تعرفة الطاقة المتجدّدة تهدّد الاستثمار في أوكرانيا
الشركات تحذّر من أزمة تؤدّي إلى موجة من حالات الإفلاس
حذّرت شركات الطاقة العاملة في قطاع الطاقة المتجدّدة بأوكرانيا من أزمة تؤدّي إلى موجة من حالات الإفلاس، تؤثّر على القطاع المصرفي، بعد محاولات الحكومة -وبأثر رجعي- خفض تعرفة الطاقة الخضراء الجاذبة، التي جرى إدخالها في عام 2008، لتعزيز الاستثمار في هذا القطاع، وقد حقّقت المبادرة نجاحًا كبيرًا.
وبدأ الاستثمار بالفعل في عام 2019، عندما ضخّت شركات الطاقة المحلّية الرائدة والمستثمرون الأجانب ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال الأوكرانيين 4.5 مليار دولار، في بناء محطّات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، في جميع أنحاء البلاد.
وشهد قطاع الطاقة المتجدّدة في أوكرانيا ازدهاراً، مع اندفاع المستثمرين للاستفادة من التعرفة الجمركية السخيّة، وارتفعت الطاقة من مصادر الطاقة المتجدّدة إلى 6328 ميغاواط في نهاية العام الماضي، من 981 ميغاواط قبل بضع سنوات فقط، مع ظهور أكبر زيادة في محطّات الطاقة الشمسية.
بدأ كلّ شيء مع سوق الكهرباء الجديد، الذي جرى إطلاقه في منتصف عام 2019، ولم يكن البلد مستعدّاً له من الناحية الفنّية أو القانونية، والنظام يتعثّر بسبب تزايد الديون التي تتراكم بين جميع الجهات الفاعلة في السوق، بالإضافة إلى ذلك،عند افتراض مقدار التعرفة الجمركية التي من شأنها أن تغطّي الطاقة الخضراء، خفضت الحكومة الإنتاج الحقيقي إلى النصف تقريباً.
وقالت ألاينا سفيدرسكا، مديرة الأعمال في شركة سكاتك سولار النرويجية -وهي واحدة من أكبر المستثمرين في قطاع الطاقة الخضراء في أوكرانيا-: "كان من الممكن تجنّب الديون المستحقّة للمنتجين، إذا استخدمت الحكومة (هيئة تنظيم الطاقة الوطنية) الأرقام الصحيحة.
بداية المشكلات والخلافات
وضعت الحكومة الأوكرانية ميزانية لشراء 4 غيغاواط من الطاقة الخضراء، من جميع هذه الشركات، ولكنّها ستُنتج قرابة 7 غيغاواط هذا العام، وبموجب شروط التعرفة، يجري تثبيت سعر الطاقة على حدّ سواء، والدولة مُلزمة بشراء جميع القدرات التي تنتجها هذه الشركات، وهنا بدأت المشكلات.
أضافت سفيدرسكا: "لا تملك الدولة أيّ أموال، والنظام الذي أقامته لا يعمل".
كان المستثمرون في وضع حرج، عندما اقترحت الحكومة في فبراير/شباط الماضي، تخفيض التعريفات الخضراء بشكل كبير، علاوة على ذلك، تكون بأثر رجعي.
وعلّقت لجنة طاقة رادا عدّة مرّات، بأنّها تريد خفض التعرفة بنسبة من 30 % إلى 50%، في حين أن المستثمرين مستعدّون لإجراء خفض بنسبة 15%، طالما أن الاتّفاقيات بين المستثمرين والدولة تطول أيضًا، وكذلك لتسريع المشروعات تحت المزادات، والخلاف لا يتعلّق بالأسعار فحسب، بل أيضاً بإمكان التنبّؤ.
والدافع وراء اللجنة هو أن أوكرانيا لديها عادةً دعم تكاليف الطاقة للسكّان، وكجزء من المفاوضات الأخيرة، بشأن اتّفاق صندوق النقد الدولي، أصرّ المقرض المتعدّد الأطراف على أن تتضاعف تكلفة الغاز على الأسر 3 مرّات، لجعلها تتماشى مع الأسعار الدولية، ولكن كان لا بدّ من جرّ الحكومة إلى تقديم هذا التنازل في نهاية المطاف، ووعدت الحكومة الأوكرانية برفع تكلفة الغاز المنزلي في الربيع فقط.
من يقدّم المزيد من التنازلات لتفادي الأزمة؟
أضافت سفيدرسكا، قائلة: "إن المستثمرين مستعدّون لخفض الرسوم الجمركية، إلى درجة أنّها تغطّي قروضهم، على الأقلّ".
وهنا تعلّق الخلاف، مع عدم استعداد أيّ من الجانبين لتقديم المزيد من التنازلات. وفي الأسابيع القليلة الماضية، تصاعدت التوتّرات مع نفاد الوقت.
إذا لم يكن هناك اتّفاق وتشريع جديد، فقد تكون هناك أزمة في السلطة. وتحتاج الشركات إلى اتّفاق جديد لعرضه على مصارفها، حيث إن العديد منها قد اقترض أموالاً لمشاريعها، وستكون هناك موجة من التخلّف عن السداد، وبعض المستثمرين الأصغر قد يخسرون كلّ شيء، بما في ذلك منازلهم.
وقد استأجر معظم المستثمرين بالفعل محامين، للنظر في التحريض على إجراءات التحكيم ضدّ الحكومة، وأرسلت مجموعة تمثيلية رسالة إلى صندوق النقد الدولي، تدعو أكبر مانح لأوكرانيا إلى التوسّط، حيث أدّى الخلاف إلى إظهار صورة الاستثمار في أوكرانيا بشكل سيّئ.
الأسعار والوعود
شركة سكاتك سولار تعدّ مثالًا جيّدًا على نوع المستثمر الذي تحتاج أوكرانيا إلى جذبه، إذا كانت ستبدأ عملية التنمية المستدامة، على المدى الطويل.
وتركّز الشركة على استثمارات الطاقة المتجدّدة في الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم، وبصرف النظر عن استثمار صغير واحد في جمهورية التشيك، كانت محطّتها للطاقة الشمسية الأوكرانيّة أوّل استثمار أوروبّي كبير لها - مزرعة للطاقة الشمسية بقدرة 320 ميغاواط.
وبموجب اتّفاق التعرفة الخضراء الأوكرانيّة، وعدت الحكومة بدفع 0.15 يورو لكلّ كيلوواط ساعة.
ولكن، علاوةً على ذلك، عليك أن تضيف تكلفة رأس المال. في أوروبّا يمكنك الاقتراض بنسبة 1-2٪، ولكن في أوكرانيا تكلفة رأس المال هي أكثر مثل 8٪، ومن ثمّ، فإن المشاريع هي قرابة ضعف تكلفة تشغيلها في أوروبّا الغربية"، وتقول ألاينا سفيدرسكا -مديرة الأعمال في شركة سكاتك سولار النرويجية-، هذا يعني أن التعرفات ليست سخيّة كما قد تبدو أوّلاً".
بشكل عامّ، تقدّر سفيدرسكا أن تكلفة إنتاج الطاقة في أوكرانيا، تبلغ قرابة 1000 يورو لكلّ كيلوواط، مقابل قرابة 600 يورو لكلّ كيلوواط في أوروبّا، بمجرّد أخذ هذه التكاليف الإضافية في الاعتبار.
والسعر ليس سوى جزء من الصفقة. وممّا له نفس القدر من الأهمّية الضمانات لشراء الطاقة التي يجري إنتاجها، والتي تسمح للمستثمرين بالاقتراض مقابل وعد الإنتاج عند إعداد مشاريعهم. ولم تقترح الحكومة خفض الرسوم الجمركية فحسب، بل إنّها لا تعتزم أيضاً تمديد هذه الضمانات في ظلّ النظام الجديد الذي تقترح وضعه.
ديون متزايدة ..وتلويح بالاتّجاه للتحكيم
وقد بلغ الخلاف ذروته في مارس/آذار، عندما توقّفت الحكومة ببساطة عن دفع ثمن الطاقة التي كانت تتلقّاها من المنتجين الخضر تماماً.
وتضيف سفيدرسكا، الحكومة تدير ديوناً بملايين يورو، والكثير من الشركات الآن في حالة تخلّف تقني عن قروضها، هذه الديون والتدابير التشريعية ذات الأثر الرجعي المحتملة، قد تؤدّي إلى الاتّجاه للتحكيم .
ويُعزى توقّف المدفوعات إلى فشل الإصلاحات الأوكرانيّة لقطاع الطاقة، التي تمّ تصميمها لخلق سوق للسلطة، وجرى إطلاقها في منتصف عام 2019. بحسب وزير الطاقة بالإنابة، أولغا بوسلافيتس. هناك مليار دولار مدفوعات متأخّرة للمنتجين الخضر.
وإذا لم يُحلّ هذا الخلاف، فستتكبّد الحكومة أكثر من مليار دولار سنويًا من الخسائر، من الدعاوى القضائية مع منتجي الطاقة الخضراء
وقال أوليغ جراموتنكو -المدير العامّ لشركة تيسلا للطاقة، وهي مستثمر كبير للطاقة الشمسية والكتلة الحيوية في أوكرانيا- في مؤتمر صحفي لوكالة أنباء إنترفاكس الأوكرانيّة " إن أكثر من نصف المستثمرين في مجال الطاقة المتجدّدة يتفاوضون بالفعل مع شركات المحاماة الدولية، فيما يتعلّق بإعداد دعاوى قضائية ضدّ دولة أوكرانيا ،و 9 أشهر من المحادثات حول التعرفة الخضراء، لم تسفر عن حلّ وسط .
أسباب تأخّر المدفوعات للشركات
جزء من سبب التأخير في المدفوعات، هو الارتباك في سوق الطاقة الجديدة، وعلى الرغم من أن غاربوك مسؤولة عن تسديد المدفوعات، فإن ميزانيّتها تحدّدها وزارة الطاقة، التي لها القول الفصل. وعلاوة على ذلك -وبفضل التعديلات التي أجراها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي- كان هناك ثلاثة وزراء للطاقة هذا العام ، ويشكو المستثمرون من الفوضى في الوزارة، التي لم تتمكّن من التركيز على العملية.
وكذلك لجنة الطاقة في رادا -وهي الهيئة المسؤولة عن وضع أيّ تشريع جديد- لم تشارك في المفاوضات بين المستثمرين والوزارة، باستثناء حضور اجتماع واحد.
وقالت سفيدرسكا، إن ممثّلي لجنة الطاقة لم يشاركوا في التعاون. لقد اقترحوا تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50-30%، ولكن عندما سألناهم، كيف وصلوا إلى هذا العدد، قالوا فقط: "إنّه تقريب جيّد".
وأضافت، إن إصلاحات قطاع الطاقة كانت سابقة لأوانها، ولم يجرِ التفكير فيها بشكل صحيح، تمّ إنشاء هيئات الدولة، ولكن النظام لم يكن جاهزًا من الناحية الفنّية.
سياسة السلطة
تسعي أوكرانيا إلى زيادة الاستثمار لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، وتحتاج البلاد حاليًا إلى قرابة 40 مليار متر مكعّب من الغاز سنويًا، لتشغيل اقتصادها، ولكنّها تنتج فقط قرابة 20 مليار متر مكعّب من حقول الغاز الخاصّة بها. أمّا الباقي، فينبغي استيراده، وهذا مكلف أيضاً، كما أنّه يفتح أوكرانيا أمام الضغوط التي تمارسها روسيا، التي هي المصدر النهائي لمعظم هذا الغاز.
"لم تكن هناك أزمة طاقة مثل هذه"، تقول سفيدرسكا. "هناك قرابة 600 شركة لا تستطيع خدمة قروضها. نحن بحاجة إلى اتّفاق جديد (على أساس حلّ وسط مع المستثمرين) في بعض التشريعات الجديدة المعمول بها في غضون ثلاثة أسابيع، ونحن بحاجة إلى أن يصادق عليه الرئيس لتحقيق ذلك. والحلّ لا يتعلّق فقط بخفض التعرفات الجمركية، بل يتعلّق بإصلاحات معقّدة في سوق الطاقة".