هل تستيقظ أسواق النفط من كابوس امتلاء الخزّانات؟
مع تخفيض الإنتاج وتخفيف الإغلاق وزيادة الطلب
- 4 ملايين برميل يوميا زيادة في مخزونات النفط في مايو مقارنة بـ10 ملايين برميل في أبريل
- التخفيضات الطوعية بقيادة السعودية خطوة مهمة للقضاء على تخمة المخزونات وإنعاش الأسعار
- "كايروس إس أيه إس": الأسواق تستعيد بعض التوازن وتتجنب الأسوأ
- خبير: تراجع المخاوف من وفرة المعروض والمخزونات
السعودية تعلن تخفيضات طوعية لإنتاج النفط بدءًا من أوّل يونيو بمقدار مليون برميل يوميًا.. وتعهّدات إماراتية وكويتية بخفض إضافي للإنتاج بإجمالي 180 ألف برميل يوميًا.. وتوقّعات بانخفاض إنتاج النفط من أكبر مناطق الإنتاج بروسيا 15% هذا العام، أي بنحو 4 ملايين برميل يوميًا.. كلّ ذلك، بالإضافة إلى سريان التخفيضات التي اتّفق عليها تحالف أوبك+ بنحو 9.7 مليون برميل يوميًا، وكذلك تخفيضات طوعية من دول نفطية أخرى..
تهدف هذه الخطوات -في المقام الأوّل- إلى القضاء على تخمة المعروض في الأسواق العالمية، التي تفاقمت مع انخفاض حادّ في الطلب على الوقود بسبب جائحة فيروس كورونا المستجدّ.
وبالرغم من أن أسواق النفط في وضع صعب للغاية، فإن كابوس امتلاء خزّانات النفط عالميًا، والذي تصوّره كثير من الخبراء الشهر الماضي، بدأ يتوارى، مع عودة الحياة شبه الطبيعية في كثير من أرجاء العالم، واضطرار كثير من البلدان إلى إعادة فتح المدن والاقتصادات، مع الاحتفاظ بتدابير الوقاية من فيروس كورونا المستجدّ.
يخشى القائمون على صناعة النفط من أن يؤدّي تدفّق الخام غير المرغوب فيه إلى امتلاء خزّانات العالم، حيث انهار الطلب على الوقود بسبب الفيروس التاجي.. وبمجرّد إصابة "جدار التخزين"، سيضطرّ المنتجون إلى موجة فوضوية من عمليات إغلاق محتملة ضارّة في آبار النفط.
ولكن في الأيّام الأخيرة، هدأت المخاوف بعض الشيء، حيث بدأ الطلب الآن في الزحف إلى الأعلى، مع تخفيف الحكومات لعمليات الإغلاق، ما سمح للسائقين بالعودة إلى الطرق والاستئناف التدريجي لأنشطة الحياة اليومية.
وبالرغم من وجود فائض كبير- ما دفع المملكة العربية السعودية إلى الإعلان عن تخفيضات إنتاج إضافية، الإثنين- فقد تراجع خطر بلوغ سعة خزّانات النفط حدّها الأقصى.
تجنّب الأسوأ
وفي هذا السياق، يقول أنطوان هالف -كبير المحلّلين في مؤسّسة (كايروس إس أيه إس) لبيانات واستشارات الطاقة- في تصريحات لشبكة بلومبرغ، إنّه يبدو أن إشارات الأسعار، أعملت سحرها وتمكّنت الأسواق من استعادة بعض التوازن، أوعلى الأقلّ تجنّب الأسوأ".
في بعض المواقع الحرجة، مثل الهند وكوريا الجنوبية، كان انخفاض سعة التخزين إلى أقصى حدّ كابوسًا مرعبًا. وتضاءلت مساحة التخزين في مركز الخام الأميركي في كوشينغ، بأوكلاهوما، ما أدّى إلى انهيار سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون الصفر لفترة وجيزة الشهر الماضي، لأوّل مرّة في التاريخ.
وفي أماكن أخرى، يجري استخدام ناقلات النفط خزّانات عائمة لاستيعاب الفائض على نطاق لم يسبق له مثيل. وعندما كانت التخمة في ذروتها الشهر الماضي، جرى الضغط على كلّ شيء، من خطوط الأنابيب إلى عربات السكك الحديدية في الخدمة كوعاء.
وسط تخمة المعروض وتراجع الطلب، لم تعد المشكلة التي تؤرّق مضاجع تجّار النفط هي الحصول على شحنات نفط بأسعار مغرية، بقدر ما تتمثّل في معاناة البحث عن مكان للتخزين، مع امتلاء الكثير من مرافق التخزين التقليدية، واقتراب أخرى من الامتلاء.
يكافح تجّار النفط للعثور على ما يكفي من أماكن تخزين غير تقليدية، مثل السفن وعربات السكك الحديدية والكهوف وخطوط الأنابيب، حتّى لا يستيقظوا على كابوس، مثل "الإثنين الأسود"، الذي دفع بأسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون الصفر، لأوّل مرّة في التاريخ الأميركي، وهو ما يعود في المقام الأوّل إلى تخمة المخزون، وهو ما يجبر التجّار على الدفع للمشترين مقابل تخليصهم من النفط.
وكان الطلب على النفط ومنتجاته قد انخفض بنسبة تصل إلى 30٪، حيث طلبت الحكومات في جميع أنحاء العالم من المواطنين البقاء في منازلهم، لمنع انتشار الفيروس التاجي، ما أوقف الطائرات والسيّارات وغيرها من وسائل الانتقال. لكن العالم لا يزال يعجّ بإمدادات النفط.
تباطؤ التخمة النفطية
ولكن في الوقت الحالي، تشير تقديرات مؤسّسة كايروس إلى أن التخمة النفطية حول العالم تتباطأ، وقد تكون على وشك التراجع للمرّة الأولى منذ يناير/ كانون الثاني.
وزادت المخزونات العالمية بمقدار 4 ملايين برميل يوميًا في الأسبوع المنتهي في 3 مايو/ أيّار، مقارنةً بنحو 10 ملايين برميل يوميًا في أبريل/ نيسان. وبدأت دولة، مثل الصين التي كانت أول من فرض تدابير الإغلاق، في سحب من مخزونات النفط الكبيرة، مع عودة الحياة شبه الطبيعية، وإعادة الفتح الجزئي للاقتصاد.
وفي ظلّ هذه التطوّرات، انتعشت أسعار النفط العالمية بنحو 50٪ في الأسبوعين الماضيين، حيث تُتداول الآن بالقرب من 30 دولارًا للبرميل في لندن، مع تزايد الطلب بعض الشيء وتخفيض المعروض.
ولعل الأهمّ من ذلك، أن الفرق في أسعار عقود النفط الآجلة للتسليم في الأشهر المقبلة آخذ في الانخفاض، ما يشير إلى أن التدافع المحموم للتخزين قد تباطأ.
وتقلّص الخصم على خام برنت للشهر الأوّل، مقابل العقد لمدّة ستّة أشهر، بنسبة 40٪ تقريبًا في الأسبوعين الماضيين إلى حوالي 4.50 دولار للبرميل، وفقًا لبيانات بورصات عقود النفط الآجلة.
وفي هذا الإطار يقول نوربرت رويكر -رئيس قسم الاقتصاد لدى مؤسّسة (يوليوس باير غروب) في زيوريخ: "لقد بدأت المخاوف بشأن وفرة المعروض في سوق النفط والتخزين في التراجع".
وهذه وجهة نظر يشاركها الكثيرون في السوق الفعلية، حيث يجري شراء وبيع الشحنات الفعلية للخام الذي يُكرَّر بعد ذلك إلى وقود، مثل البنزين والديزل.
زيادات تدريجية في الطلب
تحوّل التركيز من الخوف بشأن امتلاء الخزّانات إلى زيادات تدريجية في الطلب، مع إعادة تشغيل بعض الشركات، والسماح لسائقي السيّارات بالمزيد من الحرّية، وفقًا للعديد من التجّار.
ولعلّ هذا ما دفع مؤسّسة غولدمان ساكس للخدمات المالية والاستثمارية- التي حذّرت في أواخر أبريل/ نيسان من أن سعة التخزين العالمية ستصل إلى الحدّ الأقصى في غضون أسابيع- إلى التراجع عن ذلك التوقّع، بقولها، إن الأسوأ في هذه المرحلة قد ولّى بالفعل.
وتظهر الخطوات التي قامت بها شركات مثل شيفرون وكونوكو فيليبس لخفض الإنتاج، أنّها وصلت إلى نقطة التشبّع بالفعل.
ويقول جيف كوري -رئيس قسم أبحاث السلع في غولدمان ساكس-: "لم يتمكّنوا من العثور على شخص يأخذ هذا النفط".
وفيما يعكس حجم الأزمة، قال أوليفييه جاكوب -المدير الإداري لشركة (بتروماتريكس جي إم بي اتش) لاستشارات الطاقة-، لم نعد في بيئة نستطيع فيها استخدام أيّ دلو لتخزين النفط الخام".
وكانت مؤسّسة (ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس)، قد توقّعت مؤخّرًا أن تكون خزّانات النفط في أنحاء العالم كافّةً، ممتلئة بنحو 2.97 مليار برميل، بزيادة قدرها 270 مليون برميل منذ بداية العام، وهو أعلى مستوى منذ عام 2017.
وترى مؤسّسة كبلير إس أيه إس الفرنسية أن خزّانات العالم النفطية بها 3.5 مليار برميل، وهناك سعات إضافية لنحو 902 مليون برميل في كلّ أرجاء العالم.
تعميق التخفيضات
ولمواجهة تخمة المعروض، اتّفقت أوبك وحلفاؤها بقيادة روسيا، الذين يشكّلون ما يعرف بمجموعة أوبك+، في أبريل/ نيسان، على خفض إنتاج النفط بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا، لشهري مايو/ أيّار ويونيو /حزيران، وهو خفض قياسي.
ليس هذا فحسب، بل قال أربعة مصادر في أوبك+ لرويترز، الثلاثاء، إن منظّمة أوبك وحلفاءها يريدون الحفاظ على تخفيضات النفط الحاليّة إلى ما بعد يونيو /حزيران، وهو موعد الاجتماع المقبل لأوبك+، لتعزيز الأسعار والطلب اللذين تضرّرا بشدّة من جائحة فيروس كورونا.
وبالرغم من أن تعهّد السعودية غير المتوقّع، الإثنين، بتعميق تخفيضات الإنتاج في يونيو / حزيران بنحو مليون برميل يوميًا يعكس حجم وفرة الإمدادات الذي لا يزال يتعيّن معالجته، فهو يؤكّد أنّه مازال بالإمكان احتواء هذه الأزمة.
وانضمّت دولة الإمارات العربية والكويت إلى السعودية، وتعهّدتا بتخفيضات جديدة في إنتاجها في يونيو، بإجمالي 180 ألف برميل يوميًا. وصعدت أسعار النفط بدعم من إعلانات التخفيضات غير المتوقّعة، التي صدرت عن المنتجين الخليجيين الثلاثة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في النهاية: هل توقظ هذه التحرّكات والتطوّرات -في نهاية المطاف- أسواق النفط من كابوس امتلاء خزّانات النفط، الذي يؤرّق مضاجع صناعة الطاقة بأسرها، لتستعيد السوق توازنها تدريجيًا؟