حتّى مع 10 دولارات للبرميل.. التجّار يعزفون عن شراء النفط النيجيري
أبوجا تخفض أسعار خاماتها لشهر مايو
- انهيار الطلب العالمي يجعل الخصومات الضخمة بلا معنى
- تراجع مساحات التخزين يجبر نيجيريا على بيع النفط بأقل من سعر التكلفة
- مبيعات النفط تمثل أكثر من 90 % من مصادرالبلاد من العملات الصعبة
في وقت متأخّر الإثنين، أعلنت نيجيريا أسعار معظم خامات النفط لشهر مايو / أيّار، وهي أسعار تعكس الحاجة الملحّة لتفريغ النفط في سوق تنافسية للغاية.
ومع ذلك، حذّر تجّار من أن الأسعار -10 دولارات للبرميل أو أقلّ- قد لا تجذب ما يكفي من المشترين، بسبب انهيار الطلب على النفط، جراء تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، الذي أصاب النشاط الاقتصادي في مختلف أرجاء العالم بالشلل.
حتّى في ظلّ هذه الخصومات الضخمة، يتشكّك التجّار في أن النفط النيجيري رخيص بما يكفي، لتحقيق رواج تجاري لإنقاذ أكبر اقتصاد في إفريقيا، الذي يعاني بشدّة جراء تراجع الطلب على النفط بسبب كورونا.
تبيع الدولة، التي لديها سعر التعادل (التكلفة والإيرادات متساوية) أعلى بكثير من 100 دولارًا للبرميل، في الغالب الخام الخفيف للغاية ومنخفض الكبريت، وهو نوع مماثل لذلك الذي تنتجه الولايات المتّحدة بكثرة هذه الأيّام.
والأسوأ من ذلك بالنسبة لنيجيريا، أنها تفتقر إلى مساحة لتخزين الإمدادات غير المرغوب فيها، في وقت ارتفعت فيه تكلفة استئجار السفن لنقل الإمدادات إلى المستوردين، بسبب استخدام العديد من الناقلات للتخزين العائم.
ورغم الاتّفاق التاريخي لأوبك+ على تخفيض إنتاج النفط، بنحو 9.7 مليون برميل يوميًا، إلّا أن تخمة المعروض ستقف عائقًا أمام تحرّك الأسعار في اتّجاه الصعود. وتشير بعض التقديرات إلى أن تراجع الطلب بلغ 35 مليون برميل يوميًا، أو ما يقرب من 35 ٪ من الاستهلاك العالمي.
برنت المؤرخ
مثل الكثير من الدول المنتجة للنفط، تبيع نيجيريا خاماتها بدرجات متفاوتة. بالنسبة للبلد الواقع في غرب إفريقيا، فإن خام برنت المؤرخ بيع، الإثنين، بنحو 13.62 دولارًا للبرميل، حسبما أفادت مؤسّسة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس.
وسيجري بيع اثنين من درجات اللافتات النيجيرية - Qua Iboe و Bonny Light -- بخصومات تبلغ 3.92 دولارًا و 3.95 دولارًا على التوالي، عن برنت المؤرخ في مايو / أيّار، وفقًا لقائمة أسعار، اطّلعت وكالة بلومبرغ على نسخة منها. وكلاهما منخفض بشكل أكبر عن أبريل / نيسان، عندما كانت الأسعار رخيصة بشكل مذهل، بالمعايير التاريخية. وسيجري بيع الغالبية العظمى من درجات البلاد مقابل 3 دولارات أقلّ للبرميل عن برنت المؤرخ الشهر المقبل.
قال متعاملان، إن الأسعار لن تكون رخيصة بما يكفي لنيجيريا، لبيع شحناتها الزائدة، وقال ثالث، إن الخصومات قد تكون جذّابة بما يكفي لرفع المبيعات.
تأخّر إعلان أسعار البيع الرسمية النيجيرية نحو أسبوع، كما تأخّرت البلاد عدّة أيّام في إعلان خطط تحميل الصادرات لشهر يونيو / حزيران.
انهيار أسواق النفط يعني أنه بالرغم من كون براميل النفط رخيصة للغاية – حيث كان من الممكن أن يكون سعر برميل النفط 50 دولارًا أو 60 دولارًا أميركيًا واقعيًا قبل بضعة أشهر فقط – فإن عملية البيع بطيئة جدًّا.
وتشير تقديرات التجّار إلى أنه حتّى أواخر الأسبوع الماضي، لم يجرِ بيع نحو 30 من إجمالي 65 شحنة نفط تحميل مايو / أيّار. وعادةً ما يكون عدد قليل فقط متاحًا أواخر الشهر.
ولفهم المعضلة، ولماذا تقبل نيجيريا بيع نفطها بأقلّ من سعر الكلفة الإنتاجية، ربّما يحتاج الأمر للنظر إلى القصّة بشكل أوسع قليلًا. فمع دخول المشترين الرئيسيّين للخام النيجيري -خاصّةً في أوروبّا- إلى مراحل متقدّمة من العزل، نتيجة تفشّي وباء كورونا، فإن الخام يشهد مزيدًا من الضغوط والهبوط الذي بدأ مع تراجع الطلب العالمي، خاصّةً أن بعد المسافة عن آسيا لا يجعله مفضّلًا في أسواق الأخيرة، نظرًا لكلفة الشحن العالية، إضافةً إلى استمرار عدم اليقين العالمي حول الطلب على المشتقّات لاحقًا، ما أدّى إلى تباطؤ عمل المصافي الآسيوية بوجه عامّ، انتظارًا لانقشاع الأزمة.
مساحات التخزين
ولدى نيجيريا -المنتج السابع من حيث الكمّية في أوبك، والثالث عشر عالميًا بأقلّ قليلًا من مليوني برميل يوميًا- مشكلة "جانبية" كبرى، إذ تفتقر لمساحات التخزين النفطية الكبيرة، ما يعني أنه لا مكان لأيّ إنتاج غير مرغوب به على الفور، ومن ثمّ، فإنها مجبرة إمّا على قبول البيع بأسعار زهيدة، أو البحث عن مخازن أخرى عالية الكلفة، على غرار المخازن العائمة، بانتظار تحسّن "غير مؤكّد" للأوضاع، وهو أمر "غير عملي"… أو وقف الإنتاج، وهو أمر لا يمكن تنفيذه في دولة تعتمد في نصف إيراداتها على مبيعات الخام، كما أنه يمثّل ما يصل إلى 90% من مصادر العملات الصعبة.
ووسط هذه المعضلة، فإن الحلّ الفنّي الوحيد المتاح ربّما يكون الشروع في تأسيس مخازن نفطية في أسرع وقت، بحسب ما يرى سبنسر ولش -مدير أسواق النفط في "أي إتش إس ماركيت"- لدى حديثه لـ"بلومبرغ" عن الأزمة.
وفي تقرير لوكالة موديز مطلع الشهر الجاري، فإن الدول الأكثر عرضة للخطر جراء الأزمة المزدوجة لكورونا، وتراجع أسعار النفط، بينها أنغولا ونيجيريا، بسبب قدرتها المحدودة على التكيّف مع الصدمات الخارجية. ويمكن أن تشهد هذه الدول انخفاضًا في الإيرادات المالية يتراوح بين 4 و 8 % من الناتج المحلّي الإجمالي، إذا استمرّ تراجع أسعار النفط.
فيما أظهرت دراسة للاتّحاد الأفريقي أن الاقتصادات المنتجة للنفط في القارّة ستنكمش 3% في المتوسّط، وأن ما يصل إلى 15% من الاستثمار الأجنبي المباشر قد يختفي. وسيكون منتجو النفط في القارّة الذين شهدوا تراجع قيمة صادراتهم من الخام خلال الأسابيع الماضية، من بين الأكثر تضرّرًا. وقد تخسر نيجيريا وأنغولا -وهما أكبر بلدين منتجين للنفط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى- 65 مليار دولار من الإيرادات وحدهما.