من قيمة التركيب، على أن يتحمّل السودان الـ15 % المتبقّية.
وكان وزير الطاقة السابق، عادل إبراهيم، قد تعهّد لمجلس الوزراء، في نهاية العام الماضي، بتشغيل محطّة قري (3) خلال ثلاثة أشهر، أي بحلول نيسان /أبريل، لكنّه لم يعلن هذه المعلومات وفق دراسات ميدانية لعملية تركيب المحطّة التي تسير ببطء شديد، بجانب توقّف الشركات عن الإجراءات الفنّية المتعدّدة لتوصيل "الكابلات" الأرضيّة إلى المحطّة، وتركيب خزّانات عملاقة للمياه، بالإضافة لتركيب اللوحات الإلكترونية، وكلّ هذه الإجراءات الفنّية -بحسب مهندسين وفنّيين من محطّة قري- لم تُنجز حتّى الآن.
ومع الوضع الحكومي الذي كان سائدًا وفوضويًا في عهد البشير- حسبما أفادت صحيفة سودان تربيون- لم يمض المشروع قُدمًا، لأن الوحدات الحكومية دائمًا ما كانت تلجأ إلى التلاعب في تكاليف التشغيل والصيانة ومصروفات الوقود وقطع الغيار، كما إن الشركة التركيّة نفسها لم تكن مؤهّلة لتركيب المحطّة الألمانيّة الصنع، لأنّها استُقدمت بوساطة نافذين في نظام المخلوع، حصلوا بموجب هذه الصفقة على آلاف الدولارات.
توقّف المشروع
وبعد سقوط النظام، وتشكيل الحكومة الانتقالية، واجهت الشركة التركيّة اتّهامات بالفساد، والحصول على صفقات مشبوهة، بوساطة لجنة تفكيك التمكين، واضطرّت إلى إيقاف العمل في تركيب محطّة قري(3).
وفور تشكيل الحكومة الانتقالية في أيلول/سبتمبر الماضي، حضر فريق ألماني إلى العاصمة السودانية، نهاية العام الماضي، موفدًا من شركة سيمنس الألمانيّة، بتدخّل من الحكومة الألمانيّة لتقديم مساعدات فنّية للسودان في مجال الطاقة.
بيد أنّه لم يتمكّن من إتمام المشروع، وصرح وزير الطاقة آنذاك، عادل إبراهيم، في مايو/أيّار، بأن ألمانيا أجلت رعاياها في السودان، وبينهم فريق سيمنس، ضمن تدابير الوقاية من جائحة كوفيد-19، و من ثمّ توقّف العمل في تركيب محطّة قري (3).
الخرطوم تسعى لسدّ الفجوة باستيراد الكهرباء من مصر وإثيوبيا
ولمواجهة هذه الأزمة، يصارع السودان للحصول على الطاقة وسدّ العجز، باللجوء إلى دولتي إثيوبيا ومصر، ولا يتجاوز حجم الطاقة المستوردة من البلدين (250) ميغاواط، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد 3 آلاف ميغاواط للقطاع السكني، وإنتاجها حاليًا أقلّ من1900 ميغاواط.
حتّى إذا حاول السودان استيراد كمّياتٍ كبيرةٍ من الكهرباء من مصر -مثلًا- فإنّه مطالبٌ بتوسيع الشبكة الناقلة، لتتحمّل زيادة الطاقة، وهو ما عجز عنه النظام السابق، الذي اتّفق مع القاهرة، عام 2017، على استيراد (500 ) ميغاواط/ساعة يوميًا، وتناقص حاليًا إلى (50) ميغاواط/ساعة في الوقت الراهن، لأن البُنية التحتيّة للشبكات الناقلة في السودان غير مصمّمة لتحمّل استيراد نسبة كبيرة من الطاقة، وهذا المشروع الحيوي يحتاج إلى تمويل ضخم غير متوافر للحكومة السودانية.
سدّ النهضة
ولعل هذا ما دفع وزير الطاقة والتعدين السوداني المكلّف، خيري عبد الرحمن، إلى الخروج بتصريح قبل أيّام، لتهدئة المواطنين الغاضبين، حيث أعلن عن اتّفاقية بين السودان وإثيوبيا، تقضي بتوفير ٣٠٠٠ ميغاواط من الكهرباء لبلده، كما أضيفت اتّفاقية جديدة إقليمية، تشمل خمس دول، سيحصل بموجبها السودان على ١٠٠٠ ميغاواط، بأقلّ تكلفة، وفقًا لوكالة الأنباء السودانية (سونا).
وبالرغم من الخلافات والتوتّرات الإقليمية الشديدة بشأن سدّ النهضة وأخطاره، لاسيّما على مصر، رأى خيري في منتدى اقتصادي حول قضايا المياه، نظّمته قناة سودانية، أن ارتفاع منسوب المياه بعد قيام سدّ النهضة، سيعود بفائدة كبيرة على السودان، خاصّةً في مجال الكهرباء، لأنّها تتيح إمكان زيادة السدود الحاليّة.
وطالب خيري وزارة الريّ والموارد المائيّة بإلغاء سدود كجبار ودال والشريك، مؤكّدًا أن هذه مطالب ثورية، يجب تنفيذها.
وكان مراقبون قد قالوا: إن الخرطوم لن تتأثّر بشكل كبير من بناء سدّ النهضة، كما هو الحال في مصر، مشيرين إلى أنّها ستستفيد من السدّ للحصول على الكهرباء الرخيصة، وتقليل الفيضانات، لكنّهم أثاروا المخاوف بشأن تشغيل السدّ وسلامته، وقالوا، إنّه قد يعرّض السدود السودانية للخطر.
انقطاعات ممنهجة
وفي ظلّ تفاقم عجز الكهرباء، عادت مرّة أخرى الانقطاعات الممنهجة، التي ينفّذها قطاع الكهرباء في الخرطوم والولايات، بدءًا من حزيران/يونيو، لنقص الإمدادات اليوميّة بنسبة (500) ميغاواط، وتتراوح فترة الانقطاعات في الأحياء والأسواق ما بين ثلاث و أربع ساعات يوميًا.
وتتمثّل المشكلة التي تواجه محطّات التوليد الحراري في مجمّع قرّي بالخرطوم بحري، في أنّها لا يمكن أن تعمل بكفاءة عالية في وقتٍ واحد، وتضطرّ الفرق الهندسية والفنّية بالمحطة إلى إخراج بعض المحطّات من الخدمة بغرض الصيانة، ومن ثمّ يتأثّر الإنتاج اليومي.
واضطرّت السلطات، في مايو/أيّار الماضي، بالتزامن مع شهر رمضان، إلى تشغيل جميع المحطّات، لمقابلة الطلب المتزايد في الكهرباء، خاصّةً مع ارتفاع درجات الحرارة، واستمرار الحظر الكلّي لتفادي فيروس كورونا.
هروب الاستثمارات الأجنبية بسبب وجود السودان بقائمة الإرهاب الأميركية
ويقدَّر التمويل الألماني لصيانة المحطّات الحرارية وغرف التحكّم المركزية بـ(26) مليون دولار، حيث أبدت شركة سيمنس الألمانيّة، فور سقوط نظام البشير، استعدادها لبناء محطّات الطاقة، والاستثمار في هذا المجال، لكن ما يمنع تقدّم هذا المشروع هو بقاء السودان في قائمة الإرهاب الأميركية، ومن ثمّ هناك مخاوف من أن تطال العقوبات الشركات التي تستثمر في السودان، بحسب ما صرّح الرئيس الألماني، الذي زار العاصمة السودانية، مطلع العام الحالي، موضّحًا أن السودان يحتاج إلى الخروج من هذه القائمة على وجه السرعة، للاقتراب من الاستثمارات الأجنبية.
شركة نرويجية
وفي محاولة لتجاوز الأزمة، قال مسؤول رفيع بشركة النفط الوطنية في السودان (سودابت)، أمس السبت، إن المفاوضات مستمرّة مع إحدى الشركات النرويجية لبناء محطّة توليد حراري للكهرباء، بتكلفة تصل إلى 800 مليون دولار تقريبًا.
وأوضح مدير الشركة، أيمن أبو الجوخ، لـ "سودان تربيون"، أن مقترح المشروع وتصميمه وضعته (سودابت)، بمشاركة إحدى الشركات الألمانية.
وأردف قائلًا: " لكن المفاوضات لاتزال تجري مع الشركة النرويجية، التي قدّمت عرضًا متكاملًا لتمويل وتنفيذ المشروع، بتكلفة تصل إلى 800 مليون دولار ".
وأضاف: "لدينا عدد من المتطلّبات الأساسية لتوفيرها من جانبهم، لم تكتمل بعد، أهمّها التمويل".
وقبل خمسة أشهر، وقّعت سودابت مذكّرة تفاهم مع الشركة النرويجية، التي لم تذكر اسمها، بناءً علي عرضها لتمويل وتنفيذ هذا المشروع، للاستفادة من الغاز المحترق في مناطق البترول، في مربّعات 4 و 6، بعد عمل خطوط أنابيب للغاز من الحقول المذكورة، وتشييد محطّة لمعالجة الغاز، تنتج 3 أنواع من الغاز، تشمل غازًا لتشييد وتشغيل محطّة بسعة 460 ميغاواط في منطقة الفولة، وإنتاج 350 طنّ يوميًا من غاز الطهو، إضافة إلى إنتاج 3000 برميل غاز مكثّف، يُستخدم في المصفاة، لزيادة إنتاج البنزين.
وقال أبو الجوخ: " ذلك هو تصميم المشروع الذي وضعته سودابت مع شركة ألمانيّة، ومازالت المفاوضات جارية مع الشركة النرويجية وغيرها، حتّى تستوفي المتطلّبات الفنّية والماليّة".
وذكر أن الشركة النرويجية، بمعيّة شركات عالمية كبيرة، قدّمت عرضًا متكاملًا وجرى قبولها، لكنّها غيّرت تلك الشركات على نحو مفاجئ، "ولا نزال في مرحلة تقييمها فنّيًا، ودراسة العرض المالي".
وكشف أبو الجوخ عن دراسة تجري حاليًا في فرنسا، تكتمل مع نهاية العام الحالي، لتأكيد كمّية المخزون من الغاز، واستدرك بالقول:" إذا لم تكتمل تلك الدراسة، لن يبدأ تنفيذ المشروع".
وكان موقع "أفريكا إنتلنجس" قد قال، إن شركة جنرال إلكتريك ستدخل السودان عبر شراكة مع شركة نرويجية لبناء محطّة توليد حراري سعة 460 ميغاواط، وإن الولايات المتّحدة أعطت الضوء الأخضر لهذا الاتّفاق في لقاء بين وزير الطاقة المستقيل، عادل علي إبراهيم، ونائبة رئيس البعثة في السفارة الأميركية في الخرطوم، إيلين ثور بورن.
السودان بدأ استخدام أوّل مولّد للكهرباء عام 1908، بعد 25 عامًا من اختراعه بوساطة العالم الأميركي فارادي
في تأريخ الكهرباء في السودان توجد محطّات لا بدّ من الوقوف عليها. ففي عام 1908 كان استخدام أوّل مولّد للكهرباء بقدرة 100 كيلوواط في الخرطوم، أي بعد 25 عامًا من اختراع العالم الأميركي فارادي لأوّل مولّد للكهرباء، بقدرة 10 كيلوواط في عام 1882 .
وفي عام 1925، تأسّست شركة النور، بقدرة 3 ميغاواط، ثمّ تحوّلت بعد الاستقلال، عام 1956، إلى الإدارة المركزية للكهرباء و المياه.
وفي عام 1982 تأسّست الهيئة القومية للكهرباء، التي جرى حلّها، عام 2010، و تكوين وزارة الكهرباء و السدود. و كانت كهرباء السودان متقدّمة على كلّ دول الجوار، و لا زالت ذكرى مديرها العامّ، قلندر، في الستّينات متداولة، مثالًا للصرامة والإدارة الناجحة، و كان مهندسوها هم من تكفّلوا بإرساء دعائم الكهرباء في الخليج العربي.
مصادر إنتاج الكهرباء
في هذه الفترة من العام، أي ما بعد الشتاء و قبيل الصيف، تكون قد تمّت الصيانة السنوية لوحدات توليد الكهرباء الحرارية، التي تبدأ منذ بداية العام، نسبة لقلّة استهلاك الكهرباء في الشتاء و يكون التوليد في هذه الفترة معتمدًا على التوربينات المائية.
وقبيل موسم الخريف، يصل التوليد المائي إلى حدّه الأدنى، ثمّ تتوقّف التوربينات لعمل الغسيل لإزالة الطمي من مداخل عنفاتها، حتّى تكون التوربينات جاهزة لتوليد الكهرباء بعد الفيضان، وامتلاء بحيرات السدود. لذلك فإن سدّ مروي، الذي يولّد 1250 ميغاواط، به توربين معطّل، و توليده حاليًا أقلّ من ذلك، بسبب نزول مستوى بحيرته.
كذلك سدّ الروصيرص الذي يولّد 240 ميغاواط، يكون توليده حاليًا أقلّ، وسدّ أعالي نهر عطبرة و ستيت بطاقة 320 ميغاواط، لا يولّد ذلك طوال العام، لأنّهما نهران موسميّان، و خوفًا من تفريغ بحيرته مع توليد الكهرباء، فقد تقرّر أن تعمل بعض توربيناته في وقت الذروة فقط، مع أن التوربينات المائيّة مصمّمة للعمل 24 ساعة يوميًا!
وحفاظًا على الريّ، يقلّ التوليد في سدّ خشم القربة، وطاقة توربيناته المائيّة 18.5 ميغاواط، و كذلك الحال في سدّ سنار الذي طاقته 15 ميغاواط، وهما سدّان تأسّسا للريّ أكثر من توليد الكهرباء.
محطّات التوليد الحراري
أمّا عن محطّات توليد الكهرباء الحرارية، فالوضع بها بالغ الصعوبة. ففي محطّة توليد كهرباء بحري الحراريّة، توقّفت الوحدتان الأولى والثانية ( 30 ميغاواط لكلّ وحدة) عن العمل، بسبب عدم توافر قطع الغيار في الأولى، وانفجار الغلّاية في الثانية، والوحدتان الثالثة و الرابعة ( 60 ميغاواط لكلّ وحدة) تعملان بنصف طاقتهما، و كانت الوحدة الرابعة قد خرجت من الصيانة السنوية قبل فترة وجيزة، حيث شهدت حريقًا في محوّل مولّدها الرئيس، و تبيّن أن نظام رشّاشات إطفاء الحريق به لا يعمل آليًا. وبالنسبة للوحدتين الخامسة و السادسة ( 100 ميغاواط لكلّ وحدة )، توجد الخامسة في الصيانة، والسادسة قد عادت من الصيانة، و لكن بطاقة قصوى 60 ميغاواط، وكلّ الوحدات تعمل بزيت الوقود الثقيل (الفيرنس).
وبجانب ذلك، توجد 6 توربينات غازيّة ( 25 ميغاواط لكلّ توربين)، و لكنّها تعمل في أوقات الذروة، لغلاء زيت الوقود الخفيف (الجازولين) الذي تعمل به.
أمّا محطّة توليد كهرباء قري 1 و 2، فبها 4 بلوكات لتوربينات الدورة المزدوجة الغازيّة و البخاريّة، بقدرة مركّبة تعادل 400 ميغاواط، و3 توربينات غازيّة بقدرة 75 ميغاواط، و هي تعمل بغاز البترول.
أمّا محطّة قري 3، فقد توقّف العمل في مشروعها، الذي يحتوي على ثلاثة توربينات غازيّة، بقدرة 187 ميغاواط لكلّ توربين، و هي تعمل بزيت الوقود الثقيل أو الخام. و أمّا محطّة قري 4، ففيها توربينتان بخاريّتان، بقدرة 55 ميغاواط لكلّ منهما، و تعملان بوقود الفحم البترولي المنتج من مخلّفات مصفاة الخرطوم، و لكنّهما متوقّفتان عن الخدمة.
وفي محطّة توليد كهرباء أم دباكر، هناك أربع وحدات بخاريّة، بقدرة 125 ميغاواط لكلّ وحدة، و بها الوحدة الرابعة متعطّلة لاهتزازات عالية في التوربين، و الوحدات تعمل بزيت الوقود الثقيل. أخيرًا، محطّة توليد كهرباء الفولة، بطاقة كهربائية تعادل 405 ميغاواط، و لم يكتمل بناؤها منذ عشرة أعوام، بسبب الفساد في الكهرباء.
60% عجز
هذه هي كلّ محطّات توليد الكهرباء المائيّة و الحراريّة التي تضمّها شبكة الكهرباء القومية. يقول مركز التحكّم في أحمال شبكة الكهرباء، إن الطاقة التوليدية الحاليّة تعادل 2000 ميغاواط، وإن العجز يصل أحيانًا إلى 60 % من الموجود، وإن الربط الكهربائي مع إثيوبيا يعادل 100 ميغاواط، و مع مصر صفرًا، وإن المطلوب هو الارتقاء بالطاقة التوليدية إلى 3 آلاف ميغاواط.
وسعى المسؤولون في الكهرباء إلى التوليد الخاصّ المكلف، و جرى الاتّفاق مع شركة كارباورشيب التركيّة لتغذية بورتسودان من سفينة توليد الكهرباء، بطاقة 150 ميغاواط، و كذلك التعاقد بنظام البوت مع شركة تركيّة لتغذية الكهرباء في مدن دارفور (نيالا، والفاشر، والضعين، والجنينة) و مدن كردفان (النهود، و كادوقلي) و قد هدّدت الشركتان بقطع الكهرباء، لعدم سداد الحكومة لمستحقّاتهما الماليّة.
وبالرغم من أن السودان كان سبّاقًا في توليد واستهلاك الكهرباء بين الدول المجاورة، إلّا أنّنا نجد أن طاقة توليد الكهرباء في المملكة العربية السعودية تعادل 70 ألف ميغاواط، و في مصر 40 ألف ميغاواط، بينما لا تصل في السودان إلى 3 آلاف ميغاواط.