نكسة لترمب بعدما أفقدته محكمة أميركية ورقة ضغط نفطية كبرى
تعرّض أحد المشاريع التي يدعمها الرئيس دونالد ترمب إلى نكسة كبيرة، يوم أمس، حيث رفضت محكمة استئناف أميركية في كاليفورنيا تعليق حكم محكمة أدنى بوقف بناء أنبوب النفط المثير للجدل «كيستون إكس إل». وكان ترمب قد أحيا المشروع بعد أن أوقفه سلفه الرئيس باراك أوباما لأسباب بيئية. وبقرار المحكمة هذا يفقد ترمب ورقة ضغط مهمّة في أسواق النفط.
وقالت المحكمة في الحكم، إن المستأنفين، الممثّلين في سلاح المهندسين بالجيش وشركة "تي سي إنيرجي"، "لم يثبتوا احتمالية كافية للنجاح في الأسس الموضوعية والاحتمالية لضرر لا يمكن إصلاحه، من أجل تبرير خطّ الأنابيب"
وسعى المستأنفون إلى وقف الحكم الصادر في 15 أبريل / نيسان، عن رئيس المحكمة الجزئية الأميركية، بريان موريس، من محكمة المقاطعة في مونتانا، والذي ألغى ما يسمّى بـ"التصريح البيئي رقم 12"، الذي يسمح بأعمال حفر لوضع خطوط الأنابيب في قاع البحيرات التي تقع في طريق الأنبوب.
وقال موريس آنذاك، إن الجهات المسؤولة عن بناء خطّ الأنابيب لم تتشاور بشكل كافٍ مع إدارة الأسماك والحياة البرّية الأميركية، بشأن المخاطر التي تتعرّض لها كائنات مهدّدة بالانقراض وساكنو المنطقة، عندما جدّدت التصريح في عام 2017، وذلك للسماح للوكالة بمواصلة الترخيص بإنشاء خطّ أنابيب جديد "يمكن أن يضرّ بشدّة" بالحياة البيئيّة. مؤكّدًا أن الإدارة لم تأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ عوامل، مثل انخفاض أسعار النفط، واحتمال حدوث تسرّب، أو غازات مسببة للدفيئة في إطار المشروع.
ومنذ طرح المشروع، وهو يواجه اعتراضات كبرى تصل إلى حدّ التظاهرات من أنصار حماية البيئة، بسبب آثاره المحتملة. وتقاضي جماعات حماية البيئة ومكافحة التغيّر المناخي المشروع، منذ أن أقرّته إدارة ترمب، بعد تولّيه الرئاسة عام 2017، حيث عارضته إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما. ويقول المدافعون عن البيئة، إن النفط الرملي يأتي من القار، وأيّ انفجار للأنابيب أو تسرّب منها يحمل مخاطر كبيرة على الصحّة والسلامة والبيئة، كما أن الإدارة الأميركية السابقة كانت تقول، إن الأنابيب الرابطة بين رمال النفط الكندي في المصافي الأميركية، لن تسهم في تخفيض أسعار المحروقات، وإنّها ستسهم في الانبعاثات المرتبطة بالاحتباس الحراري.
وبعكس الخام التقليدي الذي يندفع إلى الخارج من آبار النفط، فإن النفط الرملي يجري الحصول عليه إمّا بحفر حفر ضخمة شبيهة بالمناجم، ثمّ نقله إلى أماكن تجهيزه، حيث يجري تسخينه بالبخار لتسييله، أو حفر آبار يجري تسخينها لسهولة انسياب النفط، ثمّ استخراجه. الأمر الذي ينتج عنه بحيرات ضخمة من الماء الملوّث، التي يؤدّي انسيابها إلى تدمير الغابات.
ويعدّ الحكم الجديد أحدث انتكاسة لخطّ أنابيب "كيستون إكس إل"، الذي ظلّ معلّقًا منذ عام 2008. وبحسب مخطّط المشروع، كان من شأن "كيستون" أن ينقل نحو 830 ألف برميل يوميًا من النفط الكندي الثقيل، من ألبرتا إلى المصافي والموانئ على خليج المكسيك في الولايات المتّحدة، عبر وصلات في الغرب الأوسط الأميركي.
وأجهض الرئيس أوباما المشروع المقدّر بقيمة 8 مليارات دولار، بسبب مخاوف بالبيئة والتغيّر المناخي ، لكن ترامب أعاد إحياءه بعد شهرين فقط من تولّيه الرئاسة، في عام 2017.
وقال تيري كونها، المتحدّث باسم شركة "تي سي إنيرجي"، إن الشركة أصيبت بخيبة أمل من قرار المحكمة "الذي سيتسبّب في ضرر غير ضروري لمشاريع البُنية التحتية الحيوية للطاقة، في جميع أنحاء الولايات المتّحدة". مضيفًا، إن شركته ستراجع جدول أعمال البناء لعام 2020، ومؤكّدًا أن الشركة وحكومة ألبرتا "ملتزمان بالمشروع".
- مستهدفات كبرى:
وجدير بالذكر أنّه بينما اعتمد أوباما على تحليل لوزارة الخارجية الأميركية، رأى أنّ المشروع «لا أهمّية له للمصلحة القوميّة للولايات المتّحدة»، ليوقف بناء الأنبوب في عام 2015... فإن ترمب يرى أن المشروع سيخفض من درجة اعتماد الولايات المتّحدة على واردات النفط الأجنبي، وأنه سيوفر الآلاف من فرص العمل.. رغم أن مراجعة أجرتها الإدارة الأميركية أظهرت أن عدد الوظائف الدائمة، فور اكتمال المشروع، سيصل إلى 35 فقط.
ولا تقتصر المكاسب المستهدفة لإدارة ترمب من إتمام خطّ أنابيب "كيستون إكس إل" على فرص العمل أو تقليص الواردات بشكل يتعلّق بالاقتصاد.. لكنّها تمتدّ إلى أهداف جيوسياسية، إذ إن النفط الكندي الوارد يماثل جزءًا كبيرًا من النفط الذي تستورده الولايات المتّحدة من السعودية والكويت والعراق، وبهذا، فإن جزءًا من الزيادة -إن لم يكن كلّها- سيكون على حساب الحصّة السوقيّة لهذه الدول. كما إنّه يسمح "تقنيًا" للإدارة الأميركية بوقف وارداتها النفطية من دول الشرق الأوسط كـ"إجراء عقابي" حال الحاجة إلى ذلك، أو كـ"ورقة ضغط" على كبار اللاعبين في منظّمة "أوبك"، من أجل التدخّل لتعديل أوضاع الأسواق في حالات ارتفاع الأسعار الشديد، أو هبوطها بشكل كبير.
وإضافة إلى ما سبق، فإن فشل إتمام خطّ الأنابيب قد يدفع كندا إلى البحث عن بديل، والأقرب هو أن شركات صينية لديها بالفعل خطط لبناء أنبوب لغرب كندا، وشحن النفط من هناك بالسفن إلى الصين والدول الآسيوية الأخرى، هذا الأمر من شأنه أن يُفقد الولايات المتّحدة السيطرة على هذه الإمدادات لصالح الصين.
- اعتراضات متواصلة:
وعلى مدار السنوات الماضية، تسبّب المشروع في خروج الألاف في مظاهرات تعارض خطّ الأنابيب في عهد أوباما، بينما قام المئات من أبناء القبائل الهندية، وخاصة من السيكوس والأباتشي، بإقامة اعتصام في موقع إنشاء الخطّ، الذي يعدّ بالنسبة للقبائل الهندية مكانًا مقدّسًا أيضًا. وبعدها تضامن معهم الألاف من نشطاء الدفاع عن البيئة والتراث، وأيّدهم عدد من الممثّلين والمشاهير، إضافة إلى عدد من الجنود القدامى في الجيش الأميركي.
ولم تتوقّف المظاهرات إلّا بعدما صدر قرار من المحكمة الفيدرالية بمنع مدّ الخطّ البترولي، وهو ما أيّده أوباما بقرار رئاسي تنفيذي، يضع قيودًا على عمليات التنقيب ومدّ خطوط الأنابيب في المنطقة.
وعقب إعلان ترمب إحياء المشروع، دعا النشطاء في تويتر لعودة التظاهرات من جديد في كيستون، وهو ما عُرف باعتصام الصخرة، وقال عدد من النشطاء، إن كلّ ما عملوا من أجله طوال شهور، ذهب هباء. فيما قال أخرون في تويتر، إنّهم مستعدّون لمعركة جديدة مع قوّات الأمن التي استخدمت في السابق مدافع المياه والرصاص المطّاطي ضدّ المتظاهرين.