معارك أميركية شرسة على هامش قضيّة "خفض الإنتاج"
سكك حديد تكساس تميل إلى معارضة نظام "الحصص"
تساءل كثيرون في العالم العربي ودول أوبك، عمّا إذا كانت الولايات المتّحدة ستقوم بخفض إنتاج نفطها، خاصّةً أن رئيسها دونالد ترمب، وأكثر من 13 عضو في مجلس الشيوخ، طالبوا السعودية وروسيا بتخفيض الإنتاج.
وعندما جرى الاتّفاق على تخفيض إنتاج دول أوبك + بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا، رحّب الرئيس ترمب بشدّة بهذا القرار. ومنذ ذلك الوقت والخبراء والمحلّلون يتساءلون عمّا إذا كانت الولايات المتّحدة ستقوم بتخفيض الإنتاج.
المشكلة أنه ليس لدى البيت الأبيض أو الكونغرس أيّ قوى قانونية تجبر منتجي النفط في الولايات المتّحدة على تخفيض الإنتاج، فالنفط في باطن الأرض يعدّ ملكية خاصّة، إلًا إذا كان في أراض أو مياه تابعة للحكومة الأميركية، كما أن السلطة لحكومات الولايات في هذه الأمور، وليس للحكومة الفدرالية. وبناءً على ذلك، قامت الهيئات المتخصّصة والمعنيّة بتطبيق القوانين المتعلّقة بصناعة النفط والغاز في كلّ من تكساس وأوكلاهوما وداكوتا الشمالية، بالنظر في موضوع إجبار المنتجين على تخفيض الإنتاج.
وقامت هيئة سكك حديد تكساس بعقد أوّل اجتماع حول الموضوع، تكلّم فيه أكثر من 60 خبيرًا وشاهدًا على مدى عشر ساعات، ومن المفروض أن يصوّت المسؤولون الثلاثة في الهيئة على القرار يوم الثلاثاء القادم، حيث يُتوقّع أن يصوّت اثنان ضدّ واحد لصالح عدم التخفيض، وترك السوق تأخذ مجراها. بينما ستجتمع الهيئة المتخصّصة بهذه المواضيع في ولاية أوكلاهوما يوم 11 مايو، وفي ولاية داكوتا الشمالية يوم 20 مايو.
ومن الواضح أن ما حدث في تكساس، وما يحدث في ولايتي أوكلاهوما وداكوتا الشمالية، يتمركز على نقطيتين: الأولى، تعريف "الهدر"، والثانية، التدخّل الحكومي والتخلّي عن مبادئ أساسية، مثل حريّة الأسواق. إلًا أن المشكلة الأساسية التي تعاني منها كلّ هذه الهيئات هي أنّه ليس لديها الإمكانات الماليّة والتقييمية والبشرية لإجبار المنتجين على التخفيض ومراقبة الإنتاج.
وبينما تدور أنباء عن مشاورات بين صنّاع القرار ومنتجي النفط الأميركيين، من أجل إيجاد حلول لإنقاذ صناعة النفط الأميركية من الآثار العنيفة لصدمتي جائحة "كوفيد-19" وانهيار الأسعار، فإن أكثر ما يشغل الرأي العامّ حاليًّا هو، هل سيقوم منتجو النفط بتطبيق أفكار الحصص في خفض الإنتاج؟ أم أن هناك أفكار أخرى تدور داخل دوائر الصناعة؟
- النفط بين المبادئ والسياسة في تكساس:
واين كريستيان -رئيس لجنة السكك الحديدية في تكساس، وهي إحدى أهمّ الروابط التي تتحكّم في الصناعة- أعلن عن رأيه صراحةً في مقال منشور، اليوم، بصحيفة "هيوستن كرونيكل" الأميركية. وتعرض "الطاقة" مقال كريستيان، من أجل إلقاء الضوء على الخطوة المقبلة.
"ربّما يحسد الأميركيون كافّةً ولاية تكساس تحديدًا، فبيئتها التنظيمية العادلة، وعدم وجود ضريبة دخل، وما تمتلكه من موارد طبيعية وفيرة، وملايين المواطنين الذين يعملون بجدّية بالغة، كلّها عوامل خلقت اقتصادًا قويًا مع نموّ قياسي في الوظائف... ولتقريب ذلك إلى الفهم العامّ، فإذا ما كانت تكساس دولة، فسيكون لديها عاشر أكبر اقتصاد في العالم، أي ما يعادل الاقتصاد الكندي.
لكن ذلك كان قبل جائحة "كوفيد-19"، والخلاف النفطي بين روسيا وأوبك الذي أشعل حرب حصص دفعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وفي الأسبوع الماضي، تراجعت عقود النفط الآجلة لشهر مايو / أيّار إلى أسعار سلبية لأوّل مرّة في التاريخ.
وبصفتي رئيسًا للوكالة المسؤولة عن إنتاج النفط في الولاية، وهي لجنة سكك حديد تكساس، فإنني آخذ هذا الوضع على محمل الجدّ. أنا قلق للغاية بشأن الآلاف من سكّان تكساس الذين فقدوا وظائفهم خلال هذا الانكماش، والآلاف الآخرين المعرّضين لخطر البطالة في الأسابيع المقبلة.
أحد الحلول المقترحة علينا، هو "تقسيم" أو تقييد إنتاج النفط الخام في تكساس، وسيُنظَر في هذا الاقتراح في اجتماع 5 مايو. وتبنّت اللجنة مبدأ "الحصص" في أواخر عشرينات القرن العشرين، لكنّها تخلّت عن هذه الممارسة بعد عام 1973.
ولضمان عدم إثارة أيّ صخب، قمت بسرعة بإعداد اجتماع مفتوح افتراضي لمناقشة مزايا وعيوب توزيع الحصص. وشاهد الاجتماع -الذي استمرّ لأكثر من 10 ساعات- ما يقرب من 30 ألف شخص في 86 دولة و49 ولاية أميركية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، فكّرت طويلًا بجدّية في تحديد ما إذا كان هذا هو الاتّجاه الذي ينبغي أن تسلكه تكساس. لقد تغيّر الكثير منذ آخر مرّة جرى فيها إنتاج النفط بنظام الحصص. ففي عام 1950 -على سبيل المثال- سيطرت ولاية تكساس على أكثر من 20 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، واليوم نحن نسيطر على ما يقرب من 5 في بالمئة. وبالنظر إلى ذلك، فإن التفويض الحكومي بخفض إنتاج النفط بنسبة عشرين بالمئة لن يكون له تأثير كبير على إمدادات النفط العالمية. علاوة على ذلك، تعمل الصناعة بالفعل على تقليل الإنتاج بشكل آليّ، ومن خلال السماح للسوق الحرّة بالعمل، يمكن للمنتجين أن يحدّدوا لأنفسهم مستوى الإنتاج المناسب اقتصاديًا.
لقد عارضت كلّ الاتّحادات التجارية الكبيرة تقريبًا هذه السياسة من جمعية تكساس للنفط والغاز الممثّلة للشركات الصغيرة والكبيرة التي تغطّي كلّ قطاع من الصناعة. وذكر تحالف تكساس لمنتجي الطاقة في شهادته ضدّ سياسة الحصص، أن الغالبية العظمى من أعضائه، البالغ عددهم 2600 عضوًا "يوظّفون 20 شخصًا أو أقلّ". بينما تعزو شركة "دايموند باك إنرجي" الفضل إلى السوق الحرّة التنافسية في السماح لها بالنموّ من 10 إلى 700 موظف، منذ عام 2007، وقالت، إنها ستوقف جميع عمليات الحفر في تكساس إذا نفّذت الولاية عملية الحصص.
في أوقات الطوارئ، غالبًا ما يكون هناك ضغط من أجل تنحية القواعد "مؤقّتًا" لحلّ مشكلة. وبينما يتصاعد هذا الضغط، تزداد صرخات "علينا القيام بشيء ما" بصوت أعلى وأعلى.. ولكن، ماذا لو كان هذا الحلّ من غير المحتمل أن يحلّ المشكلة على الإطلاق؟ هل يجب على ولاية محافظة -مثل تكساس- أن تدخل في معركة، يديرها التخطيط المركزي الحكومي؟
خلال الفترة الماضية، دعا بعض النقّاد، بمن فيهم أحد الديمقراطيين الذين يرشّحون لمنصب مفوّض السكك الحديدية، وكالتنا إلى اتّخاذ "قرارات جريئة" مثل الحصص في هذه الأوقات العصيبة... لكن القرار الجريء حقًا هو عدم الاستسلام للضغوط، وقول لا. إن تطبيق سياسة عتيقة لمجرّد أنها موجودة، ليس أمرًا جريئًا. أرفض أن أفعل شيئًا فقط لأقول إنّني اتّخذت إجراءً، لأن اتّخاذ إجراء خاطئ يمكن أن يزيد الأمور سوءًا.
بدلًا من مجرّد السير في طريق المزيد من التفويضات الحكومية، قمت بإنشاء فرقة عمل للانتعاش الاقتصادي النفطي، مع كلّ الاتّحادات التجارية الكبيرة، والآلاف من الشركات التي يمثّلونها. ستجمع فرقة العمل بين الحكومة والصناعة لتطوير الأفكار والاقتراحات وأفضل الممارسات لتقديم الإغاثة التنظيمية، وإبقاء الشركات واقفة على قدميها، وحفظ الوظائف. وبدلًا من استماع تكساس لحكومتهم، سيستمع مسؤولو الحكومة إلى تكساس نفسها - تكساس التي جعلت هيمنة الطاقة الأميركية حقيقة واقعة."