حلم الصومال النفطي.. هل يرى النور؟
بعد ثلاثة عقود من الحرب الأهلية المدمّرة
- الحكومة تروج لتراخيص تنقيب في سبعة مربعات نفطية بحرية
- مؤسسة (تي جي إس): المربعات السبعة تحوي نحو 30 مليار برميل نفط
- سن قانون جديد للنفط وتوقيع اتفاقية لتقاسم الإيرادات بين الولايات
- وزير النفط الصومالي: نسعى لأن نكون أهم مناطق استخراج النفط بشرق إفريقيا
- الوزارة توقع خريطة طريق مع شل وإكسون موبيل تمهيدا لعودتهما للاستثمار في الصومال
- محكمة العدل تفصل في نزاع بحري بين الصومال وكينيا ما يوفر بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار
- 104 مواقع بها كميات نفط هائلة محتملة تمتد على 90% من مساحة البلاد
بعد ثلاثة عقود من الحرب الأهلية، التي دمّرت الأخضر واليابس، وجعلته من بين أفقر دول العالم، يجدّد الصومال جهوده لجذب الاستثمارات النفطية، أملًا في أن تساعد أيّ اكتشافات نفطية في انتشال البلاد من حالة العوز الاقتصادي والفقر المدقع، ليصبح بلدًا واعدًا، يستطيع الوقوف على قدميه، وبناء اقتصاد قوي مزدهر.
في فبراير/شباط، سنّ الصومال قانونًا جديدًا للنفط، بعد أشهر قليلة من توقيع اتّفاقية لتقاسم الإيرادات بين ولاياته، والذي ينظّم تقاسم الإيرادات المستقبلية من تطوير الصناعة بين الحكومة الفيدرالية والولايات والمجتمعات المحلّية. وتعدّ هذه خطوة تاريخية، من شأنها أن توفّر إمكان التنبّؤ والموثوقية والشفافية لشركات النفط والغاز والمستثمرين الراغبين في إبرام اتّفاقات مع الحكومة الصومالية.
ليس هذا فحسب، بل قرّر الصومال اتّخاذ خطوة أكثر جرأة، الأسبوع الماضي، في ظلّ جراح صناعة الطاقة العميقة التي تنزف في مختلف أرجاء العالم، فقد أطلق أوّل جولة ترويجية لمنح تراخيص استكشاف في سبع مربّعات (بلوكات) نفطية بحريّة، في الوقت الذي يسعى فيه لإحياء حلم الحصول على النفط.
وفي ندوة نظّمتها وزارته عبر الإنترنت، قبل أيام، قال وزير النفط عبد الرشيد محمد أحمد، إن بلاده قرّرت المضيّ قدمًا في خطّتها، رغم "الظروف العالمية الصعبة"، مشيرًا إلى أنّها شهدت "اهتمامًا كبيرًا" من شركات النفط في الأشهر الأخيرة.
وبحسب أحمد، يمكن للشركات النفطية تقديم عطاءاتها من 4 أغسطس/آب إلى 12 مارس/آذار 2021.
الصومال هي واحدة من آخر المناطق الحدودية الواعدة للاستكشاف على مستوى العالم، بيد أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي تعلّق فيه دول أخرى خططها الاستثمارية في هذه الصناعة، بسبب انهيار أسعار النفط، جراء تفشّي وباء الفيروس التاجي المستجدّ (كورونا).
ومن هذا المنطلق، يرى وزير النفط الصومالي أن هذا "يوفّر الإطار الأمثل لخلق الاهتمام بعرض العطاءات الصومالية عام 2020، بحيث يمكن أن يصبح الصومال من أهمّ مناطق استخراج النفط البحري قبالة شرق إفريقيا ، وسط اهتمام من شركات النفط والغاز الكبرى".
المربّعات السبعة المطروحة للتنقيب من قبل الصومال، هي الكتل 152 و 153 و 164 و 165 و 177 و 178 و 204.
وكانت الوزارة تأمل في الأصل في عرض 15 مربّع نفط بحري في جولة التراخيص الحاليّة. لكن مصادر قالت، إن العدد انخفض مع بدء عدد من شركات النفط تقليص مشروعاتها الاستثمارية، بسبب انهيار الأسعار العالمية.
30 مليار برميل
وتشير تقديرات شركة (تي جي إس) الجيوفيزيائية، التي تجري اختبارات البيانات الزلزالية لهذه التراخيص، إلى أن هذه المربّعات الخمسة عشر الأصلية تحوي نحو 30 مليار برميل نفط.
فرص الاستكشاف والتنمية الدولية هائلة، وهو ما دفع مقديشو إلى الالتزام بجذب الاستثمار وتعزيز الشراكة والأعمال في جميع القطاعات المرتبطة بصناعة النفط والغاز.
ومن ثمّ، يعدّ هذا الحدث هو نقطة البداية التي تسمح للحكومة الصومالية بعرض رؤيتها لصناعة البترول والغاز للمستثمرين الأجانب المحتملين بشكل أفضل.
بدأ الاستكشاف في الصومال في الخمسينات من القرن الماضي، حيث خرجت شركات شل وإكسون موبيل وإيني وشيفرون بحفنة من المربّعات التي يُتوقّع أنّها تحوي كمّيات واعدة من النفط.
ومع ذلك، أدّت بداية الحرب الأهلية إلى توقّف أنشطة الحفر والاستكشاف البحري والبرّي.
ولكن في أوائل مارس/آذار، وافقت الوزارة على خريطة طريق أوّلية مع شل وإكسون موبيل، ما يمهّد الطريق لعودتهما إلى الاستثمار النفطي في الصومال.
وتركّز خريطة الطريق على تحويل الامتيازات، التي جرى التوصّل إليها منذ سنوات عديدة، إلى اتّفاقيات جديدة لتقاسم الإنتاج، وفقًا لقانون النفط الذي جرى توقيعه مؤخّرًا.
وتتطلّع الشركتان -اللتان كان لديهما مشروع مشترك في البلاد قبل عام 1991، عندما بدأت الحرب الأهلية بعد الإطاحة بالدكتاتور محمد سياد بري- الآن للمطالبة بالحقوق التراثية للامتيازات التي كانت ممنوحة لهما، حيث توقّف العمل بسبب الصراع.
وفي وقت سابق من العام الماضي، توصّلت الصومال إلى اتّفاق مع شل وإكسون موبيل بشأن الإيجارات والرسوم الأخرى المستحقّة للحكومة، فيما يتعلّق بالمربّعات البحريّة التي وُضعت تحت ظروف قاهرة خلال الحرب الأهلية.
المبالغ صغيرة، حيث لا تتعدّى 1.7 مليون جنيه إسترليني، تغطّي الفترة 1991-2018، لكن وزير النفط الصومالي كان حريصًا على تسليط الضوء على توزيع الدفعة الأولى، كونها دليلًا على أن اتّفاقية تقاسم الإيرادات مع الولايات تسير بنجاح.
وقتذاك، أكّد أحمد أن الاتّفاقية ستقدّم عائدات النفط المستقبلية إلى المؤسّسات غير الفيدرالية، بنسبة أعلى من أيّ اتّفاقية مماثلة في أماكن أخرى من العالم، مضيفًا، إنّها وفّرت "أساسًا منصفًا وجدولًا لتطوير الصناعة، ما حقّق أوسع دعم ممكن عبر الدولة".
النزاع الصومالي الكيني
وفي تطوّر آخر من شأنه أن يساعد في تهيئة بيئة استثمار آمنة وجاذبة ومستقرّة، من المقرّر أن تفصل محكمة العدل الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني في نزاع حدودي بحري بين الصومال وكينيا. وقالت الحكومة الصومالية، في سبتمبر/ أيلول، إنّها ستقبل حكم المحكمة، في الوقت الذي تسعى فيه كينيا لتأجيل البتّ في هذه القضية.
بيد أن الخلاف اشتدّ، عندما تضمّنت خريطة جولة التراخيص الأوّلية لمقديشو المربّعات الصومالية في المنطقة المتنازع عليها. ولتهدئة التوتّرات، أزالت الحكومة الصومالية جميع المساحات في المنطقة المتنازع عليها من خطّة التراخيص المطروحة.
وكان الإعلان عن البدء فعليًا في حفر آبار نفط برّية منتجة في الصومال، من قبل تكتّل من ثلاث شركات استكشاف في وادي نوغال وطرور، بداية فعلية لعصر النفط في الصومال، بالرغم من تأخّر تحقيق ذلك الإنجاز.. تواردت الأنباء مرّة أخرى عن البدء في أعمال حفر آبار إنتاجية للنفط، في إقليم أرض البنط ـ شمال شرق البلاد، إلى ساحة الأحداث الصومالية، وهي الثروة النفطية الهائلة الكامنة في جوف الأرض الصومالية، والتي تحدّث عنها الخبراء مرارًا على مدى القرن العشرين، منذ التقرير الأوّل الذي رفعته، دائرة المحميّات إلى الحكومة البريطانية، بخصوص تسرّب نفطي من صخور جنوب مدينة بربرة، وذلك في عام 1912.
وقد استمرّ الحديث في أروقة كبرى الشركات نفطية، حول الإمكانية الكبيرة لوجود احتياطيات نفطية كبيرة، تؤدّي إلى إنتاج اقتصادي مربح للنفط في مناطق شتّى، رغم أن تلك الأحاديث كانت تعلو وتخبو بعوامل خارجية، مرتبطة بأسعار النفط، وتغيّرات الظروف الإقليمية، ومرتبطة أشدّ الارتباط بتوجّهات الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتي كانت متّفقة على الأهمّية الإستراتيجية للنفط في المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي المهمّ، والبعيدة كذلك عن تعقيدات منطقة الخليج، ومخاطر إغلاق مضيق هرمز لسبب أو لآخر، في ظلّ حالة التوتّر المستمرّ الذي تحياه تلك المنطقة بشكل مستمرّ منذ العقود الثلاثة الأخيرة.
وقد كان النجاح الذي تحقّق في إنتاج النفط بكمّيات اقتصادية مهمّة لدى جمهورية اليمن المجاورة، دافعًا للتأكيد على أهمّية الأحواض الجيولوجية في القرن الإفريقي، نظرًا لكون الأحواض المنتجة للنفط والغاز في اليمن امتدادًا لها، ومرشّحًا ذلك منطقة خليج عدن ومحيطها، لأن تكون بحيرة نفطية لا تقلّ أهمّية عن بحر قزوين ومحيطه.
مزايا استخراج النفط من الصومال بكمّيات اقتصادية:
- اتّساع الرقعة الجغرافية للبلاد، وتنوّع التشكيلات الجيولوجية المرتبطة بأحواض إنتاج فعلية في المنطقة، يشير لإمكان توفّر مخزونات نفطية هائلة.
- طول السواحل والشكل الطولي للبلاد، يجعل كلفة نقل النفط عبر الأنابيب إلى الموانئ، من الحقول المكتشفة، أمرًا قليل التكلفة.
- وقوع سواحل البلاد على بحار مفتوحة، كخليج عدن و المحيط الهندي، يقدّم ميزة غير متوافرة في منطقة الخليج أو البحر الأحمر أو بحر قزوين.
- موقع البلاد على الممرّات المائية التجارية الرئيسة، يجعل نقل النفط أكثر اقتصادية، شرقًا وغربًا وجنوبًا.
- النجاح في بناء بُنية تحتيّة ملائمة لصناعة النفط، يتيح للبلاد لكونها منصّة تصدير لنفط إثيوبيا وجنوب السودان.
التنقيب عن النفط
تنطوي الأراضي الصومالية على مئة وأربعة مواقع، تحمل احتمال وجود النفط أو الغاز أو كليهما، لاحتوائها على طبقات رسوبية ملائمة، وتمتدّ تلك المواقع والأحواض على 90% من مساحة البلاد، في الوقت الذي تتنوّع فيه تلك الأحواض في تركيبها الطبقي والبنوي، فالصومال تحتوي على سماكات كبيرة من الطبقات الرسوبية تصل إلى ثلاثين ألف قدم، منتشرة على طول البلاد وعرضها، بما في ذلك طبقات رسوبية دلتوية/بحريّة من العصر الجوراسي والطباشيري.
تحتوي البلاد على صخور خزان مسامية وعالية النفاذية، كالتكوينات العدسية للصخور الكلسية والحجر الكلسي المرجاني، والصخر الرملي، ما يُظهر إمكان وجود صخور منشأ للنفط والغاز الطبيعي، ومصائد للنفط متعدّدة الأحجام، وبالرغم من أن بلاد الصومال تحمل إمكانات هائلة من النفط و الغاز، فإن ذلك يبقى مفتقرًا للبحث والدراسة.
وقد تمّ استكشاف الإمكانات النفطية للبلاد على ثلاث مراحل، حتّى وقت البدء بالتقييم الذي موّله البنك الدولي، في نحو 54 بئرًا تمّ حفرها، كانت في غالبيتها آبارًا برّية، بمعدّل بئر لكلّ 10.000 كيلومتر مربّع، وتلك كثافة ضئيلة نسبيًا لأعمال الحفر، وقد لوحظت مؤشّرات عديدة على وجود للنفط و الغاز، ولكن لم يتحقّق أيّ اكتشاف على مستوى تجاري.
وقد تعرّضت أنشطة الاستكشاف للتوقّف في الفترة 1977-1979. وبذلت الحكومة المزيد من الجهود لتتجدّد أعمال الاستكشاف في عام 1978، عبر جذب شركات النفط الأجنبية، وبحلول عام 1979، لم تتحقّق إلّا نتائج هامشية لدى اثنتين من الشركات، واركو في حوض مدغ، وتكساكو في لامو، حيث تفاوضت كلتا الشركتين مع الحكومة الصومالية للحصول على امتياز الاستكشاف والتنقيب، كلٌّ على حدة، في عام 1979.
وبالرغم من أن أعمال الاستكشاف والتنقيب الابتدائية قد جرى تنفيذها في الصومال فعليًا، بدءًا من عشرينات القرن العشرين، إلًا أنّها أخذت شكلًا جدّيًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في الصومال البريطاني والصومال الإيطالي السابقين.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في نهاية هذا العرض لمسيرة البحث الصومالية عن النفط المليئة بالأشواك والعقبات: هل يرى حلم الصومال النفطي النور؟ أم أن هذه الجهود المضنية من جانب الحكومة ستراوح مكانها، وتضاف إلى سجلّ المحاولات السابقة الفاشلة، لتعود مقديشو مجدّدًا إلى المربّع الأوّل؟